فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَهُوَ الذي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} يعني كما أنشأ في الظاهر جناتٍ وبساتينَ كذلك أنشأ في السِّر جناتٍ وبساتين، ونزهة القلوب أثم من جنات الظاهر؛ فأزهار القلوب مونِقة، وشموس الأسرار مشقة، وأنهار المعارف زاخرة.
ويقال كما تتشابه الثمار كذلك تتماثل الأحوال، وكما تختلف طعومها وروائحها مع تشاكلها من وجه، فكذلك الأحوال مختلفة القضايا، وإن اشتركت في كونها أحوالًا.
قوله جلّ ذكره: {وَآتُو حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}.
حَقُّ الواجبِ يومَ الحصاد إقامة الشكر، فأمَّا إخراج البعض فبيانه على لسانه العلم، وشهودُ المِنعم في عين النعمة أتمُّ من الشكر على وجود النعمة.
قوله جلّ ذكره: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ}.
الإسراف- على لسان العلم- مجاوزة الحد.
وعلى بيان الإشارة فالإسرافُ كلُّ ما أَنْفَقْتَه في حظِّ نَفْسِكَ- ولو كانت سمسمة، وما أنفقته في سبيله سبحانه فليس بإسراف، ولو أربى على الآلاف. اهـ.

.من فوائد الماوردي في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْروشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ...} أما الجنات فهي البساتين يحفها الشجر، وأما الروضة فهي الخضراء بالنبات، وأما الزهرة فهي باختلاف الألوان الحسنة.
وفي قوله: {مَعْرُوشَاتٍ} أربعة أقاويل:
أحدها: أنه تعريش الناس الكروم وغيرها، بأن ترفع أغصانها، قاله ابن عباس، والسدي.
والثاني: أن تعريشها هو رفع حظارها وحيطانها.
والثالث: أنها المرتفعة عن الأرض لعلو شجرها، فلا يقع ثمرها على الأرض، لأن أصله الارتفاع ولذلك سُمِّيَ السرير عرشًا لارتفاعه، ومنه قوله تعالى: {خاوية على عروشها} [الكهف: 42] و[الحج: 45] أي على أعاليها وما ارتفع منها.
والرابع: أن المعروشات ما عرشه الناس، وغير المعروشات ما نبت في البراري والجبال.
{كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَءَاتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} وإنما قدم ذكر الأكل لأمرين:
أحدهما: تسهيلًا لإيتاء حقه.
والثاني: تغليبًا لحقهم وافتتاحًا بنفعهم بأموالهم.
وفي قوله: {وَءَاتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} ثلاثة أقاويل:
أحدها: الصدقة المفروضة فيه: العُشْر فيما سقي بغير آلة، ونصف العشر فيما سقي بآلة، وهذا قول الجمهور.
والثاني: أنها صدقة غير الزكاة، مفروضة يوم الحصاد والصرام وهي إطعام من حضر وترك ما تساقط من الزرع والثمر، قاله عطاء ومجاهد.
والثالث: أن هذا كان مفروضًا قبل الزكاة ثم نسخ بها، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، وإبراهيم.
{وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} فيه خمسة أقاويل:
أحدها: أن هذا الإسراف المنهي عنه هو أن يتجاوز رب المال إخراج القدر المفروض عليه إلى زيادة تجحف به، قاله أبو العالية، وابن جريج.
وقد روى سعد بن سنان عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المُعْتَدِي فِي الصَّدَقَةِ كَمَانِعِهَا» وقيل: إنها نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وقد تصدق بجميع ثمرته حتى لم يبق فيها ما يأكله.
والثاني: هو أن يأخذ السلطان منه فوق الواجب عليه، قاله ابن زيد.
والثالث: هو أن يمنع رب المال من دفع القدر الواجب عليه، قاله سعيد بن والمسيب.
والرابع: أن المراد بهذا السرف ما كانوا يشركون آلهتهم فيه من الحرث والأنعام، قاله الكلبي.
والخامس: هو أن يسرف في الأكل منها قبل أن يؤدي زكاتها، قاله ابن بحر. اهـ.

.من فوائد ابن الجوزي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات}
فيه أربعة أقوال:
أحدها: أن المعروشات: ما انبسط على وجه الأرض، فانتشر مما يعرَّش، كالكرم، والقرع، والبِطيخ، وغير معروشات: ما قام على ساق كالنخل، والزرع، وسائر الأشجار.
والثاني: أن المعروشات: ما أنبته الناس؛ وغير معروشات: ما خرج في البراري والجبال من الثمار، رويا عن ابن عباس، والثالث: أن المعروشات، وغير المعروشات: الكرم، منه ما عرش، ومنه ما لم يعرش، قاله الضحاك.
والرابع: أن المعروشات الكروم التي قد عُرّش عنبها، وغير المعروشات: سائر الشجر التي لا تُعَّرش، قاله أبو عبيدة.
والأُكُلُ: الثمر.
{والزيتون والرمان متشابهًا} قد سبق تفسيره.
قوله تعالى: {كلوا من ثمره إذا أثمر} هذا أمر إباحة؛ وقيل: إنما قدَّم الأكل لينهى عن فعل الجاهلية في زروعهم من تحريم بعضها.
قوله تعالى: {وآتوا حقه يوم حصاده} قرأ ابن عامر، وعاصم، وأبو عمرو: بفتح الحاء، وهي لغة أهل نجد، وتميم.
وقرأ ابن كثير، ونافع، وحمزة، والكسائي: بكسرها وهي لغة أهل الحجاز، ذكره الفراء.
وفي المراد بهذا الحق قولان:
أحدهما: أنه الزكاة، روي عن أنس بن مالك، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، والحسن، وطاووس، وجابر بن زيد، وابن الحنفية، وقتادة في آخرين؛ فعلى هذا: الآية محكمة.
والثاني: أنه حق غير الزكاةُ فرض يوم الحصاد، وهو إطعام من حضر، وترك ما سقط من الزرع والثمر، قاله عطاء، ومجاهد.
وهل نُسخ ذلك، أم لا؟ إن قلنا: إنه أمر وجوب، فهو منسوخ بالزكاة؛ وإن قلنا: إنه أمر استحباب، فهو باقي الحكم.
فإن قيل: هل يجب إيتاء الحق يوم الحصاد؟ فالجواب: إن قلنا: إنه إطعام من حضر من الفقراء، فذلك يكون يوم الحصاد؛ وإن قلنا: إنه الزكاة، فقد ذُكرت عنه ثلاثة أجوبة.
أحدها: أن الأمر بالإِيتاء محمول على النخيل، لأن صدقتها تجب يوم الحصاد.
فأما الزروع: فالأمر بالإيتاء منها: محمول على وجوب الإخراج؛ إلا أنه لا يمكن ذلك عند الحصاد، فيؤخَّر إلى زمان التنقية، ذكره بعض السلف.
والثاني: أن اليوم ظرف للحق، لا للايتاء، فكأنه قال: وآتوا حقه الذي وجب يوم حصاده بعد التنقية.
والثالث: أن فائدة ذكر الحصاد أن الحق لا يجب فيه بنفس خروجه وبلوغه؛ إنما يجب يوم حصوله في يد صاحبه.
وقد كان يجوز أن يتوهم أن الحق يلزم بنفس نباته قبل قطعه، فأفادت الآية أن الوجوب فيما يحصل في اليد، دون ما يتلف، ذكر الجوابين القاضي أبو يعلى.
وفي قوله: {ولا تسرفوا} ستة أقوال:
أحدها: أنه تجاوز المفروض في الزكاة إلى حد يُجحف به، قاله أبو العالية، وابن جريج.
وروى أبو صالح عن ابن عباس: أن ثابت بن قيس بن شماس صرم خمسمائة نخلة، ثم قسمها في يوم واحد، فأمسى ولم يترك لأهله شيئا، فكره الله تعالى له ذلك، فنزلت: {ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}.
والثاني: أن الإسراف منع الصدقة الواجبة، قاله سعيد بن المسيب.
والثالث: أنه الإِنفاق في المعصية، قاله مجاهد، والزهري.
والرابع: أنه إشراك الآلهة في الحرث والأنعام، قاله عطية العوفي، وابن السائب.
والخامس: أنه خطاب للسلطان لئلا يأخذ فوق الواجب من الصدقة، قاله ابن زيد.
والسادس: أنه الإسراف في الأكل قبل أداء الزكاة، قاله ابن بحر. اهـ.

.من فوائد الخازن في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله عز وجل: {وهو الذي أنشأ جنات معروشات} يعني والله الذي ابتدع وخلق جنات يعني بساتين معروشات {وغير معروشات} يعني مسموكات مرتفعات وغير مرتفعات وأصل العرش في اللغة شيء مسقف يجعل عليه الكرم وجمعه عروش يقال عرشت الكرم أعرشه عرشًا وعرشته تعريشًا إذا جعلته كهيئة السقف واعترش العنب العريش إذا علاه وركبه.
واختلفوا في معنى قوله: {معروشات وغير معروشات} فقال ابن عباس: المعروشات ما انبسط على الأرض وانتشر مما يعرش مثل الكرم والقرع والبطيخ ونحو ذلك وغير معروشات ما قام على ساق ونسق كالنخل والزرع وسائر الشجر.
وقال الضحاك: كلاهما في الكرم خاصة لأن منه ما يعرش ومنه ما لم يعرش بل يلقى على وجه الأرض منبسطًا، وقيل: المعروشات ما غرسه الناس في البساتين واهتموا به فعرشوه من كرم وغيره وغير معروشات وهو ما أنبته الله في البراري والجبال من كرم أو شجر {والنخل والزرع} يعني وأنشأ النخل والزرع وهو جميع الحبوب التي تقتات وتدخر {مختلفًا أكله} يعني به اختلاف الطعوم في الثمار كالحلو والحامض والجيد والرديء ونحو ذلك {والزيتون والرمان متشابهًا} يعني في المنظر {وغير متشابه} يعني في المطعم كالرمانتين لونهما واحد وطعمهما مختلف، وقيل: إن ورق الزيتون يشبه ورق الرمان ولكن ثمرتهما مختلفة في الجنس والطعم {كلوا من ثمره إذا أثمر} لما ذكر ما أنعم الله به على عباده من خلق هذه الجنات المحتوية على أنواع من الثمار ذكر ما هو المقصود الأصلي وهو الانتفاع بها، فقال تعال: كلوا من ثمره إذا أثمر، وهذا أمر إباحة.
وتمسك بهذا بعضهم فقال: الأمر قد يرد إلى غير الوجوب لأن هذه الصيغة مفيدة لدفع الحجر.
وقال بعضهم: المقصود منه إباحة الأكل قبل إخراج الحق لأنه تعالى لما أوجب الزكاة في الحبوب والثمار كان يحتمل أن يحرم على المالك أن يأكل منها شيئًا قبل إخراج الواجب فيها لمكان شركة الفقراء والمساكين معه فأباح الله أن يأكل قبل إخراجه لأن رعاية حق النفس مقدمة على رعاية حق الغير وقيل إنما قال تعالى: {كلوا من ثمره إذا أثمر} بصيغة الأمر ليعلم أن المقصود من خلق هذه الأشياء التي أنعم الله بها على عباده وهو الأكل {وآتوا حقّه يوم حصاده} يعني يوم جذاذه وقطعه.
واختلفوا في هذا الحق المأمور بإخراجه، فقال ابن عباس وأنس بن مالك: هو الزكاة المفروضة.
وهذا قول طاوس والحسن وجابر بن زيد وسعيد بن المسيب ومحمد بن الحنفية وقتادة.
قال قتادة في قوله: {وآتوا حقه يوم حصاده} أي من الصدقة المفروضة ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم سن فيما سقت السماء والعين السائحة أو سقاه النيل والندى أو كان بعلًا العشر كاملًا وإن سقي بنضح أو سانية فتصف العشر وهذا فيما يكال من الثمرة أو الزرع وبلغ خمسة أوسق وذلك ثلمثائة صاع فقد وجب فيها حق الزكاة وفي رواية عن ابن عباس في قوله تعالى: {وآتوا حقه يوم حصاده} قال هو العشر ونصف العشر.
فإن قلت على هذا التفسير إشكال وهو أن فرض الزكاة كان بالمدينة وهذه السورة مكية فكيف يمكن حمل قوه وآتوا يوم حصاده على الزكاة المفروضة، قلت: ذكر ابن الجوزي في تفسيره عن ابن عباس وقتادة: إن هذه الآية نزلت بالمدينة فعلى هذا القول تكون الآية محكمة نزلت في حكم الزكاة وإن قلنا إن هذه الآية مكية تكون منسوخة بآية الزكاة، لأنه قد روي عن ابن عباس أنه قال: نسخت آية الزكاة كل صدقة في القرآن وقيل في قوله تعالى: {وآتوا حقه يوم حصاده} أنه حق سوى الزكاة فرض يوم الحصاد وهو إطعام من حضر وترك ما سقط من الزرع والثمر، وهذا قول علي بن الحسن وعطاء ومجاهد وحماد.