فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{ومَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} والحرج معناه الحجز عن الفعل، كأن نقول حرّجت على فلان أن يفعل كذا، أي ضيقت عليه ومنعته من أن يؤدي هذا العمل. {كأنما يصعّد في السماء}.
وعلمنا أن الصعود لأعلى هو امتداد لفعل الجسم إلى جهة من جهاته. فالجهات التي تحيط بأي شيء ست: هي فوق وتحت، ويمين، شمال، وأمام، وخلف، وعرفنا أن الهبوط سهل؛ لأن الجاذبية تساعد عليه، والمشي ماذا يعني؟ المشي إلى يمين أو إلى شمال أو إلى أمام أو إلى خلف، فهو فعل في الاستواء العادي الظاهر، والذي يتعب هو أن يصعد الإنسان، لأنه سيعاند الجاذبية، وهو بذلك يحتاج إلى قوتين: قوة للفعل في ذاته، والقوة الثانية لمعاندة الجاذبية.
{وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السماء} وذلك بسبب مشقات التكليف؛ لأنه لم يدخلها بعشق، فلا يدخل إلى مشقات التكليف بعشق إلا المؤمن فهو الذي يستقبل هذه التكاليف بشرح صدر وانبساط نفس وتذكر بما يكون له من الجزاء على هذا العمل، والذي يسهل مشقة الأعمال حلاوة تصور الجزاء عليها؛ فالذي يجتهد في دروسه إنما يستحضر في ذهنه لذة النجاح وآثار هذا النجاح في نفسه مستقبلًا وفي أهله. أما الذي لا يستحضر نتائج ما يفعل فيكون العمل شاقًا عليه. {ومَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السماء...} [الأنعام: 125]
والسماء هي كل ما علاك فأظلك، فالجو الذي يعلوك هو سماء، وكذلك السحابة، وأوضح لنا ربنا أنه أقام السموات السبع، وهنا أراد بعض العلماء الذين يحبون أن يظهروا آيات القرآن كمعجزات كونية إلى أن تقوم الساعة، أرادوا أن يأخذوا من هذا القول دليلًا جديدًا على صدق القرآن، وتساءلوا: من الذي كان يدرك أن الذي يصعد في الجو يتعب ويحتاج إلى مجهودين: الأول للعمل والثاني لمناهضة الجاذبية ولذلك يضيق صدره لأنه لا يجد الهواء الكافي لإمداده بطاقة تولد وقودًا.
ونقول لهؤلاء العلماء: لا يوجد ما يمنع استنباط ما يتفق في القضية الكونية مع القضية القرآنية بصدق، ولكن لنحبس شهوتنا في أن نربط القرآن بكل أحداث الكون حتى لا نتهافت فنجعل من تفسيرنا لآية من آيات القرآن دليلًا على تصديق نظرية قائمة، وقد نجد من بعد ذلك من يثبت خطأ النظرية.
إنه يجب على المخلصين الذي يريدون أن يربطوا بين القرآن لما فيه من معجزات قرأنية مع معجزات الكون أن يمتلكوا اليقظة فلا يربطوا آيات القرآن إلا بالحقائق العلمية، وهناك فرق بين النظرية وبين الحقيقة؛ فالنظرية افتراضية وقد تخيب.
لذلك نقول: أنبعد القرآن عن هذه حتى لا تعرضه للذبذبة. ولا تربطوا القرآن إلا بالحقائق العلمية التي أثبتت التجارب صدقها.
وقائل القرآن هو خالق الكون، لذلك لا تتناقض الحقيقة القرآنية مع الحقيقة الكونية؛ لذلك لا تحدد أنت الحقيقة القرآنية وتحصرها في شيء وهي غير محصورة فيه. وتنبه جيدًا إلى أن تكون الحقيقة القرآنية حقيقة قرآنية صافية، وكذلك الحقيقة الكونية. {.. كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السماء كذلك يَجْعَلُ الله الرجس عَلَى الذين لاَ يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 125]
والرجس وهو العذاب، إنما يأتيهم بسبب كفرهم وعدم إقبالهم على التكليف. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125)}
أخرج ابن المبارك في الزهد وعبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي جعفر المدائني رجل من بني هاشم وليس هو محمد بن علي قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي المؤمنين أكيس؟ قال: «أكثرهم ذكرًا للموت وأحسنهم لما بعده استعدادًا. قال: وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإِسلام} قالوا: كيف يشرح صدره يا رسول الله؟ قال: نور يقذف فيه فينشرح له وينفسح له. قالوا فهل لذلك من إمارة يعرف بها؟ قال: الإِنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت».
وأخرج عبد بن حميد عن الفضيل «أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت قول الله: {من يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإِسلام} فكيف الشرح؟ قال: إذا أراد الله بعبد خيرًا قذف في قلبه النور فانفسح لذلك صدره، فقال: يا رسول الله هل لذلك من آية يعرف بها؟ قال: نعم. قال: فما آية ذلك؟ قال: التجافي عن دار الغرور، والإِنابة إلى دار الخلود، وحسن الإِستعداد للموت قبل نزول الموت».
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب ذكر الموت عن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإِسلام} قام رجل إلى رسول الله صلى الله وسلم فقال: هل لهذه الآية علم تعرف به؟ قال: «نعم، الإِنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل أن ينزل».
وأخرج ابن شيبة وابن أبي الدنيا وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم والبيهقي في الشعب من طرق عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} قال: «إذا أدخل الله النورَ القلبَ انشرحَ وانفسحَ. قالوا: فهل لذلك من آية يعرف بها؟ قال: الإِنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والإِستعداد للموت قبل نزول الموت».
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: قال رجل: يا رسول الله أي المؤمنين أكيس؟ قال: «أكثرهم للموت ذكرًا، وأحسنهم له استعدادًا. ثم تلا رسول الله صلى الله وعليه وسلم {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإِسلام} قلت: وكيف يشرح صدره للإِسلام؟ قال: هو نور يقذف فيه، إن النور إذا وقع في القلب انشرح له الصدر وانفسح. قالوا: يا رسول الله هل لذلك من علامة يعرف بها؟ قال: نعم، الإِنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والإِستعداد للموت قبل الموت. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئس القوم لا يقومون لله بالقسط، بئس القوم قوم يقتلون الذين يأمرون بالقسط».
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الله بن المسور وكان من ولد جعفر بن أبي طالب قال: «تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإِسلام} قالوا: يا رسول الله ما هو هذا الشرح؟ قال: نور يقذف به في القلب ينفسح له القلب. قالوا: فهل لذلك من إمارة يعرف بها؟ قال: نعم، الإِنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور والإِستعداد للموت قبل الموت».
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإِسلام} يقول يوسع قلبه للتوحيد والإِيمان به {ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجًا} يقول: شاكًا {كأنما يصّعَّد في السماء} يقول: كما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السماء فكذلك لا يقدر على أن يدخل التوحيد والإِيمان قلبه حتى يدخله الله في قلبه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن أبي الصلت الثقفي. أن عمر بن الخطاب قرأ هذه الآية: {ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجًا} بنصب الراء، وقرأها بعض من عنده من أصحاب رسول الله: {حرجًا} بالخفض. فقال عمر: أبغوني رجلًا من كنانة وأجعلوه راعيًا، ولكن مدلجيا. فأتوه به فقال له عمر: يا فتى ما الحرجة فيكم؟ قال: الحرجة فينا: الشجرة تكون بين الأشجار التي لا تصل إليها راعية ولا وحشية ولا شيء. فقال عمر: كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم. أنه قرأ {ضيقًا حرجًا} بكسر الراء.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة {ضيقًا حرجًا} أي ملتبسًا.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج {ضيقًا حرجًا} أي بلا إله إلا الله لا يستطيع أن يدخلها في صدره، لا يجد لها في صدره مساغًا.
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد {كأنما يصعد في السماء} من شدة ذلك عليه.
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: {ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجًا} يقول: من أراد الله أن يضله يضيق عليه حتى يجعل الإِسلام عليه ضيقًا والإِسلام واسع، وذلك حين يقول: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج: 78] يقول: ما في الإِسلام من ضيق.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطاء الخرساني في قوله: {يجعل صدره ضيقًا حرجًا} قال: ليس للخير فيه منفذ {كأنما يصعد في السماء} يقول: مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد في السماء.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {كذلك يجعل الله الرجس} قال: الرجس ما لا خير فيه. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ} كقوله: {مَنْ يَشأ اللًّهُ يُضْلِلْه} و{مَنْ} يَجُوزُ أن تكُون مَرْفُوعة بالابتداء، وأن تكون مَنْصُوبَةً بمقدِّرٍ بَعْدَهَا على الاشْتِغَال، أي: مَنْ يُوَفِّق اللَّه يُرِدْ أن يَهْدِيَهُ، وأنْ تكون مَنْصُوبَةً بمقدِّرٍ بَعْدَهَا على الاشْتِغَال، أي: مَنْ يُوَفِّق اللَّه يُرِدْ أن يَهْدِيَهُ، و{أنْ يَهْدِيَهُ} مَفْعُول الإرادَة، والشَّرْح: البَسْطُ والسِّعَة، قاله الليث.
وقال ابن قُتَيْبَة: هو الفَتْحُ، ومنه: شَرَحْتُ اللًّحم، أي: فَتَحْتُه وشرح الكلام: بَسَطَهَ وفتح مغْلَقَه، وهو استِعَارةٌ في المَعانِي، حَقِيقَةٌ في الأعْيَان.
و{للإسْلام} أى: لِقُبُولِهِ.
قوله: {وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا}.
يجُوز أن يَكُون الجَعْلُ هنا بمعْنَى التَّصْيير، وأن يَكُون بمَعْنَى الخَلْقِ، وأن يكون يمعنى سَمًّى، وهذا الثًّالثُ ذهب إليه المعتزلة، كالفارسي وغيره من مُعْتَزِلَة النُّحَاةِ؛ لأن الله تعالى لا يُصَيِّر ولا يَخْلُق أحَدًا كذا، فعلى الأوًّلِ يكون ضَيِّقًا مَفْعُولًا ثاينًا عند مَنْ شدًّدَ يَاءَهُ، وهم العَامَّة غَيْر بان كثير، وكذلك عند مَنْ خَفًّفَها سَاكنَةً، ويكون فِيهِ لُغتانِ: التًّثقيل والتَّخْفيفُ؛ كميِّت ومَيْت، وهيِّن وهَيْنن.
وقيل: المخَفًّف مصدرُ ضاقَ يَضِيقُ ضيقًا، كقوله تعالى: {وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ} [النحل: 127]، يقال: ضَاقَ يضيقُ ضَيْقًا بفتح الضًّادِ وكَسْرِها.
وبالكَسْر قرأ ابن كثير في النحل والنَّمْل، فعلى جعله مصدرًا يَجِيءُ فيه الأوْجُه الثلاثة في المصدرِ الواقع وَصْفًا لجُثًّة، نحو: رجُلٌ عَدْلٌ ويه حَذْفُ مُضَاف، والمُبَالغَة، أوْ وُقُوعه مَوْقع اسْم الفاعل، أي: يَجْعَلُ صدره ذا ضيق، أو ضَائقًا، أو نَفْس الضِّيق؛ مُبالغةً، والذي يَظْهَرُ من قارءة ابن كثير: أنه عِنْدهُ اسم صِفَةٍ مخَفًّف مِن فَيْعل وذلك أنَّه اسْتَغْرَب قراءَتَهُ في مَصْدَر هذا الفِعْلِ، دُون الفَتْح في سُورة النًّحْل والنًّمْل، فَلَوْ كان هذا عِنْدَهُ مَصْدَرًا، لكان الظَّاهرُ في قراءته الكَسْرَ كالموضِعَيْنِ المُشَارِ إليْهما، وهذا من مَحَاسِنِ علم النَّحْو والقراءاتِ، والخلافُ الجَارِي هُنَا جارٍ في الفُرقَانِ.
قوال الكسائي: الضِّيِّق بالتًّشْديد في الأجْرَام، وبالتًّخْفيف في المَعَانِي.
ووزن ضيِّق: فَيْعل كميِّت وسيِّد عند جُمْهُور النَّحْويِّين ثم أدْغِم، ويجوز تَخْفِيفُه كما تقدَّم تَحْريرُه.
قال الفَارِسي: والياءُ الواوِ في الحَذْفِ وإن لم تَعْتَلَّ بالقَلْبِ كما اعتَلَّتِ الواوُ، اتْبعِتِ اليَاءُ الواو في هذا؛ كما أتبعت في قولهم: أتِّسَرَ من اليُسْر، فجُعِلَتْ بمنزلة اتَّعَدَ.
وقال ابن الأنْبَاريّ: الذي يُثَقِّل اليَاء يقول: وَزْنُه من الفِعْل فَعِيل والأصْل فيه ضَييق على مِثَال كَريم ونَبِيل فجعلُوا اليَاءَ الأولى ألِفًا؛ لتحرَّكِها وانْفِتَاح ما قَبْلَها من حَيْثُ أعَلُّوا ضَاقَ يَضِيقُ، ثم أسْقَطُوا الألِفَ بِسُكُونها وسُكُون ياء فَعِيل فأشْفَقُوا مِنْ أنْ يَلْتَبِس فَعِيل بفَعْل فزادوا ياء على الياءِ ليكمل بها بِنَاء الحَرْفِ، ويقعُ فيها قَرْقٌ بين فَعِيل وفَعْل.
والذين خَفًّفُوا اليَاءَ قالوا: أمِن الَّبس؛ لأنَّه قد عُرِفَ أصْلُ هذا الحرفِ، فالثِّقَةُ بمعْرِفته مَانِعَةٌ من الَّبْسِ.
وقال البصريون وزنه من الفِعْل فَيْعِل، فأدْغِمَت الياءُ في الَّتِي بَعْدَهَأ، فَشْدِّدَ ثم جَاءَ التَّخْفِيفُ، قال: وقد ردَّ الفَرَّاءُ وأصْحَابَهُ هذا على الَبصْريِّين وقالوا: لا يُعْرَفُ في كلام العربِ اسمٌ على وَزن فَيْعِل يَعْنُون: بكسر العيْنِ، إنما يُعْرَف فَيْعَل يعنون: بفتحها، نحو: صَيْقَل وهَيْكَل فمتى ادّعَى مُدَّع في اسْم مُعْتَل ما لا يُعْرَفُ في السَّالِم، كانت دَعْوَاهُ مردُودَةً وقد تقدَّم تحْرِيرُ هذه الأقوال عِنْد قوله- تبارك وتعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ} [البقرة: 19] فليُراجَعْ ثَمًّةَ.
وإذا قُلْنَا: إنَّهُ مُخَفًّفٌ من المشدَّدِ؛ فهل المَحْذُوفُ اليَاء الأولى أو الثَّانِيَة خِلافٌ مرَّت له نَظَائِرُهُ.
وإذا كانت {يَجْعَل} بمعنى: يَخْلُق، فيكون {ضَيِّقًا} حالًا، وإن كانَتْ يمعنى سَمًّى، كانَتْ مفعُولًا ثانيًا، والكلام عليه بالنًّسْبَة إلى التَّشْدِيد والتَّخْفِيف، وتقدير المَعَانِي كالكلام عليه أوّلًا.
وحَرَجًا حَرِجًا بفتح الرَّاء وكَسْرها: هو المُتزايد في الضِّيق، فهُو أخَصُّ من الأوَّل، فكل حَرَج من غير عَكْس، وعلى هَذَا فالمَفْتُوح والمكْسُور بمَعْنَى واحد، يقال رَجُل حَرِجٌ وحَرَحٌ قال الشَّاعر: [الرجز]
لا حَرِجُ الصِّدْرِ ولا عَنِيفُ

قال الفراء- رحمه الله: هو في كَسْرِه ونَصْبِه بمَنْزِلَة الوَحَد والوحِد، والفَرَد والفَرِد والدَّنِف والدَّنِف.
وفرَّق الزَّجَّاج والفارسي بينهُمَا فقالا: المَفْتُوح مَصْدر، والمكْسُور اسْمُ فَاعِل.
قال الزَّجَّاج: الحَرَجُ أضْيَقُ الضِّيقِ، فَمَنْ قال: رَجُلٌ حَرَجٌ- يعني بالفَتْح- فمعناه: ذُو حَرَجٍ في صَدْرِهِ، ومن قال حِرِجٌ- يعني بالكَسْر- جعله فَاعِلًا، وكذلك دْنف ودَنف.
وقال الفارسي: مَنْ فتح الرَّاء، كان وصْفًا بالمصدر، نحو: قَمَنْ وحَرَى ودنَف، ونحو ذلك من المصادرِ التي يُوصَفُ بها، ولا تكُون كَبَطَل لأن اسْم الفاعل في الأمْر العَام إنَّما على فَعِل.
ومن قرأ {حِرجًا}- يعني بكسْر الرَّاء- فهو مثل دَنِف وفَرِق بكَسْر العَيْن.
وقيل: الحَرَجُ بالفَتْح جمع حَرَجَة؛ كقَصَبَ وقَصَب، والمكْسُور صِفَة؛ كذَنِف وأصل المادَّة من التَّشَابُك وشِدَّة التَّضَايُقِ، فإنَّ الحَرَجة غَيْضَة من شَجَر السَّلَم ملتفة لا يَقْدِرُ أحَدٌ أن يَصِل إليها.