فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وإذا أجدبوا أكلوا نصيب الله وتركوا نصيبها لما ذكر تعالى قبح طريقة مشركي العرب في إنكارهم البعث ذكر أنواعًا من جهالاتهم تنبيهًا على ضعف عقولهم وفي قوله تعالى: {مما ذرأ} أنه تعالى كان أولى أن يجعل له الأحسن والأجود وأن يكون جانبه تعالى هو الأرجح، إذ كان تعالى هو الموجد لما جعلوا له منه نصيبًا والقادر على تنميته دون أصنامهم العاجزة عن ما يحل بها فضلًا عن أن تخلق شيئًا أو تنميه وفي قوله: {مما} بمن التبعيضية دليل على قسم ثالث وهو ما بقي لهم من غير النصيبين، وفي الكلام حذف دل عليه التقسيم أي ونصيبًا {لشركائهم} ألا ترى إلى قولهم: {هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا} و{الحرث} قيل هنا: الزرع.
وقيل: الزرع والأشجار وما يكون من الأرض، {والأنعام} الإبل والبقر والغنم يتقربون بذبح ذلك.
وقيل: إنه البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي.
وقيل: النصيب من الأنعام هو النفقة عليها وفي قوله: {فقالوا} تأكيد للفعل الذي هو الجعل بالقول ليتطابق ويتظافر الفعل بالقول، ثم إنهم أخلفوا ذلك واعترض أثناء الكلام قوله: {يزعمهم} وجاء أثر قولهم: {هذا لله} لأنه إخبار كذب حيث أخلف ما جعلوه وأكدوه بالقول ولم يأت ذلك إثر قولهم: {وهذا لشركائنا} لتحقيق ما لشركائهم أنه لهم والزعم في أكثر كلام العرب أقرب إلى غير اليقين والحق نبه على أنهم فعلوا ذلك من غير أن يأمرهم الله بذلك ولا أن يشرعه لهم، وذلك جرى على عادتهم في شرع أحكام لم يأذن فيها ولم يشرعها.
وقرأ الكسائي: {بزعمهم} فيهما بضم الزاي وهي لغة بني أسد والفتح لغة الحجاز وبه قرأ باقي السبعة وهما مصدران.
وقيل: الفتح في المصدر والضم في الاسم.
وقرأ ابن أبي عبلة: بفتح الزاي والعين فيهما والسكر لغة لبعض قيس وتميم، ولم يقرأ به ويتعلق {بزعمهم} بقالوا.
وقيل: بما تعلق به {لله} من الاستقرار وشركاؤهم آلهتهم والشركاء من الشرك والإضافة إضافة تخصيص أي: الشركاء الذين أشركوا بينهم وبين الله في القربة وليس معناه الإضافة إلى فاعل ولا مفعول.
وقيل: سموا شركاء لأنهم نزلوها منزلة الشركاء في أموالهم فتكون إضافة إما إلى الفاعل فالتقدير وهذا لأصنامنا التي تشركنا في أموالنا، وإما إلى المفعول فالتقدير التي شركناها في أموالنا.
وقال ابن عطية: سموهم شركاء على معتقدهم فيهم أنهم يساهمونهم في الخير والشر، ومعنى {فلا يصل إلى الله} أي لا يقع موقع ما يصرف في وجوه البر من الصدقة على المساكين وزوّار بيت الله ونحوها، ولو فعلوا ذلك لم ينفع لأنهم أشركوا أو لا يصل البتة إلى تلك الوجوه المقصود بها التقرب إلى الله.
وقال الحسن: كانوا إذا هلك الذي لأوثانهم أخذوا بدله مما لله ولا يفعلون مثل ذلك لله.
وقيل: كانوا يصرفون مما جعلوه لله إلى سدنة الأصنام ولا يتصدّقون بشيء مما جعلوه للأوثان، ومعنى {فهو يصل إلى شركائهم} بإنفاق عليها بذبح نسائك عندها والآخر للنفقة على سدنتها.
وقال ابن عطية: جمهور المتأوّلين أن المراد بقوله: {فلا يصل} وقوله: {يصل} ما قدمنا ذكره من حمايتهم نصيب آلهتهم في هبوب الريح وغير ذلك.
وقال ابن زيد: إنما ذلك في أنهم كانوا إذا ذبحوا لله وذكروا آلهتهم على ذلك الذبح، وإذا ذبحوا لآلهتهم لم يذكروا الله قال: {فلا يصل} إلى ذكر وقال: {فهو يصل} إلى ذكر الله؛ انتهى.
وظاهر الآية يدل على أن ما جعلوه نصيبًا لشركائهم فلا يصرف منه شيء في وجوه البر الذي يقتضيها وجهه، وما جعلوه نصيبًا لله أنفق في مصاريف آلهتهم {ساء ما يحكمون} هذه ذمّ بالغ عام لأحكامهم فيندرج فيه حكمهم هذا السابق وغيره.
وقال الزمخشري: في إيثارهم آلهتهم على الله وعملهم ما لم يشرع لهم.
وقال الماتريدي: أي بئس الحكم حكمهم حيث قرنوا حقي بحق الأصنام وبخسوني.
وقيل: {ساء ما يحكمون} لأنفسهم، والظاهر أن {ساء} هنا مجراة مجرى بئس في الذمّ كقوله: {قل بئسما يأمركم} والخلاف الجاري في {بئسما} وإعراب ما جاريا هنا وتقدم ذلك مستوفى في قوله: {بئسما اشتروا به أنفسهم} في البقرة وعلى أن حكمهما حكم {بئسما} فسرها الماتريدي فقال: بئس الحكم حكمهم وأعربها الحوفي وجعل ما موصولة بمعنى الذي قال والتقدير ساء الذي يحكمون حكمهم، فيكون حكمهم رفعًا بالابتداء وما قبله الخبر وحذف لدلالة {يحكمون} عليه.
ويجوز أن يكون ما تمييزًا على مذهب من يجيز ذلك في {بئسما} فيكون في موضع نصب التقدير {ساء} حكمًا حكمهم ولا يكون {يحكمون} صفة لما لأن الغرض الإبهام ولكن في الكلام حذف يدل ما عليه والتقدير سا ما {ما يحكمون}.
وقال ابن عطية: و{ما} في موضع رفع كأنه قال: ساء الذي يحكمون ولا يتجه عندي أن تجري هنا {ساء} مجرى نعم وبئس لأن المفسر هنا مضمر ولابد من إظهاره باتفاق من النحاة، وإنما اتجه أن يجري مجرى بئس في قوله: {ساء مثلًا القوم} لأن المفسر ظاهر في الكلام؛ انتهى.
وهذا قول من شدا يسيرًا من العربية ولم يرسخ قدمه فيها بل إذا جرى ساء مجرى نعم وبئس كان حكمها حكمها سواء لا يختلف في شيء البتة من فاعل مضمر أو ظاهر وتمييز، ولا خلاف في جواز حذف المخصوص بالمدح والذمّ والتمييز فيها لدلالة الكلام عليه فقوله: لأن المفسر هنا مضمر ولابد من إظهاره باتفاق النحاة إلى آخره كلام ساقط ودعواه الاتفاق مع أن الاتفاق على خلاف ما ذكر عجب عجاب. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَجَعَلُواْ} شروعٌ في تقبيح أحوالِهم الفظيعةِ بحكاية أقوالِهم وأفعالِهم الشنيعةِ (وهم مشركو العربِ كانوا يُعيِّنون أشياءَ من حرث ونتاج لله تعالى وأشياءَ منهما لآلهتهم فإذا رأوا ما جعلوه لله تعالى زاكيًا ناميًا يزيد في نفسه خيرًا رجَعوا فجعلوه لآلهتهم، وإذا زكا ما جعلوه لآلهتهم تركوه معتلِّين بأن الله تعالى غنيٌّ وما ذاك إلا لحب آلهتِهم وإيثارِهم لها)، والجعلُ إما متعدَ إلى واحد فالجارّان في قوله تعالى: {لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ} متعلقان به، ومِنْ في قوله تعالى: {مِنَ الحرث والأنعام} بيانٌ لما، وفيه تنبيهٌ على فرط جهالتِهم حيث أشركوا الخالقَ في خلقه جمادًا لا يقدِر على شيء ثم رجّحوه عليه بأن جعلوا الزكيَّ له، أي عيَّنوا له تعالى مما خلقه من الحرث والأنعام {نَصِيبًا} يصرِفونه إلى الضِيفان والمساكينِ، وتأخيرُه عن المجرورَيْن لما مرَّ مرارًا من الاهتمام بالمقدَّمِ والتشويقِ إلى المؤخر، وإما إلى مفعولين أولُهما مما ذرأ على أن مِنْ تبعيضيةٌ أي جعلوا بعضَ ما خلقه نصيبًا له وما قيل من أن الأولَ نصيبًا والثاني لله لا يساعده سَدادُ المعنى، وحكايةُ جعلِهم له تعالى نصيبًا تدل على أنهم جعلوا لشركائهم أيضًا نصيبًا، ولم يُذْكر اكتفاءً بقوله تعالى: {فَقَالُواْ هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وهذا لِشُرَكَائِنَا} وقرئ بضم الزاءِ، وهو لغةٌ فيه، وإنما قُيِّد به الأولُ للتنبيه على أنه في الحقيقة ليس بجعلٍ لله تعالى، غيرُ مستتبِعٍ لشيء من الثواب كالتطوعات التي يُبتغى بها وجهُ الله تعالى لا لما قيل من أنه للتنبيه على أن ذلك مما اخترعوه ولم يأمرهم الله تعالى به فإن ذلك مستفادٌ من الجعل، ولذلك لم يقيَّدْ به الثاني، ويجوز أن يكون ذلك تمهيدًا لما بعده على معنى أن قولَهم هذا لله مجرَّدُ زعمٍ منهم لا يعملون بمقتضاه الذي هو اختصاصُه به تعالى فقوله تعالى: {فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى الله وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إلى شُرَكَائِهِمْ} بيانٌ وتفصيلٌ له أي فما عيَّنوه لشركائهم لا يُصرَف إلى الوجوه التي يُصرف إليها ما عيّنوه لله تعالى من قِرى الضِيفان والتصدقِ على المساكين وما عيَّنوه لله تعالى إذا وجدوه زاكيًا يُصرف إلى الوجوه التي يُصرف إليها ما عيّنوه لآلهتهم من إنفاق عليها وذبحِ نسائِكَ عندها والإجراءِ على سَدَنتها ونحو ذلك {سَاء مَا يَحْكُمُونَ} فيما فعلوا من إيثار آلهتِهم على الله تعالى وعملهم بما لم يُشرَعْ لهم و(ما) بمعنى الذي، والتقديرُ ساء الذي يحكُمون حكمَهم فيكون حكمُهم مبتدأً وما قبله الخبرُ وحُذف لدِلالة يحكُمون عليه. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَجَعَلُواْ} أي مشركو العرب {لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ} أي خلق.
قال الراغب: الذرء، إظهار الله تعالى ما (أبدعه) يقال: ذرأ الله تعالى الخلق أي أوجد أشخاصهم، وقال الطبرسي: الذرء الخلق على وجه الاختراع وأصله الظهور ومنه ملح ذرْآني (وذَرَآني) لظهور بياضه.
و(من) متعلقة بجعل و(ما) موصولة وجملة {ذَرَأَ} صلته والعائد محذوف.
وقوله سبحانه: {مِنَ الحرث والأنعام} متعلق بذرأ.
وجوز أبو البقاء أن يكون {مّمَّا} متعلقًا بمحذوف وقع حالًا من قوله تعالى: {نَصِيبًا} وأن يكون {مِنَ الحرث} حالًا أيضًا من ما أو من العائد المحذوف.
و{نَصِيبًا} على كل تقدير مفعول جعل وهو متعد لواحد، وجوز أن يكون متعديًا لاثنين أولهما {مِمَّا ذَرَأَ} على أن من تبعيضية وثانيهما {نَصِيبًا}، وقيل: الأمر بالعكس.
واعترض بأنه لا يساعده سداد المعنى، وأيًا ما كان فهذا شروع في تقبيح أحوالهم الفظيعة بحكاية أقوالهم وأفعالهم الشنيعة.
أخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال في الآية: إنهم كانوا إذا احترثوا حرثًا أو كانت لهم ثمرة جعلوا لله تعالى منه جزءًا وجزءًا للوثن فما كان من حرث أو ثمرة أو شيء من نصيب الأوثان حفظوه وأحصوه فإن سقط شيء مما سمي للصمد ردوه إلى ما جعلوه للوثن وإن سبقهم الماء الذي جعلوه للوثن فسقي شيئًا مما جعلوه لله تعالى جعلوه للوثن وإن سقط شيء من الحرث والثمرة الذي جعلوه لله تعالى فاختلط بالذي جعلوه للوثن قالوا: هذا فقير ولم يردوه إلى ما جعلوا لله تعالى وإن سبقهم الماء الذي سموا لله تعالى فسقي ما سموا للوثن تركوه للوثن، وكانوا يحرمون من أنعامهم البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي فيجعلونه للأوثان ويزعمون أنهم يحرمون لله سبحانه.
وروي أنهم كانوا يعينون شيئًا من حرث ونتاج لله تعالى فيصرفونه إلى الضيفان والمساكين وأشياء منهما لآلهتهم فينفقون منها لسدنتها ويذبحون عندها فإذا رأوا ما جعلوه لله تعالى زاكيًا ناميًا يزيد في نفسه خيرًا رجعوا فجعلوه لآلهتهم وإذا زكا ما جعلوه لآلهتهم تركوه معتلين بأن الله تعالى غني وما ذاك إلا لفرط جهلهم حيث أشركوا الخالق القادر جمادًا لا يقدر على شيء ثم رجحوه عليه سبحانه بأن جعلوا الزاكي له، واختار هذه الرواية الزجاج وغيره.
وأصل النظم الكريم وجعلوا لله إلخ ولشركائهم فطوى ذكر الشركاء لأنه على ما قيل أمر محقق عندهم وأشير إلى تقديره بالتصريح به في قوله تعالى: {فَقَالُواْ هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وهذا لِشُرَكَائِنَا} أي الأوثان، وسموهم شركاءهم لأنهم جعلوا لهم نصيبًا من أموالهم فهم شركاؤهم فيها: ويحتمل أن الإضافة لأدنى ملابسة حيث إنهم زعموا كونهم شركاء لله تعالى.
وقرأ الكسائي ويحيى بن وثاب والأعمش {بِزَعْمِهِمْ} بضم الزاي وهو لغة فيه، وجاء الكسر أيضًا فهو مثلث كالود وقد تقدم معناه، وإنما قيد به الأول للتنبيه على أنه في الحقيقة ليس يجعل لله سبحانه غير مستتبع لشيء من الثواب كالتطوعات التي يبتغى بها وجه الله تعالى، وقيل: للإيذان بأن ذلك مما اخترعوه لم يأمرهم الله تعالى به.
ورد بأن ذلك مستفاد من الجعل ولذلك لم يقيد به الثاني.
وجوز أن يكون ذلك تمهيدًا لما بعده على أن معنى قولهم: {هذا لِلَّهِ} مجرد زعم منهم لا يعلمون بمقتضاه الذي هو اختصاصه به تعالى.
فقوله سبحانه: {فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى الله وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إلى شُرَكَائِهِمْ} بيان وتفصيل له أي فما عينوه لشركائهم لا يصرف إلى الوجوه التي يصرف إليها ما عينوه لله تعالى وما عينوه لله تعالى يصرف إلى الوجوه التي يصرف إليها ما عينوه لآلهتهم {سَاء مَا يَحْكُمُونَ} فيما فعلوا من إيثار مخلوق عاجز عن كل شيء على خالق قادر على كل شيء وعملهم بما لم يشرع لهم، و{سَاء} يجري مجرى بئس، فما سواء كانت موصولة أو موصوفة فاعل، والمخصوص بالذم محذوف أي حكمهم هذا، وقيل: إن {سَاء} هنا غير الجارية مجرى بئس فلا تحتاج إلى مخصوص بالذم بل إلى فاعل فقط فإن فاعل الجارية يجب أن يكون معرفًا باللام أو مضافًا في الأشهر، واختاره بعض المحققين. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا} عطف على نظائره ممّا حكيت فيه أقوالهم وأعمالهم من قوله: {وما قدروا الله حقّ قدره إذ قالوا ما أنزل اللَّه على بشر من شيء} [الأنعام: 91] وقوله: {وجعلوا لله شركاء الجنّ} [الأنعام: 100] وقوله: {وأقسموا بالله جَهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنُنّ بها} [الأنعام: 109] وقوله: {وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله} [الأنعام: 124] وما تخلّل ذلك فهو إبطال لأقوالهم، ورد لمذاهبهم، وتمثيلات ونظائر، فضمير الجماعة يعود على المشركين الّذين هم غرض الكلام من أوّل السّورة من قوله: {ثم الذين كفروا بربّهم يعدلون} [الأنعام: 1].
وهذا ابتداءُ بيان تشريعاتهم الباطلة، وأوّلُها مَا جعلوه حقًّا عليهم في أموالهم للأصنام: ممّا يشبه الصّدقات الواجبة، وإنَّما كانوا يوجبونها على أنفسهم بالالتزام مثل النّذور، أو بتعيين من الّذين يشرعون لهم كما سيأتي.
والجعل هنا معناه الصّرف والتّقسيم، كما في قول عمر في قضيّة: ما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم المختصم فيها العبّاس وعليّ رضي الله عنهم «فيجعَلُه رسولُ اللَّه مجعل ماللِ اللَّه» أي يضعه ويصرفه، وحقيقة معنى الجعل هو التّصيير، فكما جاء صيّر لمعان مجازية، كذلك جاء (جعل)، فمعنى {وجعلوا لله}: صرفوا ووضعوا لله، أي عيّنوا له نصيبًا، لأنّ في التّعيين تصييرًا تقديريًا ونقلًا.
وكَذلِك قول النّبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي طلحةَ: «أرى أن تجعلَها في الأقربِين» أي أن تصرفها إليهم، و{جعل} هذا يتعدّى إلى مفعول واحد، وهذه التّعدية هي أكثر أحوال تعديته، حتّى أنّ تعديته إلى مفعولين إنَّما ما في الحقيقة مفعولٌ وحالٌ منه.
ومعنى: {ذرأ} أنشأ شيئًا وكثّره.
فأطلق على الإنماء لأنّ إنشاء شيء تكثير وإنماء.