فصل: فَصْلٌ فِي تَارِيخِ وَثَنِيَّةِ الْعَرَبِ الْإِسْمَاعِيلِيِّينَ وَمَا تَبِعَهَا مِنْ هَذِهِ الضَّلَالَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَقَدْ لَخَّصَ السَّيِّدُ الألوسي أَقْوَالَ الْمُفَسِّرِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَحْسَنَ تَلْخِيصٍ بِقَوْلِهِ فِي رُوحِ الْمَعَانِي:
وَالْمَعْنَى كَمَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَجِلَّةِ الْعُلَمَاءِ: إِنْكَارُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ وَإِظْهَارُ كَذِبِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَتَفْصِيلُ مَا ذُكِرَ مِنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَمَا فِي بُطُونِهَا لِلْمُبَالَغَةِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ بِإِيرَادِ الْإِنْكَارِ عَلَى كُلِّ مَادَّةٍ مِنْ مَوَادِّ افْتِرَائِهِمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُحَرِّمُونَ ذُكُورَ الْأَنْعَامِ تَارَةً وَإِنَاثَهَا تَارَةً وَأَوْلَادَهَا كَيْفَمَا كَانَتْ تَارَةً أُخْرَى، مُسْنِدِينَ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَلِ الْمُنَكَّرُ وَهُوَ التَّحْرِيمُ الْهَمْزَةَ، وَالْجَارِي فِي الِاسْتِعْمَالِ أَنَّ مَا نُكِّرَ وَلِيَهَا لِأَنَّ مَا فِي النَّظْمِ الْكَرِيمِ أَبْلَغُ، وَبَيَانُهُ عَلَى مَا قَالَهُ السَّكَّاكِيُّ: إِنَّ إِثْبَاتَ التَّحْرِيمِ يَسْتَلْزِمُ إِثْبَاتَ مَحَلِّهِ لَا مَحَالَةَ، فَإِذَا انْتَفَى مَحَلُّهُ وَهُوَ الْمَوَارِدُ الثَّلَاثَةُ لَزِمَ انْتِفَاءُ التَّحْرِيمِ عَلَى وَجْهٍ بُرْهَانِيٍّ، كَأَنَّهُ وَضَعَ الْكَلَامَ مَوْضِعَ مَنْ سَلَّمَ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ ثُمَّ طَالَبَهُ بِبَيَانِ مَحَلِّهِ كَيْ يَتَبَيَّنَ كَذِبُهُ وَيَفْتَضِحَ عِنْدَ الْمُحَاقَّةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُورِدْ سُبْحَانَهُ الْأَمْرَ عَقِيبَ تَفْصِيلِ الْأَنْوَاعِ الْأَرْبَعَةِ بِأَنْ يُقَالَ: قُلْ آلذُّكُورَ حَرَّمَ أَمِ الْإِنَاثَ؟ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْإِنَاثِ لِمَا فِي التَّكْرِيرِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ أَيْضًا فِي الْإِلْزَامِ وَالتَّبْكِيتِ. وَنَقَلَ الْإِمَامُ عَنِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُحَرِّمُونَ بَعْضَ الْأَنْعَامِ فَاحْتَجَّ اللهُ سُبْحَانَهُ عَلَى إِبْطَالِ ذَلِكَ بِأَنَّ لِلضَّأْنِ وَالْمَعِزِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ ذَكَرًا وَأُنْثَى، فَإِنْ كَانَ قَدْ حَرَّمَ سُبْحَانَهُ مِنْهَا الذَّكَرَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ ذُكُورِهَا حَرَامًا، وَإِنْ كَانَ حَرَّمَ جَلَّ شَأْنُهُ الْأُنْثَى وَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِنَاثُهَا حَرَامًا، وَإِنْ كَانَ حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْإِنَاثِ وَجَبَ تَحْرِيمُ الْأَوْلَادِ كُلِّهَا لِأَنَّ الْأَرْحَامَ تَشْتَمِلُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ. وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُ بَعِيدٌ جِدًّا لِأَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَبْ أَنَّ هَذِهِ الْأَجْنَاسَ الْأَرْبَعَةَ مَحْصُورَةٌ فِي الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ عِلَّةُ تَحْرِيمِ مَا حَكَمُوا بِتَحْرِيمِهِ مَحْصُورَةً فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ، بَلْ عِلَّةُ تَحْرِيمِهَا كَوْنُهَا بَحِيرَةً أَوْ سَائِبَةً أَوْ وَصِيلَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الِاعْتِبَارَاتِ، كَمَا إِذَا قُلْنَا: إِنَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ ذَبْحَ بَعْضِ الْحَيَوَانَاتِ لِأَجْلِ الْأَكْلِ، فَإِذَا قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ الْحَيَوَانَ إِنْ كَانَ قَدْ حُرِّمَ لِكَوْنِهِ ذَكَرًا وَجَبَ أَنْ يُحَرَّمَ كُلُّ حَيَوَانٍ ذَكَرٍ، وَإِنْ كَانَ قَدْ حُرِّمَ لِكَوْنِهِ أُنْثَى وَجَبَ أَنْ يُحَرَّمَ كُلُّ حَيَوَانٍ أُنْثَى، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ هَذَا الْكَلَامُ لَازِمًا عَلَيْهِ فَكَذَا هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْآيَةِ وَجْهَيْنِ مِنْ عِنْدِهِ وَفِيمَا ذَكَرْنَا غِنًى عَنْ نَقْلِهِمَا، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْأُنْثَيَيْنِ فِي الضَّأْنِ وَالْمَعِزِ وَالْبَقَرِ: الْأَهْلِيُّ وَالْوَحْشِيُّ، وَفِي الْإِبِلِ: الْعَرَبِيُّ وَالْبُخْتِيُّ، وَهُوَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُلْتَفَتَ إِلَيْهِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ لَيْثِ بْنِ سُلَيْمٍ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَقَوْلُ الطَّبَرْسِيِّ إِنَّهُ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ كَذِبٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَهُوَ شِنْشِنَةٌ أَعْرِفُهَا مِنْ أَخْزَمِ اهـ.
وَأَقُولُ: إِنَّ قَوْلَ الرَّازِيِّ إِنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِ مَا حَرَّمُوا مِنَ الْأَنْعَامِ هِيَ كَوْنُهَا بَحِيرَةً أَوْ سَائِبَةً أَوْ وَصِيلَةً لَا كَوْنُهَا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى أَوْ حَمْلًا لَهَا- فِيهِ أَنَّ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمْ فِي جَعْلِهِمْ إِيَّاهَا كَذَلِكَ كَمَا هُوَ صَرِيحُ آيَةِ الْمَائِدَةِ فَهُوَ جَهْلٌ لَا يُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ فَالْحَرَامُ مِنْهُ مِثْلُ الْحَلَالِ، وَمَا ذُكِرَ فِي التَّفْصِيلِ فِي الْإِنْكَارِ يُذَكِّرُ الْمُفَكِّرَ الْمُسْتَقِلَّ بِأَنَّ مَا قَالُوهُ عَيْنُ الْجَهْلِ، وَهُوَ مَا انْفَرَدْنَا بِبَيَانِهِ آنِفًا.
وَقَوْلُهُ: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهَذَا} بَعْدَ تَعْجِيزِهِمْ عَنِ الْإِتْيَانِ بِعِلْمٍ يُؤْثَرُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِ اللهِ بِتَحْرِيمِ مَا زَعَمُوا، أَلْزَمَهُمْ هُنَا ادَّعَاءَ تَحْرِيمِ اللهِ إِيَّاهُ عَلَيْهِمْ بِوَصِيَّةٍ سَمِعُوهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ عَنِ اللهِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِرِوَايَةِ رَسُولٍ لَهُ يُخْبِرُ بِوَصِيَّةٍ عَنْهُ، أَوْ يُتَلَقَّى ذَلِكَ مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِغَيْرِ وَاسِطَةِ رَسُولٍ، وَالشُّهَدَاءُ هُمُ الْحُضُورُ الْمُشَاهِدُونَ لِلشَّيْءِ وَهُوَ جَمْعُ شَهِيدٍ. وَالْمَعْنَى: أَعِنْدَكُمْ عِلْمٌ يُؤْثَرُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِ اللهِ فَنَبَّئُونِي بِهِ، أَمْ شَاهَدْتُمْ رَبَّكُمْ فَوَصَّاكُمْ بِهَذَا التَّحْرِيمِ كِفَاحًا بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ؟ وَهُمْ لَا يَدَّعُونَ هَذَا وَلَا ذَاكَ وَإِنَّمَا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ بِدَعْوَى التَّحْرِيمِ افْتِرَاءً مُجَرَّدًا مِنْ كُلِّ عِلْمٍ، وَيُقَلِّدُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي قَوْلِهِ: إِنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِتَحْرِيمِ مَا حَرَّمُوا وَاقْتِرَافِ كُلِّ مَا اقْتَرَفُوا كَمَا قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [7: 28] وَالِاسْتِفْهَامُ الْإِنْكَارِيُّ هُنَا يَتَضَمَّنُ التَّهَكُّمَ بِهِمْ، إِذْ كَانُوا بِعَدَمِ اتِّبَاعِ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِ اللهِ كَالْمُدَّعِينَ عَلَى إِنْكَارِهِمْ لِلرِّسَالَةِ بِأَنَّهُمْ يُشَاهِدُونَ اللهَ وَيَتَلَقَّوْنَ مِنْهُ أَحْكَامَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَمَا اسْتَبْعَدَتْهُ أَنْظَارُهُمُ السَّقِيمَةُ مِنَ الْوَحْيِ أَقْرَبُ مِنْ هَذَا الَّذِي يَقَعُونَ فِيهِ بِإِنْكَارِهِمْ لَهُ بِمِثْلِ قَوْلِهِمْ: {مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} [91] وَإِلَّا لَزِمَهُمُ الِافْتِرَاءُ عَلَى اللهِ تَعَالَى لِإِضْلَالِ عِبَادِهِ وَهُوَ أَشَدُّ الظُّلْمِ الَّذِي يَجْنِيهِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى تَعْقِيبًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ} أَيْ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَقَامَتْ عَلَيْكُمُ الْحُجَّةُ بِهِ، فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا بِتَحْرِيمِ مَا لَمْ يُشَرِّعْهُ وَشَرْعِ مَا لَمْ يُشَرِّعْهُ، لِيُضِلَّ النَّاسَ بِهِ بِحَمْلِهِمْ عَلَى اتِّبَاعِهِ فِيِهِ مَعَ نِسْبَتِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِغَيْرِ عِلْمِ مَا يَكُونُ حُجَّةً لَهُ فِيهِ. وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ وَالْمَعْنَى لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِنْكُمْ لِأَنَّكُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللهِ بِقَصْدِ الْإِضْلَالِ عَنْ جَهْلٍ عَامٍّ تَامٍّ. فَالْعِلْمُ الْمَنْفِيُّ يَشْمَلُ مَا يُؤْثَرُ أَوْ يُعْقَلُ وَيُسْتَنْبَطُ كَالنَّظَرِ الْعَقْلِيِّ وَالتَّجَارِبِ الْعَمَلِيَّةِ، وَطُرُقِ دَرْءِ الْمَفَاسِدِ وَالشُّرُورِ وَالْمَضَارِّ وَتَقْدِيرِ الْمَصَالِحِ وَالْمَنَافِعِ وَعَمَلِ الْبِرِّ وَالْخَيْرِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَنْكِيرُهُ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ كَلِمَةِ غَيْرِ، فَإِنْ قِيلَ: مَا حِكْمَةُ نَفْيِ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِلْمِ فِي أَمْرِ التَّشْرِيعِ الدِّينِيِّ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مَصْدَرٌ غَيْرُ وَحْيِ اللهِ وَرُسُلِهِ؟ قُلْنَا: هِيَ تَسْجِيلُ الْجَهْلِ الْعَامِّ الْمُطْلَقِ عَلَيْهِمْ عَامَّةً. وَسُوءُ النِّيَّةِ عَلَى مُفْتَرِي ذَلِكَ لَهُمْ خَاصَّةً بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَثَارَةٌ مِنْ عِلْمٍ، وَلَا قَصْدٌ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الْهُدَى إِلَى حَقٍّ أَوْ خَيْرٍ، وَتَسْجِيلُ الْغَبَاوَةِ وَعَمَى الْبَصِيرَةِ عَلَى مُتَّبِعِيهِ بِمَحْضِ التَّقْلِيدِ مِنْ غَيْرِ عَقْلٍ وَلَا هُدًى.
وَقَدْ وُجِدَ فِي الْبَشَرِ أُنَاسٌ آخَرُونَ تَفَكَّرُوا وَبَحَثُوا فِي الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ وَمَا يَجِبُ أَنْ يُشْكَرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ تَعَبُّدًا مِنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَفِعْلِ الْخَيْرَاتِ الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا الْعَقْلُ، وَفِيمَا يَنْبَغِي اجْتِنَابُهُ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ ضَارٍّ بِالْبَدَنِ أَوِ الْعَقْلِ- وَهُمُ الْحُكَمَاءُ- فَأَصَابُوا فِي بَعْضِ مَا هَدَتْهُمْ إِلَيْهِ عُقُولُهُمْ وَتَجَارِبُهُمْ، وَأَخْطَئُوا فِي بَعْضٍ، فَكَانُوا خَيْرَ النَّاسِ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِلنَّاسِ فِي فَتَرَاتِ الرُّسُلِ الَّتِي فُقِدَتْ فِيهَا هِدَايَةُ الْوَحْيِ. وَهُمُ الْمُشَارُ إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [3: 21] فَالَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ وَهُوَ الْعَدْلُ وَالِاعْتِدَالُ فِي الْأَخْلَاقِ وَالْآرَاءِ وَالْأَعْمَالِ وَبِشُكْرِ الْمُنْعِمِ هُمْ حُكَمَاءُ الْبَشَرِ وَعُقَلَاؤُهُمْ، وَقَدْ وَضَعَ قُصَيٌّ لِلْعَرَبِ سُنَنًا حَسَنَةً لِسِقَايَةِ الْحَاجِّ وَرِفَادَتِهِمْ وَإِطْعَامِهِمْ وَلِلشُّورَى فِي الْخُطُوبِ، وَمِنْ أَعْمَالِ قُرَيْشٍ الْحَسَنَةِ حِلْفُ الْفُضُولِ لِمَنْعِ الظُّلْمِ وَقَدْ مَدَحَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ مِنَ الْأَمْرِ بِالْقِسْطِ بِسَائِقِ الْعَقْلِ وَسَلَامَةِ الْفِطْرَةِ وَمِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ مَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ الْخَمْرَ لِمَفَاسِدِهَا. وَيَدُلُّ هَذَا الْقَيْدُ عَلَى تَعْظِيمِ الْإِسْلَامِ لِشَأْنِ الْعِلْمِ وَلَهُ نَظَائِرُ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ الْخُزَاعِيَّ هُوَ أَوَّلُ مَنْ سَيَّبَ لَهُمُ السَّوَائِبَ وَبَحَّرَ الْبَحَائِرَ وَغَيَّرَ دِينَ إِسْمَاعِيلَ فَاتَّبَعُوهُ، وَسَنَعْقِدُ لِهَذَا فَصْلًا خَاصًّا وَفَاءً بِمَا وَعَدْنَا فِي تَفْسِيرِ آيَةِ الْمَائِدَةِ.
{إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} إِلَى الْحَقِّ وَالْعَدْلِ. لَا مِنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ وَلَا مِنْ طَرِيقِ الْعِلْمِ. فَإِنَّهُمْ مَا دَامُوا مُتَّصِفِينَ بِالظُّلْمِ مُتَعَاوِنِينَ عَلَيْهِ فَهُوَ يَصُدُّهُمْ عَنِ اسْتِعْمَالِ عُقُولِهِمْ، فِيمَا يَهْدِيهِمْ إِلَى صَوَابِهِمْ، وَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَ الظَّالِمِينَ مَهْمَا تَكُنْ دَرَجَةُ ظُلْمِهِمْ فَكَيْفَ يَكُونُ أَظْلَمُ النَّاسِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُمُ الَّذِينَ وَصَفْتِ الْآيَةُ ظُلْمَهُمْ بِالِافْتِرَاءِ عَلَى اللهِ لِإِضْلَالِ عِبَادِهِ!.

.فَصْلٌ فِي تَارِيخِ وَثَنِيَّةِ الْعَرَبِ الْإِسْمَاعِيلِيِّينَ وَمَا تَبِعَهَا مِنْ هَذِهِ الضَّلَالَةِ:

رَوَى أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الْخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قَصَبَهُ فِي النَّارِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ- زَادَ مُسْلِمٌ- وَبَحَرَ الْبَحِيرَةَ وَغَيَّرَ دِينَ إِسْمَاعِيلَ» وَرَوَى نَحْوَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ قِصَّةِ خُزَاعَةَ مِنْ كِتَابِ الْمَنَاقِبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَبْلَ حَدِيثِهِ الْمَذْكُورِ آنِفًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «عَمْرُو بْنُ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدِفٍ أَبُو خُزَاعَةَ» قَالَ الْحَافِظُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنَ الْفَتْحِ: وَأَوْرَدَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ الْكُبْرَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَتَمَّ مِنْهُ. وَلَفْظُهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِأَكْثَمَ بْنِ الْجَوْنِ: «رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ يَجُرُّ قَصَبَهُ فِي النَّارِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَيَّرَ دِينَ إِسْمَاعِيلَ فَنَصَبَ الْأَوْثَانِ وَسَيَّبَ السَّائِبَةَ وَبَحَرَ الْبَحِيرَةَ وَوَصَلَ الْوَصِيلَةَ وَحَمَى الْحَامِيَ» ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ: وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ سَبَبَ عِبَادَةِ لُحَيٍّ لِلْأَصْنَامِ أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ وَبِهَا يَوْمَئِذٍ الْعَمَالِيقُ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ فَاسْتَوْهَبَهُمْ وَاحِدًا مِنْهَا وَجَاءَ إِلَى مَكَّةَ فَنَصَبَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ (وَهُوَ هُبَلُ) وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ قَدْ فَجَرَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَسَافٌ بِامْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا نَائِلَةُ فِي الْكَعْبَةِ فَمَسَخَهُمَا اللهُ جَلَّ وَعَلَا حَجَرَيْنِ فَأَخَذَهُمَا عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ فَنَصَبَهُمَا حَوْلَ الْكَعْبَةِ فَصَارَ مَنْ يَطُوفُ يَتَمَسَّحُ بِهِمَا يَبْدَأُ بِأَسَافٍ وَيَخْتِمُ بِنَائِلَةَ.
وَفِي تَفْسِيرِ سُورَةِ نُوحٍ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ الْأَوْثَانِ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ وَدٍّ وَسُوَاعٍ وَيَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرٍ- أَنَّهَا كَانَتْ أَسْمَاءَ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوْهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَنُسِخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ فِيهِمْ قَالَ: كَانُوا قَوْمًا صَالِحِينَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ، فَنَشَأَ قَوْمٌ بَعْدَهُمْ يَأْخُذُونَ كَأَخْذِهِمْ فِي الْعِبَادَةِ، فَقَالَ لَهُمْ إِبْلِيسُ: لَوْ صَوَّرْتُمْ صُوَرَهُمْ فَكُنْتُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيْهَا فَصَوَّرُوا ثُمَّ مَاتُوا فَنَشَأَ قَوْمٌ بَعْدَهُمْ. فَقَالَ لَهُمْ إِبْلِيسُ: إِنَّ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَهَا، فَعَبَدُوهَا. وَمَعْنَى قَوْلِ إِبْلِيسَ وَحْيُهُ وَوَسْوَسَتُهُ. وَكَانَتِ الْعِبَادَةُ لَهُمْ تَوَسُّلًا بِهِمْ وَاسْتِشْفَاعًا وَتَقَرُّبًا إِلَى اللهِ وَذَبَائِحَ تُذْبَحُ لَهُمْ مَنْذُورَةً أَوْ غَيْرَ مَنْذُورَةٍ، وَطَوَافًا بِتَمَاثِيلِهِمْ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَفْعَلُ الْآنَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَنَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ مِصْدَاقًا لِلْحَدِيثِ الْمُتَّفِقِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يَتَّخِذُونَ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ صُوَرًا وَلَا تَمَاثِيلَ يُعَظِّمُونَهَا وَيَطُوفُونَ بِهَا وَيَذْبَحُونَ عِنْدَهَا، وَإِنَّمَا اسْتَبْدَلُوا الْقُبُورَ الْمُشَيَّدَةَ وَمَا يَضَعُونَهُ عَلَيْهَا بِالتَّمَاثِيلِ. وَقَدْ تَسَاهَلَ بَعْضُ مُقَلِّدَةِ الْفُقَهَاءِ فِي إِنْكَارِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ، بَلْ قَالُوا أَقْوَالًا جَرَّأَتِ النَّاسَ عَلَى اسْتِحْسَانِ هَذِهِ الْبِدَعِ كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ إِنَّ قُبُورَ الصَّالِحِينَ تُزَارُ لِلتَّبَرُّكِ بِهَا. وَإِجَازَةِ بَعْضِهِمْ تَشْرِيفَهَا بِالْبِنَاءِ وَكِسْوَتَهَا كَالْكَعْبَةِ وَاتِّخَاذَهَا مَسَاجِدَ خِلَافًا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَتَشْرِيعًا شِرْكِيًّا لِتَرْوِيجِ الشِّرْكِ، وَقَدْ ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ فِي التَّعْرِيفِ أَنَّ وُدًّا وَسُوَاعًا وَيَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا كَانُوا يَتَبَرَّكُونَ بِدُعَائِهِمْ، وَذَكَرَ غَيْرُهُمْ أَنَّهُمْ صَوَّرُوهُمْ لِيَتَذَكَّرُوا بِصُوَرِهِمْ وَتَمَاثِيلِهِمْ مَا كَانَ مِنْ عِبَادَتِهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى فَيَقْتَدُوا بِهِمْ، وَهَكَذَا فَعَلَ النَّصَارَى بِصُوَرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَمَا زَالَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْآنَ يَقُولُونَ: إِنَّهُمْ لَا يَعْبُدُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ الَّتِي يَتَّخِذُونَهَا فِي كَنَائِسِهِمْ، بَلْ يُرِيدُونَ بِوَضْعِهَا فِيهَا تُذَكُّرَ أَصْحَابِهَا لِلِاقْتِدَاءِ بِهِمْ، وَتَعْظِيمَهُمْ بِالتَّبَرُّكِ بِهَذِهِ الذِّكْرَى، وَلَا أَزَالُ أَذْكُرُ كَلِمَةَ رَاهِبٍ قَالَهَا لِي فِي كَنِيسَةِ دَيْرِ الْبَلْمَنْدِ فِي جَبَلِ لُبْنَانَ، وَهِيَ أَوَّلُ كَنِيسَةٍ دَخَلْتُهَا لِأَجْلِ التَّفَرُّجِ وَالِاخْتِبَارِ وَكُنْتُ غُلَامًا يَافِعًا، وَكَانَ ذَلِكَ الرَّاهِبُ يُخْبِرُنِي أَنَا وَمَنْ مَعِي بِمَا فِي الْكَنِيسَةِ وَبِأَسْمَاءِ أَصْحَابِ الصُّوَرِ الَّتِي فِي جُدُرِهَا وَقَدْ قَالَ غَيْرَ مَرَّةٍ إِنَّهُمْ لَا يَعْبُدُونَهَا وَلَكِنَّهَا تِذْكَارٌ وَكَانَ يُكَرِّرُ كَلِمَةَ تِذْكَارٌ وَلَعَلَّهُ كَانَ يَجْهَلُ كَمَا يَجْهَلُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَقِيقَةَ مَعْنَى الْعِبَادَةِ، فَيَظُنُّ أَنَّ تَعْظِيمَ تِلْكَ الصُّوَرِ وَوَضْعَهَا فِي الْكَنَائِسِ وَدُعَاءَهَا وَنِدَاءَهَا وَالنَّذُرَ لَهَا وَالتَّوَسُّلَ وَالِاسْتِشْفَاعَ بِهَا إِلَى اللهِ لَا يُسَمَّى عِبَادَةً لَهَا وَلِأَصْحَابِهَا، وَأَمَّا مُشْرِكُو الْعَرَبِ فِي زَمَنِ الْبَعْثَةِ فَلَمْ يَكُونُوا يَجْهَلُونَ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ يُسَمَّى عِبَادَةً؛ لِأَنَّ اللُّغَةَ لُغَتُهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُرْفٌ دِينِيٌّ مُخَصَّصٌ لِعُمُومِ الْعِبَادَةِ اللُّغَوِيِّ وَلَا بَاعِثَ عَلَى التَّأْوِيلِ أَوِ التَّحْرِيفِ، فَكَانُوا يُصَرِّحُونَ بِأَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ أَصْنَامَهُمْ وَيُسَمُّونَهَا آلِهَةً؛ لِأَنَّ الْإِلَهَ هُوَ الْمَعْبُودُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَبًّا خَالِقًا، وَيَقُولُونَ كَمَا أَخْبَرَ اللهُ عَنْهُمْ: {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ} [10: 18] وَيُسَمُّونَهُمْ أَوْلِيَاءَ أَيْضًا {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى} [39: 3] الْآيَةَ. وَقَدْ فَعَلَ أَهْلُ الْكِتَابِ وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَنَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلَ ذَلِكَ وَلَكِنْ سَمَّوْهُ تَوَسُّلًا وَأَنْكَرُوا تَسْمِيَتَهُ عِبَادَةً وَالتَّسْمِيَةُ لَا تُغَيِّرُ الْحَقَائِقَ وَكَذَلِكَ تَغْيِيرُ الْمَعْبُودَاتِ مِنَ الْبَشَرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَمَا يُذَكِّرُ بِهَا مِنْ صُورَةٍ وَتِمْثَالٍ أَوْ قَبْرٍ أَوْ تَابُوتٍ كَالتَّابُوتِ الَّذِي يَتَّخِذُهُ بَعْضُ أَهْلِ الْهِنْدِ لِلشَّيْخِ الصَّالِحِ عَبْدِ الْقَادِرِ الْجِيلَانِيِّ، فَكُلُّ تَعْظِيمٍ دِينِيٍّ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَوِ الْأَشْخَاصِ بِمَا ذُكِرَ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا لَمْ يَرِدْ بِهِ شَرْعٌ عِبَادَةٌ لَهَا وَإِشْرَاكٌ مَعَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ وَمِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ شَرْعًا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ}
ومن البقر اثنين: ذكر وأنثى أيضًا، والذكر من البقر نسميه ثورًا، ويخطئ بعض الناس في تسمية الأنثى من البقر بقرة، إن البقرة اسم لكل واحد منهما: للذكر والأنثى، والتاء في بقرة للواحدة، واسم الأنثى ثورة {وَمِنَ الإبل اثنين وَمِنَ البقر اثنين قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأنثيين} أنتم تقولون: إنكم لم تتبعوا رسولًا، وكنتم على فترةٍ من الرُّسل، ولم يأت لكم رسول، إذن فلا تحريم إلا من الله، ولا يبلغكم تحريم الله إلا عن طريق رسول. بل أكنتم شهداء مسألة التحريم، أي أشاهدتم ربكم ورأيتموه حين أمركم بهذا التحريم، أم أنتم الأنبياء؟. إنكم تتعمدون الكذب على الله لإِضلال الناس. إذن، فالحق لا يهدي من يظلم نفسه ويظلم الناس. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)}
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه من طرق عن ابن عباس قال: الأزواج الثمانية من الإِبل والبقر والضأن والمعز.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {ثمانية أزواج...} الآية. يقول: أنزلت لكم ثمانية أزواج الآية، من هذا الذي عددن ذكرًا وأنثى.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {ثمانية أزواج} قال: الذكر والأنثى زوجان.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {ثمانية أزواج} قال: في شأن ما نهى الله عنه عن البحيرة والسائبة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ليث بن أبي سليم قال: الجاموس والبختي من الأزواج الثمانية.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله: {ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين} قال: فهذه أربعة أزواج {قل ءآلذكرين حرم أم الأنثيين} يقول: لم أحرم شيئًا من ذلك {أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين} يعني هل تشتمل الرحم إلا على ذكر أو أنثى، فلم تحرمون بعضًا وتحلون بعضًا؟ {نبئوني بعلم إن كنتم صادقين} يقول: كله حلال: يعني ما تقدم ذكره مما حرمه أهل الجاهلية.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله: {أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين} قال: ما حملت الرحم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {ءآلذكرين حرم...} الآية. قال: إنما ذكر هذا من أجل ما حرموا من الأنعام، وكانوا يقولون: الله أمرنا بهذا. فقال: {فمن أظلم ممن افترى على الله كذبًا ليضل الناس بغير علم}. اهـ.