فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومعنى التّزيين التّحسين، وتقدّم عند قوله تعالى: {كذلك زيَّنَّا لكلّ أمّة عملهم} في هذه السورة.
ومعنى تزيين ذلك هنا أنَّهم خيَّلوا لهم فوائد وقُرَبًا في هذا القتل، بأن يُلقوا إليهم مَضرّة الاستجداء والعار في النّساء، وأنّ النّساء لا يرجى منهنّ نفع للقبيلة، وأنَّهنّ يُجَبِّنّ الآباء عند لقاء العدوّ، ويؤثرن أزواجهن على آبائهن، فقتلهنّ أصلَحُ وأنفع من استبقائهن، ونحوَ هذا من الشّبه والتّمويهات، فيأتونهم من المعاني الّتي تروج عندهم، فإنّ العرب كانوا مُفرطين في الغيرة، والجموح من الغلب والعار كما قال النّابغة:
حِذَارًا على أنْ لاَ تُنَالَ مَقَادَتِي ** ولا نسوتي حتَّى يَمُتْنَ حَرائرًا

وإنَّما قال: {لكثير من المشركين} لأنّ قتل الأولاد لم يكن يأتيه جميع القبائل، وكان في ربيعة ومضر، وهما جمهرة العرب، وليس كلّ الآباء من هاتين القبيلتين يفعله.
وأسند التّزيين إلى الشّركاء: إمّا لإرادة الشّياطين الشّركاءِ، فالتّزيين تزيين الشّياطين بالوسوسة، فيكون الإسناد حقيقة عقليّة، وإمّا لأنّ التّزيين نشأ لهم عن إشاعة كبرائهم فيهم، أو بشرع وضعه لهم مَن وضَع عبادة الأصنام وفرض لها حقوقًا في أموالهم مثل عَمْرو بن لُحَي، فيكون إسناد التّزيين إلى الشّركاء مجازًا عقليًا لأنّ الأصنام سبب ذلك بواسطةٍ أو بواسطتين، وهذا كقوله تعالى: {فما أغنت عنهم آلِهَتُهم التي يَدْعُون من دون الله من شيء لمّا جاء أمر ربّك وما زادوهم غير تتبيب} [هود: 101].
والمعنيّ بقتل الأولاد في هذه الآية ونحوها هو الوأْد، وهو دفن البنات الصغيرات أحياء فيمتن بغمّة التّراب، كانوا يفعلون ذلك خشية الفقر، كما قال تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم خَشيةَ إملاق} [الإسراء: 31]، وخشيةَ أن تفتضح الأنثى بالحاجة إذا هلك أبوها، أو مخافة السّباء، وذكر في الروض الأنُف عن النّقّاش في تفسيره: أنَّهم كانوا يئدون من البنات من كانت زَرقاء أو برشاء، أو شَيْماء، أو رَسْحاءَ، تشاؤما بِهنّ وهذا من خَوَر أوْهَامهم وأنّ ذلك قوله تعالى: {وإذا الموءودة سُئِلت بأي ذنب قتلت} [التكوير: 8، 9]، وقيل: كانوا يفعلون ذلك من شدّة الغيرة خشية أن يأتين ما يَتعيَّر منه أهلهنّ.
وقد ذكر المبرّد في الكامل، عن أبي عبيدة: أنّ تميمًا مَنَعت النّعمانَ بن المُنذر الإتاوة فوجّه إليهم أخاه الريان بن المنذر فاستاق النّعم وسبَى الذّراري، فوفدت إليه بنو تميم فأنابوا وسألوه النّساء فقال النّعمان: كلّ امرأة اختارت أباها رُدّت إليه وإن اختارت صاحبها (أي الّذي صارت إليه بالسبي) تُركت عليه فكُلّهنّ اختارت أباها إلاّ ابنة لقيس بن عاصم اختارت صاحبَها عمرو بن المشمرِج، فنذر قيس أن لا تولد له ابنة إلاّ قتلها فهذا شيء يَعتلّ به مَنْ وأدوا، يقولون: فعلناه أنفة، وقد أكذب الله ذلك في القرآن، أي بقوله: {قد خَسِر الذين قتلوا أولادهم سَفَهًا} [الأنعام: 140].
وذكر البخاري، أنّ أسماء بنت أبي بكر، قالت: كان زيدُ بن عَمرو بن نُفَيل يُحيي الموءودة، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: لا تقتُلْها أنا أكفيكَ مؤونتها، فيأخذها فإذا ترعرعت قال لأبيها: إن شئتَ دفعتُها إليك وإن شئتَ كفيتك مؤونتها.
والمعروف أنَّهم كانوا يئدون البنت وقت ولادتها قبل أن تراها أُمّها، قال الله تعالى: {وإذَا بشِّر أحدهم بالأنْثى ظَلّ وجهه مُسْوَدّا وهو كظيم يتوارى من القوم من سُوء ما بشِّر به أيُمْسِكه على هُون أم يدسّه في التّراب ألاَ ساء ما يحكمون} [النحل: 58، 59].
وكان صعصعة بن معاوية من مجاشع، وهو جدّ الفرزدق، يفدي الموءودة، يفعل مثل فعل زيد بن عمرو بن نفيل.
وقد افتخر الفرزدق بذلك في شعره في قوله:
ومنّا الّذي منع الوائداتْ ** وأحيا الوئيد فلم تُوءَد

وقد أدرك جدّه الإسلام فأسلم.
ولا يعرف في تاريخ العرب في الجاهليّة قتل أولادهم غير هذا الوأد إلاّ ما ورد من نذر عبد المطّلب الّذي سنذكره، ولا ندري هل كان مثل ذلك يقع في الجاهليّة قبل عبد المطّلب أو أنّه هو الذي ابتكر ذلك ولم يتابَع عليه.
ولا شكّ أنّ الوأد طريقة سنّها أئمّة الشّرك لقومهم، إذ لم يكونوا يصدرون إلاّ عن رأيهم، فهي ضلالة ابتدعوها لقومهم بعلّة التخلّص من عوائق غزوهم أعداءَهم، ومن معرّة الفاقة والسباء، وربّما كان سدنة الأصنام يحرّضونهم على إنجاز أمر الموءودة إذا رأوا من بعضهم تثاقلا، كما أشار إليه الكشاف إذ قال: والمعنى أنّ شركاؤهم من الشّياطين أو من سدنة الأصنام زيَّنوا لهم قتل أولادهم بالوأد أو بالنّحر.
وقال ابن عطيّة: والشّركاء على هذه القراءة هم الّذين يتناولون وأد بنات الغير فهم القاتلون.
وفي قصّة عبد المطّلب ما يشهد لذلك فإنَّه نذر إن رزقه الله عشرة أولاد ذكور، ثمّ بلغوا معه أن يمنعوه من عدوّه، لينحرنّ أحدهم عند الكعبة، فلمّا بلغ بنوه عشرة بهذا المبلغ دَعاهم إلى الوفاء بنذره فأطاعوه واستقسم بالأزلام عند (هُبل) الصّنم وكان (هبل) في جوف الكعبة، فخرج الزلم على ابنه عبد الله فأخذه ليذبحه بين (إساف) و(نائلة) فقالت له قريش: لا تذبحْه حتّى تُعذِر فيه، فإن كان له فداء فديناه، وأشاروا عليه باستفتاء عَرّافة بخيبرَ فركبوا إليها فسألوها وقصّوا عليها الخبر فقالت: قَرّبوا صاحبكم وقَرّبوا عشرًا من الإبل ثمّ اضربوا عليها وعليه بالقداح فإن خرجتْ على صاحبكم فزيدوا من الإبل حتّى يرضى رَبّكم، وكذلك فعلوا فخرج القِدح على عبد الله، فلم يزل عبد المطلب يزيد عشرًا من الإبل ويضرب عليها بالقداح ويخرج القِدح على عبد الله حتّى بلغت الإبل مائة فضرب عليها فخرج القِدح على الإبل فنحرها.
ولعلّ سدنة الأصنام كانوا يخلطون أمر الموءودة بقصد التقرّب إلى أصنام بعض القبائل كما كانت سنّة موروثة في الكنعانيين من نَبط الشّام يقرّبون صبيانهم إلى الصنم ملوك، فتكون إضافة القتل إلى الشّركاء مستعملة في حقيقتها ومجازها. اهـ.

.قال الفخر:

قرأ ابن عامر وحده {زُيّنَ} بضم الزاء وكسر الياء، وبضم اللام من {قَتْلَ} و{أولادهم} بنصب الدال {شُرَكَائِهِمْ} بالخفض والباقون {زيّنَ} بفتح الزاي والياء {قَتْلَ} بفتح اللام {أولادهم} بالجر {شُرَكَاؤُهُمْ} بالرفع.
أما وجه قراءة ابن عامر فالتقدير: زين لكثير من المشركين قتل شركائهم أولادهم، إلا أنه فصل بين المضاف، والمضاف إليه بالمفعول به وهو الأولاد، وهو مكروه في الشعر كما في قوله:
فزججتها بمزجة ** زج القلُوصَ أبي مزاده

وإذا كان مستكرهًا في الشعر فكيف في القرآن الذي هو معجز في الفصاحة.
قالوا: والذي حمل ابن عامر على هذه القراءة أنه رأى في بعض المصاحف {شُرَكَائِهِمْ} مكتوبًا بالياء، ولو قرأ بجر الأولاد والشركاء، لأجل أن الأولاد شركاؤهم في أموالهم لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب.
وأما القراءة المشهورة: فليس فيها إلا تقديم المفعول على الفاعل، ونظيره قوله: {لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} [الأنعام: 158] وقوله: {وَإِذِ ابتلى إبراهيم رَبُّهُ} [البقرة: 124] والسبب في تقديم المفعول هو أنهم يقدمون الأهم، والذي هم بشأنه أعنى وموضع التعجب هاهنا إقدامهم على قتل أولادهم، فلهذا السبب حصل هذا التقدير.
ثم قال تعالى: {لِيُرْدُوهُمْ} والإرداء في اللغة الإهلاك، وفي القرآن {إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ} [الصافات: 56] قال ابن عباس: ليردوهم في النار، واللام هاهنا محمولة على لام العاقبة كما في قوله: {فالتقطه ءالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8] {وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ} أي ليخلطوا، لأنهم كانوا على دين إسماعيل، فهذا الذي أتاهم بهذه الأوضاع الفاسدة، أراد أن يزيلهم عن ذلك الدين الحق. اهـ.

.قال الطبري:

واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته قرأة الحجاز والعراق: {وَكَذَلِكَ زَيَّن}، بفتح الزاي من {زين}، {لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ}، بنصب القتل، {شُرَكَاؤُهُمْ}، بالرفع بمعنى أن شركاء هؤلاء المشركين، الذين زينوا لهم قتلَ أولادهم فيرفعون الشركاء بفعلهم، وينصبون القتل، لأنه مفعول به.
وقرأ ذلك بعض قرأة أهل الشام: {وَكَذَلِكَ زُيِّنَ} بضم الزاي {لِكَثِيرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ قَتْلُ} بالرفع {أَوْلادَهُمْ} بالنصب {شُرَكَائِهِمْ} بالخفض بمعنى: وكذلك زُيِّن لكثير من المشركين قتلُ شركائهم أولادَهم، ففرّقوا بين الخافض والمخفوض بما عمل فيه من الاسم. وذلك في كلام العرب قبيح غير فصيح. وقد روي عن بعض أهل الحجاز بيت من الشعر يؤيِّد قراءة من قرأ بما ذكرت من قرأة أهل الشام، رأيتُ رواة الشعر وأهل العلم بالعربية من أهل العراق ينكرونه، وذلك قول قائلهم:
فَزَجَجْتُهُ مُتَمَكِّنًا ** زَجَّ القَلُوصَ أَبي مَزَادَهْ

قال أبو جعفر: والقراءة التي لا أستجيز غيرها: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ}، بفتح الزاي من {زين}، ونصب القتل بوقوع {زين} عليه، وخفض {أولادهم} بإضافة القتل إليهم، ورفع الشركاء بفعلهم، لأنهم هم الذين زينوا للمشركين قتلَ أولادهم، على ما ذكرتُ من التأويل.
وإنما قلت: لا أستجيز القراءة بغيرها، لإجماع الحجة من القرأة عليه، وأن تأويل أهل التأويل بذلك ورد، ففي ذلك أوضح البيان على فساد ما خالفها من القراءة.
ولولا أن تأويل جميع أهل التأويل بذلك ورد، ثم قرأ قارئ: وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ المُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلادَهُمْ شُرَكَائِهِمْ، بضم الزاي من زين، ورفع القتل، وخفض الأولاد والشركاء، على الأولاد شركاء آبائهم في النسب والميراث كان جائزًا.
ولو قرأه كذلك قارئ، غير أنه رفع الشركاء وخفض الأولاد، كما يقال: ضُرِبَ عبدُ الله أخوك، فيظهر الفاعل، بعد أن جرى الخبر بما لم يسمَّ فاعله كان ذلك صحيحًا في العربية جائزًا. اهـ.

.قال السمرقندي:

قرأ ابن عامر ومن تابعه من أهل الشام {وكذلك زُيّنَ} بضم الزاي {قَتْلَ} بضم اللام {أولادهم} بفتح الدال {شُرَكَائِهِمْ} بالخفض.
وإنما قرئ {زُيّنَ} بالضم على فعل ما لم يسم فاعله ومعناه: قتل شركائهم على معنى التقديم، وهم أولادهم لأن أولادهم شركاؤهم في أموالهم، فصار شركاؤهم نعتًا للأولاد، وصار الأولاد نصبًا على وجه التفسير.
وقرأ الباقون {زُيّنَ} بالنصب لأنه فعل ماض {شُرَكَاؤُهُمْ} بالضم لأنه جعل الشركاء على وجه الفاعل.
ثم قال: {لِيُرْدُوهُمْ} يعني: ليهلكوهم بذلك {وَلِيَلْبِسُواْ} يعني: ليخلطوا وليشبهوا {عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ} يعني: دين إبراهيم وإسماعيل. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

وقرأ ابن عامر بضم الزاي وكسر الياء ورفع لام قتل ونصب دال أولادهم وشركائهم بالياء مكسورة الهمزة بإضافة القتل إليه مفصولًا بينهما بمفعوله قال البيضاوي تبعًا للزمخشري: وهو ضعيف في العربية معدود من ضرورة الشعر. اهـ.
قال الخطيب الشربيني:
وقد أنكر جماعة على الزمخشري في ذلك بأن القراءة المذكورة صحيحة متواترة وتركيبها صحيح في العربية فلا يجوز الطعن فيها ولا في ناقلها.
قال التفتازاني: وهذا على عادته يطعن في متواتر القراآت السبع ويسند الخطأ تارة إليهم كما هنا وتارة إلى الرواية عنهم وكلاهما خطأ لأنّ القراآت متواترة، وكذا الروايات عنهم، وأطال في بيان ذلك وقال ابن مالك في كافيته: إضافة المصدر إلى الفاعل مفصولًا بينهما بمفعول المصدر جائزة في الاختيار إذ لا محذور فيها مع أنّ الفاعل كجزء من عامله فلا يضر فصله وإضافة القتل إلى الشركاء لأمرهم. اهـ.

.قال الشوكاني:

قرأ الجمهور {زين} بالبناء للفاعل ونصب {قتل} على أنه مفعول زيَّن، وجرّ أولاد بإضافة قتل إليه، ورفع شركاؤهم على أنه فاعل زين، وقرأ الحسن بضم الزاي ورفع قتل وخفض أولاد، ورفع شركاؤهم على أن قتل هو نائب الفاعل، ورفع شركاؤهم بتقدير يجعل يرجعه، أي زينه شركاؤهم، ومثله قول الشاعر:
ليبك يزيد ضارع لخصومة ** ومختبط ما تطيح الطوائح

أي يبكيه ضارع، وقرأ ابن عامر، وأهل الشام بضم الزاي، ورفع قتل، ونصب أولاد، وخفض شركائهم على أن قتل مضاف إلى شركائهم، ومعموله أولادهم، ففيه الفصل بين المصدر وما هو مضاف إليه بالمفعول، ومثله في الفصل بين المصدر وما أضيف إليه، قول الشاعر:
تمرّ على ما تستمرّ وقد شفت ** غلائل عبد القيس منها صدورها

بجر صدورها، والتقدير: شفت عبد القيس غلائل صدورها.
قال النحاس: إن هذه القراءة لا تجوز في كلام ولا في شعر، وإنما أجاز النحويون التفريق بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الشعر لاتساعهم في الظروف، وهو أي الفصل بالمفعول به في الشعر بعيد، فإجازته في القرآن أبعد.
وقال أبو غانم أحمد بن حمدان النحوي: إن قراءة ابن عامر لا تجوز في العربية وهي زلة عالم، وإذا زلّ العالم لم يجز اتباعه، وردّ قوله إلى الإجماع، وإنما أجازوا في الضرورة للشاعر أن يفرّق بين المضاف والمضاف إليه بالظرف، كقول الشاعر:
كما خط الكتاب بكف يوما ** يهودي يقارب أو يزيل

وقول الآخر:
لله درّ اليوم من لامها

وقال قوم ممن انتصر لهذه القراءة: إنها إذا ثبتت بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهي فصيحة لا قبيحة.
قالوا: وقد ورد ذلك في كلام العرب، وفي مصحف عثمان رضي الله عنه {شركايهم} بالياء.
وأقول: دعوى التواتر باطلة بإجماع القراء المعتبرين، كما بينا ذلك في رسالة مستقلة، فمن قرأ بما يخالف الوجه النحوي فقراءته ردّ عليه، ولا يصح الاستدلال لصحة هذه القراءة بما ورد من الفصل في النظم كما قدّمنا، وكقول الشاعر:
فزججتها بمزجَة ** زج القلوص أبي مزاده

فإن ضرورة الشعر لا يقاس عليها، وفي الآية قراءة رابعة وهي جرّ الأولاد والشركاء، ووجه ذلك أن الشركاء بدل من الأولاد لكونهم شركاءهم في النسب والميراث.
قوله: {لِيُرْدُوهُمْ} اللام لام كي، أي لكي يردوهم، من الإرداء وهو الإهلاك {وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ} معطوف على ما قبله، أي فعلوا ذلك التزيين لإهلاكهم ولخلط دينهم عليهم. اهـ.

.قال الألوسي:

وقرأ ابن عامر {زُيّنَ} بالبناء للمفعول الذي هو القتل، ونصب الأولاد وجر الشركاء بإضافة القتل إليه مفصولًا بينهما بمفعوله.
وعقب ذلك الزمخشري بأنه شيء لو كان في مكان الضرورات وهو الشعر لكان سمجًا مردودًا كما سمج ورد:
زج القلوص أبي مزادة

فكيف به في الكلام المنثور فكيف به في الكلام المعجز، ثم قال: والذي حمله على ذلك أنه رأى في بعض المصاحف {شُرَكَائِهِمْ} مكتوبًا بالياء، ولو قرأ بجر الأولاد والشركاء لكان الأولاد شركاؤهم لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب اهـ.