فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فقيل: حركة بناء.
وقيل: حركة إعراب ويكون ذلك على لغة بني فقعس فإنهم يعربون {حيث} حكاها الكسائي.
وقرأ ابن كثير وحفص رسالته بالتوحيد وباقي السبعة على الجمع.
{سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون}
هذا وعيد شديد وعلق الإصابة بمن أجرم ليعم الأكابر وغيرهم، والصغار الذل والهوان يقال: منه صغر يصغر وصغر يصغر صغرًا وصغارًا واسم الفاعل صاغر وصغير وأرض مصغر لم يطل نبتها، عن ابن السكيت وقابل الأكبرية بالصغار والعذاب الشديد من الأسر والقتل في الدنيا والنار في الآخرة وإصابة ذلك لهم بسبب مكرهم في قوله: {ليمكروا فيها} وقوله: {وما يمكرون إلا أنفسهم} وقدّم الصغار على العذاب لأنهم تمرّدوا عن اتباع الرسول وتكبروا طلبًا للعز والكرامة فقوبلوا أوّلًا بالهوان والذل، ولما كانت الطاعة ينشأ عنها التعظيم ثم الثواب عليها نشأ عن المعصية الإهانة ثم العقاب عليها ومعنى {عند الله} قال الزجاج: في عرصة قضاء الآخرة.
وقال الفراء: في حكم الله كما يقول عند الشافعي أي في حكمه.
وقيل: في سابق علمه.
وقيل: إن الجزية توضع عليهم لا محالة وأن حكم الله بذلك مثبت عنده بأنه سيكون ذلك فيهم.
وقال إسماعيل الضرير: في الكلام تقديم وتأخير أي صغار {وعذاب شديد} عند الله في الآخرة، وانتصب عند {سيصيب} أو بلفظ {صغار} لأنه مصدر فيعمل أو على أنه صفة لصغار فيتعلق بمحذوف، وقدّره الزجاج ثابت عند الله و{ما} الظاهر أنها مصدرية أي بكونهم {يمكرون}.
وقيل: موصولة بمعنى الذي. اهـ.

.قال الألوسي:

وجملة {الله أَعْلَمُ} إلخ استئناف بياني، والمعنى أن منصب الرسالة ليس مما ينال بما يزعمونه من كثرة المال والولد وتعاضد الأسباب والعدد وإنما ينال بفضائل نفسانية ونفس قدسية أفاضها الله تعالى بمحض الكرم والجود على من كمل استعداده، ونص بعضهم على أنه تابع للاستعداد الذاتي وهو لا يستلزم الايجاب الذي يقوله الفلاسفة لأنه سبحانه إن شاء أعطى ذلك وإن شاء أمسك وإن استعد المحل، وما في المواقف من أنه لا يشترط في الإرسال الاستعداد الذاتي بل الله تعالى يختص برحمته من يشاء محمول على الاستعداد الذاتي الموجب، فقد جرت عادة الله تعالى أن يبعث من كل قوم أشرفهم وأطهرهم جبلة، وتمام البحث في موضعه.
وقرأ أكثر السبعة {رسالاته} بالجمع، وعن بعضهم أنه يسن الوقف على {أُوتِىَ رُسُلُ الله} وأنه يستجاب الدعاء بين الآيتين ولم أر في ذلك ما يعول عليه.
{سَيُصِيبُ الذين أَجْرَمُواْ} استئناف آخر ناع عليهم ما سيلقونه من فنون الشر بعدما نعى عليهم حرمانهم مما أملوه، والسين للتأكيد، ووضع الموصول موضع الضمير لمزيد التشنيع، وقيل: إشعارًا بعلية مضمون الصلة أي يصيبهم ألبتة مكان ما تمنوه وعلقوا به أطماعهم الفارغة من عز النبوة وشرف الرسالة {صَغَارٌ} أي ذل عظيم هوان بعد كبرهم {عَندَ الله} يوم القيامة.
وقيل: من عند الله وعليه أكثر المفسرين كما قال الفراء، واعترضه بأنه لا يجوز في العربية أن تقول جئت عند زيد وأنت تريد من عند زيد، وقيل: المراد أن ذلك في ضمانه سبحانه أو ذخيرة لهم عنده وهو جار مجرى التهكم كما لا يخفى {وَعَذَابٌ شَدِيدٌ} في الآخرة أو في الدنيا {بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ} أي بسبب مكرهم المستمر أو بمقابلته، وحيث كان هذا من أعظم مواد إجرامهم صرح بسببه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} اعتراض للردّ على قولهم: {حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل الله} على كلا الاحتمالين في تفسير قولهم ذلك.
فعلى الوَجه الأوّل: في معنى قولهم: {حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل الله} يكون قوله: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} ردًّا بأنّ الله أعلم بالمعجزات اللائقة بالقوم المرسَل إليهم؛ فتكون {حيث} مجازًا في المكان الاعتباري للمعجزة، وهم القوم الذين يُظهرها أحد منهم، جُعلوا كأنَّهم مكان لظهور المعجزة.
والرّسالات مطلقة على المعجزات لأنَّها شبيهة برسالة يرسلها الله إلى النّاس، وقريب من هذا قول علماء الكلام: وجهُ دلالة المعجزة على صدق الرّسول صلى الله عليه وسلم أنّ المعجزة قائمة مقام قول الله: صدق هذا الرسولُ فيما أخبر به عني بأمارةِ أنِّي أخرق العادة دليلًا على تصديقه.
وعلى الوجه الثّاني: في معنى قولهم: {حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل الله}، يكون قوله: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} ردًّا عليهم بأنّ الرّسالة لا تُعطى بسؤال سائِلها، مع التّعريض بأنّ أمثالهم ليسوا بأهل لها، فما صْدَقُ {حيث} الشّخصُ الّذي اصطفاه الله لرسالته.
و{حيث} هنا اسم دالّ على المكان مستعارة للمبعوث بالرّسالة، بناء على تشبيه الرّسالة بالوديعة الموضوعة بمكان أمانة، على طريقة الاستعارة المكنيّة.
وإثباتُ المكان تخييل، وهو استعارة أخرى مصرّحة بتشبيه الرّسل بمكان إقامة الرّسالة.
وليست {حيث} هنا ظرفًا بل هي اسم للمكان مجرّد عن الظرفية، لأنّ {حيث} ظرف متصرّف، على رأي المحقّقين من النّحاة، فهي هنا في محلّ نصب بنزع الخافض وهو الباء، لأن {أعلم} اسم تفضيل لا ينصب المفعول، وذلك كقوله تعالى: {إنّ ربّك هو أعلم من يضلّ عن سبيله} [الأنعام: 117] كما تقدّم آنفًا.
وجملة {يجعل رسالته} صفة ل {حيث} إذا كانت {حيث} مجرّدة عن الظرفية.
ويتعيّن أن يكون رابط جملة الصّفة بالموصوف محذوفًا، والتّقدير: حيث يجعل فيه رسالاته.
وقد أفادت الآية: أنّ الرّسالة ليست ممّا يُنال بالأماني ولا بالتشهّي، ولكن الله يعلم مَن يصلح لها ومن لا يصلح، ولو علم من يصلح لها وأراد إرساله لأرسله، فإنّ النّفوس متفاوتة في قبول الفيض الإلهي والاستعداد له والطّاقة على الاضطلاع بحمله، فلا تصلح للرّسالة إلاّ نفس خُلقت قريبة من النّفوس الملكيّة، بعيدة عن رذائل الحيوانية، سليمة من الأدواء القلبية.
فالآية دالّة على أنّ الرّسول يُخلق خِلقة مناسبة لمراد الله من إرساله، والله حين خلقه عالم بأنّه سَيرسله، وقد يخلق الله نفوسًا صالحة للرّسالة ولا تكون حكمةٌ في إرسال أربابها، فالاستعداد مهيِّيء لاصطفاء الله تعالى، وليس موجِبا له، وذلك معنى قول بعض المتكلّمين: إنّ الاستعداد الذّاتي ليس بموجب للرّسالة خلافًا للفلاسفة، ولعلّ مراد الفلاسفة لا يبعد عن مراد المتكلّمين.
وقد أشار ابنُ سينا في الإشارات إلى شيء من هذا في النّمط التّاسع.
وفي قوله: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} بيان لعظيم مقدار النبي صلى الله عليه وسلم وتنبيه لانحطاط نفوس سادة المشركين عن نوال مرتبة النّبوءة وانعدام استعدادهم، كما قيل في المثل ليس بعُشِّككِ فادْرُجي.
وقرأ الجمهور: {رسالاته} بالجمع وقرأ ابن كثير، وحفص عن عاصم بالإفراد ولمّا كان المراد الجنس استوى الجمع والمفرد.
{سَيُصِيبُ الذين أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ الله وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ} استئناف ناشيء عن قوله: {ليمكروا فيها} [الأنعام: 123] وهو وعيد لهم على مكرهم وقولهم: {لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل الله}.
فالمراد بالّذين أجرموا أكابر المجرمين من المشركين بمكّة بقرينة قوله: {بما كانوا يمكرون} فإنّ صفة المكر أثبتت لأكابر المجرمين في الآية السّابقة، وذكرهم بـ {الّذين أجرموا} إظهار في مقام الإضمار لأنّ مقتضى الظاهر أنّ يقال: سيصيبهم صغار، وإنَّما خولف مقتضى الظاهر للإتيان بالموصول حتّى يوميء إلى علّة بناء الخبر على الصّلة، أي إنَّما أصابهم صغار وعذاب لإجرامهم.
والصّغَار بفتح الصّاد الذلّ، وهو مشتقّ من الصِّغَر، وهو القماءة ونقصان الشيء عن مقدار أمثاله.
وقد جعل الله عقابهم ذلاّ وعذابًا: ليناسب كِبْرهم وعُتُوّهم وعصيانهم الله تعالى.
والصّغار والعذاب يحصلان لهم في الدّنيا بالهزيمة وزوال السّيادة وعذاب القتل والأسر والخوف، قال تعالى: {قُل هل تربصون بنا إلاّ إحدى الحسنيين ونحن نتربّص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا} [التوبة: 52] وقد حصل الأمران يوم بدر ويوم أحُد، فهلكت سادة المشركين، وفي الآخرة بإهانتهم بين أهل المحشر، وعذابهم في جهنم.
ومعنى {عند الله} أنَّه صغار مقدّر عند الله، فهو صغار ثابت محقّق، لأنّ الشّيء الّذي يجعله الله تعالى يحصل أثره عند النّاس كلّهم، لأنَّه تكوين لا يفارق صاحبه، كما ورد في الحديث: «إنّ الله إذا أحبّ عبدًا أمر جبريل فأحبّه ثمّ أمر الملائكة فأحبّوه ثمّ يوضع له القبول عند أهل الأرض» فلا حاجة إلى تقدير (مِنْ) في قوله: {عند الله}، ولا إلى جعل العندية بمعنى الحصول في الآخرة كما درج عليه كثير من المفسّرين.
والباء في: {بما كانوا يمكرون} سببيّة.
و(ما) مصدريّة: أي بسبب مكرهم، أي فعلهم المكر، أو موصولة: أي بسبب الّذي كانوا يمكرونه، على أنّ المراد بالمكر الاسم، فيقدر عائدٌ منصوبٌ هو مفعول به محذوف. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)}
بعد إزاحة العلة، وبيان الحجة، وزوال الشبهة (فالتعلُّل) باستزادة البصيرة إعلام عن سوء الأدب، وذلك منهم من التعدي؛ لمساواة مَنْ جاء بالاستحقاق بمَنْ جاء بنوع من تسويلات النَّفْس يوجب مقاساة الهوان. وملازمةُ الحدود. وتركُ التعدي على الحقِّ قضيةُ التوفيق. اهـ.

.من فوائد ابن كثير في الآية:

قال رحمه الله:
قوله: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ} أي: إذا جاءتهم آية وبرهان وحجة قاطعة، قالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ} أي: حتى تأتينا الملائكة من الله بالرسالة، كما تأتي إلى الرسل، كقوله جل وعلا: {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} [الفرقان: 21].
وقوله: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} أي: هو أعلم حيث يضع رسالته ومن يصلح لها من خلقه، كما قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا نزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّك} الآية [الزخرف: 31، 32] يعنون: لولا نزل هذا القرآن على رجل عظيم كبير مبجل في أعينهم {مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ} أي: مكة والطائف. وذلك لأنهم- قبحهم الله- كانوا يزدرون بالرسول، صلوات الله وسلامه عليه، بغيًا وحسدًا، وعنادًا واستكبارًا، كما قال تعالى مخبرًا عنهم: {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ} [الأنبياء: 36]، وقال تعالى: {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا} [الفرقان: 41]، وقال تعالى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأنعام: 10]. هذا وهم يعترفون بفضله وشرفه ونسبه. وطهارة بيته ومرباه ومنشئه، حتى أنهم كانوا يسمونه بينهم قبل أن يوحى إليه: الأمين، وقد اعترف بذلك رئيس الكفار أبو سفيان حين سأله هرقل ملك الروم: كيف نسبه فيكم؟ قال: هو فينا ذو نسب. قال: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال: لا الحديث بطوله الذي استدل به ملك الروم بطهارة صفاته، عليه السلام، على صدقه ونبوته وصحة ما جاء به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن مُصعب، حدثنا الأوزاعي، عن شَدَّاد أبي عمار، عن واثلة بن الأسقع، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم.
انفرد بإخراجه مسلم من حديث الأوزاعي- وهو عبد الرحمن بن عمرو إمام أهل الشام، به نحوه.
وفي صحيح البخاري، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بُعِثت من خير قُرون بني آدم قَرْنًا فقرنًا، حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه».
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو نُعَيم، عن سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث ابن نوفل، عن المطلب بن أبي وداعة قال: قال العباس: بلغه صلى الله عليه وسلم بعضُ ما يقول الناس، فصعد المنبر فقال: «من أنا؟». قالوا: أنت رسول الله. قال: «أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، إن الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه، وجعلهم فرقتين فجعلني في خير فرقة، وخلق القبائل فجعلني في خير قبيلة. وجعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتًا، فأنا خيركم بيتًا وخيركم نفسا». صدق صلوات الله وسلامه عليه.
وفي الحديث أيضا المروي عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال لي جبريل: قلبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد رجلا أفضل من محمد، وقلبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد بني أب أفضل من بني هاشم». رواه الحاكم والبيهقي.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو بكر، حدثنا عاصم، عن زِرِّ بن حُبَيْش، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته. ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رآى المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئًا فهو عند الله سيئ.
وقال أحمد: حدثنا شُجاع بن الوليد قال: ذكر قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن سلمان قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا سلمان، لا تبغضني فتفارق دينك». قلت: يا رسول الله، كيف أبْغِضُك وبك هدانا الله؟ قال: «تبغض العرب فتبغضني».
وذكر ابن أبي حاتم في تفسير هذه الآية: ذُكِرَ عن محمد بن منصور الجواز، حدثنا سفيان، عن ابن أبي حسين قال: أبصر رجل ابن عباس وهو يدخل من باب المسجد فلما نظر إليه راعه، فقال: من هذا؟ قالوا: ابن عباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}
وقوله تعالى: {سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ} هذا وعيد شديد من الله وتهديد أكيد، لمن تكبر عن اتباع رسله والانقياد لهم فيما جاؤوا به، فإنه سيصيبه يوم القيامة بين يدي الله: {صَغَارٌ} وهو الذلة الدائمة، لما أنهم استكبروا أعقبهم ذلك ذُلا كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60] أي: صاغرين ذليلين حقيرين.
وقوله: {وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ} لما كان المكر غالبا إنما يكون خفيا، وهو التلطف في التحيل والخديعة، قوبلوا بالعذاب الشديد جزاء وفاقا، {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49]، كما قال تعالى: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق: 9] أي: تظهر المستترات والمكنونات والضمائر. وجاء في الصحيحين، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يُنْصَب لكل غادر لواء عند اسُتِه يوم القيامة، فيقال: هذه غَدْرة فلان ابن فلان».
والحكمة في هذا أنه لما كان الغدر خَفِيَّا لا يطلع عليه الناس، فيوم القيامة يصير عَلَمًا منشورًا على صاحبه بما فعل.