فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

فيه مباحث:
البحث الأول: إنه تعالى لما ذكر كيفية خلقه لهذه الأشياء ذكر ما هو المقصود الأصلي من خلقها، وهو انتفاع المكلفين بها، فقال: {كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ} واختلفوا ما الفائدة منه؟ فقال بعضهم: الإباحة.
وقال آخرون: بل المقصود منه إباحة الأكل قبل إخراج الحق، لأنه تعالى لما أوجب الحق فيه، كان يجوز أن يحرم على المالك تناوله لمكان شركة المساكين فيه، بل هذا هو الظاهر فأباح تعالى هذا الأكل، وأخرج وجوب الحق فيه من أن يكون مانعًا من هذا التصرف.
وقال بعضهم: بل أباح تعالى ذلك ليبين أن المقصد بخلق هذه النعم إما الأكل وإما التصدق، وإنما قدم ذكر الأكل على التصدق، لأن رعاية النفس مقدمة على رعاية الغير.
قال تعالى: {وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدنيا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ} [القصص: 77].
البحث الثاني: تمسك بعضهم بقوله: {كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} بأن الأصل في المنافع الإباحة والإطلاق، لأن قوله: {كُلُواْ} خطاب عام يتناول الكل، فصار هذا جاريًا مجرى قوله تعالى: {خَلَقَ لَكُم مَّا في الأرض جَمِيعًا} [البقرة: 29] وأيضًا يمكن التمسك به على أن الأصل عدم وجوب الصدقة، وأن من ادعى إيجابه كان هو المحتاج إلى الدليل، فيتمسك به في أن المجنون إذا أفاق في أثناء الشهر، لا يلزمه قضاء ما مضى، وفي أن الشارع في صوم النفل لا يجب عليه الإتمام.
البحث الثالث: قوله: {كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ} يدل على أن صيغة الأمر قد ترد في غير موضع الوجوب وفي غير موضع الندب، وعند هذا قال بعضهم: الأصل في الاستعمال الحقيقة، فوجب جعل هذه الصيغة مفيدة لرفع الحجر، فلهذا قالوا: الأمر مقتضاه الإباحة، إلا أنا نقول: نعلم بالضرورة من لغة العرب أن هذه الصيغة تفيد ترجيح جانب الفعل، وأن حملها على الإباحة لا يصار إليه إلا بدليل منفصل. اهـ.

.قال السمرقندي:

{كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} وإنما ذكر ثمره بلفظ التذكير، لأنه انصرف إلى المعنى يعني: ثمره الذي ذكرها {وَهُوَ الذي أَنشَأَ جنات} يعني: أعطوا زكاته يوم كيله ورفعه. اهـ.

.قال الألوسي:

{كُلُواْ} أمر إباحة كما نص عليه غير واحد {مِن ثَمَرِهِ} الكلام في مرجع الضمير على طرز ما تقدم آنفًا {إِذَا أَثْمَرَ} وإن لم ينضج وينيع بعد ففائدة التقييد إباحة الأكل قبل الإدراك، وقيل: فائدته رخصة المالك في الأكل منه قبل أداء حق الله تعالى وهو اختيار الجبائي وغيره. اهـ.

.قال ابن عاشور:

والثَمَر: بفتح الثّاء والميم وبضمّهما وقرئ بهما كما تقدّم بيانه في نظيرتها.
والأمر للإباحة بقرينة أن الأكل من حقّ الإنسان الّذي لا يجب عليه أن يفعله، فالقرينة ظاهرة.
والمقصود الردّ على الّذين حجّروا على أنفسِهِم بعض الحرث.
و{إذا} مفيدة للتّوقيت لأنها ظرف، أي: حين إثماره، والمقصود من التّقييد بهذا الظّرف إباحة الأكل منه عند ظهوره وقبل حصاده تمهيدًا لقوله: {وآتوا حقه يوم حصاده} أي: كلوا منه قبل أداء حقّه.
وهذه رخصة ومنّة، لأنّ العزيمة أن لا يأكلوا إلاّ بعد إعطاء حقّه كيلا يستأثروا بشيء منه على أصحاب الحقّ، إلاّ أنّ الله رخّص للنّاس في الأكل توسعة عليهم أن يأكلوا منه أخضر قبل يبسه لأنَّهم يستطيبونه كذلك، ولذلك عقّبه بقوله: {ولا تسرفوا} كما سيأتي.
وإفراد الضّميرين في قوله: {من ثمره إذا أثمر} على اعتبار تأويل المعاد بالمذكور. اهـ.

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {وآتو حقه يوم حصاده}
ففيه أبحاث:
البحث الأول: قرأ ابن عامر وأبو عمرو وعاصم {حَصَادِهِ} بفتح الحاء والباقون بكسر الحاء قال الواحدي: قال جميع أهل اللغة يقال: حصاد وحصاد، وجداد وجداد، وقطاف وقطاف، وجذاذ وجذاذ، وقال سيبويه جاؤا بالمصادر حين أرادوا انتهاء الزمان على مثال فعال، وربما قالوا فيه فعال.
البحث الثاني: في تفسير قوله: {وآتو حقه} ثلاثة أقوال.
القول الأول: قال ابن عباس في رواية عطاء يريد به العشر فيما سقت السماء، ونصف العشر فيما سقي بالدواليب، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وطاوس والضحاك.
فإن قالوا: كيف يؤدي الزكاة يوم الحصاد والحب في السنبل؟ وأيضًا هذه السورة مكية، وإيجاب الزكاة مدني.
قلنا: لما تعذر إجراء قوله: {وآتو حقه} على ظاهره بالدليل الذي ذكرتم لا جرم حلمناه على تعلق حق الزكاة به في ذلك الوقت، والمعنى: اعزموا على إيتاء الحق يوم الحصاد ولا تؤخروه عن أول وقت يمكن فيه الإيتاء.
والجواب عن السؤال الثاني: لا نسلم أن الزكاة ما كانت واجبة في مكة، بل لا نزاع أن الآية المدنية وردت بإيجابها، إلا أن ذلك لا يمنع أنها كانت واجبة بمكة.
وقيل أيضًا: هذه الآية مدنية.
والقول الثاني: أن هذا حق في المال سوى الزكاة.
وقال مجاهد: إذا حصدت فحضرت المساكين فاطرح لهم منه، وإذا درسته وذريته فاطرح لهم منه، وإذا كربلته فاطرح لهم منه، وإذا عرفت كيله فاعزل زكاته.
والقول الثالث: أن هذا كان قبل وجوب الزكاة، فلما فرضت الزكاة نسخ هذا، وهذا قول سعيد بن جبير، والأصح هو القول الأول، والدليل عليه أن قوله تعالى: {وآتوا حقه} إنما يحسن ذكره لو كان ذلك الحق معلومًا قبل ورود هذه الآية لئلا تبقى هذه الآية مجملة وقد قال عليه الصلاة والسلام: «ليس في المال حق سوى الزكاة» فوجب أن يكون المراد بهذا الحق حق الزكاة.
البحث الثالث: قوله تعالى: {وآتوا حقه يوم حصاده} بعد ذكر الأنواع الخمسة، وهو العنب والنخل، والزيتون، والرمان؛ يدل عى وجوب الزكاة في الكل، وهذا يقتضي وجوب الزكاة في الثمار، كما كان يقوله أبو حنيفة رحمه الله.
فإن قالوا: لفظ الحصاد مخصوص بالزرع فنقول: لفظ الحصد في أصل اللغة غير مخصوص بالزرع، والدليل عليه، أن الحصد في اللغة عبارة عن القطع، وذلك يتناول الكل وأيضًا الضمير في قوله حصاده يجب عوده إلى أقرب المذكورات وذلك هو الزيتون والرمان، فوجب أن يكون الضمير عائدًا إليه.
البحث الرابع: قال أبو حنيفة رحمه الله: العشر واجب في القليل والكثير.
وقال الأكثرون إنه لا يجب إلا إذا بلغ خمسة أوسق.
واحتج أبو حنيفة رحمه الله بهذه الآية، فقال: قوله: {وآتو حقه يوم حصاده} يقتضي ثبوت حق في القليل والكثير، فإذا كان ذلك الحق هو الزكاة وجب القول بوجوب الزكاة في القليل والكثير. اهـ.

.قال السمرقندي:

قرأ أبو عمرو وعاصم وابن عامر {حَصَادِهِ} بنصب الحاء.
وروى الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال: {وَهُوَ الذي أَنشَأَ جنات} قال: العُشْر ونصف العشر.
وروى سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: {وَهُوَ الذي أَنشَأَ جنات} قال: عند الزرع أي يعطي القبض وهو بأطراف الأصابع، ويعطي عند الصرام القبض، ويدعهم يتتبعون آثار الصرام.
وعن الربيع بن أنس {وَهُوَ الذي أَنشَأَ جنات} قال: لقاط السنبل.
وقال الحسن: نسختها آية الزكاة.
وقال إبراهيم: نسختها العشر ونصف العشر: وقال الضحاك: نسخت آية الزكاة كل صدقة في القرآن وهكذا قال عكرمة.
وقال سفيان: سألت السدي عن قوله تعالى: {وَهُوَ الذي أَنشَأَ جنات} قال: هذه السورة مكية نسختها العشر ونصف العشر قلت عمن؟ قال عن العلماء.
قال الفقيه الذي قال إنه صار منسوخًا يعني: أداؤه يوم الحصاد بغير تقدير صار منسوخًا ولكن أصل الوجوب لم يصر منسوخًا.
وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم التقدير وهو العشر أو نصف العشر. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} قرأ أهل مكّة والمدينة والكوفة حِصاده بكسر الحاء والباقون بالفتح، وهما واحدة كالجَداد والجِداد والصَرام والصِرام واختلف العلماء في حكم هذه الآية، فقال ابن عباس وطاووس والحسن وجابر بن زيد ومحمد ابن الحنفية وسعيد بن المسيب والضحاك وابن زيد: هي الزكاة المفروضة العُشْر ونصف العشر.
وقال عليّ بن الحسين وعطاء وحمّاد والحكم: هو حق في المال سوى الزكاة.
قال مجاهد: إذا حصدت فحضرك المساكين فاطرح لهم من السنبل، وإذا جذذت فألف لهم من الشماريخ، وإذا درسته ودسته وذرّيته فاطرح لهم منه، وإذا كدسته ونقيته فاطرح لهم منه، وإذا عرفت كيله فاعزل زكاته.
وقال إبراهيم: هو الضغث، قال الربيع: لقاط السنبل. قال مجاهد: كانوا يعلّقون العذق عند الصرام فيأكل منه الضيف ومن مرَّ به.
قال زيد بن الأصم: كان أهل الجاهليّة إذا صرموا يجيئون بالعذق فيُعلّقونه في جانب المسجد فيجيء المسكين فيضربه بعصاه فيسقط منه ويأخذه.
وقال سعيد بن جبير وعطيّة: كان هذا قبل الزكاة فلمّا فرض الزكاة نسخ هذا.
وقال سفيان والسدي: سألت عن هذه الآية فقال: نسخها العشر ونصف العشر، قلت: ممّن؟ فقال: من العلماء مقسّم عن ابن عباس: نسخت الزكاة كلّ صدقة في القرآن. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وآتوا حقه يوم حصاده} فقالت طائفة من أهل العلم: هي في الزكاة المفروضة منهم ابن عباس وأنس بن مالك والحسن بن أبي الحسن وطاوس وجابر بن زيد وسعيد بن المسيب وقتادة ومحمد بن الحنفية والضحاك وزيد بن أسلم وابنه، وقاله مالك بن أنس.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا قول معترض بأن السورة مكية وهذه الآية على قول الجمهور غير مستثناة، وحكى الزجّاج أن هذه الآية قيل فيها إنها نزلت بالمدينة، ومعترض أيضًا بأنه لا زكاة فيما ذكر من الرمان وجميع ما هو في معناه، وقال ابن الحنفية أيضًا وعطاء ومجاهد وعيرهم من أهل العلم: بل قوله: {وآتوا حقه} ندب إلى إعطاء حقوق من المال غير الزكاة، والسنة أن يعطي الرجل من زرعه عند الحصاد وعند الذرو وعند تكديسه في البيدر، فإذا صفا وكال أخرج من ذلك الزكاة، وقال الربيع بن أنس حقه وإباحة لقط السنبل، وقالت طائفة كان هذا حكم صدقات المسلمين حتى نزلت الزكاة المفروضة فنسختها.
وروي هذا عن ابن عباس وابن الحنفية وإبراهيم والحسن، وقال السدي في هذه السورة مكية نسختها الزكاة فقال له سفيان عمن قال عن العلماء.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: والنسخ غير مترتب في هذه الآية، لأن هذه الآية وآية الزكاة لا تتعارض بل تنبني هذه على الندب وتلك على الفرض، وقرأ ابن كثير ونافع وحمزة والكسائي {حِصاده} وقرأ عاصم وأبو عمرو وابن عامر {حَصاده} بفتح الحاء وهما لغتان في المصدر. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَءاتُواْ حَقَّهُ} الذي أوجبه الله تعالى فيه {يَوْمَ حَصَادِهِ} وهو على ما في رواية عطاء عن ابن عباس العشر ونصف العشر، وإليه ذهب الحسن وسعيد بن المسيب وقتادة وطاوس وغيرهم، والظرف قيد لما دل عليه الأمر بهيئته من الوجوب لا لما دل عليه بمادته من الحدث إذ ليس الأداء وقت الحصاد والحب في سنبله كما يفهم من الظاهر بل بعد التنقية والتصفية.
وادعى علي بن عيسى أن الظرف متعلق بالحق فلا يحتاج إلى ما ذكر من التأويل.
وفي رواية أخرى عن الحبر أنه ما كان يتصدق به يوم الحصاد بطريق الوجوب من غير تعيين المقدار ثم نسخ بالزكاة، وإلى ذلك ذهب سعيد بن جبير والربيع بن أنس وغيرهما، قيل: ولا يمكن أن يراد به الزكاة المفروضة لأنها فرضت بالمدينة والسورة مكية، وأجاب الإمام عن ذلك بأنا لا نسلم أن الزكاة ما كانت واجبة في مكة وكون آيتها مدنية لا يدل على ذلك، على أنه قد قيل: إن هذه الآية مدنية أيضًا، وعن الشعبي أن هذا حق في المال سوى الزكاة، وأخرج ابن منصور وابن المنذر، وغيرهما عن مجاهد أنه قال في الآية إذا حصدت فحضرك المساكين فاطرح لهم من السنبل فإذا دسته فحضرك المساكين فاطرح لهم فإذا ذريته وجمعته وعرفت كيله فاعزل زكاته وقرأ ابن كثير ونافع وحمزة والكسائي {حَصَادِهِ} بكسر الحاء وهي لغة فيه، وعدل عن حصده وهو المصدر المشهور لحصد إليه لدلالته على حصد خاص وهو حصد الزرع إذا انتهى وجاء زمانه كما صرح به سيبويه وأشار إليه الراغب. اهـ.