فصل: من فوائد ابن الجوزي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد ابن الجوزي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {ويوم نحشرهم جميعًا} يعني: الجن والإنس.
وقرأ حفص عن عاصم: {يحشرهم} بالياء.
قال أبو سليمان: يعني: المشركين وشياطينهم الذين كانوا يوحون إليهم بالمجادلة لكم فيما حرَّمه الله من الميتة.
قوله تعالى: {يا معشر الجن} فيه إضمار، فيقال لهم: يامعشر؛ والمعشر: الجماعة أمرهم واحد، والجمع: المعاشر.
وقوله: {قد استكثرتم من الإنس} أي: من إغوائهم وإضلالهم.
{وقال أولياؤهم من الإنس} يعني: الذين أضلهم الجن.
{ربَّنا استمتع بعضُنا ببعض} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن استمتاع الإنس بالجن: أنهم كانوا إذا سافروا، فنزلوا واديًا، وأرادوا مبيتًا، قال أحدهم: أعوذ بعظيم هذا الوادي من شر أهله؛ واستمتاع الجن بالإنس: أنهم كانوا يفخرون على قومهم، ويقولون: قد سدنا الإنس حتى صاروا يعوذون بنا، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال مقاتل، والفراء.
والثاني: أن استمتاع الجن بالإنس: طاعتهم لهم فيما يغرونهم به من الضلالة والكفر والمعاصي.
واستمتاع الإنس بالجن: أن الجن زَيَّنَتْ لهم الأمور التي يهوَوْنَها، وشَّهوْها إليهم حتى سهل عليهم فعلها، روى هذا المعنى عطاء عن ابن عباس، وبه قال محمد بن كعب، والزجاج.
والثالث: أن استمتاع الجن بالإنس: إغواؤهم إياهم.
واستمتاع الإنس بالجن: ما يتلقَّون منهم من السحر والكهانة ونحو ذلك.
والمراد بالجن في هذه الآية: الشياطين.
قوله تعالى: {وبلغنا أجلنا الذي أجَّلْتَ لنا} فيه قولان:
أحدهما: الموت، قاله الحسن، والسدي.
والثاني: الحشر، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: {قال النار مثواكم} قال الزجاج: المثوى: المقام؛ و{خالدين} منصوب على الحال.
المعنى: النار مقامكم في حال خلود دائم {إلا ما شاء الله} هو استثناء من يوم القيامة، والمعنى: {خالدين فيها} مذ يبعثون {إلا ما شاء الله} من مقدار حشرهم من قبورهم، ومدتهم في محاسبتهم.
ويجوز أن تكون: {إلا ما شاء الله} أن يزيدهم من العذاب.
وقال بعضهم: إلا ما شاء الله من كونهم في الدنيا بغير عذاب؛ وقيل في هذا غير قول، ستجدها مشروحة في (هود) إن شاء الله. اهـ.

.من فوائد القرطبي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وَيَوْمَ نحْشُرُهُمْ}
نصب على الفعل المحذوف، أي ويوم نحشرهم نقول.
{جَمِيعًا} نصب على الحال.
والمراد حشر جميع الخلق في موقف القيامة.
{يَامَعْشَرَ الجن} نداء مضاف.
{قَدِ استكثرتم مِّنَ الإنس} أي من الاستمتاع بالإنس؛ فحذف المصدر المضاف إلى المفعول، وحرف الجر؛ يدل على ذلك قوله: {رَبَّنَا استمتع بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} وهذا يردّ قول من قال: إن الجن هم الذين استمتعوا من الإنس؛ لأن الإنس قبِلوا منهم.
والصحيح أن كل واحد مستمتع بصاحبه.
والتقدير في العربية: استمتع بعضنا بعضًا؛ فاستمتاع الجن من الإنس أنهم تلذّذوا بطاعة الإنس إياهم، وتلذّذ الإنس بقبولهم من الجن حتى زَنَوْا وشرِبوا الخمور بإغواءِ الجن إيّاهم.
وقيل: كان الرجل إذا مَرّ بوادٍ في سفره وخاف على نفسه قال: أعوذ برب هذا الوادي من جميع ما أحذر.
وفي التنزيل {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإنس يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الجن فَزَادوهُمْ رَهَقًا} [الجن: 6].
فهذا استمتاع الإنس بالجنّ.
وأما استمتاع الجنّ بالإنس فما كانوا يُلقون إليهم من الأراجيف والكهانة والسحر.
وقيل: استمتاع الجن بالأنس أنهم يعترفون أن الجنّ يقدرون أن يدفعوا عنهم ما يحذرون.
ومعنى الآية تقريع الضالين والمضِلين وتوبيخهم في الآخرة على أعين العالمين.
{وَبَلغْنَا أَجَلَنَا الذي أَجَّلْتَ لَنَا} يعني الموت والقبر، ووافينا نادمين.
{قَالَ النار مَثْوَاكُمْ} أي موضع مقامكم.
والمَثْوَى المُقام.
{خالدين فِيهَا إِلاَّ مَا شَاءَ الله} استثناء ليس من الأوّل.
قال الزجاج: يرجع إلى يوم القيامة، أي خالدين في النار إلا ما شاء الله من مقدار حشرهم من قبورهم ومقدار مدتهم في الحساب؛ فالاستثناء منقطع.
وقيل: يرجع الاستثناء إلى النار، أي إلا ما شاء الله من تعذيبكم بغير النار في بعض الأوقات.
وقال ابن عباس: الاستثناء لأهل الإيمان.
فما على هذا بمعنى مَن.
وعنه أيضًا أنه قال: هذه الآية توجب الوقف في جميع الكفار.
ومعنى ذلك أنها توجب الوقف فيمن لم يمت، إذْ قد يُسلم.
وقيل: {إلاّ ما شاء الله} من كونهم في الدنيا بغير عذاب.
ومعنى هذه الآية معنى الآية التي في هود.
قوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ} [هود: 106] وهناك يأتي مستوفًى إنْ شاء الله.
{إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ} أي في عقوبتهم وفي جميع أفعاله {عليم} بمقدار مجازاتهم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ويوم يحشرهم} جميعًا {يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس} الظاهر العموم في الثقلين لتقدم ذكر الشياطين وهم الجنّ والكفرة أولياؤهم والمؤمنون الذين {لهم دار السلام} قال معناه الزمخشري وابن عطية، قال ابن عطية: ويدل عليه التأكيد العام بقوله: {جميعًا}.
وقال التبريزي: وهذا النداء يدل على أن الضمير في يحشرهم دخل فيه الجنّ حين حشرهم ثم ناداهم، أما الثقلان فحسب أو هما وغيرهما من الخلائق؛ انتهى.
ومن جعل ويوم معطوفًا على {بما كانوا يعملون} ويوم نحشرهم فالعامل في الظرف وليهم وكان الضمير خاصًا بالمؤمنين وهو بعيد، والأولى أن يكون الظرف معمولًا لفعل القول المحكى به النداء أي ويوم نحشرهم نقول يا معشر الجن وهو أولى مما أجاز بعضهم من نصبه باذكر مفعولًا به لخروجه عن الظرفية ومما أجاز الزمخشري من نصبه بفعل مضمر غير فعل القول واذكر تقديره عنده {ويوم نحشرهم} وقلنا {يا معشر الجن} كان ما لا يوصف لفظاعته لاستلزامه حذف جملتين من الكلام جملة وقلنا وجملة العامل، وقدر الزجاج فعل القول المحذوف مبنيًا للمفعول التقدير فيقال لهم لأنه يبعد أن يكلمهم الله شفاها بدليل قوله: {ولا يكلمهم الله} ونداؤهم نداء شهرة وتوبيخ على رؤوس الأشهاد والمعشر الجماعة ويجمع على المعاشر كما جاء نحن معاشر الأنبياء لا نورث.
وقال الأفوه:
فينا معاشر لن يبنوا لقومهم ** وإن بنى قومهم ما أفسدوا وعادوا

ومعنى الاستكثار هنا إضلالهم منهم كثيرًا وجعلهم أتباعهم كما تقول: استكثر فلان من الجنود واستكثر فلان من الأشياع.
وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة: أفرطتم في إضلالهم وإغوائهم.
وقرأ حفص يحشرهم بالياء وباقي السبعة بالنون.
{وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا} وقال: أولياء الجن أي الكفار من الإنس {ربنا استمتع} انتفع {بعضنا ببعض} فانتفاع الإنس بالشياطين حيث دلوهم على الشهوات وعلى التوصلات إليها، وانتفاع الجن بالإنس حيث أطاعوهم وساعدوهم على مرادهم في إغوائهم روي هذا المعنى عن ابن عباس وبه قال محمد بن كعب والزجاج.
وقال ابن عباس أيضًا ومقاتل: استمتاع الإنس بالجن قول بعضهم: أعوذ بعظيم هذا الوادي من شر أهله إذا بات بالوادي في سفره، واستمتاع الجن بالإنس افتخارهم على قومهم وقولهم: قد سدنا الإنس حتى صاروا يعوذون بنا.
قال الكرماني: كانوا يعتقدون أن الأرض مملوءة جنًا وأن من لم يدخله جني في جواره خبله الآخرون، وكذلك كانوا إذا قتلوا صيد استعاذوا بهم لأنهم يعتقدون أن هذه البهائم للجن منها مراكبهم.
وقيل: في كون عظامهم طعامًا للجن وأرواث دوابهم علفًا واستمتاع الإنس بالجن استعانتهم بهم على مقاصدهم حين يستخدمونهم بالعزائم، أو يلقون إليهم بالمودة؛ انتهى.
ووجوه الاستمتاع كثيرة تدخل هذه الأقوال كلها تحتها فينبغي أن يعتقد في هذه الأقوال أنها تمثيل في الاستمتاع لا حصر في واحد منها، وظاهر قوله: {استمتع بعضنا ببعض} أي بعض الإنس بالجن وبعض الجن بالإنس.
وقيل: المعنى استمتع بعض الإنس ببعضه وبعض الجن ببعضه، جعل الاستمتاع لبعض الصنف لبعض والقول السابق بعض الصنفين ببعض الصنفين والأجل الذي بلغوه الموت قاله الجمهور وابن عباس والسدي وغيرهما.
وقيل: البعث والحشر ولم يذكر الزمخشري غيره.
وقيل: هو الغاية التي انتهى إليها جميعهم من الاستمتاع وهذا القول منهم اعتذار عن الجن في كونهم استكثروا منهم وإشارة إلى أن ذلك بقدرك وقضائك إذ لكل كتاب أجل واعتراف بما كان منهم من طاعة الشياطين واتباع الهوى والتكذيب بالبعث واستسلام وتحسر على حالهم.
وقرئ آجالنا على الجمع الذي على التذكير والإفراد.
قال أبو علي: هو جنس أوقع الذي موقع التي؛ انتهى.
وإعرابه عندي بدل كأنه قيل: الوقت الذي وحينئذ يكون جنسًا ولا يكون إعرابه نعتًا لعدم المطابقة وفي قوله: {وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا} دليل على المعتزلة في قولهم: بالأجلين لأنهم أقروا بذلك وفيهم المعقول وغيره.
{قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله} أي مكان نوائكم أي إقامتكم قال الزجاج وقال أبو علي: هو عندي مصدر لا موضع وذلك لعمله في الحال التي هي {خالدين} والموضع ليس فيه معنى فعل فيكون عاملًا والتقدير النار ذات ثوائكم؛ انتهى.
ويصح قول الزجاج على إضمار يدل عليه {مثواكم} أي يثوون {خالدين فيها} والظاهر أن هذا الاستثناء من الجملة التي يليها الاستثناء.
وقال أبو مسلم: هو من قوله: {وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا} أي إلا من أهلكته واخترمته.
قيل: الأجل الذي سميته لكفره وضلاله وهذا ليس بجيد، لأنه لو كان على ما زعم لكان التركيب إلا ما شئت، ولأن القول بالأجلين أجل الاخترام والأجل الذي سماه الله باطل والفصل بين المستثنى منه والمستثنى بقوله: {قال النار مثواكم خالدين فيها} وفي ذلك تنافر التركيب، والظاهر أن هذا الاستثناء مراد حقيقة وليس بمجاز.
وقال الزمخشري: أو يكون من قول الموتور الذي ظفر بواتره ولم يزل يخرق عليه أنيابه وقد طلب إليه أن ينفس عنه خناقه أهلكني الله إن نفّست عنك إلا إذا شئت، وقد علم أنه لا يشاء إلا التشفي منه بأقصى ما يقدر عليه من التعنيف والتشديد فيكون قوله إلا إذا شئت من أشد الوعيد مع تهكم بالموعد لخروجه في صورة الاستثناء الذي فيه إطماع؛ انتهى.
وإذا كان استثناء حقيقة فاختلفوا في الذي استثنى ما هو؟ فقال قوم: هو استثناء أشخاص من المخاطبين وهم من آمن في الدنيا بعذاب كان من هؤلاء الكفرة، ولما كان هؤلاء صنفًا ساغ في العبارة عنهم ما فصار كقوله: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} حيث وقعت على نوع من يعقل وهذا القول بعد لأن هذا خطاب للكفار يوم القيامة فكيف يصح الاستثناء فيمن آمن منهم في الدنيا وشرط من أخرج بالاستثناء اتحاد زمانه وزمان المخرج منه.
فإذا قلت: قام القوم إلا زيدًا فمعناه إلا زيدًا فإنه ما قام، ولا يصح أن يكون المعنى إلا زيدًا فإنه ما يقوم في المستقبل وكذلك سأضرب القوم إلا زيدًا معناه إلا زيدًا فإني لا أضربه في المستقبل، ولا يصح أن يكون المعنى إلا زيدًا فإني ضربته أمس إلا إن كان الاستثناء منقطعًا فإنه يسوغ، كقوله تعالى: {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى} أي لكن الموتة الأولى في الدنيا فإنهم ذاقوها.