فصل: من فوائد الشعراوي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الشنقيطي:
والظاهر كراهة ركوب الجلالة، وهو مكروه عند الشافعي، وأحمد وعمر وابنه عبد الله، وروي عن ابن عمر مرفوعًا كراهة ركوب الجلالة، أخرجه البيهقي وغيره.
والسخلة المرباة بلبن الكلبة حكمها حكم الجلالة فيما يظهر، فيجري فيها ما جرى فيها، والله تعالى أعلم.
ومن ذلك الزروع والثمار التي سقيت بالنجاسات أو سمدت بها فأكثر العلماء على أنها طاهرة، وأن ذلك لا ينجسها، وممن قال بذلك مالك والشافعي وأصحابهما خلافًا للإمام أحمد، وقال ابن قدامة في المغني وتحرم الزروع والثمار التي سقيت بالنجاسات، أو سمدت بها، وقال ابن عقيل يحتمل أن يكره ذلك ولا يحرم. ولا يحكم بتنجيسها، لأن النجاسة تستحيل في باطنها فتطهر بالاتسحالة. كالدم يستحيل في أعضاء الحيوان لحمًا، ويصير لبنًا. وهذا قول اكثر الفقهاء. منهم أبو حنيفة والشافعي، وكان سعد بن أبي وقاص يدمل أرضه بالعرة ويقول: مكتل عرة مكتل بر، والعرة: عذرة الناس، ولنا ما روي عن ابن عباس: كنا نكري أراضي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشترط عليهم ألا يدملوها بعذرة الناس، ولأنها تتغذى بالنجاسات، وتترقى فيها أجزاؤها والاستحالة لا تطهر، فعلى هذا تطهر إذا سقيت الطاهرات. كالجلالة إذا حبست وأطعمت الطاهرات. اهـ. من المغني بلفظه. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ}
وقول الحق: {أَنشَأَ} أي أوجد على إبداع لم يسبق له مثيل فلم يكن هناك نماذج توضيحية تدل الله سبحانه، وإنما ابتدأها على غير مثال سابق؛ لأنه لا يوجد خالق سواه. والخالق إذا لم يكن هناك سواه من شريك أو ندٍ فإنه حين يخلق إنما ينشيء خلقًا على غير نظام أو مثالٍ كان قد سبقه.
وكلمة {جَنَّاتٍ} تؤدي ما نعرفه من المكان المحدد الذي يجمع صنوف الزروع والثمار مما نقتات، ومما نتفكه به، وتسمى جَنَّة وتسمى جَنَّات؛ لأن المادة كلها تدل على الستر وعلى التغطية، ومنه الجُنون لأن فيه سترًا للعقل، ومنها الجنِّ لأنهم مستورون عن رؤية العين، وكذلك المِجَنّ لأنه الذي يستر عن الإِنسان طعنات الخصم.
والجَنَّة هي المكان الممتلئ بالزرع والثمار وتعلو الأشجار فيه وتكثف وتلتف أغصانها وفروعها بحيث تستر من يكون بداخلها وتستره أيضًا عن بقية الأمكنة؛ لأنه لا حاجة له إلى الأمكنة الأخرى؛ ففي الجنة كل مقومات الحياة من غذاء وفاكهة ومرعى، وماء وخضرة ومتعة، وفيها كل شيء. كما تسمى البيت العظيم المكتمل الذي يضم ويشتمل على كل المرافق قصرًا لأنَّه قَصَرَك على أي مكان سواه؛ لأن فيه الأشياء التي تحتاج إليها كلها، فلا تحتاج إلى شيء بعده. {وَهُوَ الذي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ...} [الأنعام: 141]
ومادة العرش تدل على العلو، ومنه قيل للسقف عرش ويطلق العرش أيضًا على السرير؛ مثل قوله الحق: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش}.
ويطلق العرش على الملك مثل قوله الحق: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}.
كل ذلك يدل على العلو وقوله الحق هنا: {مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ}، أي أن الزرع من نوع العنب، حين نعني به نجعل له القوائم والقواعد التي يقوم عليها؛ لأن امتداد أغصانه اللينة لا تنهض أن تقوم وحدها، ولكن هناك نوع أيضًا يقوم وحده نسميه العنب الأرضي، وكأن الكلام فيما يختص بالكَرْم. أي: أنك إذا ما نظرت إلى الزرع الذي لا ساق له كالبطيخ، والشمام، وكالكوسة، وكل الزروع التي ليس لها ساق تجدها مفروشة في الأرض أي غير قائمة على قواعد وقوائم وعروش. وإن كنا الآن نحاول أن نرفعها لنعطي لها قوة الإنتاج. والكلام جاء على ما كان موجودًا عند العرب أيام بعثة النبي صلى الله عليه وسلم {وَهُوَ الذي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ والنخل والزرع}. والزرع يطلق ويراد به ما نقتات به من الحبوب.
{مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ والزيتون والرمان مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ...} [الأنعام: 141].
وحين ننظر إلى هذه الآية نجد أنه قد سبقتها آية فيها كل هذه المعاني يقول سبحانه: {وَهُوَ الذي أَنزَلَ مِنَ السماء مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النخل مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ والزيتون والرمان مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظروا إلى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلكم لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 99]
وبعض الناس يحاولون نقد القرآن فيقولون: إنه يكرر المعاني الواحدة؛ لأنهم لا يمتلكون فطنة أن المتكلم هو الله، وسبحانه يتكلم في كل شيء لأمر حكيم، فهو هنا يتكلم عن هذه الأشياء كدليل على الخالق ووحدانيته بدليل أنه ذيل الآية بقوله: {إِنَّ فِي ذلكم لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}، ولكن الكلام في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها قد جاء بقصد الحديث عن الانتفاع بها فيقول: {كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ...} [الأنعام: 141]
ولا شك أن استقامة العقيدة بالإيمان بالإِله الواحد تحتاج إلى الدليل أولًا؛ لأن فائدتها أشمل، وأعم، وأعمق، وأخلد من الأكل، لأن الأكل قصارى ما فيه أنه يقوتنا هذه الحياة، ولكن الأدلة الأولى تعطينا الثواب الباقي والنعيم المقيم؛ لذلك فالآية الأولى متعلقة بالدليل، وهذه الآية متعلقة بالانتفاع، وهنا نلاحظ أنه قال: {كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ}، وفي هذه إباحة لتناول الأشياء منه قبل أن تنضج دون أن يترتب على ذلك لون من الضرر وإلا عالجناها بما يزيل وينفي عنا الضرر، فإذا ما وجدت ثمارًا لم تنضج لك أن تأكل منها، ولم يجعل الحق لنا حرجًا فيما نحرث ونبذر ونروي ولكن الله سبحانه هو الذي يزرع ونحن نأكل منه، ونجد أهل الريف يشوون الذرة قبل أن تنضج ويقول سبحانه: {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}.
لقد قالوا إن الآية مختصة بما يُحصَد وهي الزروع، أما الأشياء التي لا يقال فيها: حصد فهي خارجة عن ذلك مثل الفواكه، لكن الإِمام أبا حنيفة يرفض ذلك ويرى: أن كل ما تنبته الأرض ينطبق عليه هذا النص؛ لأنه لا يصح أن تأخذ معنى الحصاد على العرف، ولكن بفهم اللغة.
ما معنى الحصاد في اللغة؟. الحصاد في اللغة القطع، فحينما تفصل الثمرة المطلوبة فهذا هو الحصاد. ولكن يوم الحصاد للحبوب؛ تكون الغلال في السنابل، ويرى الإِمام أبو حنيفة أن تعطي من البداية لمن حضر القسمة، وكذلك حينما تدرسه وتذريه تعطي، وعندما تغربل الحبوب أعط أيضًا، ويبتدئ الحصاد من ساعة أن تُكيل، وما تقدم غير محسوب، ما تأتيه من الحق يوم حصاده هو غير المفروض؛ لأنه لم يقل الحق المعلوم، وفي هذا اتساع لدائرة امتداد الخير إلى غير الزارعين. {... وَلاَ تسرفوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين} [الأنعام: 141]
والإسراف هو مجاوزة الحد، والبعض قد فسّر الإِسراف بالزيادة فقط، ولكن الحقيقة أن أي تجاوز للحد زيادة أو نقصًا يسمى إسرافا؛ لأنه مأخوذ من سرف الماء، وهو أن يُطلق الماء ويذهب في غير نفعٍ، وسيدنا مجاهد يقول: لو أن للإِنسان مثل جبل أبي قبيس ذهبًا ثم أنفقه في حلّ ما عُدَّ سرفًا، ولو صرف درهمًا واحدًا في معصية يعد سرفًا.
إذن فمعنى: {ولا تسرفوا} أمران اثنان بمعنى لا تتجاوزوا الحدود التي شرعها الحق فتستعملوا هذا في معصية، أو لا تسوفوا في أن تعطوا للفقير أقل مما يستحق.
وكان حاتم الطائي كريمًا جدًا، وقعدوا يلومونه على هذا الكرم، فقال واحد له: لا خير في السرف. رد عليه فقال له: ولا سرف في الخير. أي أنه مادام في الخير فلا يكون سرفًا.
وإذا كنا سنأخذ الأمر على المعنيين الاثنين: النقص والزيادة، فما المانع أن نعطي للفقير أكثر؟. ويحكي الأثر أن أناسًا قد تأخذهم الأريحية والنشاط للبذل والعطاء ساعة يرون كثرة غلتهم، وما أفاء الله عليهم من ريع أرضهم. إنهم يعطون الكثير مثلما عمل ثابت بن قيس، وكان عنده خمسون نخلة وجزها وأعطاها كلها للفقراء، ولم يترك لأولاده شيئًا. فلما رُفِع الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: أعط ولا تسرف، لماذا؟ مخافة أن تحتاج بعد ذلك إلى ما أعطيت فتندم على أنك أعطيت. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141)}
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله: {وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات} قال: المعروشات ما عرش الناس {وغير معروشات} ما خرج في الجبال والبرية من الثمرات.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {معروشات} قال: بالعيدان والقصب {وغير معروشات} قال: الضاحي.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس {معروشات} قال: الكرم خاصة.
وأخرج من وجه آخر عن ابن عباس {معروشات} ما يعرش من الكرم وغير ذلك {وغير معروشات} ما لا يعرش منها.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله: {متشابهًا} قال: في المنظر {وغير متشابه} قال: في المطعم.
وأخرج ابن المنذر والنحاس وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {وآتوا حقه يوم حصاده} قال: ما سقط من السنبل.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس والبيهقي في سننه عن ابن عباس {وآتوا حقه يوم حصاده} قال: نسخها العشر ونصف العشر.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن عطية العوفي في قوله: {وأتوا حقه يوم حصاده} قال: كانوا إذا حصدوا وإذا ديس وإذا غربل أعطوا منه شيئًا، فنسخها العشر ونصف العشر.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن المنذر عن سفيان قال: سألت السدي عن هذه الآية: {وأتوا حقه يوم حصاده} قال: هي مكية نسخها العشر ونصف العشر. قلت له: عمن؟ قال: عن العلماء.
وأخرج النحاس وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير {وآتوا حقه يوم حصاده} قال: كان هذا قبل أن تنزل الزكاة، الرجل يعطى زرعه، ويعلف الدابة، ويعطى اليتامى والمساكين، ويعطى الضغث.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن.
وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن الضحاك قال: نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر والنحاس وأبو الشيخ والطبراني وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عمر {وآتوا حقه يوم حصاده} قال: كانوا يعطون من اعتربهم شيئًا سوى الصدقة.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عن مجاهد في قوله: {وأتوا حقه يوم حصاده} قال: إذا حصدت فحضرك المساكين فاطرح لهم من السنبل، فإذا طيبته وكرسته فحضرك المساكين فاطرح لهم منه، فإذا دسته وذريته فحضرك المساكين فاطرح لهم منه، فإذا ذريته وجمعته وعرفت كيله فاعزل زكاته، وإذا بلغ النخل فحضرك المساكين فاطرح لهم من التفاريق والبسر، فإذا جددته فحضرك المساكين فاطرح له منه، فإذا جمعته وعرفت كيله فاعزل زكاته.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن ميمون بن مهران ويزيد بن الأصم قال: كان أهل المدينة إذا صرموا النخل يجيئون بالعذق فيضعونه في المسجد، فيجيء السائل فيضربه بالعصا فيسقط منه. فهو قوله: {وأتوا حقه يوم حصاده}.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن حماد بن أبي سليمان في قوله وأتوا حقه يوم حصاده قال كانوا يطعمون منه رطبًا.
وأخرج أبو عبيد وأبو داود في ناسخه وابن المنذر عن الحسن في قوله: {وآتوا حقه يوم حصاده} قال: هو الصدقة من الحب والثمار.
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن أنس. أن رجلًا من بني تميم قال: يا رسول الله أنا رجل ذو مال كثير وأهل وولد وحاضرة، فأخبرني كيف أنفق وكيف أصنع؟ قال: «تخرج زكاة مالك فإنها طهرة تطهرك، وتصل أقاربك، وتعرف حق السائل والجار والمسكين».
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن الشعبي قال: إن في المال حقًا سوى الزكاة.