فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والمرتبة الرابعة: أن تكون تلك المعارف القدسية والجلايا الروحانية حاضرة بالفعل، ويكون جوهر ذلك الروح مشرقًا بتلك المعارف مستضيئًا بها مستكملًا بظهورها فيه.
إذا عرفت هذا فنقول:
المرتبة الأولى: وهي حصول الاستعداد فقط، هي المسماة بالموت.
والمرتبة الثانية: وهي أن تحصل العلوم البديهية الكلية فيه فهي المشار إليها بقوله: {فأحييناه}.
والمرتبة الثالثة: وهي تركيب البديهيات حتى يتوصل بتركيباتها إلى تعرف المجهولات النظرية، فهي المراد من قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا}.
والمرتبة الرابعة: وهي قوله: {يَمْشِي بِهِ في الناس} إشارة إلى كونه مستحضرًا لتلك الجلايا القدسية ناظرًا إليها، وعند هذا تتم درجات سعادات النفس الإنسانية، ويمكن أن يقال أيضًا الحياة عبارة عن الاستعداد القائم بجوهر الروح، والنور عبارة عن إيصال نور الوحي والتنزيل به.
فإنه لابد في الإبصار من أمرين: من سلامة الحاسة، ومن طلوع الشمس، فكذلك البصيرة لابد فيها من أمرين: من سلامة حاسة العقل، ومن طلوع نور الوحي والتنزيل، فلهذا السبب قال المفسرون: المراد بهذا النور، القرآن.
ومنهم من قال: هو نور الدين، ومنهم من قال: هو نور الحكمة، والأقوال بأسرها متقاربة، والتحقيق ما ذكرناه.
وأما مثل الكافر {فَهُوَ كَمَنْ فِي الظلمات لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا} وفي قوله: {لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا} دقيقة عقلية، وهي أن الشيء إذا دام حصوله مع الشيء صار كالأمر الذاتي والصفة اللازمة له.
فإذا دام كون الكافر في ظلمات الجهل والأخلاق الذميمة صارت تلك الظلمات كالصفة الذاتية اللازمة له يعسر إزالتها عنه، نعوذ بالله من هذه الحالة.
وأيضًا الواقف في الظلمات يبقى متحيرًا لا يهتدي إلى وجه صلاحه فيستولي عليه الخوف والفزع، والعجز والوقوف. اهـ.
قال الفخر:
اختلفوا في أن هذين المثلين المذكورين هل هما مخصوصان بإنسانين معينين أو عامان في كل مؤمن وكافر.
فيه قولان: الأول: أنه خاص بإنسانين على التعيين، ثم فيه وجوه: الأول: قال ابن عباس: إن أبا جهل رمى النبي صلى الله عليه وسلم بفرث وحمزة يومئذ لم يؤمن، فأخبر حمزة بذلك عند قدومه من صيد له والقوس بيده، فعمد إلى أبي جهل وتوخاه بالقوس، وجعل يضرب رأسه، فقال له أبو جهل: أما ترى ما جاء به؟ سفه عقولنا، وسب آلهتنا، فقال حمزة: أنتم أسفه الناس، تعبدون الحجارة من دون الله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، فنزلت هذه الآية.
والرواية الثانية: قال مقاتل: نزلت هذه الآية في النبي صلى الله عليه وسلم وأبي جهل وذلك أنه قال: زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف، حتى إذا صرنا كفرسى رهان، قالوا منا نبي يوحى إليه.
والله لا نؤمن به، إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه فنزلت هذه الآية.
والرواية الثالثة: قال عكرمة والكلبي: نزلت في عمار بن ياسر وأبي جهل.
والرواية الرابعة: قال الضحاك: نزلت في عمر بن الخطاب وأبي جهل.
والقول الثاني: إن هذه الآية عامة في حق جميع المؤمنين والكافرين، وهذا هو الحق، لأن المعنى إذا كان حاصلًا في الكل، كان التخصيص محض التحكم، وأيضًا قد ذكرنا أن هذه السورة نزلت دفعة واحدة، فالقول بأن سبب نزول هذه الآية المعينة، كذا وكذا مشكل، إلا إذا قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن مراد الله تعالى من هذه الآية العامة، فلان بعينه. اهـ.

.قال السمرقندي:

{أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فأحييناه} يعني من كان ضالًا كافرًا فهديناه إلى الإسلام والتوحيد {وجعلنا له نورًا يمشي في الناس} يعني: أكرمناه بالمعرفة.
ويقال: جعلنا له إيمانًا يهتدي به سبيل الخيرات، والنجاة يمشي به في الناس يعني: مع المؤمنين.
ويقال: أعطيناه نورًا يوم القيامة يمشي به على الصراط مع المؤمنين.
لا يكن حاله {كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظلمات} يعني: كمن قدر عليه الكفر ونزل في الكفر مخذولًا {لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَا} يعني: ليس براجع منها.
يعني: ليسا بسواء.
قال الكلبي: نزلت في عمار بن ياسر يعني ليس حاله بحال الكفار.
وقال مقاتل: يعني به النبي صلى الله عليه وسلم ليس مثل أبي جهل بن هشام الذي بقي في الكفر.
ويقال: يعني جميع المؤمنين ليس حالهم كحال الكفار.
قرأ نافع {أَوَمَن كَانَ مَيْتًا} بالتشديد، وقرأ الباقون بالتخفيف، ومعناهما واحد.
ثم قال: {كَذَلِكَ زُيّنَ للكافرين مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} يعني: هكذا نعاقب من اختار الكفر على الإيمان فنختم على قلبه مجازاة لكفره. اهـ.

.قال الثعلبي:

قوله تعالى: {أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ}
هو ألف الاستفهام والتقدير دخلت على واو النسق فبقيت على فتحها يعني أومن كان كافرًا ميتًا بالضلالة فهديناه واجتبيناه بالإيمان {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا} يستضيء به و{يَمْشِي بِهِ فِي الناس} على قصد السبيل ومنهج الطريق.
قال ابن زيد: يعني بهذا النور الإسلام نيابة قوله: {يُخْرِجُهُمْ مِّنَ الظلمات إِلَى النور} [البقرة: 257].
وقال قتادة: هذا المؤمن معه من الله نورًا وبينة يعمل بها ويأخذ وإليها ينتهي كتاب الله: {كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظلمات}.
قال بعضهم: المثل زائد تقديره كمن في الظلمات.
وقال بعضهم: معناه كن أو شبه بشيء كان يشبهه من في الظلمات من ظلمة الكفر والجهل والضلالة والمسير.
{لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا} لا يبصر شيئًا ولا يعرف طريقًا كالذي ضل طريقه في ظلمة الليل فهو لا يجد مخرجًا ولا يهتدي طريقًا.
وقيل: إن هذه الآية نزلت في رجلين بأعيانهما، ثم اختلفوا فيهما.
فقال ابن عباس: أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس. يريد حمزة بن عبد المطلب كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها. أبو جهل، وذلك إن أبا جهل رمى النبي صلى الله عليه وسلم بالحجارة وحمزة لم يؤمن بعد فأخبر حمزة بما فعل أبو جهل وهو راجع من قنصه وبيده قوس، فأقبل غضبان حتى علا أبا جهل بالقوس وهو يتضرع كعبد مسكين يقول: يا أبا يعلى أما ترى ما جاء به سفّه عقولنا وسبّ آلهتنا وخالف أبانا.
فقال حمزة: ومن أسفه منكم تعبدون الحجارة من دون اللّه، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.
وقال الضحاك ويمان: نزلت في عمر بن الخطاب وأبي جهل.
قال عكرمة والكلبي: نزلت في عمار بن ياسر وأبي جهل.
{كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} من الكفر والمعصية. اهـ.

.قال البغوي:

قوله عز وجل: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ}
قرأ نافع {ميِّتا} و{لحم أخيه ميِّتا} [الحجرات، 12] و{الأرض الميتة أحييناها} [سورة يس، 33] بالتشديد فيهن، والآخرون بالتخفيف {فَأَحْيَيْنَاهُ} أي: كان ضالا فهديناه، كان ميتا بالكفر فأحييناه بالإيمان، {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا} يستضيء به، {يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} على قصد السبيل، قيل: النور هو الإسلام، لقوله تعالى: {يخرجهم من الظلمات إلى النور} [البقرة، 257]، وقال قتادة: هو كتاب الله بينة من الله مع المؤمن، بها يعمل وبها يأخذ وإليها ينتهي، {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ} المثل صلة، أي: كمن هو في الظلمات، {لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} يعني: من ظلمة الكفر.
قيل: نزلت هذه الآية في رجلين بأعيانهما، ثم اختلفوا فيهما، قال ابن عباس: جعلنا له نورا، يريد حمزة بن عبد المطلب، كمن مثله في الظلمات يريد أبا جهل بن هشام، وذلك أن أبا جهل رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بفرث، فأخبر حمزة بما فعل أبو جهل وهو راجع من قنصه وبيده قوس، وحمزة لم يؤمن بعد، فأقبل غضبان حتى علا أبا جهل بالقوس وهو يتضرع إليه، ويقول: يا أبا يعلى أما ترى ما جاء به؟ سفّه عقولنا وسبّ آلهتنا وخالف آباءنا، فقال حمزة: ومن أسفه منكم؟ تعبدون الحجارة من دون الله، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فأنزل الله هذه الآية.
وقال الضحاك: نزلت في عمر بن الخطاب وأبي جهل وقال عكرمة والكلبي: نزلت في عمار بن ياسر وأبي جهل.
{كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} من الكفر والمعصية، قال ابن عباس: يريد زين لهم الشيطان عبادة الأصنام. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله عز وجل: {أو من كان ميتًا فأحييناه}
تقدم في هذه الآية السالفة ذكر قوم مؤمنين أمروا بترك الإثم وباطنه وغير ذلك، وذكر قوم كافرين يضلون بأهوائهم وغير ذلك، فمثل الله عز وجل في الطائفتين بأن شبه الذين آمنوا بعد كفرهم بأموات أحيوا، هذا معنى قول ابن عباس ومجاهد وغيرهما، وشبه الكافرين وحيرة جهلهم بقوم في ظلمات يترددون فيها ولا يمكنهم الخروج منها ليبين عز وجل الفرق بين الطائفتين والبون بين المنزلتين.
وقرأ جمهور الناس {أوَ من} بفتح الواو فهي ألف استفهام دخلت على واو عطف جملة على جملة، و{من} بمعنى الذي، وقرأ طلحة بن مصرف: {أفمن} بالفاء، والمعنى قريب من معنى الواو، والفاء في قوله: {فأحييناه} عاطفة، و{نورًا} أمكن ما يعنى به الإيمان و{يمشي به} يراد به جميع التصرف في الأفعال والأقوال، قال أبو علي: ويحتمل أن يراد النور الذي يؤتاه المؤمنون يوم القيامة، و{في الناس} متعلق ب {يمشي}، ويصح أن يتعلق ب {كان ميتًا} وقوله تعالى: {كمن مثله} بمنزلة كمن هو، والكاف في قوله: {كذلك زين} متعلقة بمحذوف يدل ظاهر الكلام عليه، تقديره وكما أحيينا المؤمنين وجعلنا لهم نورًا كذلك زين للكافرين، ويحتمل أن يتعلق بقوله: {كمن مثله} أي كهذه الحال هو التزيين، وقرأ نافع وحده {ميِّتًا} بكسر الياء وشدها، وقرأ الباقون {ميْتًا} بسكون الياء، قال أبو علي: التخفيف كالتشديد، والياء المحذوفة هي الثانية المنقلبة عن واو أعلت بالحذف كما أعلت بالقلب، وقالت طائفة إن هذه الألفاظ التي مثل بها وإن كانت تعم كل مؤمن وكل كافر فإنما نزلت في مخصوصين، فقال الضحاك: المؤمن الذي كان ميتًا فأحيي عمر بن الخطاب، وحكى المهدوي عن بعضهم أنه حمزة بن عبد المطلب، وقال عكرمة: عمار بن ياسر، وقال الزجاج: جاء في التفسير أنه يعني به النبي عليه السلام.
قال القاضي أبو محمد: واتفقوا على أن الذي في الظلمات أبو جهل بن هشام، إلى حاله وحال أمثاله هي الإشارة والتشبيه بقوله: {وكذلك جعلنا في كل قرية}. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

وفي قوله: {كان ميتًا فأحييناه} قولان:
أحدهما: كان ضالًا فهديناه، قاله مجاهد.
والثاني: كان جاهلًا، فعلَّمناه، قاله الماوردي.
وقرأ نافع: {ميّتًا} بالتشديد.
قال أبو عبيدة: الميتة، مخففة: من ميّتة، والمعنى واحد.
وفي النور ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه الهدى، قاله ابن عباس.
والثاني: القرآن، قاله الحسن.
والثالث: العلم.
وفي قوله: {يمشي به في الناس} ثلاثة أقوال:
أحدها: يهتدي به في الناس، قاله مقاتل.
والثاني: يمشي به بين الناس إلى الجنة.
والثالث: ينشر به دينه في الناس، فيصير كالماشي، ذكرهما الماوردي.
قوله تعالى: {كمن مثله} المثل: صلة؛ والمعنى: كمن هو في الظلمات.
وقيل: المعنى: كمن لو شُبّه بشيء، كان شبيهُه مَنْ في الظلمات.
وقيل: المراد بالظلمات هاهنا: الكفر.
قوله تعالى: {وكذلك زين} أي: كما بقي هذا في ظلماته لا يتخلص منها، كذلك زين {للكافرين ما كانوا يعملون} من الشرك والمعاصي. اهـ.

.قال أبو حيان:

{أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها}
قال ابن عباس: نزلت في حمزة وأبي جهل رمي الرسول بفرث فأخبر بذلك حمزة حين رجع من قنصه وبيده قوس، وكان لم يسلم فغضب فعلًا بها أبا جهل وهو يتضرع إليه ويقول: سفه عقولنا وسب آلهتنا وخالف آباءنا، فقال حمزة: ومن أسفه منكم تعبدون الحجارة من دون الله وأسلم.
وعن ابن عباس أيضًا أنها نزلت في عمار وأبي جهل.
وقال زيد بن أسلم: في عمر وأبي جهل لما تقدم ذكر المؤمنين والكافرين مثل تعالى بأن شبه المؤمن بعد أن كان كافرًا بالحي المجعول له نور يتصرف به كيف سلك، والكافر بالمختلط في الظلمات المستقر فيها دائمًا ليظهر الفرق بين الفريقين والموت والحياة والنور والظلمة مجاز فالظلمة مجاز عن الكفر والنور مجاز عن الإيمان والموت مجاز عن الكفر.
وقال الماتريدي: الموت مجاز عن كونه في ظلمة البطن لا يبصر ولا يعقل شيئًا ثم أخرج فأبصر وعقل، نقول: لا يستوي من أخرج من الظلمات ومن ترك فيها فكذلك لا يستوي المؤمن الذي يبصر الحق ويعمل به، والكافر الذي لا يبصر ونحو منه قول ابن بحر قال: أو من كان نطفة أو علقة أو مضغة فصورناه ونفخنا فيه الروح، انتهى؛ وأما النور فهو نور الحكمة أو نور الدين أو القرآن أقوال.