فصل: من فوائد ابن الجوزي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



كأنه قال يبكيه ضارع لخصومة، وأجاز قطرب أن يكون الشركاء في هذه القراءة ارتفعوا بالقتل كأن المصدر أضيق إلى المفعول، ثم ذكر بعده الفاعل كأنه قال إن قتل أولادهم شركاؤهم كما تقول حبب إليَّ ركوب الفرس زيد أي ركب الفرس زيد.
قال القاضي أبو محمد: والفصيح إذا أضيف مصدر إلى مفعول أن لا يذكر الفاعل، وأيضًا فالجمهور في هذه الآية على أن الشركاء مزينون لا قاتلون، والتوجيه الذي ذكر سيبويه هو الصحيح، ومنه قوله عز وجل على قراءة من قرأ {يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال} [النور: 36] بفتح الباء المشددة أي يسبَّح رجال وقرأ ابن عامر {وكذلك زُين} بضم الزاي {قتلُ} بالرفع {أولادَهم} بنصب الدال {شركائِهم} بخفض الشركاء، وهذه قراءة ضعيفة في استعمال العرب، وذلك أنه أضاف القتل إلى الفاعل وهو الشركاء، ثم فصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول ورؤساء العربية لا يجيزون الفصل بالظروف في مثل هذا إلا في الشعر كقوله أبو حية النميري: [الوافر]
كما خُطَّ بكفِّ يومًا ** يهوديَّ يقارِبُ أو يزيلُ

فكيف بالمفعول في أفصح الكلام؟ ولكن وجهها على ضعفها أنها وردت شاذة في بيت أنشده أبو الحسن الأخفش وهو: [مجزوء الكامل]
فَزَجَجْتُهُ بِمِزَجَّةٍ ** زَجَّ القُلُوصَ أبي مزادة

وفي بيت الطرماح وهو قوله: [الطويل]
يطفن بحوزيّ المرابعِ لَمْ يُرَعْ ** بواديهِ من قَرْعِ القِسِيُّ الكنائِن

والشركاء على هذه القراءة هم الذين يتأولون وأد بنات الغير فهم القاتلون، والصحيح من المعنى أنهم المزينون لا القاتلون، وذلك مضمن قراءة الجماعة.
وقرأ بعض أهل الشام ورويت عن ابن عامر {زِيْن} بكسر الزاي وسكون الياء على الرتبة المتقدمة من الفصل بالمفعول، وحكى الزهراوي أنه قرأت فرقة من أهل الشام {وكذلك زُين} بضم الزاي {قتلُ} بالرفع {أولادِهم} بكسر الدال {وشركائِهم} بالخفض والشركاء على هذه القراءة هم الأولاد الموءودون لأنهم شركاء في النسب والمواريث، وكأن وصفهم بأنهم شركاء يتضمن حرمة لهم وفيها بيان لفساد الفعل إذ هو قتل من له حرمة.
و{ليردوهم} معناه ليهلكوهم من الردى، {وليلبسوا} معناه ليخلطوا، والجماعة على كسر الباء، وقرأ إبراهيم النخعي {وليَلبسوا} بفتح الباء، قال أبو الفتح: هي استعارة من اللباس عبارة عن شدة المخالطة، وهذان الفعلان يؤيدان أول قراءة في ترتيبنا في قوله: {وكذلك زين}. وقوله تعالى: {ولو شاء الله ما فعلوه} يقتضي أن لا شيء إلا بمشيئة الله عز وجل، وفيها رد على من قال بأن المرء يخلق أفعاله، وقوله تعالى: {فذرهم} وعيد محض، و{يفترون} معناه يختلقون من الكذب في تشرعهم بذلك واعتقادهم أنها مباحات لهم. اهـ.

.من فوائد ابن الجوزي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وكذلك زين} أي: ومثل ذلك الفعل القبيح فيما قسموا بالجهل زيَّن.
قال ابن الأنباري: ويجوز أن يكون {وكذلك} مستأنفًا، غير مشارٍ به إلى ما قبله، فيكون المعنى: وهكذا زيَّن.
وقرأه الجمهور: {زَيَّن} بفتح الزاي والياء، ونصب اللام من {قَتْلَ}، وكسر الدال من {أولادِهم}، ورفع الشركاءُ؛ وجه هذه القراءة ظاهر.
وقرأ ابن عامر: بضم زاي {زُيِّن}، ورفع اللام من {قتلُ} ونصب الدال من {أولادهم}، وخفض الشركاء.
قال أبو علي: ومعناها: قتلُ شركائهم أولادَهمُ؛ ففصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول به، وهذا قبيح، قليل في الاستعمال.
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، والحسن: {زُيِّن} بالرفع، {قتلُ} بالرفع أيضًا.
{أولادِهم} بالجر، {شركاؤُهم} رفعًا.
قال الفراء: رَفعَ القتل إذ لم يسمَّ فاعله؛ ورفع الشركاء بفعل نواه، كأنه قال: زيَّنه لهم شركاؤهم.
وكذلك قال سيبويه في هذه القراءة؛ قال: كأنه قيل: مَن زيَّنه؟ فقال: شركاؤهم.
قال مكي بن أبي طالب: وقد روي عن ابن عامر أيضًا أنه قرأ بضم الزاي، ورفع اللام، وخفض الأولاد والشركاء؛ فيصير الشركاء اسمًا للأولاد، لمشاركتهم للآباء في النسب والميراث والدِّين.
وللمفسرين في المراد بشركائهم أربعة أقوال:
أحدها: أنهم الشياطين، قاله الحسن، ومجاهد، والسدِّي.
والثاني: شركاؤهم في الشرك، قاله قتادة.
والثالث: قوم كانوا يخدمون الاوثان، قاله الفراء: والزجاج.
والرابع: أنهم الغُواة من الناس، ذكره الماوردي.
وإنما أضيف الشركاء إليهم، لأنهم هم الذين اختلقوا ذلك وزعموه.
وفي الذي زيَّنوه لهم من قتل أولادهم قولان:
أحدهما: أنه وأدْ البنات أحياءً خيفة الفقر، قاله مجاهد.
والثاني: أنه كان يحلف أحدهم أنه إن ولد له كذا وكذا غلامًا أن ينحر أحدهم، كما حلف عبد المطلب في نحر عبد الله، قاله ابن السائب، ومقاتل.
قوله تعالى: {ليُرْدوهم} أي: ليهلكوهم.
وفي هذه اللام قولان:
أحدهما: أنها لام كي.
والثاني: أنها لام العاقبة كقوله: {ليكون لهم عدوًا} [القصص: 8] أي: آل أمرهم إلى الردى، لا أنهم قصدوا ذلك.
قوله تعالى: {وليَلبسوا عليهم دينهم} أي: ليخلطوا.
قال ابن عباس: ليُدخلوا عليهم الشك في دينهم؛ وكانوا على دين إسماعيل، فرجعوا عنه بتزيين الشياطين.
قوله تعالى: {فذرهم وما يفترون} قال ابن عباس: كان أهل الجاهلية إذا دفنوا بناتهم قالوا: إن الله أمرنا بذلك؛ فقال: {فذرهم وما يفترون}؛ أي: يكذبون؛ وهذا تهديد ووعيد، فهو محكم.
وقال قوم: مقصوده ترك قتالهم، فهو منسوخ بآية السيف. اهـ.

.من فوائد القرطبي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وكذلك زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ المشركين قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} المعنى: فكما زَيّن لهؤلاء أن جعلوا لله نصيبًا ولأصنامهم نصيبًا كذلك زَيّن لكثير من المشركين قَتلَ أولادِهم شركاؤُهم.
قال مجاهد وغيره: زيّنت لهم قتل البنات مخافة العَيْلَة.
قال الفراء والزجاج: شركاؤهم هاهنا هم الذين كانوا يخدُمون الأوثان.
وقيل: هم الغُوَاة من الناس.
وقيل: هم الشياطين.
وأشار بهذا إلى الوَأد الخفِيّ وهو دفن البنت حية مخافةَ السِّبَاء والحاجة، وعدم ما حُرمْن من النصرة.
وسمى الشياطين شركاء لأنهم أطاعوهم في معصية الله فأشركوهم مع الله في وجوب طاعتهم.
وقيل: كان الرجل في الجاهلية يحلف بالله لئن وُلد له كذا وكذا غلامًا لينحرَنّ أحدهم؛ كما فعله عبد المطلب حين نذر ذبح ولده عبدِ الله.
ثم قيل: في الآية أربع قراءات، أصحها قراءة الجمهور: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} وهذه قراءة أهل الحرمين وأهل الكوفة وأهل البصرة.
{شركاؤهم} رفع بـ {زين}؛ لأنهم زَيّنوا ولم يقتلوا.
{قَتْل} نصب بـ{زين} و{أولادهم} مضاف إلى المفعول، والأصل في المصدر أن يضاف إلى الفاعل؛ لأنه أحدثه ولأنه لا يستغنى عنه ويستغنى عن المفعول؛ فهو هنا مضاف إلى المفعول لفظًا مضافٌ إلى الفاعل معنًى؛ لأن التقدير زَيّن لكثير من المشركين قتلهم أولادهم شركاؤهم، ثم حذف المضاف وهو الفاعل كما حذف من قوله تعالى: {لاَّ يَسْأَمُ الإنسان مِن دُعَاءِ الخير} [فصلت: 49] أي من دعائه الخير.
فالهاء فاعلة الدعاء، أي لا يسأم الإنسان من أن يدعو بالخير.
وكذا قوله: زيّن لكثير من المشركين في أن يقتلوا أولادهم شركاؤهم.
قال مكيّ: وهذه القراءة هي الاختيار؛ لصحة الإعراب فيها ولأن عليها الجماعة.
القراءة الثانية {زُيّن} بضم الزاي.
{لكثير من المشركين قتلُ} بالرفع.
{أولادِهم} بالخفض.
{شركاؤهم} بالرفع قراءة الحسن.
ابن عامر وأهل الشام {زُيّنَ} بضم الزاي {لكثير من المشركين قتلُ أولادَهم} برفع {قتل} ونصب {أولادهم}.
{شركائهم} بالخفض فيما حكى أبو عبيد؛ وحكى غيره عن أهل الشام أنهم قَرءوا {وكذلك زُيّنَ} بضم الزاي {لكثير من المشركين قتلُ} بالرفع {أولادِهم} بالخفض {شركائهم} بالخفض أيضًا.
فالقراءة الثانية قراءة الحسن جائزة، يكون {قتل} اسم ما لم يُسم فاعله، {شركاؤهم}؛ رفع بإضمار فعل يدل عليه {زَيّنَ}، أي زيّنه شركاؤهم.
ويجوز على هذا ضُرِب زيدٌ عمروٌ، بمعنى ضربه عمرو، وأنشد سيبويه:
لِيُبْك يَزِيدُ ضارِعٌ لخصومةٍ

أي يبكيه ضارع.
وقرأ ابن عامر وعاصم من رواية أبي بكر {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بالغدو والآصال رِجَالٌ} [النور: 36-37] التقدير يسبحه رجال.
وقرأ إبراهيم بن أبي عَبْلَة {قُتِلَ أَصْحَابُ الأخدود النار ذَاتِ الوقود} [البروج: 4 5] بمعنى قتلهم النار.
قال النحاس: وأما ما حكاه أبو عبيد عن ابن عامر وأهل الشام فلا يجوز في كلام ولا في شعر، وإنَّمَا أجاز النحويون التفريق بين المضاف والمضاف إليه بالظرف لأنه لا يَفصِل، فأما بالأسماء غير الظروف فلَحْنٌ.
قال مَكِّيّ: وهذه القراءة فيها ضعف للتفريق بين المضاف والمضاف إليه؛ لأنه إنما يجوز مثل هذا التفريق في الشعر مع الظروف لاتساعهم فيها وهو في المفعول به في الشعر بعيد، فإجازته في القراءة أبعد.
وقال المهدوِيّ: قراءة ابن عامر هذه على التفرقة بين المضاف والمضاف إليه، ومثله قول الشاعر:
فزَجَجْتُها بِمزجّة ** زَجَّ القَلوصَ أبي مَزاده

يريد: زجّ أبي مزادة القَلوصَ.
وأنشد:
تَمُرّ على ما تستمر وقد شفت ** غلائلَ عبدُ القيس منها صُدُورِها

يريد شفت عبدُ القيس غلائل صدورها.
وقال أبو غانم أحمد بن حمدان النحوي: قراءة ابن عامر لا تجوز في العربية؛ وهي زلّة عالم، وإذا زل العالم لم يجز اتباعه، ورُدّ قوله إلى الإجماع، وكذلك يجب أن يُرَدّ من زلّ منهم أو سها إلى الإجماع؛ فهو أولى من الإصرار على غير الصواب.
وإنما أجازوا في الضرورة للشاعر أن يفرق بين المضاف والمضاف إليه بالظرف؛ لأنه لا يفصل.
كما قال:
كما خُطّ الكتاب بكفِّ يومًا ** يَهودِيٍّ يُقَارِبُ أو يُزيلُ

وقال آخر:
كأنّ أصواتَ مِن إيغالهن بنا ** أواخِرِ المَيْسِ أصواتُ الفَرارِيج

وقال آخر:
لمّا رأت سَاتيدَما استعبرت ** لِلَّهِ دَرُّ اليومَ مَن لاَمَها

وقال القشيري: وقال قوم هذا قبيح، وهذا محال، لأنه إذا ثبتت القراءة بالتواتر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فهو الفصيح لا القبيح.
وقد ورد ذلك في كلام العرب وفي مصحف عثمان {شركائهم} بالياء وهذا يدل على قراءة ابن عامر.
وأضيف القتل في هذه القراءة إلى الشركاء؛ لأن الشركاء هم الذين زيّنوا ذلك وَدَعَوْا إليه؛ فالفعل مضاف إلى فاعله على ما يجب في الأصل، لكنه فرق بين المضاف والمضاف إليه، وقدّم المفعول وتركه منصوبًا على حاله؛ إذْ كان متأخرًا في المعنى، وأخر المضاف وتركه مخفوضًا على حاله؛ إذْ كان متقدّمًا بعد القتل.
والتقدير: وكذلك زُيّن لكثير من المشركين قَتْلُ شركائهم أولادَهم.
أي أَنْ قتلَ شركاؤهم أولادَهم.
قال النحاس: فأما ما حكاه غير أبي عبيد (وهي القراءة الرابعة) فهو جائز.
على أن تبدل شركاءهم من أولادهم؛ لأنهم شركاؤهم في النسب والميراث.
{لِيُرْدُوهُمْ} اللام لام كيّ.
والإرداء الإهلاك.
{وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ} الذي ارتضى لهم.
أي يأمرونهم بالباطل ويشككونهم في دينهم.
وكانوا على دين إسماعيل، وما كان فيه قتل الولد؛ فيصير الحق مغطًّى عليه؛ فبهذا يلبسون.
{وَلَوْ شَاءَ الله مَا فَعَلُوهُ} بيّن تعالى أن كفرهم بمشيئة الله.
وهو ردٌّ على القدرية.
{فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} يريد قولهم إن لله شركاء. اهـ.