فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن الحمولة كبار الإبل التي يُحْمَلُ عليها، والفرش صغارها التي لا يحمل عليها، مأخوذ من افتراش الأرض بها على الاستواء كالفرش.
وقال ابن بحر الافتراش الإضجاع للنحر، فتكون الحمولة كبارها، والفرش صغارها، قال الراجز:
أورثني حمولة وفرشا ** أمشّها في كل يوم مشّا

أي أمسحها، قاله ابن مسعود، والحسن، ومجاهد.
والثاني: أن الحَمُولة ما حُمِلَ عليه من الإبل والبقر، والفرش: الغنم، قاله ابن عباس، وقتادة، ومنه قول ابن مسلمة:
وحوينا الفرش من أنعامكم ** والحمولات وربات الحجل

والثالث: أن الحملة ما حمل من الإبل، والبقر، والخيل، والبغال، الحمير، والفرش ما خلق لهم من أصوافها وجلودها.
{كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} يحتمل وجهين:
أحدهما: من الحمولة ليبين أن الانتفاع بظهرها لا يمنع من جواز أكلها.
والثاني: أنه إذن منه في عموم أكل المباح من أموالهم، ونهى عن أكل ما لا يملكونه.
{وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} فيها قولان:
أحدهما: أنها طريقه التي يدعوكم إليها من كفر وضلال.
والثاني: أنها تخطيه إلى تحريم الحلال وتحريم الحرام، وقد ذكرنا ما في ذلك من زيادة التأول ومن الاحتمال، وأنه الانتقال من معصية إلى أخرى حتى يستوعب جميع المعاصي، مأخوذ من خطو القدم: انتقالها من مكان إلى مكان.
{إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} فيه قولان:
أحدهما: أنه ما بان لكم من عداوته لأبيكم آدم.
والثاني: ما بان لكم من عداوته لأوليائه من الشياطين، قاله الحسن. اهـ.

.قال ابن عطية:

{حمولة} عطف على {جنات معروشات} [الأنعام: 141] التقدير وأنشأنا من الأنعام حمولة، وبالحمولة ما تحمل الأثقال من الإبل والبقر عند من عادته أن يحمل عليها والهاء في {حمولة} للمبالغة، وقال الطبري هو اسم جمع لا واحد من لفظه، والفرش ما لا يحمل ثقلًا كالغنم وصغار البقر والإبل، هذا هو المروي عن ابن مسعود وابن عباس والحسن وغيرهم، يقال له الفرش ويفرش، وذهب بعض الناس إلى أن تسميته {فرشًا} إنما هي لوطاءته وأنه مما يمتهن ويتوطأ ويتمكن من التصرف فيه إذ قرب جسمه من الأرض.
وروي عن ابن عباس أنه قال: الحمولة الإبل والخيل والبغال والحمير، ذكره الطبري.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا منه تفسير لنفس اللفظة لا من حيث هي في هذه الآية، ولا تدخل في الآية لغير الأنعام وإنما خصت بالذكر من جهة ما شرعت فيها العرب، وقوله: {مما رزقكم} نص إباحة وإزالة ما سنه الكفار من البحيرة والسائبة وغير ذلك، ثم تابع النهي عن تلك السنن الآفكة بقوله اختلاف القراء في {خطوات}، ومن شاذها قراءة علي رضي الله عنه والأعرج وعمرو بن عبيد {خُطُؤات} بضم الخاء والطاء وبالهمزة، قال أبو الفتح وذلك جمع خطأة من الخطأ ومن الشاذ قراءة أبي السمال {خطوات} بالواو دون همزة وهو جمع خطوة وهي ذرع ما بين قدمي الماشي، ثم علل النهي عن ذلك بتقرير عداوة الشيطان لابن آدم. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ومن الأنعام حمولة وفرشًا} هذا نسق على ما قبله، والمعنى: أنشأ جنّاتٍ، وأنشأ حمولة وفرشًا، وفي ذلك خمسة أقوال:
أحدها: أن الحمولة: ما حمل من الإبل، والفرشَ: صغارها، قاله ابن مسعود، والحسن، ومجاهد، وابن قتيبة.
والثاني: أن الحمولة، ما انتفعت بظهورها، والفرش: الراعية، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثالث: أن الحمولة: الإبل والخيل، والبغال، والحمير، وكل شيء يُحمَل عليه.
والفرش: الغنم، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والرابع: الحمولة: من الإبل، والفرش: من الغنم، قاله الضحاك.
والخامس: الحمولة: الإبل والبقر.
والفرش: الغنم وما لا يحمل عليه من الإبل، قاله قتادة.
وقرأ عكرمة، وأبو المتوكل، وأبو الجوزاء: {حُمولة} بضم الحاء.
قوله تعالى: {كلوا مما رزقكم الله} قال الزجاج: المعنى: لا تحرِّموا ما حرمتم مما جرى ذكره، {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} أي: طرقه. اهـ.

.قال الخازن:

{ومن الأنعام} يعني وأنشأ من الأنعام {حمولة} وهي كل ما يحمل عليها من الإبل {وفرشًا} يعني صغار الإبل التي لا تحمل.
قال ابن عباس: الحمولة هي الكبار من الإبل والفرش هي الصغار من الإبل، وقال في رواية أخرى عنه ذكرها الطبري.
أما الحمولة: فالإبل والخيل والبغال والحمير وكل شيء يحمل عيه وأما الفرش فالغنم.
وقال الربيع بن أنس: الحملة: الإبل والبقر والفرش والمعز والضان فالحمولة كل ما يحمل عليها من الأنعام والفرش ما لا يصلح للحمل سمي فرشًا لأنه يفرش للذبح ولأنه قريب من الأرض لصغره {كلوا مما رزقكم الله} يعني كلوا مما أحله الله لكم من هذه الأنعام والحرث {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} يعني لا تسلكوا طريقه وآثاره في تحريم الحرث والأنعام كما فعله أهل الجاهلية {إنه} يعني الشيطان {لكم عدو مبين} يعني أنه مبين العداوة لكم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ومن الأنعام حمولة وفرشًا}
هذا معطوف على {جنات} أي وأنشأ {من الأنعام حمولة وفرشًا} وهل الحمولة ما قاله ابن عباس ما حمل عليه من الإبل والبقر والخيل والبغال والحمير والفرش الغنم؟ أو ما قاله أيضًا ما انتفع به من ظهورها والفرش الراعية؟ أو ما قاله ابن مسعود والحسن ومجاهد وابن قتيبة: ما حمل من الإبل والفرش صغارها؟ أو ما قاله الحسن أيضًا: الإبل والفرش الغنم؟ أو ما قاله ابن زيد: ما يركب والفرش ما يؤكل لحمه ويجلب من الغنم والفصلان والعجاجيل؟ أو ما قاله الماتريدي: مراكب النساء والفرش ما يكون للنساء أو ما قاله أيضًا: كل شيء من الحيوان وغيره يقال له فرش؟ تقول العرب: أفرشه الله كذا أي جعله له أو ما قاله بعضهم: ما كان معدًّا للحمل من الحيوانات، والفرش: ما خلق لهم من أصوافها وجلودها التي يفترشونها ويجلسون عليها، أو ما يحمل الأثقال.
والفرش: ما يفرش للذبح أو ينسج من وبره وصوفه وشعره للفرش.
أو ما قاله الضحاك: واختاره النحاس الإبل والبقر والفرش الغنم ورجح هذا بإبدال ثمانية أزواج منه عشرة أقوال، وقدّم الحمولة على الفرش لأنها أعظم في الانتفاع إذ ينتفع بها في الحمل والأكل.
{كلوا مما رزقكم الله} أي مما أحله الله لكم ولا تحرموا كفعل الجاهلية وهذا نص في الإجابة وإزالة لما سنه الكفار من البحيرة والسائبة.
{ولا تتبعوا خطوات الشيطان} أي في التحليل والتحريم من عند أنفسكم وتعلقت بها المعتزلة في أن الحرام ليس برزق وتقدّم تفسير {ولا تتبعوا} إلى آخره في البقرة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَمِنَ الأنعام حَمُولَةً وَفَرْشًا} عطف (على ما تقدّم).
أي وأنشأ حمولة وفرشًا من الأنعام.
وللعلماء في الأنعام ثلاثة أقوال: أحدها: أن الأنعام الإبل خاصّة؛ وسيأتي في النحل بيانه.
الثاني: أن الأنعام الإبل وحدها، وإذا كان معها بقر وغنم فهي أنعام أيضًا.
الثالث: وهو أصحها قاله أحمد بن يحيى: الأنعام كل ما أحله الله عز وجل من الحيوان.
ويدلّ على صحة هذا قوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنعام إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ} [المائدة: 1] وقد تقدّم.
والحَمُولة ما أطاق الحِمْل والعمل؛ عن ابن مسعود وغيره.
ثم قيل: يختص اللفظ بالإبل.
وقيل: كل ما احتمل عليه الحيَّ من حمار أو بغل أو بعير؛ عن أبي زيد، سواء كانت عليه الأحمال أو لم تكن.
قال عنترة:
ما رَاعنِي إلا حَمولةُ أهلِها ** وسْط الدِّيارِ تَسُفُّ حَبَّ الْحِمْحِم

وفَعولة بفتح الفاء إذا كانت بمعنى الفاعل استوى فيها المؤنّث والمذكر؛ نحو قولك: رجل فَروقة وامرأة فَروقة للجبان والخائف.
ورجل صَرورة وامرأة صرورة إذا لم يَحُجَّا؛ ولا جمع له.
فإذا كانت بمعنى المفعول فرق بين المذكر والمؤنث بالهاء كالحَلُوبة والرَّكوبة.
والحمُولة (بضم الحاء): الأحمال.
وأما الحمُول (بالضم بلا هاء) فهي الإبل التي عليها الهوادج، كان فيها نساء أو لم يكن؛ عن أبي زيد.
{وَفَرْشًا} قال الضحاك: الحمولة من الإبل والبقر.
والفرش: الغنم.
النحاس: واستشهد لصاحب هذا القول بقوله: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} قال: ف{ثَمَانِيَةَ} بدل من قوله: {حَمُولَةً وَفَرْشًا}.
وقال الحسن: الحَمولة الإبل.
والفَرْش: الغنم.
وقال ابن عباس: الحمولة كل ما حَمل من الإبل والبقر والخيل والبغال والحمير.
والفَرْش: الغنم.
وقال ابن زيد: الحمولة ما يركب، والفرش ما يؤكل لحمه ويحلب؛ مثل الغنم والفِصلان والعجاجيل؛ سُمِّيت فَرْشًا للطافة أجسامها وقربها من الفرش، وهي الأرض المستوية التي يتوطأها الناس.
قال الراجز:
أورثني حَمولة وفَرْشًا ** أَمُشُّها في كلّ يومٍ مَشّا

وقال آخر:
وَحَوَيْنَا الفَرْش من أنعامكم ** والحَمُولات ورَبَّاتِ الحَجَل

قال الأصمعي: لم أسمع له بجمع.
قال: ويحتمل أن يكون مصدرًا سُمِّيَ به؛ من قولهم: فرشها الله فرشًا، أي بَثّها بَثًّا.
والفَرْش: المفروش من متاع البيت.
والفَرْش: الزرع إذا فرش.
والفرش: الفضاء الواسع.
والفَرْش في رجل البعير: اتساع قليل، وهو محمود.
وافترش الشيءُ انبسط؛ فهو لفظ مشترك.
وقد يرجع قوله تعالى: {وَفَرْشًا} إلى هذا.
قال النحاس: ومن أحسن ما قيل فيهما أن الحمولة المسخرة المذلّلة للحمل.
والفَرْش ما خلقه الله عز وجل من الجلود والصّوف مما يُجلس عليه ويُتَمَهّد.
وباقي الآية قد تقدّم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَمِنَ الأنعام حَمُولَةً وَفَرْشًا} شروعٌ في تفصيل حال الأنعامِ وإبطالِ ما تقوَّلوا على الله تعالى في شأنها بالتحريم والتحليل، وهو عطفٌ على مفعول أنشأ، ومِنْ متعلقةٌ به أي وأنشأ من الأنعام ما يُحمل عليه الأثقالُ وما يُفرش للذبح أو ما يُفرش المصنوعُ من شعره وصوفِه ووبرِه، وقيل: الكبارُ الصالحةُ للحمل والصغارُ الدانيةُ من الأرض كأنها فُرشٌ مفروشٌ عليها {كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} ما عبارةٌ عما ذُكر من الحَمولة والفَرْش ومِنْ تبعيضيةٌ أي كلوا بعضَ ما رزقكم الله تعالى أي حلالَه، وفيه تصريحٌ بأن إنشاءَها لأجلهم ومصلحتِهم {وَلاَ تَتَّبِعُواْ} في أمر التحليلِ والتحريمِ بتقليد أسلافِكم المجازفين في ذلك من تلقاء أنفسِهم المفترين على الله سبحانه: {خطوات الشيطان} فإن ذلك منهم بإغوائه واستتباعِه إياهم {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} ظاهرُ العداوة. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَمِنَ الأنعام حَمُولَةً وَفَرْشًا} شروع في تفصيل حال الأنعام وإبطال ما تقوَّلوا على الله تعالى في شأنها بالتحريم والتحليل، وهو عطف على {جنات} [الأنعام: 141] والجهة الجامعة إباحة الانتفاع بهما.
والجار والمجرور متعلق بأنشأ.
والحمولة ما يحمل عليه لا واحد له كالركوبة.
والمراد به ما يحمل الأثقال من الأنعام وبالفرش ما يفرش للذبح أو ما يفرش المنسوج من صوفه وشعره ووبره، وإلى الأول ذهب أبو مسلم وروي عن الربيع بن أنس.
وإلى الثاني ذهب الجبائي، وقيل: الحمولة الكبار الصالحة للحمل والفرش الصغار الدانية من الأرض مثل الفرش المفروش عليها، وروي ذلك عن ابن مسعود لكنه رضي الله تعالى عنه خص ذلك بكبار الإبل وصغارها وهو إحدى روايات عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وفي رواية أخرى الحمولة الإبل والخيل والبغال والحمير وكل شيء يحمل عليه والفرش الغنم.
{كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} أي كلوا بعض ما رزقكم الله تعالى وهو الحلال فمن تبعيضية.
والرزق شامل للحلال والحرام، والمعتزلة خصوه بالحلال كما تقدم أوائل الكتاب وادعوا أن هذه الآية أحد أدلتهم على ذلك وركبوا شكلًا منطقيًا أجزاؤه سهلة الحصول تقديره الحرام ليس بمأكول شرعًا وهو ظاهر والرزق ما يؤكل شرعًا لقوله تعالى: {كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} [الأنعام: 142] فالحرام ليس برزق.
وأنت تعلم أن هذا إنما يفيد لو صدق كل رزق مأكول شرعًا، والآية لا تدل عليه، أما إذا كانت تبعيضية فظاهر، وأما إن كانت ابتدائية فلأنه ليس فيها ما يدل على تناول الجميع، وقيل: معنى الآية استحلوا الأكل مما أعطاكم الله تعالى.
{وَلاَ تَتَّبِعُواْ} في أمر التحليل والتحريم بتقليد أسلافكم المجازفين في ذلك من تلقاء أنفسهم المفترين على الله سبحانه: {خطوات الشيطان} أي طرقه فإن ذلك منهم بإغوائه واستتباعه إياهم {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} أي ظاهر العداوة فقد أخرج آدم عليه السلام من الجنة وقال: {لاحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلًا} [الإسراء: 62] أعاذنا الله تعالى والمسلمين من شره إنه الرحمن الرحيم. اهـ.