فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

والأمر في قوله: {وآتوا حقه يوم حصاده} خطاب خاصّ بالمؤمنين كما تقدم.
وهذا الأمر ظاهر في الوجوب بقرينة تسمية المأمور به حقًّا.
وأضيف الحقّ إلى ضمير المذكور لأدنى ملابسة، أي الحقّ الكائن فيه.
وقد أُجمل الحقّ اعتمادًا على ما يعرفونه، وهو: حقّ الفقير، والقربى، والضّعفاء، والجيرة.
فقد كان العرب، إذا جَذّوا ثمارهم، أعطوا منها من يحضر من المساكين والقرابة.
وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى: {فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين} [القلم: 23، 24].
فلمّا جاء الإسلام أوجب على المسلمين هذا الحقّ وسمَّاه حقًا كما في قوله تعالى: {والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم} [المعارج: 24، 25]، وسمّاه الله زكاة في آيات كثيرة ولكنّه أجمل مقداره وأجمل الأنواعَ الّتي فيها الحقّ ووكلهم في ذلك إلى حرصهم على الخير، وكان هذا قبل شرع نصُبُها ومقاديرها.
ثمّ شرعت الزّكاة وبيّنت السنّة نصبها ومقاديرها.
والحِصاد بكسر الحاء وبفتحها قطع الثّمر والحبّ من أصوله، وهو مصدر على وزننِ الفِعال أو الفَعال.
قال سيبويه جاءوا بالمصادر حين أرادوا انتهاء الزّمان على مثال فِعال وذلك الصِّرام والجِزاز والجِدَاد والقِطاع والحِصاد، وربَّما دخلتتِ اللّغة في بعض هذا (أي اختلفت اللّغاتُ فقال بعض القبائل حَصاد بفتح الحاء وقال بعضهم حصاد بكسر الحاء) فكان فيه فعال وفَعال فإذا أرادوا الفعل على فَعَلْت قالوا حَصَدته حَصْدًا وقَطَعْته قطعًا إنَّما تريد العمل لا انتهاء الغاية.
وقرأه نافع، وابن كثير، وحمزة، والكسائي، وأبو جعفر، وخلف بكسر الحاء.
وقرأ أبُو عمرو، وعاصم، وابن عامر، ويعقوب بفتح الحاء.
وقد فرضت الزّكاة في ابتداء الإسلام مع فرض الصّلاة، أو بعده بقليل، لأنّ افتراضها ضروري لإقامة أود الفقراء من المسلمين وهم كثيرون في صدر الإسلام، لأنّ الّذين أسلموا قد نبذهم أهلوهم ومواليهم، وجحدوا حقوقهم، واستباحوا أموالهم، فكان من الضّروري أن يسدّ أهل الجدة والقوّة من المسلمين خَلَّتهم.
وقد جاء ذكر الزّكاة في آيات كثيرة ممّا نزل بمكّة مثل سورة المزمّل وسورة البيّنة وهي من أوائل سور القرآن، فالزّكاة قرينة الصّلاة.
وقول بعض المفسّرين: الزّكاة فرضت بالمدينة، يحمل على ضبط مقاديرها بآية: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} [التوبة: 103] وهي مدنيَّة، ثمّ تطرّقوا فمنعوا أن يكون المراد بالحقّ هنا الزّكاة، لأنّ هذه السّورة مكّيّة بالاتّفاق، وإنَّما تلك الآية مؤكّدة للوجوب بعد الحلول بالمدينة، ولأنّ المراد منها أخذها من المنافقين أيضًا، وإنَّما ضبطت الزّكاة.
ببيان الأنواع المزكاة ومقدار النُّصب والمُخْرَج منه، بالمدينة، فلا ينافي ذلك أن أصل وجوبها في مكّة، وقد حملها مالك على الزّكاة المعيّنة المضبوطة في رواية ابن القاسم وابن وهب عنه وهو قول ابن عبّاس، وأنس بن مالك، وسعيد بن المسيّب، وجمع من التّابعين كثير.
ولعلّهم يرون الزّكاة فرضت ابتداء بتعيين النّصب والمقادير، وحَملها ابنُ عمر، وابنُ الحنفية، وعليّ بن الحسين، وعطاء، وحمَّاد، وابن جبير، ومجاهد، على غير الزّكاة وجعلوا الأمر للنّدب، وحملها السُدّي، والحسن، وعطيّة العوفي، والنّخعي، وسعيد بن جبير، في رواية عنه، على صدقة واجبة ثمّ نسختها الزّكاة.
وإنَّما أوجب الله الحقّ في الثّمار والحبّ يوم الحصاد: لأنّ الحصاد إنَّما يراد للادّخار وإنَّما يَدّخِر المرء ما يريده للقوت، فالادّخار هو مظنة الغني الموجبة لإعطاء الزّكاة، والحصاد مبدأ تلك المظنة، فالّذي ليست له إلاّ شجرة أو شجرتان فإنَّما يأكلُ ثمرها مخضورًا قبل أن ييبس، فلذلك رخَّصت الشّريعة لصاحب الثّمرة أن يأكل من الثّمر إذا أثمر، ولم توجب عليه إعطاء حقّ الفقراء إلاّ عند الحصاد.
ثمّ إنّ حصاد الثّمار، وهو جذاذها، هو قطعها لادّخارها، وأمَّا حصاد الزّرع فهو قطع السّنبل من جذور الزّرع ثمّ يُفرك الحبّ الّذي في السّنبل ليدّخر، فاعتبر ذلك الفرك بقيّة للحصاد.
ويظهر من هذا أنّ الحقّ إنَّما وجب فيما يحصد من المذكورات مثل الزّبيب والتَّمر والزّرع والزّيتون، من زيته أو من حبّه، بخلاف الرمّان والفواكه.
وعلى القول المختار: فهذه الآية غير منسوخة، ولكنّها مخصّصة ومبيَّنة بآيات أخرى وبما يبيّنه النّبي صلى الله عليه وسلم فلا يُتعلّق بإطلاقها، وعن السدّي أنَّها نسخت بآية الزّكاة يعني: {خذ من أموالهم صدقة} [التوبة: 103] وقد كان المتقدّمون يسمّون التّخصيص نسخًا. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن لأهل اللغة في تفسير الإسراف قولين: الأول: قال ابن الأعرابي: السرف تجاوز ما حد لك.
الثاني: قال شمر: سرف المال، ما ذهب منه من غير منفعة.
إذا عرفت هذا فنقول: للمفسرين فيه أقوال: الأول: أن الإنسان إذا أعطى كل ماله ولم يوصل إلى عياله شيئًا فقد أسرف، لأنه جاء في الخبر: «ابدأ بنفسك ثم بمن تعول» وروي أن ثابت بن قيس بن شماس عمد إلى خمسمائة نخلة فجذها، ثم قسمها في يوم واحد ولم يدخل منها إلى منزله شيئًا فأنزل الله تعالى قوله: {وآتوا حقه يوم حصاده} أي ولا تعطوا كله.
والثاني: قال سعيد بن المسيب: {لا تُسْرِفُواْ} أي لا تمنعوا الصدقة، وهذان القولان يشتركان في أن المراد من الإسراف مجاوزة الحد، إلا أن الأول مجاوزة في الإعطاء، والثاني: مجاوزة في المنع.
الثالث: قال مقاتل: معناه: لا تشركوا الأصنام في الحرث والأنعام، وهذا أيضًا من باب المجاوزة، لأن من أشرك الأصنام في الحرث والأنعام، فقد جاوز ما حد له.
الرابع: قال الزهري معناه: لا تنفقوا في معصية الله تعالى.
قال مجاهد: لو كان أبو قبيس ذهبًا، فأنفقه رجل في طاعة الله تعالى لم يكن مسرفًا.
ولو أنفق درهمًا في معصية الله كان مسرفًا.
وهذا المعنى أراده حاتم الطائي حين قيل له: لا خير في السرف فقال لا سرف في الخير، وهذا على القول الثاني في معنى السرف، فإن من أنفق في معصية الله، فقد أنفق فيما لا نفع فيه.
ثم قال تعالى: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين} والمقصود منه الزجر، لأن كل مكلف لا يحبه الله تعالى فهو من أهل النار، والدليل عليه قوله تعالى: {وَقَالَتِ اليهود والنصارى نَحْنُ أَبْنَاء الله وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذّبُكُم بِذُنُوبِكُم} [المائدة: 18] فدل هذا على أن كل من أحبه الله فليس هو من أهل النار وذلك يفيد من بعض الوجوه أن من لم يحبه الله فهو من أهل النار. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين}
قال ابن عباس رضي الله عنهما: عمد ثابت بن قيس إلى خمسمائة نخلة فصرمها وقسمها في يوم واحد فأمسى ولم يكن لأهله شيء فنزل {وَلاَ تُسْرِفُواْ} يعني: ولا تتصدقوا بكله، ودعوا لعيالكم شيئًا.
وروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: جد لمعاذ بن جبل نخله فلم يزل يتصدق حتى لم يبق منه شيء.
فنزل {وَلاَ تُسْرِفُواْ} ويقال: {وَلاَ تُسْرِفُواْ} يعني: ولا تنفقوا في المعصية.
قال مجاهد: لو أنفقت مثل أبي قبيس ذهبًا في طاعة الله تعالى ما يكون إسرافًا، ولو أنفقت درهمًا في طاعة الشيطان كان إسرافًا.
وروي عن معاوية بن أبي سفيان أنه سئل عن قوله تعالى: {وَلاَ تُسْرِفُواْ} قال: الإسراف ما قصرت عن حق الله تعالى.
ويقال: {وَلاَ تُسْرِفُواْ} يقول: لا تشركوا الآلهة في الحرث والأنعام.
وقد ذكر قوله: {كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ} بلفظ التذكير لأنه انصرف إلى المعنى يعني: من ثمر ما ذكرنا.
ثم قال: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين} يعني: المشركين الذين يشركون الآلهة في الحرث والأنعام. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَلاَ تسرفوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين} كان رجال ينفقونها بالحرام فيقول الرجل لا أمنع سائلا حتّى أمسي فعمد ثابت بن قيس بن شمّاس إلى خمس مائة نخلة فجذها ثمّ قسّمها في يوم واحدولم يترك لأهله شيّئًا فنزلت {ولا تُسرفوا} أي لا تعطوا كلّه، وقال السدي: لا تُسرفوا لا تعطوا أموالكم فتقعدوا فقراء، وقال سعيد بن المسيّب: لا تمنعوا الصدقة، وقال يمان بن رئاب: ولا تُبذّروا تبذيرًا، مجاهد وعطية العوفي: ولا تتركوا الأصنام في الحرث والأنعام.
وقال الزهري: فوقعوا في المعصية، وقال مجاهد: لو كان أبو قبيس ذهبًا لرجل فأنفقه في طاعة الله لم يكن مسرفًا ولو أنفق درهمًا أو مدًّا في معصية الله كان مسرفًا، وفي هذا المعنى قيل لحاتم الطائي: لا خير في السرف فقال: لا سرف في الخير.
وقال محمد بن كعب: السرف أن لا يعطي في حق، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الإسراف ما لا يقدر على ردّه إلى الصلاح، والفساد ما يقدر على ردّه إلى الصلاح.
قال النضر بن شميل: الإسراف التبذير والإفراط، والسرف الغفلة والجهل. قال الشاعر:
أعطوا هنيدة يحدوها ثمانية ** مافي عطائهم منٌ ولا سرف

قال إياس بن معاوية: ما تجاوز أمر الله فهو سرف، وروى ابن وهب عن ابن زيد قال: الخطاب للمساكين يقول: لا تأخذوا فوق حقّكم. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {ولا تسرفوا} الآية، من قال إن الآية في الزكاة المفروضة جعل هذا النهي عن الإسراف إما للناس عن التمنع عن أدائها لأن ذلك إسراف من الفعل وقاله سعيد بن المسيب، وإما للولاة عن التشطط على الناس والإذاية لهم فذلك إسراف من الفعل، وقاله ابن زيد، ومن جعل الآية على جهة الندب إلى حقوق غير الزكاة ترتب له النهي عن الإسراف في تلك الحقوق لما في ذلك من الإجحاف بالمال وإضاعته.
وروي أن الآية نزلت بسبب لأن ثابت بن قيس بن شماس حصد غلة له فقال والله لا جاءني اليوم أحد إلا أطعمته فأمسى وليس عنده ثمرة، فنزلت هذه الآية، وقال أبو العالية كانوا يعطون شيئًا عند الحصاد ثم تباروا وأسرفوا فنزلت الآية، ومن قالها إنها منسوخة ترتب له النهي في وقت حكم الآية. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلاَ تُسْرِفُواْ} أي لا تتجاوزوا الحد فتبسطوا أيديكم كل البسط في الإعطاء.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس جذ نخلًا فقال: لا يأتين اليوم أحد إلا أطعمته فأطعم حتى أمسى وليست له ثمرة فأنزل الله تعالى ذلك، وروي مثله عن أبي العالية.
وعن أبي مسلم أن المراد ولا تسرفوا في الأكل قبل الحصاد كيلا يؤدي إلى بخس حق الفقراء، وأخرج عبد الرزاق عن ابن المسيب أن المعنى لا تمنعوا الصدقة فتعصوا، وقال الزهري: المعنى لا تنفقوا في معصية الله تعالى.
ويروى نحوه عن مجاهد.
فقد أخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال: لو كان أبو قبيس ذهبًا فأنفقه رجل في طاعة الله تعالى لم يكن مسرفًا ولو أنفق درهمًا في معصية الله تعالى كان مسرفًا، وقال مقاتل: المراد لا تشركوا الأصنام في الحرث والأنعام.
والخطاب على جميع هذه الأقوال لأرباب الأموال، وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم أن الخطاب للولاة أي لا تأخذوا ما ليس لكم بحق وتضروا أرباب الأموال.
واختار الطبرسي أنه خطاب للجميع من أرباب الأموال والولاة أي لا يسرف رب المال في الإعطاء ولا الإمام في الأخذ والدفع.
{إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين} بل يبغضهم من حيث إسرافهم ويعذبهم عليه إن شاء جل شأنه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {ولا تسرفوا} عطف على {كلوا}، أي: كلوا غيرَ مسرفين.
والإسراف والسّرف: تجاوز الكافي من إرضاء النّفس بالشّيء المشتهى.
وتقدّم عند قوله تعالى: {ولا تأكلوها إسرافًا} في سورة النّساء (6).
وهذا إدماج للنّهي عن الإسراف، وهو نهي إرشاد وإصلاح، أي: لا تسرفوا في الأكل وهذا كقوله: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا} [الأعراف: 31].
والإسراف إذا اعتاده المرء حمله على التّوسّع في تحصيل المرغوبات، فيرتكب لذلك مَذمَّات كثيرة، وينتقل من ملذّة إلى ملذّة فلا يقف عند حدّ.
وقيل عطف على {وآتوا حقه} أي ولا تسرفوا فيما بقي بعد إتيان حقّه فتنفقوا أكثر ممّا يجب، وهذا لا يكون إلاّ في الإنفاق والأكل ونحوه، فأمَّا بذله في الخيرْ ونفع النّاس فليس من السّرف، ولذلك يعدّ من خطأ التّفسير: تفسيرُها بالنَّهي عن الإسراف في الصّدقة، وبما ذكروه أنّ ثابتَ بن قيس صَرَم خمسمائة نخلة وفرّق ثمرها كلّه ولم يدخل منه شيئًا إلى منزله، وأنّ الآية نزلت بسبب ذلك.
وقوله: {إنه لا يحب المسرفين} استئناف قصد به تعميم حكم النّهي عن الإسراف.
وأكّد بـ {إنّ} لزيادة تقرير الحكم، فبيّن أنّ الإسراف من الأعمال التي لا يحبّها، فهو من الأخلاق الّتي يلزم الانتهاء عنها، ونفي المحبّة مختلف المراتب، فيعلم أنّ نفي المحبّة يشتدّ بمقدار قوّة الإسراف، وهذا حكم مجمل وهو ظاهر في التّحريم، وبيان هذا الإجمال هو في مطاوي أدلّة أخرى والإجمال مقصود.
ولغموض تأويل هذا النّهي وقوله: {إنَّه لا يحبّ المسرفين} تفرّقت آراء المفسّرين في تفسير معنى الإسراف المنهي عنه، ليعينوه في إسراف حرام، حتّى قال بعضهم: إنَّها منسوخة، وقد علمت المنجى من ذلك كلّه.
فوجه عدم محبّة الله إيّاهم أنّ الإفراط في تناول اللّذّات والطّيّبات، والإكثار من بذل المال في تحصيلها، يفضي غالبًا إلى استنزاف الأموال والشّره إلى الاستكثار منها، فإذا ضاقت على المسرف أمواله تطلب تحصيل المال من وجوه فاسدة، ليخمد بذلك نهمته إلى اللّذات، فيكون ذلك دأبه، فربَّما ضاق عليه ماله، فشقّ عليه الإقلاع عن معتاده، فعاش في كرب وضيق، وربَّما تطلّب المال من وجوه غير مشروعة، فوقع فيما يؤاخذ عليه في الدّنيا أو في الآخرة، ثمّ إنّ ذلك قد يعقب عياله خصاصة وضنك معيشة.
وينشأ عن ذلك مَلام وتوبيخ وخصومات تفضي إلى ما لا يحمد في اختلال نظام العائلة.
فأمَّا كثرة الإنفاق في وجوه البرّ فإنَّها لا توقع في مثل هذا، لأنّ المنفق لا يبلغ فيها مبلغ المنفق لمحبّة لَذّاته، لأنّ داعي الحكمة قابل للتأمّل والتّحديد بخلاف داعي الشّهوة.
ولذلك قيل في الكلام الّذي يصحّ طَرْدًا وعكسًا: لاَ خَيْرَ في السَّرف، ولا سرف في الخير وفي معنى هذه الآية قوله في سورة الأعراف (31): {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} [الأعراف: 31] وقول النّبي صلى الله عليه وسلم: «ويُكره لكم قيل وقال وكثرة السُّؤال وإضاعة المال». اهـ.