فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أراد: قدميه، وإنما الأظلاف: للشاء والبقر.
قال ابن الأنباري: الظفر هاهنا، يجري مجرى الظفر للانسان.
وفيه ثلاث لغات.
أعلاهن: ظُفُر؛ ويقال: ظُفْر، وأُظفور.
وقال الشاعر:
ألم تر أنَّ الموتَ أدْرَك مَنْ مَضَى ** فلم يُبْقِ منه ذا جناح وذا ظُفُر

وقال الآخر:
لقد كنتُ ذا نابٍ وظُفْرٍ على العِدَى ** فأصبحتُ ما يَخْشَوْنَ نابي ولا ظُفْري

وقال الآخر:
ما بين لُقمته الأولى إذا انحَدَرَتْ ** وبين أخرى تليها قِيْدُ أُظْفُور

وفي شحوم البقر والغنم ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه إنما حرّم من ذلك شحوم الثروب خاصة، قاله قتادة.
والثاني: شحوم الثروب والكلى، قاله السدي، وابن زيد.
والثالث: كل شحم لم يكن مختلطا بعظم، ولا على عظم، قاله ابن جريج: وفي قوله: {إلا ما حملت ظهورهما} ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه ما علق بالظهر من الشحوم، قاله ابن عباس.
والثاني: الأَليْةَ، قاله أبو صالح، والسدي.
والثالث: ما علق بالظهر والجنب من داخل بطونهما، قاله قتادة.
فأما الحوايا فللمفسرين فيها أقوال تتقارب معانيها.
قال ابن عباس، والحسن، وابن جبير، ومجاهد، وقتادة، والسدي، وابن قتيبة: هي المباعر.
وقال ابن زيد: هي بنات اللبن، وهي المرابض التي تكون فيها الأمعاء.
وقال الفراء: الحوايا: هي المباعر، وبنات اللبن.
وقال الاصمعي: هي بنات اللبن، واحدها: حاوياء، وحاوية، وحَويّة.
قال الشاعر:
أقْتُلُهم ولا أرى مُعاويه ** الجاحِظَ العَيْنِ العَظيمَ الحاويهْ

وقال الآخر:
كأنَّ نقيق الحَبِّ في حاويائه ** فحيحُ الأفاعي أو نقيقُ العقارِب

وقال أبو عبيدة: الحوايا: ما تحوّى من البطن، أي: ما استدار منها.
وقال الزجاج: الحوايا: اسم لجميع ما تحوّى من الأمعاء أي: استدار.
وقال ابن جرير الطبري: الحوايا: ما تحوّى من البطن فاجتمع واستدار، وهي بنات اللبن، وهي المباعر، وتسمى: المرابض، وفيها الأمعاء.
قوله تعالى: {أو ما اختلط بعظم} فيه قولان:
أحدهما: أنه شحم البطن والألَيْة، لأنهما على عظم، قاله السدي.
والثاني: كل شحم في القوائم، والجنب، والرأس، والعينين، والأذنين، فهو مما اختلط بعظم، قاله ابن جريج.
واتفقوا على أن ما حملت ظهورها حلال، بالاستثناء من التحريم.
فأما ما حملت الحوايا، أو ما اختلط بعظم، ففيه قولان:
أحدهما: أنه داخل في الاستثناء، فهو مباح؛ والمعنى: وأُبيح لهم ما حملت الحوايا من الشحم وما اختلط بعظم، هذا قول الأكثرين.
والثاني: أنه نسق على ما حرِّم، لا على الاستثناء؛ فالمعنى: حرَّمنا عليهم شحومهما، أو الحوايا، أو ما اختلط بعظم، إلا ما حملت الظهور، فانه غير محرم، قاله الزجاج.
فأما أو المذكورة هاهنا، فهي بمعنى الواو كقوله: {آثما أو كفورًا} [الدهر: 24].
قوله تعالى: {ذلك جزيناهم} أي: ذلك التحريم عقوبة لهم على بغيهم.
وفي بغيهم قولان:
أحدهما: أنه قتلهم الأنبياء، وأكلهم الربا.
والثاني: أنه تحريم ما أحل لهم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {وعلى الذين هادوا} يعني اليهود {حرمنا كل ذي ظفر} قال ابن عباس: هو البعير والنعامة ونحو ذلك من الدواب.
وقيل كل ما لم يكن مشقوق الأصابع من البهائم والطير مثل البعير والنعامة والإوز والبط.
قال القتيبي هو كل ذي مخلب من الطير وكل ذي حافر من الدواب وسمي الحافر ظفرًا على الاستعارة {ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما} يعني شحم الجوف وهي الثروب وشحم الكليتين {إلا ما حملت ظهورهما} يعني إلا ما علق بالظهر والجنب من داخل بطونهما من الشحم فإنه غير محرم عليها، وقال السدي وأبو صالح: الألية مما حملت ظهورهما وهذا القول مختص بالغنم لأن البقر ليس لها ألية {أو الحوايا} وهي المباعر، في قول ابن عباس وجمهور المفسرين واحدتها حاوية وحوية، وقيل: الحوايا المباعر والمصارين وهي الدوائر التي تكون في بطن الشاة والمعنى أن الشحم المتلصق بالمباعر والمصارين غير محرم على اليهود {أو ما اختلط بعظم} يعني من شحم الألية لأنه اختلط بالعصعص وكذا الشحم المختلط بالعظام التي تكون في الجنب والرأس والعين فكل هذا حلال على اليهود فحاصل هذا أن الذي حرم عيلها شحم الثرب وشحم الكلية وما عدا ذلك فهو حلال عليهم (ق).
عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح بمكة: «إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام» فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلى بها السن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال: «لا هو حرام» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «قاتل اليهود إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه» قوله: جملوه يعني أذابوه يقال أجملت الشحم وجملته إذا أذبته وجملته أكثر وأفصح.
وقوله تعالى: {ذلك جزيناهم} أي ذلك التحريم جزيناهم عقوبة {ببغيهم} يعني بسبب بغيهم وظلمهم وهو قتل الأنبياء وأخذ الربا واستحلالهم أموال الناس بالباطل {وإنا لصادقون} يعني في الإخبار عن بغيهم وفي الإخبار عن تخصيصهم بهذا التحريم. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146)} فيه ست مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} لما ذكر الله عز وجل ما حرّم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم عقّب ذلك بذكر ما حرّم على اليهود؛ لما في ذلك من تكذيبهم في قولهم: إن الله لم يحرّم علينا شيئًا، وإنما نحن حرمنا على أنفسنا ما حرّمه إسرائيل على نفسه.
وقد تقدّم في البقرة معنى {هادوا}.
وهذا التحريم على الذين هادوا إنما هو تكليف بَلْوَى وعقوبة.
فأوّل ما ذكر من المحرّمات عليهم كلّ ذي ظُفر.
وقرأ الحسن {ظُفْر} بإسكان الفاء.
وقرأ أبو السِّمَال {ظِفْر} بكسر الظاء وإسكان الفاء.
وأنكر أبو حاتم كسر الظاء وإسكان الفاء، ولم يذكر هذه القراءة وهي لغة.
{وظِفِر} بكسرهما.
والجمع أظفار وأظفور وأظافير؛ قاله الجوهرِيّ.
وزاد النحاس عن الفراء أظافير وأظافرة؛ قال ابن السِّكِّيت: يقال رجل أظفر بين الظَّفَر إذا كان طويل الأظفار؛ كما يقال: رجل أشعر للطويل الشعر.
قال مجاهد وقتادة: {ذِي ظُفُرٍ} ما ليس بمنفرج الأصابع من البهائم والطير؛ مثل الإبل والنَّعام والإِوَزِّ والبَطّ.
وقال ابن زيد: الإبل فقط.
وقال ابن عباس: {ذِي ظُفُرٍ} البعير والنعامة؛ لأن النعامة ذات ظفر كالإبل.
وقيل: يعني كل ذي مِخلب من الطير وذي حافر من الدواب.
ويسمى الحافر ظفرًا استعارة.
وقال الترمِذيّ الحكيم: الحافر ظفر، والمِخلب ظفر؛ إلا أن هذا على قدره، وذاك على قدره وليس هاهنا استعارة؛ ألا ترى أن كليهما يُقص ويؤخذ منهما وكلاهما جنس واحد: عَظْمٌ ليِّن رِخْوٌ.
أصله من غذاء ينبت فيُقَصّ مثل ظفر الإنسان، وإنما سمي حافرًا لأنه يحفر الأرض بوقعه عليها.
وسُمِّي مِخلَبًا لأنه يخلب الطير برؤوس تلك الإبر منها.
وسمِي ظُفْرًا لأنه يأخذ الأشياء بظفره، أي يظفر به الآدمي والطير.
الثانية: قوله تعالى: {وَمِنَ البقر والغنم حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} قال قتادة: يعني الثُّرُوب وشحم الكُلْيَتَيْن؛ وقاله السدي.
والثُّرُوب جمع الثَّرْب، وهو الشحم الرقيق الذي يكون على الكَرِش.
قال ابن جريج: حرم عليهم كل شحم غير مختلط بعظم أو على عظم، وأحل لهم شحم الجنب والألْية؛ لأنه على العُصْعُص.
الثالثة: قوله تعالى: {إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} {ما} في موضع نصب على الاستثناء {ظُهُورُهُمَا} رفع ب{حَمَلَتْ}.
{أَوِ الحوايا} في موضع رفع عطف على الظهور أي أو حملت حواياهما، والألف واللام بدل من الإضافة.
وعلى هذا تكون الحوايا من جملة ما أحل.
{أَوْ مَا اختلط بِعَظْمٍ} {ما} في موضع نصب عطف على {مَا حَمَلَتْ} أيضًا هذا أصح ما قيل فيه.
وهو قول الكسائِي والفراء وأحمد بن يحيى.
والنظر يوجب أن يعطف الشيء على ما يليه، إلا ألاَّ يصح معناه أو يدل دليل على غير ذلك.
وقيل: إن الإستثناء في التحليل إنما هو ما حملت الظهور خاصّةً، وقوله: {أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اختلط بِعَظْمٍ} معطوف على المحرم.
والمعنى: حرمت عليهم شحومها أو الحوايا أو ما اختلط بعظم؛ إلا ما حملت الظهور فإنه غير محرم.
وقد احتج الشافعيّ بهذه الآية في أن من حلف ألاّ يأكل الشحم حنِث بأكل شحم الظهور؛ لاستثناء الله عز وجل ما على ظهورهما من جملة الشحم.
الرابعة: قوله تعالى: {أَوِ الحوايا}: الحوايا: هي المباعر، عن ابن عباس وغيره.
وهو جمع مَبْعَر، سمي بذلك لاجتماع البَعْر فيه.
وهو الزبل.
وواحد الحوايا حاوياء؛ مثل قاصِعاء وقواصع.
وقيل: حاوية مثل ضاربة وضوارب.
وقيل: حَوِيَّة مثلُ سفينة وسفائن.
قال أبو عبيدة: الحوايا ما تَحوّى من البطن أي استدار.
وهي مُنْحَوِية أي مستديرة.
وقيل: الحوايا خزائن اللبن، وهو يتصل بالمباعر وهي المصارين.
وقيل: الحَوايا الأمْعاء التي عليها الشحوم.
والحوايا في غير هذا الموضع: كساء يحوّى حول سنام البعير.
قال امرؤ القيس:
جعلْنَ حَوَايَا واقْتَعَدْنَ قعائدًا ** وخفّفن من حَوْك العِراق المُنَمَّقِ

فأخبر الله سبحانه أنه كتب عليهم تحريم هذا في التوراة ردًّا لكذبهم.
ونصُّه فيها: حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وكلّ دابّة ليست مشقوقة الحافر وكلّ حوت ليس فيه سفاسق أي بياض.
ثم نسخ الله ذلك كلّه بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
وأباح لهم ما كان محرمًا عليهم من الحيوان، وأزال الحرج بمحمد عليه السلام، وألزم الخليقة دين الإسلام بحلّه وحِرْمه وأمره ونَهْيه.
الخامسة: لو ذَبحوا أنعامهم فأكلوا ما أحلّ الله لهم في التوراة وتركوا ما حَرّم عليهم فهل يحلّ لنا؛ قال مالك في كتاب محمد: هي محرّمة.
وقال في سماع المبسوط: هي محللة وبه قال ابن نافع.
وقال ابن القاسم: أكرهه.
وجه الأول أنهم يدينون بتحريمها ولا يقصدونها عند الذكاة، فكانت محرّمة كالدم.
ووجه الثاني وهو الصحيح أن الله عز وجل رفع ذلك التحريم بالإسلام، واعتقادهم فيه لا يؤثّر؛ لأنه اعتقاد فاسد؛ قاله ابن العربي.
قلت: ويدلّ على صحته ما رواه الصحيحان عن عبد الله بن مُغَفَّل قال: كنا محاصِرين قصر خَيْبَر، فرمَى إنسان بِجِراب فيه شحم فَنَزَوْتُ لآخذه فالتفتُّ فإذا النبيّ صلى الله عليه وسلم فاستحيَيْت منه.
لفظ البخاريّ.
ولفظ مسلم.
قال عبد الله بن مُغَفّل: أصبت جِرابًا من شحم يومَ خَيْبر، قال فالتزمته وقلت: لا أعطِي اليوم أحدًا من هذا شيئًا، قال: فالتفتُّ فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متبَسمًا.
قال علماؤنا: تبسّمه عليه السلام إنما كان لما رأى من شدة حرص ابن مُغَفّل على أخذ الجِراب ومن ضنته به، ولم يأمره بطرحه ولا نهاه.
وعلى جواز الأكل مذهب أبي حنيفة والشافعيّ وعامة العلماء؛ غير أن مالكًا كرهه للخلاف فيه.
وحكى ابن المنذر عن مالك تحريمها؛ وإليه ذهب كبراء أصحاب مالك.
ومُتَمسَّكهم ما تقدم، والحديثُ حجةٌ عليهم؛ فلو ذبحوا كلّ ذي ظفر قال أصْبَغ: ما كان محرمًا في كتاب الله من ذبائحهم فلا يحلّ أكله؛ لأنهم يدينون بتحريمها.
وقاله أشهب وابن القاسم، وأجازه ابن وهب.
وقال ابن حبيب: ما كان محرّمًا عليهم، وعلمنا ذلك من كتابنا فلا يحلّ لنا من ذبائحهم، وما لم نعلم تحريمه إلا من أقوالهم واجتهادهم فهو غير محرم علينا من ذبائحهم.
السادسة: قوله تعالى: {ذلك} أي ذلك التحريم.
فذلك في موضع رفع، أي الأمر ذلك.
{جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ} أي بظلمهم، عقوبة لهم لقتلهم الأنبياء وصدّهم عن سبيل الله، وأخذهم الربا واستحلالهم أموال الناس بالباطل.
وفي هذا دليل على أن التحريم إنما يكون بذنب؛ لأنه ضيق فلا يُعْدَل عن السَّعة إليه إلا عند المؤاخذة.
{وِإِنَّا لَصَادِقُونَ} في إخبارنا عن هؤلا اليهود عما حرّمنا عليهم من اللحوم والشحوم. اهـ.