فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهنا حدد {ما شاء}، أي أن ما شاء يكون في غير الشرك به فإن الشرك لا يكون محل غفران منه سبحانه. أو يجوز {إلا ما شاء الله} أن بعضًا يفهم أنه بمجرد البعث والحشر ستكون النار مثواهم، ولكن المثوى في النار لن يكون إلا بعد الحساب، وهذا استثناء من الزمن الخلودي، فلن يحدث دخول للجنة أو للنار إلا بعد الحساب. فزمن الحساب والحشر مستثنى وخارج عن زمن الخلود في الجنة أو النار.
ونحن نجد أيضًا {إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ} في سورة هود حيث يقول الحق: {فَأَمَّا الذين شَقُواْ فَفِي النار لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السماوات والأرض إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الذين سُعِدُواْ فَفِي الجنة خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السماوات والأرض إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 106-108]
إذن فهناك الاستثناء في النار والاستثناء في الجنة، فقول الحق: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السماوات والأرض إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ} فمجيء الاستثناء بعد الوصف بالخلود، يدل على أن الخلود ينقطع مع أنه قد ثبت خلود أهل الجنة في الجنة وخلود أهل النار في النار للأبد من غير استثناء فكيف ذلك؟
والرد على هذا أن أهل النار لا يخلدون في عذاب النار، وحده بل يعذبون بالزمهرير وبأنواع من العذاب سوى عذاب النار بما هو أغلظ منها كلها وهو سخط الله عليهم ولعنهم وطردهم وإهانته إياهم.
وكذلك أهل الجنة لهم سوى الجنة ما أكبر منها واجل موقعا، وهو رضوان الله كما قال: {وَعَدَ الله المؤمنين والمؤمنات جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله أَكْبَرُ} فلهم ما يتفضل الله به عليهم سوى ثواب الجنة مما لا يعرف كنهه إلا هو، فهذا هو المراد بالاستثناء، والدليل عليه قوله: {عطاء غير مجذوذ} ومعنى قوله في مقابلته {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} أن ربك يفعل بأهل النار ما يريد من العذاب، كما يعطي اهل الجنة الذي لا انقطاع له.
ويذيل الحق الآية بقوله: {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ}. حكيم في أن يعذب، عليم بمن يستحق أن يعذّب، ومقدار عذابه، وعليم بمن يستحق ان يثاب وينعم، وبمقدار ثوابه ونعيمه، وحكيم في أن يرحم. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {قد استكثرتم من الإِنس} يقول: في ضلالتكم إياهم، يعني أضللتم منهم كثيرًا. وفي قوله: {قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله} قال: إن هذه الآية لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه لا ينزلهم جنة ولا نارًا.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله: {يا معشر الجن قد استكثرتم من الإِنس} قال: استكثرتم ربكم أهل النار يوم القيامة {وقال أولياؤهم من الإِنس ربنا استمتع بعضنا ببعض} قال الحسن: وما كان استمتاع بعضهم ببعض إلا أن القيامة {وقال أولياؤهم من الإِنس ربنا استمتع بعضنا ببعض} قال الحسن: وما كان استمتاع بعضهم ببعض إلا أن الجن أمرت وعملت الإِنس.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله: {ربنا استمتع بعضنا ببعض} قال: الصحابة في الدنيا {وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا} قال: الموت.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله: {ربنا استمتع بعضنا ببعض} قال: كان الرجل في الجاهلية ينزل بالأرض فيقول: أعوذ بكبير هذا الوادي. فذلك استمتاعهم فاعتذروا به يوم القيامة {وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا} قال: الموت. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُم} يَجُوز أن يَنْتَصب بفِعْل مقَدَّر، فقدَّره أبو البقاءِ تارة باذْكُرْ وتارة بالقَوْلِ المَحْذُوف العَامِل في جُمْلَة النِّداءِ من قوله: {يَا مَعْشَر} أي: ويقُول: يا مَعْشَر يَوْمَ نَحْشُرُهُم، وقدَّره الزَّمَخْشَرِي: ويَوْمَ يَحْشُرُهم وقلنا يا معشر كان ما لا يُوصَفُ لفظَاعتِهِ.
قال أبُو حيَّان: وما قُلْنَاه أوْلَى يعني: من كَوْنِهِ مَنْصُوبًا بيَقُولُ المحكي به جُمْلَة النِّداء، قال: لاسْتِلْزَامِه حذف جُمْلَتَيْن: إحْداهما جُمْلَة {وقُلْنَا}، والأخْرى العَامِلة في الظَّرْف وقدَّره الزَّجَّاج بفِعْل قَول مبْنِي للمفْعُول: يقال لَهُم: يا مَعْشَر يَوْم نَحْشرهُم وهو مَعْنًى حَسَن؛ كأن نَظَر إلى مَعْنَى قوله: ولا يُكَلِّمُهُم ولا يُزَكِّيهم فبَنَاه للمفْعُول، ويجوز أن يَنْتَصب يَوْمَ بقوله: {وَلِيُّهُم} لما فِيهِ من مَعْنَى الفِعْل، أي: وهُوَ يتولاَّهُم بما كَانُوا يَعْمَلُون، وويتولاَّهُم يوم يَحْشُرُهُم، و{جَمِيعًا} حَالٌ أو تَوْكِيدٌ على قَوْل بَعْض النَّحْويِّين.
وقرأ حفص: {يَحْشُرُهُم} بياء الغَيْبَة ردًا على قوله: {ربهم} أي: ويوم يَحْشرُهُم ربُّهُم والضِّمِيرُ في يَحْشُرُهُم يعود إلى الجنِّ والإنْسِ بجمعهم في يَوءم القِيامَةِ.
وقيل: يعود إلى الشَّياطين الَّذِين تقدم ذِكْرُهم في قوله: {وكَذَلِك جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيِّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ}.
قوله: {يا مَعْشَر} في مَحَلِّ نصْبٍ بذلك القَوْل المضْمَر، أي: نقول أو قُلْنَا، وعلى تَقْدير الزَّجَّاج يكون في مَحَلِّ رفعٍ؛ لقيامه مقامَ الفَاعِل المَنُوب عَنْهُ، والمعشر: الجَمَاعةَ؛ قال القائل: [الوافر]
وأبْغَضُ مَنْ وَضَعْتُ إليَّ فِيهِ ** لِسَانِي مَعْشَرٌ عَنْهُم أذُودُ

والجمع: مَعَاشِر؛ كقوله- عليه الصلاة والسلام: «نَحْنُ مَعَاشِر الأنْبيَاء لا نُوَرِّث».
قال الأودي: [البسيط]
فِينَا مَعَاشِرُ لَنْ يَبْنُوا لِقَومِهِمُ ** وإنْ بَنَى قَوْمُهُم مَا أفْسَدُوا عَادُوا

قوله تعالى: {مِنَ الإنْس} في محلِّ نصبٍ على الحالِ، أي: أوْلِيَاءَهُم كانوا إنْسًا وجِنًا، والتقدير: أوْلِيَاؤهم الذين هم الإنْسُ، وربِّنا حُذِفَ منه حَرْف النِّداء.
وقوله: {قال أوْلِيَاؤهُم مِنَ الإنْس} يعني: أوْلياء الشَّياطين الَّذِين أطاعُوهُم من الإنْسِ، {ربَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْض} والمَعْنَى: استَكْثَرْتُم من الإنْسِ بالإضلالِ والإغْواء، أي: أضْلَلْتُم كَثِيرًا.
قوله: {وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الذي أَجَّلْتَ لَنَا}
قرأ الجمهور: {أجَلَنا} بالإفْرَاد؛ لقوله: الَّذِي وقُرِئ: {آجَالَنا} بالجَمْع على أفْعَال {الَّذِي} بالإفْرَاد والتَّذْكير وهو نَعْتُ للجَمْعِ.
فقال أبو عَلِيّ: هو جنْس أوقع الَّذِي مَوْقِع الَّتِي.
قال أبو حيَّان: وإعْرابه عِنْدِي بدل؛ كأنه قيل: الوَقْتُ الَّذِي وحينئذٍ يكون جِنْسًا ولا يَكُون إعْرَابُه نَعْتًا؛ لعدم المُطابَقَة بينَهُمَا، وفيه نَظَر؛ لأن المُطَابقة تُشْتَرطُ في البَدَلِ أيْضًا، وكذلك نصُّ النُّحَاة على قَوْل النَّابِغة: [الطويل]
تَوَهَّمْتُ آيَاتٍ لَهَأ فَعَرَفْتُهُا ** لِسِتًّةٍ أعْوَام وَذَا العَامُ سابعُ

رَمَادٌ كَكُحْلِ العَيْنِ لأيًا أبِينُهُ ** وَنُوي كجذْم الحَوْضِ أثْلَمُ خَاشِعُ

أي: رماد ونَوَى مَقْطُوعان على هما رمادٌ ونوى لا بدل من آياتٍ لِعَدم المُطابَقَة، ولِذلكِ لم يُرْوَيَا إلاَّ مرْفُوعَيْن لا مَنْصُوبَيْن.
قوله: {خَالِدينَ فِيَهَا} مَنْصُوبُ على الحالِ، وهي حالٌ مُقَدَّرة، وفي العامل فيها ثلاثة أوْجُه:
أحدها: أنه مَثْواكم لأنه هُنَا مَصْدرٍ لا اسم مكان، والمعنى: النَّارُ ذات تُوائِكُم، أي: النَّار مَكَان ثُوَائِكُم أي: إقامتكُم.
قال الفَارسِيُّ: المَثْوى عِنْدي في الآية: اسْمٌ للمصْدرِ دون المكان؛ لحُصُول الحالِ مُعْمَلًا فِيهَا واسْمُ المكانِ لا يَعْمَل علم الفِعْلِ؛ لأنه لا مَعْنَى للفِعْل فيه، وإذا لم يَكُون مَكَانًا، ثبت أنَّه مَصْدر، والمَعْنَى: النَّار ذاتِ إقامَتِكُم فيها خَفْضًا بالإضَافة؛ ومثله قول الشاعر: [الطويل]
ومَا هي إلاَّ في إزَارِ وعِلْقَةٍ ** مَغَارَ ابْنِ هَمَّام عَلَى حَيِّ خَثْعَمَا

وهذا يدلُّ على حَذْفِ المُضافِ، المعنى: ومَا هِي إلا إزَارٌ وعِلْقَةٌ وقت إغَارَة ابن همَّام، ولذلك عدَّاه بعَلَى ولو كان مَكَانًا، لما عدَّاه؛ فثَبَت أنَّهُ اسْمُ مصدر لا مَكَان، فهو كقولك: آتِيكَ خُفُوقَ النَّجْم ومَقْدِم الحَاجِّ، ثم قال وإنَّما حَسُن ذَلِك في المَصَادِر لمُطَابقتِهَا الزَّمان، ألا ترى أنَّه مُنْقض غير باقٍ كما أنَّ الزِّمان كَذَلِك.
والثاني: أن العَامِل فيها فِعْلٌ مَحْذُوف، أي: يَثُوُون فيها خَالِدِين، ويَدُلُّ على هذا الفِعْلِ المقدَّرِ مَثْوَاكُمْ ويراد بمَثْوَاكُمْ مكان التَّواءِ، وهذا جوابٌ عن قول الفَارِسيَ المعْتَرِض به على الزَّجَّاج.
الثالث: قاله أبو البقاء: أنَّ العَامِل معنى الإضافة، ومعنى الإضافةِ لا يَصْلُح ان يكون عَامِلًا ألْبَتَّة، فليس بِشَيْءٍ.
قوله: {إلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ} اختلفُوا في المسْتَثْنَى منه:
فقال: الجُمْهُور: هو الجُمْلَة التي تَلِيها، وهي قوله: {النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدين فِيَهاَ} وسأتي بيانه عن قُرْب.
وقال أبو مُسْلِم: هو مستَثْنَى من قوله: {وبَلَغْنا أجَلَنَا الَّذِي أجَّلْتَ لَنَا} أي: إلا مَنْ أهْلَكْتَهُ واخْتَرَمْتَه قبل الأجَلِ الذي سَمَّيْتَه لِكُفْره وضلاله.
وقد ردَّ النَّاس عليه هذا المَذْهَب من حَيْثُ الصِّناعة، من حَيْثُ المَعْنى.
أمَّا الصِّناعة فَمِنْ وَجْهَين:
أحدهما: أنَّه لو كان الأمْرُ كذلك، لكان التَّرْكيبُ إلاَّ ما شِئْتَ ليُطابق قوله: {أجَّلْتَ}.
والثاني: أنه قَدْ فصل بين المُسَتثْنَى منه بقوله: {قَالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدينَ فيها} ومثل ذلك لا يَجُوزُ.
وأما المَعْنَى: فلأن القَوْل بالأجَلَيْن: أجل الاخْتِرام، والأجَل المسَمَّى باطل؛ لدلائل مقرَّرَة في غَيْر هذا الموضع.
ثم اختلفوا في هذا الاسْتِثْنَاء: هل هو مُتَّصِلٌ أو مُنْقَطِعٌ؟ على قولين:
والمعنى: قال النَّار مَثْواكُم إلاَّ مَنْ مِنْكُمْ في الدُّنْيَا كقوله: {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى} [الدخان: 56] أي: لكن الموْتَة الأولى، فإنهم قَدْ ذَاقُوهَا في الدنيا كذلك هذا؛ لكن الِّذِين شَاءَهُم الله أن يُؤمِنُوا مِنْكظُم في الدُّنيا، وفيه بُعْدٌ، وذهب آخرُون إلى أنَّه مُتَّصِلٌ، ثم اخْتَلَفُوا في المسْتَثْنَى منه مَا هُو؟
فقال قوم: هو ضمير المخَاطَبين في قوله: {مَثْوَاكُمْ} أي: إلا من آمن في الدُّنْيَا بعد أن كان من هؤلاء الكفرة، علله ابن عبَّاسٍ، وما هُنَا بمعنى مَنْ التي لِلْعُقلاءِ، وساغ وُقُوعها هُنَا؛ لأن المراد بالمسْتَثْنَى نوع وصنف، وما تقع على أنْواعِ من يَعْقِلُ، وقد تقدَّم تحقيقُ هذا في قوله: {فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النساء} [النساء: 3].
ولكن قد اسْتُبِعد هذا؛ من حيث إن المسْتَثْنَى مخالِفٌ للمسْتَثْنَى مِنْه في زمان الحُكْم عليهما، ولابد أن يَشْترِكَا في الزَّمَانِ، لو قالت: قاَمَ القَوْمُ إلاَّ زَيْدًا، وكان مَعْنَاه إلا زَيْدًا فإنه لم يَقُمْ، ولا يَصِحُّ أن يكون المَعْنَى: فإنه سيَقُومُ في المسْتَقْبل، ولا يَصِحُّ أن يكون المعنى: فإني ضَرَبْتُه فيما مَضَى اللَّهُم إلا أنْ يُجْعَلَ استثْنَاء منْقَطِعًا كما تقدَّم تَفْسيره.
وذهب قَوْمٌ: إلى أن المسْتَثْنَى منه زمان، ثم اخْتلف القَائِلُون بذلك:
فمنهم من قال ذلك الزَّمان هو مُدَّة إقامتهم في البَرْزَخِ، أي: القُبُور.
وقيل: هو المُدَّة التي بَيْن حَشْرِهم إلى دُخُولِهِم النَّار.
وها قول الطَّبري قال: وساغَ ذلك من حَيْثُ إنّ العِبَارة بقوله: {النَّارُ مَثْواكُم} لا يخصُّ بها مسْتَقْبَل الزَّمَان دون غيره.
وقال الزجاج: هو مَجْمُوع الزمَانَينِ، أي: مدَّة إقامتهم في القُبُور، ومُدَّة حَشرِهم إلى دخُولهم النَّارِ.
وقال الزمخشري: إلا ما شاء الله، أي: يُخَلِّدون في عَذَاب النَّارِ الأبد كُلّه إلا ما شاء الله إلا الأوْقَات الَّتِي يُنْقَلُون فيها من عذاب النَّارِ إلى عذاب الزَّمْهِرير؛ فقد رُويَ: أنهم يَدْخُلون واديًا فيه من الزَّمْهَرير ما يَقْطَعُ أوْصَالَهُم، فيتعاوَوْن ويطْلُبُون الرَّدَّ إلى الجَحِيم.
وقال قوم: {إلا ما شاء اللَّه} هم العُصَاةُ الِّذِين يدخُلُون النَّار من أهل التَّوحيد، ووقعت مَا عليهم؛ لأنَّهم نوع كأنه قيل: إلا النَّوع الذي دَخَلَها من العُصَاة، فإنهم لا يُخَلِّدون فيها، والظاهر أن هذا استِثْنَاء حَقِيقَة؛ بل يجب أن يَكُون كذلِك.
وزعم الزَّمَخْشَريّ: أنه يكون من بابِ قَوْل المْوتُور الذي ظَفَر بواتِرِه، ولم يَزَلْ يُحَرِّقِ عليه أنْيَابَه، وقد طلب أن يُنَفِّسَ عن خِنَاقهِ: أهْلَكَنِي الَّه إن نَفَّسْتُ عَنْكَ إلا إذا شِئْت وقد عَلِم أنه لا يَشَاءُ ذلك التَّشَفِّي منه بأقْصَى ما يَقْدِر عليه من التَّشْديد والتَّعْنِيفِ، فكيون قوله: إلاَّ إذا شِئْت من أشد الوعيد مع تهَكُم.
قال شهاب الدين: ولا حاجة إلى ادِّعَاء ذلك مع ظُهُور مَعْنَى الاسْتِثْنَاء فيه، وارتكاب المجازِ وإبْزازِ ما لم يَقَعُ في صُورةِ الواقِعِ.
وقال الحسن البَصْرِيُّ: إلا ما شَاء اللَّه؛ أي: من كَونهم في الدُّنْيَا بغير عذابٍ.
فجعل المسْتَثْنى زمن حَيَاتهم، وهو أبْعد ممَّا تقدَّم.
وقال الفرَّاء- وإليه نحا الزَّمخْشَري: والمعنى: إلا ما شَاءَ اللَّه من زيادة في العذابِ.
وقال غيره: إلا ما شاء اللَّهُ من النِّكار، وكُلُّ هذا إنَّما يتمَشَّى على الاستِثْنَاء المنقَطِع.
قال أبو حيَّان: وهذا رَاجِعٌ إلى الاسْتِثْنَاء من المصْدر الذي يَدُلُّ عليه مَعْنَى الكلام؛ إذ المْعْنَى: يُعَذَّبون في النَّارِ خَالِدين فهيا إلا ما شَاء اللَّهُ من العذاب الزَّائد على النَّارِ، فإن يُعَذِّبهم، ويكُون إذ ذاك استِثْنَا منقطعًا، إذ العذابُ الزَّائد على عذابِ النَّارِ لم ينْدَرج تَحْتَ عذاب النَّار.
وقال ابن عطيَّة: ويتَّجه عندي في هذا الاستِثْنَاء أن يكون مُخَاطَبَة للنَّبِي صلى الله عليه وسلم وأمته، ولَيْس مما يُقالُ يوم القيامة، والمستثنى هو من كان من الكفرة يومئذ يؤمن في علم اللَّهِ؛ كأنه لما أخْبَرَهُم أنه يُقَال للكُفَّرا: {النَّارُ مَثْوَاكُم} استثنى لهم من يُمْكِن أن يُؤمِين ممَّن يَرَوْنَهُ يومئذ كافرًا، وتقع مَا على صِفَة من يَعْقل، ويؤيِّ هذا التَّأويل أيضًا قوله: {إنَّ ربِّك حَكِيمٌ عَلِيمٌ} أي: بمن يُمْكِنُ أن يُؤمِنَ منهم.
قال أبو حيان: وهو تَأويلٌ حسن، وكان قد قال قبل ذلك: والظَّاهر أن هذا الاسْتِثْنَاء هو من كلام اللَّه تعالى للمخَاطَبين، وعليه جَاءَت تفاسير الاستِثْنَاء وقال ابن عطيَّة ثم ساقه إلى أخِرِه، فكيف يسْتَحْسِنُ شيئًا حُكِم عليه بأنَّه خلاف الظَّاهِر من غير قَرِينَةٍ قويَّة مُخْرِجة للَّفْظِ عن ظَاهِرِه؟. اهـ. باختصار.