فصل: اللغَة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.اللغَة:

{مَعْرُوشَاتٍ} مرفوعات على ما يحملها من العيدان.
{حَصَادِهِ} الحصاد: جمع الثمر كالجُذاذ.
{حَمُولَةً} الحمولة: الإِبل التي تحمل الأثقال على ظهورها.
{فَرْشًا} الفرش: الصغا التي لا تصلح للحمل كالفُصلان والعجاجيل قال الزجاج: الفرشُ صغار الإِبل قال الشاعر:
أورثني حمولةً وفرْشًا ** أمُشُّها في كلِّ يومٍ مَشًا

. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قوله: {وَهُوَ الذي أَنشَأَ} أي خلق، يقال: نشأ الشيء ينشأ نشأة ونشاءة إذا ظهر وارتفع والله ينشئه إنشاء أي يظهره ويرفعه وقوله: {جنات معروشات} يقال عرشت الكرم أعرشه عرشًا وعرشته تعريشًا، إذا عطفت العيدان التي يرسل عليها قضبان الكرم، والواحد عرش، والجمع عروش، ويقال: عريش وجمعه عرش، واعترش العنب العريش اعتراشًا إذا علاه.
إذا عرفت هذا فنقول: في قوله: {معروشات وَغَيْرَ معروشات} أقوال:
الأول: أن المعروشات وغير المعروشات كلاهما الكرم، فإن بعض الأعناب يعرش وبعضها لا يعرش، بل يبقى على وجه الأرض منبسطًا.
والثاني: المعروشات العنب الذي يجعل لها عروش، وغير المعروشات كل ما ينبت منبسطًا على وجه الأرض مثل القرع والبطيخ.
والثالث: المعروشات ما يحتاج إلى أن يتخذ له عريش يحمل عليه فيمسكه، وهو الكرم وما يجري مجراه، وغير المعروش هو القائم من الشجر المستغني باستوائه وذهابه علوًا لقوة ساقه عن التعريش.
والرابع: المعروشات ما يحصل في البساتين والعمرانات مما يغرسه الناس واهتموا به فعرشوه {وَغَيْرَ معروشات} مما أنبته الله تعالى وحشيًا في البراري والجبال فهو غير معروش وقوله: {والنخل والزرع} فسر ابن عباس {الزرع} هاهنا بجميع الحبوب التي يقتات بها {مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ} أي لكل شيء منها طعم غير طعم الآخر {والأكل} كل ما أكل، وههنا المراد ثمر النخل والزرع، ومضى القول في {الأكل} عند قوله: {فَأَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ} [البقرة: 265] وقوله: {مُخْتَلِفًا} نصب على الحال أي أنشأه في حال اختلاف أكله، وهو قد أنشأه من قبل ظهور أكله وأكل ثمره.
الجواب: أنه تعالى أنشأها حال اختلاف ثمرها وصدق هذا لا ينافي صدق أنه تعالى أنشأها قبل ذلك أيضًا وأيضًا نصب على الحال مع أنه يؤكل بعد ذلك بزمان، لأن اختلاف أكله مقدر كما تقول: مررت برجل معه صقر صائدًا به غدًا، أي مقدرًا للصيد به غدًا.
وقرأ ابن كثير ونافع {أَكَلَهُ} بتخفيف الكاف والباقون {أَكَلَهُ} في كل القرآن وأما توحيد الضمير في قوله: {مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ} فالسبب فيه: أنه اكتفى بإعادة الذكر على أحدهما من إعادته عليهما جميعًا كقوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْاْ تجارة أَوْ لَهْوًا انفضوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11] والمعنى: إليهما وقوله: {والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} [التوبة: 62].
وأما قوله: {متشابها وَغَيْرَ متشابه} فقد سبق تفسيره في الآية المتقدمة. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَهُوَ الذي أَنشَأَ جنات معروشات} يعني: خلق البساتين يعني: الكروم وما يعرش وهو الذي يبسط مثل القرع ونحو ذلك {وَغَيْرَ معروشات} يعني: كل شجرة قائمة على أصولها {والنخل والزرع} يعني: خلق النخل والزرع {مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ} يعني: طعمه مثل الحامض والحلو والمر {والزيتون والرمان متشابها} يعني: المنظر {وَغَيْرَ متشابه} يعني: في الطعم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ} مسموكات مرفوعات وغير مرفوعات قال ابن عباس: معروشات ما انبسط على وجه الأرض وأنتثر ممّا يعرش مثل الكرم والقرع والبطيخ وغيرها، وغير معروشات ما كان على ساق مثل النخيل وسائر الأشجار وما كان على نسق، ومثل البروج، وقال الضحاك: معروشات وغير معروشات الكرم خاصة منها ما عرش ومنها ما لم يعرش.
وروي عن ابن عباس إيضًا أنَّ المعروشات ما عرش الناس، وغير معروشات ما خرج في البراري والجبال من الثمار.
يدلّ عليه قراءة علي {معروشات وغير معروشات} بالغين والسين. {والنخل} يعني وأنشأ {والنخل والزرع مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ} ثمره وطعمه الحامض والمرّ والحلو والجيّد والرديء وارتفع معنى الأكل ومختلفًا نعته إلاّ أنّه لمّا تقدّم النعت على الاسم وولي منصوبًا نصب، كما تقول: عندي طبّاخًا غلام وأنشد:
الشر منتشر لقاك (من مرض) ** والصالحات عليها مغلقًا باب

{والزيتون والرمان مُتَشَابِهًا} في المنظر {وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} في الطعم مثل الرمانتين لونهما واحد وطعمهما مختلف، إحداهما حلوة والأخرى حامضة وقد مرّ القول فيه. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {وهو الذي أنشأ جنات معروشات} الآية هذا تنبيه على مواضع الاعتبار و{أنشأ} معناه خلق واخترع والجنة مأخوذة من جن إذا ستر، و{معروشات} قال ابن عباس: ذلك في ثمر العنب، ومنها ما عرش وسمك ومنها ما لم يعرش وقال السدي المعروشات ما عرش كهيئة الكرم، وغيره البساتين وقيل: المعروش هو ما يعترشه بنو آدم من أنواع الشجر وغير المعروش ما يحدث في الجبال والصحراء ونحو ذلك وقيل: المعروش ما خلق بحائط وغير المعروش ما لم يخلق، و{مختلفًا}: نصب على الحال على تقدير حصول الاختلاف في ثمرها لأنها حين الإنشاء لا ثمرة فيها فهي حال مقدرة تجيء بعد الإنشاء، و{متشابهًا} يريد في المنظر، {وغير متشابه} في المطعم قاله ابن جريج وغيره. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَهُوَ الذي أَنشَأَ جنات معروشات} تمهيد لما سيأتي من تفصيل أحوال الأنعام.
وقال الإمام: إنه عود إلى ما هو المقصود الأصلي وهو إقامة الدلائل على تقرير التوحيد أي وهو الذي خلق وأظهر تلك الجنات من غير شركة لأحد في ذلك بوجه من الوجوه، والمعروشات من الكرم ما يحمل على العريش وهو عيدان تصنع كهيئة السقف ويوضع الكرم عليها {وَغَيْرَ معروشات} وهي الملقيات على وجه الأرض من الكرم أيضًا، وهذا قول من قال: إن المعروشات وغيرها كلاهما للكرم، وعن أبي مسلم أن المعروش ما يحتاج إلى أن يتخذ له عريش يحمل عليه فيمسكه من الكرم وما يجري مجراه، وغير المعروش هو القائم من الشجر المستغني باستوائه وقوة ساقه عن التعريش، وفي رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المعروش ما يحصل في البساتين والعمرانات مما يغرسه الناس وغير المعروش ما نبت في البراري والجبال، وقيل: المعروش العنب الذي يجعل له عريش وغير المعروش كل ما نبت منبسطًا على وجه الأرض مثل القرع والبطيخ، وقال عصام الدين: ولا يبعد أن يراد بالمعروش المعروش بالطبع كالأشجار التي ترتفع وبغير المعروش ما ينبسط على وجه الأرض كالكرم، ويكون قوله سبحانه: {والنخل والزرع} تخصيصًا بعد التعميم وهو عطف على {جنات} أي أنشأهما {مُخْتَلِفًا} في الهيئة والكيفية {أَكَلَهُ} أي ثمره الذي يؤكل منه.
وقرأ ابن كثير ونافع {أَكَلَهُ} بسكون الكاف وهو لغة فيه على ما يشير إليه كلام الراغب، والضمير إما أن يرجع إلى أحد المتعاطفين على التعيين ويعلم حكم الآخر بالمقايسة إليه أو إلى كل واحد على البدل أو إلى الجميع والضمير بمعنى اسم الإشارة، وعن أبي حيان أن الضمير لا يجوز إفراده مع العطف بالواو.
فالظاهر عوده على أقرب مذكور وهو {الزرع} ويكون قد حذف حال النخل لدلالة هذه الحال عليها، والتقدير والنخل مختلفًا أكله والزرع مختلفًا أكله، وجوز وجهًا آخر وهو أن في الكلام مضافًا مقدرًا والضمير راجع إليه أي ثمر جنات، والحال المشار إليها على كل حال مقدرة إذ لا اختلاف وقت الإنشاء.
وزعم أبو البقاء أنها كذلك إن لم يقدر مضاف أي ثمر النخل وحب الزرع وحال مقارنة إن قدر.
{والزيتون والرمان} أي أنشأهما {متشابها وَغَيْرَ متشابه} أي يتشابه بعض أفرادهما في اللون أو الطعم أو الهيئة ولا يتشابه في بعضها، وأخرج ابن المنذر.
وأبو الشيخ عن ابن جريج أنه قال: متشابهًا في المنظر وغير متشابه في المطعم، والنصب على الحالية. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَهُوَ الذي أَنشَأَ جنات معروشات وَغَيْرَ معروشات والنخل والزرع مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ والزيتون والرمان متشابها وَغَيْرَ متشابه}.
الواو في: {وهو الذي أنشأ} للعطف، فيكون عطف هذه الجملة على جملة {وحرّموا ما رزقهم الله} [الأنعام: 140] تذكيرًا بمنة الله تعالى على النّاس بما أنشأ لهم في الأرض ممّا ينفعهم، فبعد أن بيّن سوء تصرّف المشركين فيما مَنّ به على النّاس كلّهم مع تسفيه آرائهم في تحريم بعضها على أنفسهم، عطف عليه المنّة بذلك استنزالًا بهم إلى إدراك الحقّ والرّجوععِ عن الغي، ولذلك أعيد في هذه الآية غالب ما ذكر في نظيرتها المتقدّمة في قوله: {وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كلّ شيء فأخرجنا منه خَضِرًا نُخرِج منه حبًّا متراكبًا ومن النّخل من طلعها قنوان دانية وجنّات من أعناب والزّيتون والرمّان مشتبهًا وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه} [الأنعام: 99] لأنّ المقصود من الآية الأولى الاستدلال على أنَّه الصّانع، وأنَّه المنفرد بالخلق، فكيف يشركون به غيره.
ولذلك ذيّلها بقوله: {إنّ في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون} [الأنعام: 99]، وعطف عليها قوله: {وجعلوا لله شركاء الجنّ} [الأنعام: 100] الآيات.
والمقصود من هذه: الامتنانُ وإبطالُ ما ينافي الامتنان ولذلك ذيّلت هذه بقوله: {كلوا من ثمره إذا أثمر}.
والكلام موجّه إلى المؤمنين والمشركين، لأنَّه اعتبار وامتنان، وللمؤمنين الحظّ العظيم من ذلك، ولذلك أعقب بالأمر بأداء حق الله في ذلك بقوله: {وآتوا حقه يوم حصاده} إذ لا يصلح ذلك الخطاب للمشركين.
وتعريف المسند يفيد الاختصاص، أي هو الّذي أنشأ لا غيره، والمقصود من هذا الحصرِ إبطالُ أن يكون لغيره حظّ فيها، لإبطال ما جعلوه من الحرث والأنعام من نصيب أنصامهم مع أنّ الله أنشأه.
والإنشاءُ: الإيجاد والخلق، قال تعالى: {إنَّا أنشأناهنّ إنشاءً} [الواقعة: 35] أي نساء الجنّة.
والجنّات هي المكان من الأرض النّابت فيه شجر كثير بحيث يَجِنّ أي يَستر الكائن فيه، وقد تقدّم عند قوله: {كمثل جنّة برُبْوة} في سورة البقرة (265).
وإنشاؤها إنباتها وتيسير ذلك بإعطائها ما يعينها على النماء، ودفععِ ما يفسدها أو يقطع نبتها، كقوله: {أنتم تزرعونه أم نحن الزّارعون} [الواقعة: 64].
والمعروشات: المرفوعات.
يقال: عرش الكرمة إذا رفعها على أعمدة ليكون نماؤها في ارتفاع لا على وجه الأرض، لأنّ ذلك أجود لعنبها إذ لم يكن ملقى على وجه الأرض.
وعَرش فعل مشتقّ من العَرْش وهو السقف، ويقال للأعمدة التي تُرفع فوقها أغصان الشّجر فتصير كالسّقف يَستظلّ تحته الجالسُ: العَريشُ.
ومنه ما يذكر في السيرة: العريش الّذي جُعل للنّبيء صلى الله عليه وسلم يومَ بدر، وهو الّذي بني على بقعته مسجد بعد ذلك هو اليوم موجود ببدر.
ووصف الجنّات بمعروشات مجاز عقلي، وإنَّما هي معروش فيها، والمعروش أشجارها.
وغير المعروشات المبقاة كرومها منبسطة على وجه الأرض وأرفع بقليل، ومن محاسنها أنَّها تزيّن وجه الأرض فيرى الرائي جميعها أخضر.
وقوله: {معروشات وغير معروشات} صفة: ل {جنّات} قصد منها تحسين الموصوف والتّذكيرُ بنعمة الله أن ألْهَم الإنسان إلى جعلها على صفتين، فإنّ ذكر محاسن ما أنشأه الله يزيد في المنّة، كقوله في شأن الأنعام {ولكم فيها جَمَالٌ حين تريحون وحين تسرحون} [النحل: 6].
و{مختلفا أكلهُ} حال من الزّرع، وهو أقرب المذكورات إلى اسم الحال، ويعلم أنّ النّخل والجنّات كذلك، والمقصود التّذكير بعجيب خلق الله، فيفيد ذكرُ الحال مع أحد الأنواع تذكّر مثله في النوع الآخر، وهذا كقوله تعالى: {وإذا رأوا تجارة أو لهوًا انفضّوا إليها} [الجمعة: 11] أي وإليه، وهي حال مقدّرة على ظاهر قول النّحويين لأنَّها مستقبلة عن الإنشاء، وعندي أنّ عامل الحال إذا كان ممّا يحصل مَعناه في أزمنة، وكانت الحال مقارنة لبعض أزمنة عاملها، فهي جديرة بأن تكون مقارنة، كما هنا.
والأُكْل بضمّ الهمزة وسكون الكاف لنافع وابن كثير، وبضمّهما قرأه الباقون، هو الشّيء الّذي يؤكل، أي مختلفا مَا يؤكل منه.
وعُطف: {والزيتون والرمان} على: {جنّاتٍ... والنّخلَ والزّرعَ}.
والمراد شجر الزّيتون وشجر الرمّان.
وتقدّم القول في نظيره عند قوله تعالى: {وهو الذي أنزل من السّماء ماء} الآية في هذه السّورة (99).
إلاّ أنَّه قال هناك: {مُشْتَبِها} [الأنعام: 99] وقال هنا: {متشابها} وهما بمعنى واحد لأنّ التّشابه حاصل من جانبين فليست صيغة التّفاعل للمبالغة ألا ترى أنَّهما استويا في قوله: {وغير متشابه} في الآيتين.
غُيّر أسلوبُ الحكاية عن أحوال المشركين فأُقبل على خطاب المؤمنين بهذه المنّة وهذا الحكم؛ فهذه الجمل معترضة وهي تعريض بتسفيه أحلام المشركين لتحريمهم على أنفسهم ما مَنّ الله به عليهم. اهـ.