فصل: من فوائد الشنقيطي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشنقيطي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}.
اختلف العلماء في المراد بهذا الحق المذكور هنا، وهل هو منسوخ أو لا؟ فقال جماعة من العلماء: هذا الحق هو الزكاة المفروضة، وممن قال بهذا أنس بن مالك، وابن عباس وطاوس، والحسن وابن زيد وابن الحنفية، والضحاك وسعيد بن المسيب، ومالك، نقله عنهم القرطبي، ونقله ابن كثير عن أنس وسعيد وغيرهما، ونقله ابن جرير عن ابن عباس وأنس والحسن وجابر بن زيد، وسعيد بن المسيب وقتادة وطاوس ومحمد ابن الحنفية، والضحاك وابن زيد.
وقال قوم: ليس المراد به الزكاة، وإنما المراد به أنه يعطي من حضر من المساكين يوم الحصاد القبضة والضغث ونحو ذلك، وحمله بعضهم على الوجوب، وحمله بعضهم على الندب قال القرطبي: وقال علي بن الحسي، وعطاء والحكم، وحماد وسعيد بن جبير، ومجاهد: هو حق في المال سوى الزكاة أمر الله به ندبًا، وروي عن ابن عمر ومحمد ابن الحنفية أيضًا، ورواه أبو سعيد الخدري عنه صلى الله عليه وسلم، قال مجاهد: إذا حصدت فحضرك المساكين فاطرح لهم من السنبل، وإذا جذذت فألق لهم من الشماريخ، وإذا درسته وذريته فاطرح لهم منه، وإذا عرفت كيله فأخرج منه زكاته.
وقال قوم: هو حق واجب غيرالزكاة، وهو غير محدد بقدر معين، وممن قال به عطاء كما نقله عنه ابن جرير.
وقال قوم: هي منسوخة بالزكاة، واختاره ابن جرير، وعزاه الشوكاني في تفسيره لجمهور العلماء، وأيده بأن هذه السورة مكية، وآية الزكاة نزلت بالمدينة في السنة الثانية بعد الهجرة.
وقال ابن كثير في القول بالنسخ نظر، لأنه قد كان شيئًا واجبًا في الأصل، ثم إنه فصل بيانه، وبين مقدار المخرج وكميته، قالوا: وكان هذا في السنة الثانية من الهجرة. والله أعلم. انتهى من ابن كثير.
ومراده أن شرع الزكاة بيان لهذا الحق لا نسخ له، وممن روى عنه القول بالنسخ ابن عباس ومحمد بن الحنفية، والحسن والنخعي وطاوس، وأبو الشعثاء وقتادة والضحاك وابن جريج، نقله عنهم الشوكاني والقرطبي أيضًا، ونقله عن السدي وعطية، ونقله ابن جرير أيضًا عن ابن عباس وابن الحنفية، وسعيد بن جبير وإبراهيم والحسن، والسدي وعطية، واستدل ابن جرير للنسخ بالإجماع على أن زكاة الحرث لا تؤخذ إلا بعد التذرية والتنقية، وزكاة التمر لا تؤخذ إلا بعد الجذاذ، فدل على عدم الخذ يوم الحصاد فعلم أن الآية منسوخة، أو أنها على سبيل الندب، فالأمر واضح.
وعلى أن المراد بها الزكاة، فقد اشير إلى أن هذا الحق المذكور هو جزء المال الواجب في النصاب في آيات الزكاة، وهو المذكور في قوله: {يا أيها الذين آمنوا أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأرض} [البقرة: 267] الآية، وبينته السنة، فإذا علمت ذلك، فاعلم أنه يحتاج هنا إلى بيان ثلاثة اشياء:
الأول: تعيين ما تجب فيه الزكاة مما تنبته الأرض.
الثاني: تعيين القدر الذي تجب فيه الزكاة منه.
الثالث: تعيين القدر الواجب فيه وسنبينها إن شاء الله مفصلة.
اعلم أولًا أنه لا خلاف بين العلماء في وجوب الزكاة في الحنطة، والشعير والتمر والزبيب.
واختلف فيما سواها مما تنبته الأرض فقال قوم: لا زكاة في غيرها من جميع ما تنبته الأرض، وروي ذلك عن الحسن، وابن سيرين والشعبي.
وقال به من الكوفيين ابن أبي ليلى، والثوري، والحسن بن صالح، وابن المبارك، ويحيى بن آدم، وإليه ذهب ابو عبيد.
وروي ذلك عن أبي موسى عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، وهو مذهب أبي موسى، فإنه كان لا يأخذ الزكاة إلا من الحنطة، والشعير والتمر والزبيب. ذكره وكيع عن طلحة بن يحيى، عن أبي بردة، عن أبيه، كما نقله عنهم القرطبي.
واستدل أهل هذا القول بما رواه الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو، أنه قال: إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، وفي رواية عن أبيه عن جده عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «والعشر في التمر والزبيب والحنطة والشعير»، وعن موسى بن طلحة عن عمر أنه قال: «إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في هذه الأربعة: الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب». وعن أبي بردة عن أبي موسى، ومعاذ: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثهما إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم، فأمرهم ألا يأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة، الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب» رواها كلها الدارقطني، قاله ابن قدامة في المغني.
قال مقيده عفا الله عنه: أما ما رواه الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده من أنه صلى الله عليه وسلم إنما سن الزكاة في الأربعة المذكورة، فإسناده واه لأنه من رواية محمد بن عبيد الله العزرمي، وهو متروك، قاله ابن حجر في (التلخيص)، وما رواه الدارقطني من حديث موسى بن طلحة، عن عمر أنه صلى الله عليه وسلم إنما سن الزكاة في الأربعة المذكورة، قال فيه أبو زرعة: موسى عن عمر: مرسل، قاله ابن حجر أيضًا، وما عزاه للدارقطني عن أبي بردة عن أبي موسى، ومعاذ رواه الحاكم والبيهقي عن أبي بردة عنهما.
وقال البيهقي: رواته ثقات، وهو متصل، قاله، قاله ابن حجر أيضًا، وقال مالك وأصحابه: تجب الزكاة في كل مقتات مدخر، وذلك عنده في ثمار الأشجار، إنما هو التمر والزبيب فقط، ومشهور مذهبه وجوب الزكاة في الزيتون إذا بلغ حبه خمسة أوسق.
ولكنها تخرج من زيته بعد العصر، فيخرج عشره أو نصف عشره على ما سيأتي، فإن لم يبلغ حبه خمسة أوسق فلا زكاة عنده في زيته: وحكم السمسم وبزر الفجل الأحمر والقرطم حكم الزيتون في مشهور مذهبه يخرج من زيتها إن بلغ حبها النصاب.
وقال اللخمي: لا يضم زيت بعضها إلى بعض لاختلاف أجناسها، ومشهور مذهبه عدم وجوبها في التين، وأوجبها فيه جماعة من أصحابه بمقتضى أصوله وقال ابن عبد البر: أظن مالكًا ما كان يعلم أن التين ييبس ويقتات ويدخر. ولو كان يعلم ذلك لجعله كالزبيب، ولما عده مع الفواكه التي لا تيبس، ولا تدخر كالرمان والفرسك، والذي تجب فيه من الحبوب عنده هو ما يقتات ويدخر، وذلك الحنطة والشعير والسلت والعس والدخن والذرة والأرز والعدس والجلبان واللوبيا والجلجلان والترمس والفول والحمص والبسيلة.
ومشهور مذهبه أن الكرسنة لا زكاة فيها، لأنها علف، وعن أشهب وجوب الزكاة فيها، وهي من القطاني على مشهور مذهبه في باب الربا، دون باب الزكاة.
وقيل هي البسيلة، وجميع أنواع القطاني عند مالك جنس واحد في الزكاة، فلو حصد وسقا من فول ووسقًا من حمص، وآخر من عدس وآخر من جلبان، وآخر من لوبيا وجب عليه أن يضم بعضها إلى بعض، ويخرج الزكاة منها كل واحد يحسبه، وكذلك يضم عنده القمح والشعير والسلت بعضها إلى بعض كالصنف الواحد، وتخرج الزكاة منها كل بحسبه، ولا يضم عنده تمر إلى زبيب ولا حنطة إلى قطنية، ولا تمر إلى حنطة ولا أي جنس إلى جنس آخر غير ما ذكرنا عنه ضمه لتقارب المنفعة فيه عنده، والنوع الواحد كالتمر والزبيب، والحنطة يضم بعض انواعه إلى بعض كصيحاني وبرني وسمراء ومحمولة وزبيب أسود وزبيب أحمر ونحو ذلك.
ولا زكاة عند مالك رحمه الله في شيء من الفواكه غير ما ذكرنا، كالرمان والتفاح والخوخ والإجاص، والكمثري، واللوز، والجوز، والجلوز، ونحو ذلك كما لا زكاة عنده في شيء من الخضراوات. قال في الموطأ: السنة التي لا اختلاف فيها عندنا، والذي سمعت من أهل العلم أنه ليس في شيء من الفواكه كلها صدقة، الرمان والفرسل والتين، وما أشبه ذلك، وما لم يشبهه إذا كان من الفواكه.
قال: ولا في القضب، ولا في البقول كلها صدقة، ولا في أثمانها إذا بيعت صدقة حتى يحول على أثمانها الحول من يوم بيعها، ويقبض صاحبها ثمنها وهو نصاب اهـ.
والفرسك- بكسر الفاء والسين بينها راء ساكنة آخره كاف- الخوخ، وهي لغة يمانية، وقيل: نوع مثله في القدر، وهو أجرد أملس أحمر وأصفر جيد، وقيل: ما ليس ينفلق عن نواة من الخوخ، وإذا كان الزرع أو الثمر مشتركًا بين اثنين فأكثر، فقد قال فيه مالك في الموطأ: في النخيل يكون بين الرجلين فيجذان منه ثمانية أوسق من التمر أنه لا صدقة عليهما فيها، وأنه إن كان لأحدهما منها ما يجذ منه خمسة أوسق، وللآخر ما يجذ أربعة أوسق أو أقل من ذلك في أرض واحدة، كانت الصدقة على صاحب الخمسة الأوسق، وليس على الذي جذ أربعة أوسق أو أقل منها صدقة، وكذلك العمل في الشركاء كلهم في كل زرع من الحبوب كلها يحصد، أو النخل يجذ أو الكرم يقطف، فإنه إذا كان كل رجل منهم يجذ من التمر، أو يقطف من الزبيب خمسة أوسق، أو يحصد من الحنطة خمسة أوسق، فعليه الزكاة، ومن كان حقه أقل من خمسة أوسق فلا صدقة عليه.
وإنما تجب الصدقة على من بلغ جذاذه أو قطافه أو حصاده خمسة أوسق، انتهى من موطأ مالك رحمه الله.
وإذا أمسك ذلك الحب أو التمر الذي أخرج زكاته سنين، ثم باعه فحكمه عند مالك ما ذكره في موطئه حيث قال: السنة عندنا أن كل ما أخرجت زكاته من هذه الأصناف كلها الحنطة والتمر والزبيب والحبوب كلها، ثم أمسكه صاحبه بعد أن أدى صدقته سنين ثم باعه، أنه ليس عليه في ثمنه زكاة حتى يحول على ثمنه الحول من يوم باعه، إذا كان أصل تلك الأصناف من فائدة أو غيرها، وأنه لم يكن للتجارة.
وإنما ذلك بمنزلة الطعام والحبوب والعروض يفيدها الرجل، ثم يمسكها سنين، ثم يبيعها بذهب أو ورق فلا يكون عليه في ثمنها زكاة حتّى يحول عليها الحول من يوم باعها، فإن كان أصل تلك العروض للتجارة فعلى صاحبها فيها الزكاة حين يبيعها، إذا كان حبسها سنة من يوم زكى المال الذي ابتاعها به، انتهى في الموطأ، وهذا في المحتكر، أما المدير فإنه يقومها بعد حول من زكاته، كما في المدونة عن ابن القاسم.
هذا هو حاصل مذهب مالك رحمه الله فيما تجب فيه الزكاة من الثمار والحبوب، ومذهب الشافعي رحمه الله، أنه لا تجب الزكاة في شيء من ثمار الأشجار أيضًا، إلا فيما كان قوتًا يدخر، وذلك عنده التمر والزبيب فقط، كما تقدم عن مالك، ولا تجب عنده في سواهما من الثمار كالتين والتفاح والسفرجل والرمان، ونحو ذلك، لأنه ليس من الأقوات ولا من الأموال المدخرة، ولا تجب عنده في طلع الفحال، لأنه لا يجيء منه الثمار.
واختلف قوله في الزيتون، فقال في القديم، تجب فيه الزكاة لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه جعل في الزيت العشر، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: في الزيتون الزكاة، وقال في الجديد: لا زكاة في الزيتون.
لأنه ليس بقوت فهو كالخضراوات.
واختلف قول الشافعي رحمه الله أيضًا في الورس، فقال في القديم: تجب فيه الزكاة، ملا روي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كتب إلى بني خفاش، أن أدوا زكاة الذرة والورس، وقال في الجديد: لا زكاة فيه، لأنه نبت لا يقتات، فأشبه الخضراوات، وقال الشافعي رحمه الله من قال: لا عشر في الورس لم يوجب في الزعفران، ومن قال: يجب في الورس، فيحتمل أن يوجب في الزعفران، لأنهما طيبان، ويحتمل ألاّ يوجب في الزعفران ويفرق بينهما بأن الورس شجر له ساق والزعفران نبات، واختلف قوله أيضًا في العسل فقال في القديم: يحتمل أن تجب فيه، ووجهه ما روي أن بني شَبابة بطن من فَهْم، كانوا يؤدون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحل كان عندهم الُشر من عشر قرب قربة، وقال في الجديد: لا تجب لأنه ليس بقوت فلا يجب فيه العشر كالبيض.
واختلف قوله أيضًا في القرطم، وهو حب العصفر، فقال في القديم: تجب إن صح فيه حديث أبي بكر رضي الله عنه، وقال في الجديد: لا تجب لأنه ليس بقوت، فأشبه الخضراوات، قاله كله صاحب (المهذب)، وقال النووي في شرح المهذب: الأثر المروي عن عمر: «أنه جعل في الزيت العشر» ضعيف، رواه البيهقي، وقال: إسناده منقطع، وراويه ليس بقوي، قال: وأصحّ ما روي في الزيتون قول الزهري مضت السنة في زكاة الزيتون، أن يؤخذ ممن عصر زيتونه حين يعصره، فيما سقت السماء أن كان بعلا العشر، وفيما سقي برش الناضح نصف العشر، وهذا موقوف لا يعلم اشتهاره، ولا شحتج به على الصحيح.
وقال البيهقي: وحديث معاذ بن جبل، وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما أعلى، وأولى أن يؤخذ به، يعني روايتهما أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال لهما، لما بعثهما إلى اليمن: «لا تأخذا في الصدقة إلا من هذه الأصناف الأربعة: الشعير، والحنطة، والتمر، والزبيب».
وأما الأثر المذكور عن ابن عباس فضعيف أيضًا، والأثر المذكور عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ضعيف أيضًا، ذكره الشافعي وضعفه هو وغيره، واتفق الحفاظ على ضعفه، واتفق أصحابنا في كتب المذهب على ضعفه، قال البيهقي: ولم يثبت في هذا إسناد تقوم به حجة، قال: والأصل عدم الوجوب فلا زكاة فيما لم يرد فيه حديث صحيح، أو كان في معنى ما ورد به حديث صحيح، وأما حديث بني شبابة في العسل فرواه أبو داود، والبيهقي، وغيرهما من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده بإسناد ضعيف، قال الترمذي في جامعه: لا يصح عن النَّبي صلى الله عليه وسلم في هذا كبير شيء، قال البيهقي: قال الترمذي في كتاب العلل: قال البخاري: ليس في زكاة العسل شيء يصح.
فالحاصل أن جميع الآثار، والأحاديث التي في هذا الفصل ضعيفة، انتهى كلام النووي.
وقال ابن حجر في (التلخيص) في أثر عمر المذكور في الزيتون: رواه البيهقي بإسناد منقطع، والراوي له عثمان بن عطاء ضعيف. قال: وأصح ما في الباب قول ابن شهاب: «مضت السنة في زكاة الزيتون» إلخ.