فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {وكذلك نولي}
قال قتادة {نولي} معناه نجعل بعضهم ولي بعض في الكفر والظلم.
قال القاضي أبو محمد: وهذا التأويل ما تقدم من ذكر الجن والإنس واستمتاع بعضهم ببعض، وقال قتادة أيضًا: معنى {نولي} نتبع بعضهم بعضًا في دخول النار، أي نجعل بعضهم يلي بعضًا، وقال ابن زيد معناه نسلط بعض الظالمين على بعض ونجعلهم أولياء النقمة منهم.
قال القاضي أبو محمد: وهذا التأويل لا تؤيده ألفاظ الآية المتقدمة، أما أنه حفظ في استعمال الصحابة والتابعين من ذلك ما روي أن عبد الله بن الزبير لما بلغه أن عبد الملك بن مروان قتل عمرو بن سعيد الأشدق صعد المنبر فقال إن فم الذبان قتل لطيم الشيطان {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضًا بما كانوا يكسبون}. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وكذلك نولِّي بعض الظالمين بعضًا}
في معناه أربعة اقوال.
أحدها: نجعل بعضهم أولياء بعض، رواه سعيد عن قتادة.
والثاني: نُتْبِعُ بعضهم بعضًا في النار بأعمالهم من الموالاة، وهي المتابعة، رواه معمر عن قتادة.
والثالث: نسلِّط بعضهم على بعض، قاله ابن زيد.
والرابع: نكل بعضهم إلى بعض ولا نعينهم، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: {بما كانوا يكسبون} أي: من المعاصي. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وكذلك نُوَلِّي بَعْضَ الظالمين بَعْضًا}
المعنى وكما فعلنا بهؤلاء مما وصفته لكم من استمتاع بعضِهم ببعض أجعل بعض الظالمين أولياء بعض، ثم يتبرأ بعضهم من بعض غدًا.
ومعنى {نُوَلِّي} على هذا نجعل ولِيًّا.
قال ابن زيد: نسلّط ظلمة الجِنّ على ظلمة الإنس.
وعنه أيضًا: نسلّط بعض الظلمة على بعض فيهلكه ويذِلّه.
وهذا تهديد للظالم إن لم يمتنع من ظلمه سلّط الله عليه ظالمًا آخر.
ويدخل في الآية جميعُ مَن يظلم نفسه أو يظلم الرعية، أو التاجر يظلم الناس في تجارته أو السارق وغيرهم.
وقال فُضيل بن عِياض: إذا رأيت ظالمًا ينتقم من ظالم فقِف، وانظر فيه متعجِّبًا.
وقال ابن عباس: إذا رضي الله عن قوم ولَّى أمرهم خيارَهم، وإذا سخِط الله على قوم ولّى أمرهم شرارهم.
وفي الخبر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من أعان ظالمًا سلّطه الله عليه» وقيل: المعنى نَكِل بعضهم إلى بعض فيما يختارونه من الكفر، كما نَكِلهم غدًا إلى رؤسائهم الذين لا يقدرون على تخليصهم من العذاب.
أي كما نفعل بهم ذلك في الآخرة كذلك نفعل بهم في الدنيا.
وقد قيل في قوله تعالى: {نُوَلِّهِ مَا تولى} [النساء: 115]: نَكله إلى ما وَكَل إليه نفسه.
قال ابن عباس: تفسيرها هو أن الله إذا أراد بقوم شرًّا وَلَّى أمرَهم شرارَهم.
يدل عليه قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30]. اهـ.

.قال الخازن:

قوله عز وجل: {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضًا} الكاف في كذلك كاف التشبيه تقتضي شيئًا تقدم ذكره فالتقدير كما أنزلت العذاب بالجن والإنس الذين استمتع بعضهم ببعض كذلك نولي بعض الظالمين بعضًا أي نسلط بعضهم على بعض فنأخذ من الظالم بالظالم كما جاء في الأثر: «من أعان ظالمًا سلطه الله عليه» وقال قتادة: نجعل بعضهم أولياء بعض فالمؤمن ولي المؤمن حيث كان وأين كان والكافر ولي الكافر حيث كان وأين كان.
وفي رواية أخرى عن قتادة قال: يتبع بعضهم بعضًا في النار من الموالاة، وقيل: معناه نولي ظلمة الإنس الجن وظلمة الجن ظلمة الإنس يعني نكل بعضهم إلى بعض.
وقال ابن عباس في تفسير هذه الآية وأن الله تعالى إذا أراد بقوم خيرًا ولى عليهم خيارهم وإذا أراد بهم شرًا ولي عليهم شرارهم فعلى هذا القول إن الرعية متى كانوا ظالمين سلط الله عز وجل عليهم ظالمًا مثلهم فمن أراد أن يخلص من ظلم ذلك الظالم فليترك الظلم.
وقوله تعالى: {بما كانوا يكسبون} يعني يسلط عليهم من يظلمهم بسبب أعمالهم الخبيثة التي اكتسبوها. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وكذلك نولي بعض الظالمين بعضًا بما كانوا يكسبون}
لما ذكر تعالى أنه ولى المؤمنين بمعنى أنه يحفظهم وينصرهم على أن الكافرين بعضهم أولياء بعض في الظلم والخزي.
قال قتادة: يجعل بعضهم ولي بعض في الكفر والظلم، يريد ما تقدّم من ذكر الجنّ والإنس واستمتاع بعضهم ببعض.
وقال قتادة أيضًا: يتبع بعضهم بعضًا في دخول النار أي يجعل بعضهم يلي بعضًا في الدخول.
وقال ابن زيد: معناه نسلط {بعض الظالمين} على بعض ونجعلهم أولياء النقمة منهم، وهذا تأويل بعيد وحين قتل عبد الملك بن مروان عمرو بن سعيد الأشدق قال عبد الله بن الزبير: وصعد المنبر إن فم الذئاب قتل لطيم الشيطان وتلا {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضًا} الآية.
وقال ابن عباس: تفسيرها أن الله إذا أراد بقوم شرًا ولى عليهم شرارهم أو خيرًا ولى عليهم خيارهم، وفي بعض الكتب المنزلة أفني أعدائي بأعدائي ثم أفنيهم بأوليائي.
وقال إسماعيل الضرير: نترك المشركين إلى بعضهم في النصرة والمعونة والحاجة.
وقال الزمخشري: نخليهم حتى يتولى بعضهم بعضًا كما فعل الشياطين وغواة الإنس، أو يجعل بعضهم أولياء بعض يوم القيامة وقرناءهم كما كانوا في الدنيا {بما كانوا يكسبون} من الكفر والمعاصي؛ انتهى.
وقوله: نخليهم هو على طريقه الاعتزالي. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وكذلك} أي مثلَ ما سبق من تمكين الجنِّ من إغواء الإنسِ وإضلالِهم {نُوَلّى بَعْضَ الظالمين} من الإنس {بَعْضًا} آخرَ منهم أي نجعلهم بحيث يتولَّوْنهم بالإغواء والإضلالِ أو نجعل بعضَهم قرناءَ بعضٍ في العذاب كما كانوا كذلك في الدنيا عند اقترافِ ما يؤدّي إليه من القبائح {بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} بسبب ما كانوا مستمرِّين على كسبه من الكفر والمعاصي. اهـ.

.قال الألوسي:

{وكذلك} أي مثل ما سبق من تمكين الجن من إغواء الإنس وإضلالهم أو مثل ما سبق {نُوَلّى بَعْضَ الظالمين} من الإنس {بَعْضًا} آخر منهم أي نجعلهم بحيث يتولونهم ويتصرفون فيهم في الدنيا بالإغواء والإضلال وغير ذلك، واستدل به على أن الرعية إذا كانوا ظالمين فالله تعالى يسلط عليهم ظالما مثلهم، وفي الحديث: «كما تكونوا يولى عليكم» أو المعنى نجعل بعضهم قرناء بعض في العذاب كما كانوا كذلك في الدنيا عند اقتراف ما يؤدي إليه من القبائح كما قيل، وروي مثله عن قتادة {بمَا كَانُوا يَكْسبُونَ} أي بسبب ما كانوا مستمرين على كسبه من الكفر والمعاصي. اهـ.

.قال صاحب روح البيان:

{وَكَذلِكَ} أي: كما خذلنا عصاة الجن والإنس حتى استمتع بعضهم ببعض {نُوَلِّى بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضَا} أي: نسلط بعضم على البعض فنأخذ من الظالم بالظالم {بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} بسبب ما كانوا مستمرين على كسبه من الكفر والمعاصي وجاء: «من أعان ظالمًا سلطه الله عليه» وعن ابن عباس رضي الله عنهما: «إذا أراد الله بقوم خيرًا ولى أمرهم خيارهم وإذا أراد بقوم شرًا ولى أمرهم شرارهم» وجاء في بعض الكتب الإلهية: إني أنا الله ملك الملوك قلوب الملوك بيدي فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة ومن عصاني جعلته عليه نقمة فلا تشغلوا أنفسكم بسبب الملوك ولكن توبوا إلى أعطفهم عليكم، وفي الحديث: «الظالم عدل الله في الأرض ينتقم به ثم ينتقم منه» وفي المرفوع: «يقول الله عز وجل أنتقم ممن أبغض بمن أبغض ثم أصير كلًا إلى النار» وفي الزبور: إني لأنتقم من المنافق بالمنافق ثم أنتقم من المنافقين جميعًا.
وقول القائل: كيف يجوز وصفه بالظلم وينسب إلى أنه عدل من الله تعالى؟
جوابه أن المراد بالعدل هنا ما يقابل بالفضل، فالعدل أن يعامل كل أحد بفعله إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر والفضل أن يعفو مثلًا عن المسيء، وهذا على طريق أهل السنة بخلاف المعتزلة فإنهم يوجبون عقوبة المسيء ويدعون أن ذلك هو العدل ومن ثمة سموا أنفسهم أهل العدل وإلى ما صار إليه أهل السنة يشير قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ} [الأنبياء: 112] أي: لا تمهل الظالم ولا تتجاوز عنه، بل عجل عقوبته لكن الله تعالى يمهل من يشاء ويتجاوز عمن يشاء ويعطي من يشاء لا يسأل عما يفعل كذا في المقاصد الحسنة للإمام السخاوي.
واعلم: أن الظلم مطلقًا مفسد للاستعداد الفطري الروحاني القابل للفيض الرباني ولذا لا ينجع في الظالم الكلام الحق وأكثر ما يكون من أرباب الرياسة للقدرة والغلبة وفي الحديث: «إن من أشراط الساعة إماتة الصلوات واتباع الشهوات وأن تكون الأمراء خونة والوزراء فسقة» فوثب سلمان فقال: بأبي وأمي أهذا كائن قال: «نعم يا سلمان عندها يذوب قلب المؤمن كما يذوب الملح في الماء ولا يستطيع أن يغير» قال أو يكون ذلك قال: «نعم يا سلمان إن أذل الناس يومئذٍ المؤمن يمشي بين أظهرهم بالمخافة إن تكلم أكلوه وإن سكت مات بغيظه» كذا في روضة الأخبار.
اللهم احفظنا من الظلم والفساد إنك حافظ العباد والبلاد. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}
وهو من تمام الاعتراض، أو من تمام التذييل، على ما تقدّم من الاحتمالين، الواو للحال: اعتراضيّة، كما تقدّم، أو للعطف على قوله: {إنّ ربَّك حكيم عليم} [الأنعام: 128].
والإشارة إلى التولية المأخوذة من: {نولى}، وجاء اسم الإشارة بالتّذكير لأنّ تأنيث التولية لفظي لا حقيقي، فيجوز في إشارته مَا جاز في فِعله الرافع للظّاهر، والمعنى: وكما ولّينا ما بين هؤلاء المشركين وبين أوليائهم نُولّي بين الظّالمين كلّهم بعضِهم مع بعض.
والتولية يجيء من الولاء ومن الوِلاية، لأنّ كليهما يقال في فعله المتعدّي: ولَّى، بمعنى جعل وليًا، فهو من باب أعطى يتعدّى إلى مفعولين، كذا فسّروه، وظاهر كلامهم أنّه يقال: ولّيت ضَبَّة تميمًا إذا حالفتَ بينهم، وذلك أنَّه يقال: تَولَّتْ ضبةُ تميمًا بمعنى حالفْتهم، فإذا عدّي الفعل بالتضعيف قيل: ولَّيت ضَبة تميمًا، فهو من قبيل قوله: {نُولِّه ما تولّى} [النساء: 115] أي نلزمه ما ألزم نفسه فيكون معنى: {نولى بعض الظالمين بعضًا} نجعل بعضهم أولياء بعض، ويكون ناظرًا إلى قوله: {وقال أولياؤهم من الإنس} [الأنعام: 128].
وجعَل الفريقين ظالمين لأنّ الذي يتولّى قومًا يصير منهم، فإذا جعل الله فريقًا أولياء للظّالمين فقد جعلهم ظالمين بالأخارة، قال تعالى: {ولا تَركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النّار} [هود: 113] وقال: {بعضهم أولياء بعض ومَن يتولَّهم منكم فإنَّه منهم إنّ الله لا يهدي القوم الظّالمين} [المائدة: 51].
ويقال: ولَّى، بمعنى جعل واليًا، فيتعدّى إلى مفعولين من باب أعطى أيضًا، يقال: وَلَّى عُمَرُ أبا عبيدة الشّام، كما يقال: أولاه، لأنَّه يقال: وَلِي أبو عبيدة الشّامَ، ولذلك قال المفسّرون: يجوز أن يكون معنى: {نولى بعض الظالمين بعضًا} نجعل بعضَهم ولاة على بعض، أي نسلّط بعضهم على بعض، والمعنى أنّه جعل الجنّ وهم ظالمون مسلّطين على المشركين، والمشركون ظالمون، فكلّ يظلِم بمقدار سلطانه.
والمراد: بـ {الظالمين} في الآية المشركون، كما هو مقتضى التّشبيه في قوله: {وكذلك}.
وقد تشمل الآية بطريق الإشارة كلّ ظالم، فتدلّ على أنّ الله سلّط على الظالممِ من يظلمه، وقد تأوّلها على ذلك عبد الله بن الزُبير أيَّام دَعوته بمكّة فإنَّه لمَّا بلغه أنّ عبد الملك بن مروان قَتَل عَمْرًا بنَ سعيد الأشدقَ بعد أن خرج عَمرو عليه، صَعِد المنبر فقال: ألاَ إنّ ابن الزّرقاء يعني عبدَ الملك بن مروان؛ لأنّ مروان كان يلقّب بالأزرق وبالزرقاء لأنّه أزرق العينين قد قَتل لَطِيم الشّيطان {وكذلك نولى بعض الظالمين بعضًا بما كانوا يكسبون}.
ومن أجل ذلك قيل: إنْ لم يُقلع الظّالم عن ظلمه سُلّط عليه ظالم آخر.
قال الفخر: إنْ أراد الرّعيّةُ أن يتخلّصوا من أمير ظالم؛ فليتركوا الظّلم.
وقد قيل:
ومَا ظَالمٌ إلاّ سَيُبْلَى بظَالِم

وقوله: {بما كانوا يكسبون} الباء للسببية، أي جزاء على استمرار شركهم.
والمقصود من الآية الاعتبار والموعظة، والتّحذير مع الاغترار بولاية الظّالمين.
وتوخي الأتباععِ صلاحَ المتبوعين.
وبيانُ سنّة من سنن الله في العالَمين. اهـ.