فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والوليّ يطلق بمعنى النّاصر وبمعنى الموالي.
وقوله: {بما كانوا يعملون} يجوز أن يتعلّق بما في معنى الخبر في قوله: {لهم دار السلام}، من مفهوم الفعل، أي ثبت لهم ذلك بما كانوا يعملون، فتكون الباء سببيّة، أي بسبب أعمالهم الحاصلة بالإسلام، أو الباء للعوض: أي لهم ذلك جَزاء بأعمالهم، وتكون جملة: {وهو وليهم} معترضة بين الخبر ومتعلِّقه، ويجوز أن يَكون: {بما كانوا يعملون} متعلِّقا بـ {وليّهم} أي وهو ناصرهم، والباء للسّببيّه: أي بسبب أعمالهم تولاّهم، أو الباء للملابسة، ويكون: {بما كانوا يعملون} مرادًا به جزاء أعمالهم، على حذف مضاف دلّ عليه السّياق.
وتعريف المسند بالإضافة في قوله: {وليهم} أفاد الإعلام بأنّ الله وليّ القوم المتذكّرين، ليعلموا عظم هذه المنّة فيشكروها، وليعلم المشركون ذلك فيغيظهم.
وذلك أنّ تعريف المسند بالإضافه يخالف طريقة تعريفه بغير الإضافة، من طرق التّعريف، لأنّ التّعريف بالإضافة أضعف مراتب التّعريف، حتّى أنَّه قد يقرب من التّنكير على ما ذكره المُحقّقون: من أنّ أصل وضع الإضافة على اعتبار تعريف العهد، فلا يُقال: غلام زيد، إلاّ لغلام معهود بين المتكلّم والمخاطب بتلك النّسبة، ولكن الإضافة قد تخرج عن ذلك في الاستعمال فتجيء بمنزلة النكرة المخصوصة بالوصف، فتقول: أتاني غلامُ زيد بكتاب منه وأنت تريد غلامًا له غير معيَّن عند المخاطب، فيصير المعرّف بالإضافة حينئذ كالمعرّف بلام الجنس، أي يفيد تعريفًا يميّز الجنس من بين سائر الأجناس، فالتّعريف بالإضافة يأتي لما يأتي له التّعريف باللام.
ولهذا لم يكن في قوله: {وهو وليهم} قَصْر ولا إفاده حُكم معلوم على شيء معلوم.
وممّا يزيدك يقينا بهذا قوله تعالى: {ذلك بأنّ الله مولى الذين آمنوا وأنّ الكافرين لا مولى لهم} [محمد: 11] فإنّ عطف: {وأنّ الكافرين لا مولى لهم} على قوله: {بأنّ الله مولى الذين آمنوا} أفاد أنّ المراد بالأوّل إفادة ولاية الله للّذين آمنوا لا الإعلام بأنّ من عرف بأنَّه مولى الّذين آمنوا هو الله. اهـ.

.قال الشعراوي:

{لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127)} أي أن لهؤلاء المتقدمين الذين صبروا وصابروا ورابطوا، لهم دار السلام، وهو أسلوب مكون- كما يقال- من مبتدأ وخبر، الا أن المبتدأ أُخرِّ هنا، والخبر تقدّم، وكان المنطق أن يقال: دار السلام لهؤلاء ولكن الأسلوب القرآني جاء ليقدم الخبر المكون من الجار والمجرور ومتعلقه، ويؤخر المبتدأ وذلك لخصوصية أرادها الحق، وهي أن هذه الدار لهم وحدهم دون غيرهم فهي خالصة لهم يوم القيامة ودار السلام مكونة من كلمتين، دار ومعناها ما يستقر فيه الإنسان، ويجمع هذا المكان كل ما تتطلبه حياة الإنسان، وهي أوسع قليلًا من كلمة بيت؛ لأن البيت مكان يعد للبيتوتة، لكن كلمة دار تعد للحياة ولما يتعلق بالحياة من مقوماتها.
ودار هنا مضافة إلى السلام، وهو- كما نعلم- اسم من أسماء الله، إذن فالحق هنا يوضح: لهم دار منسوبة للسلام وهو الله، وهم مستحقون لها جزاءً منه، فإذا كانت الدار التي وعدها الله هي دار السلام وهو الله، فلابد أن فيها متعًا وامكانات على قدر فضل المضاف إليه وهو الله، ولماذا لم يقل الله: دار الله؛ لأن الله أراد أن يأتي بوصف آخر من أوصافه؛ ليعطيهم السلام والأمن والاطمئنان.
وهناك فرق بين دور الدنيا، وهذه الدار؛ فدور الدنيا فيها متع، ولكنك فيها بين أمرين: إما أن تفوت أنت ما هي فيه، وإما أن يفوتك ما فيها، ولذلك لا يوجد في الدنيا أمن؛ لأن غيرك قد يناوئك فيها ويعاديك، وقد تأتي لك مكدرات المرض، وقد تأتي لك معكرات الأعداء، كل ذلك ينغص عليك الأمن والسلام في الدنيا. ولذلك أراد الحق ان تكون لك الآخرة دار السلام مادمت قد آمنت، وأن تأمن فيها من كل الآفات التي كانت في دار الدنيا. {لَهُمْ دَارُ السلام عِندَ رَبِّهِمْ} [الأنعام: 127]
وكأن دار السلام ليست وعدًا من الله بأن تكون، ولكنها جاهزة معدة عند الله ومحفوظة لديه تنتظر المؤمنين، وسبحانه قد خلق جنانًا تتسع لكل خلقه على فرض أنهم آمنوا، وجعل من النار مثل ذلك على قدر خلقه، على فرض وتقدير أنهم كفروا. وسيأخذ المؤمنون ما أعد لهم من دور الإيمان ويرثون ما أعد للكافرين من دور الإيمان على فرض أنهم آمنوا في الدنيا. {أولئك هُمُ الوارثون الذين يَرِثُونَ الفردوس هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 10-11]
فلم يخلق الحق جنانًا محدودة، لا، بل أعد وهيأ من الجنان ما يتسع لكل الخلق إن امنوا، ومن النيران ما يتسع لكل الخلق إن كفروا. ومادامت العندية منسوبة إلى الله فهي عندية مأمونة.
وبعد ذلك أيتخلّى الله عنهم ويكلهم إلى ما أعدّه لهم؟. لا، بل قال: {.. وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 127]
فهناك إعداد، ثم قيومة ولاية الله، وهذه القيومة لله، هي للمؤمنين في الدنيا، لكن فلنلاحظ أن الولاية في الدنيا قد تكون فيها أسباب مخلوقة لله، لكن في الآخرة هناك الجزاء الذي لا يكله الله للأسباب، فتكون الولاية مباشرة له؛ لأنه سيعطيك فورًا، وإذا خطر أي شيء بباللك تجده حاضرًا: فهي متعة على غير ما ألف الناس؛ لأن الناس يتمتعون في الدنيا بواسطة الأسباب المخلوقة لله. ولكن في الآخرة فلا ملكية لأحد حتى في الأسباب، لذلك يقول سبحانه: {لِّمَنِ الملك اليوم...} [غافر: 16]
وستجد الإِجابة هي قوله سبحانه: {لِلَّهِ الواحد القهار} [غافر: 16]
والحق هو الولي الذي يليك، قربًا تنتفع به، فلا تضطر حتى أن تنادي عليه ليأتي لك بالمنافع ويدفع عنك المضار كما عمل لك في الدنيا ووفقك للعمل وهو وليك في الآخرة بحسن الجزاء لك بسبب ما كنت تعمل؛ فالعمل في الدنيا هو الزرع وهو الحرث لثمرة الآخرة. ولكن أيعطينا الله على قدر أعمالنا؟ لا، بل يعطينا على قدر صبرنا؛ لأنه إن كان العطاء على قدر الأعمال، إننا لو حسبناها لما أدينا ثمن عشر معشار نعم الله علينا في الدنيا. فكأننا نعمل في الدنيا لنؤدي شكر ما أفاء علينا وأعطانا من النعم، فإذا جاء الحق سبحانه وتعالى وأعطانا بعد ذلك ثوابًا فهو الفضل منه، ولذلك يوضح الحق لنا: إياكم حين توفقون في العمل أن تفتتنوا بأعمالكم، بل عليكم أن تتذكروا ان ذلك فضل من الله: {قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فبذلك فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58]
وقد شرح النبي عليه الصلاة والسلام هذا الأمر وقال: «لن يُدْخِل أحدًا منكم عملُه الجنة، قالوا: ولا أنتَ يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة».
إذن المسألة كلها بالفضل من الله، ولكن فضل الله شرطه العمل الصالح؛ فأنت تعمل العمل الصالح، ويعطيك ربنا أضعافه، وبطبيعة الحال فعملك لن ينفع جلاله أو جماله أو كماله أو يزيده صفة أو يزيده ملكًا، لكنه يعطيك على ما عملته لنفعك ولنفع بني جنسك.
ولذلك نجد الإِمام الرازي رضي الله عنه يقول: إن العمل في ذاته يورث الذات شيئا من الصفاء الذي ترتاح له وتسعد به، حتى تجد الجزاء في الراحة، والراحة النفسية هي الأمر المعنوي الذي يوجد في بنية مادية هي قالبك. فساعة يوجد شيء في النفس فهو يؤثر في القالب أغيارًا، فإذا غضب الإنسان فهذا الغضب يظهر أثره في البينة نفسها فيحمر الوجه، ويرتعش الإِنسان للانفعال بالغضب، والغضب أمر معنوي لكنه أثّر في البينة، وكذلك إذا ما حدث ما يسرّك، يظهر ذلك في البينة أيضًا؛ فتشرق وتهلل أساريرك. إذن فالعمل يؤثر في البينة، والبينة تؤثر في العمل. اهـ.

.من فوائد الزمخشري في الآيات:

قال رحمه الله:

.[سورة الأنعام: آية 111]

{وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ}
{وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ} كما قالوا: {لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ}، {وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى} كما قالوا: {فَأْتُوا بِآبائِنا}، {وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا} كما قالوا: {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا} قبلا كفلاء بصحة ما بشرنا به وأنذرنا، أو جماعات. وقيل قُبُلًا مقابلة. وقرئ {قُبُلًا} أي عيانا {إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ} مشيئة إكراه واضطرار {وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} فيقسمون باللّه جهد أيمانهم على ما لا يشعرون من حال قلوبهم عند نزول الآيات. أو ولكنّ أكثر المسلمين يجهلون أن هؤلاء لا يؤمنون إلا أن يضطرّهم فيطمعون في إيمانهم إذا جاءت الآية المقترحة.

.[سورة الأنعام: آية 112]

{وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (112)}
{وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا} وكما خلينا بينك وبين أعدائك، كذلك فعلنا بمن قبلك من الأنبياء وأعدائهم، لم نمنعهم من العداوة، لما فيه من الامتحان الذي هو سبب ظهور الثبات والصبر. وكثرة الثواب والأجر. وانتصب {شَياطِينَ} على البدل من عدوّا. أو على أنهما مفعولان كقوله: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ} {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ} يوسوس شياطين الجنّ إلى شياطين الإنس. وكذلك بعض الجنّ إلى بعض وبعض الإنس إلى بعض. وعن مالك ابن دينار: إنّ شيطان الإنس أشد علىّ من شيطان الجنّ، لأنى إذا تعوّذت باللّه ذهب شيطان الجنّ عنى، وشيطان الإنس يجيئني فيجرّنى إلى المعاصي عيانا {زُخْرُفَ الْقَوْلِ} ما يزينه من القول والوسوسة والإغراء على المعاصي ويموّهه {غُرُورًا} خدعا وأخذًا على غرّة {وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ} ما فعلوا ذلك، أي ما عادوك، أو ما أوحى بعضهم إلى بعض زخرف الفول بأن يكفهم ولا يخليهم وشأنهم.

.[سورة الأنعام: آية 113]

{وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)}
{وَلِتَصْغى} جوابه محذوف تقديره: وليكون ذلك جعلنا لكل نبىّ عدوًّا، على أن اللام لام الصيرورة وتحقيقها ما ذكر. والضمير في {إِلَيْهِ} يرجع إلى ما رجع إليه الضمير في فعلوه، أي ولتميل إلى ما ذكر من عداوة الأنبياء ووسوسة الشياطين {أَفْئِدَةُ} الكفار {وَلِيَرْضَوْهُ} لأنفسهم {وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ} من الآثام.

.[سورة الأنعام: آية 114]

{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114)}
{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا} على إرادة القول، أي قل يا محمد: أفغير اللّه أطلب حاكما يحكم بيني وبينكم، ويفصل المحق منا من المبطل {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ} المعجز {مُفَصَّلًا} مبينًا فيه الفصل بين الحق والباطل، والشهادة لي بالصدق وعليكم بالافتراء. ثم عضد الدلالة على أنّ القرآن حق بعلم أهل الكتاب أنه حق لتصديقه ما عندهم وموافقته له {فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} من باب التهييج والإلهاب، كقوله تعالى: {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} أو {فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} في أنّ أهل الكتاب يعلمون أنه منزل بالحق، ولا يريبك جحود أكثرهم وكفرهم به. ويجوز أن يكون {فَلا تَكُونَنَّ} خطابًا لكل أحد، على معنى أنه إذا تعاضدت الأدلة على صحته وصدقه، فما ينبغي أن يمترى فيه أحد. وقيل: الخطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خطابًا لأمته.

.[سورة الأنعام: آية 115]

{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)}
{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} أي تم كل ما أخبر به، وأمر ونهى، ووعد وأوعد {صِدْقًا وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ} لا أحد يبدّل شيئًا من ذلك مما هو أصدق وأعدل. وصدقا وعدلا. نصب على الحال. وقرئ: كلمة ربك، أي ما تكلم به. وقيل: هي القرآن.

.[سورة الأنعام: آية 116]

{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116)}
{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ} أي من الناس أضلوك، لأنّ الأكثر في غالب الأمر يتبعون هواهم، ثم قال: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} وهو ظنهم أنّ آباءهم كانوا على الحق فهم يقلدونهم {وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} يقدّرون أنهم على شيء. أو يكذبون في أنّ اللّه حرّم كذا وأحلّ كذا.

.[سورة الأنعام: الآيات 117- 119]

{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117) فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَما لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119)}
وقرئ {مَنْ يَضِلُّ} بضم الياء أي يضله اللّه {فَكُلُوا} مسبب عن إنكار اتباع المضلين، الذين يحلون الحرام ويحرّمون الحلال. وذلك أنهم كانوا يقولون للمسلمين: إنكم تزعمون أنكم تعبدون اللّه، فما قتل اللّه أحق أن تأكلوا مما قتلتم أنتم، فقيل للمسلمين: إن كنتم متحققين بالإيمان فكلوا {مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} خاصة دون ما ذكر عليه اسم غيره من آلهتهم أو مات حتف أنفه، وما ذكر اسم اللّه عليه هو المذكى ببسم الله: {وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا} وأى غرض لكم في أن لا تأكلوا {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ وقد بين لكم ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} مما لم يحرّم وهو قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} وقرئ: فصل لكم ما حرّم عليكم على تسمية الفاعل، وهو اللّه عزّ وجل: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} مما حرّم عليكم فإنه حلال لكم في حال الضرورة {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ} قرئ بفتح الياء وضمها، أي يضلون فيحرّمون ويحللون بِأَهْوائِهِمْ وشهواتهم من غير تعلق بشريعة.

.[سورة الأنعام: آية 120]

{وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)}
{ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ} ما أعلنتم منه وما أسررتم. وقيل: ما عملتم وما نويتم. وقيل: ظاهره الزنا في الحوانيت، وباطنه الصديقة في السرّ.

.[سورة الأنعام: آية 121]

{وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)}
{وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} الضمير راجع إلى مصدر الفعل الذي دخل عليه حرف النهى، يعنى وإنّ الأكل منه لفسق. أو إلى الموصول على: وإنّ أكله لفسق، أو جعل ما لم يذكر اسم اللّه عليه في نفسه فسقا. فإن قلت: قد ذهب جماعة من المجتهدين إلى جواز أكل ما لم يذكر اسم اللّه عليه بنسيان أو عمد. قلت: قد تأوله هؤلاء بالميتة وبما ذكر غير اسم اللّه عليه: كقوله: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} {لَيُوحُونَ} ليوسوسون {إِلى أَوْلِيائِهِمْ من المشركين لِيُجادِلُوكُمْ} بقولهم: ولا تأكلوا مما قتله اللّه. وبهذا يرجع تأويل من تأوله بالميتة {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} لأنّ من اتبع غير اللّه تعالى في دينه فقد أشرك به. ومن حق ذى البصيرة في دينه أن لا يأكل مما لم يذكر اسم اللّه عليه كيفما كان، لما يرى في الآية من التشديد العظيم، وإن كان أبو حنيفة رحمه اللّه مرخصا في النسيان دون العمد، ومالك والشافعي رحمهما اللّه فيهما.