فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والظفر: العظم الذي تحت الجلد في منتهى أصابع الإنسان والحيوان والمخالب، وهو يقابل الحافر والظلف ويكون للإبل والسّبع والكلب والهرّ والأرنب والوبْر ونحوها؛ فهذه محرّمة على اليهود بنص شريعة موسى عليه السّلام ففي الإصحاح الرابع عشر من سفر التّثنية: الجمل والأرنب والوَبْر فلا تأكلوها.
والشّحوم: جمع شحم، وهو المادّة الدُهنية التي تكون مع اللّحم في جسد الحيوان، وقد أباح الله لليهود أكل لحوم البقر والغنم وحرم عليهم شحومهما إلاّ ما كان في الظهر.
و{الحوايا} معطوف على {ظهورهما}.
فالمقصود العطف على المباح لا على المحرّم، أي: أو ما حملت الحوايا، وهي جمع حَوِيَّة، وهي الأكياس الشَّحميّة التي تحوي الأمعاء.
{أو ما اختلط بعظم} هو الشّحم الذي يكون ملتفًّا على عَظْم الحيوان من السِّمَن فهو معفو عنه لعسر تجريده عن عظمه.
والظّاهر أنّ هذه الشّحوم كانت محرّمة عليهم بشريعة موسى عليه السّلام، فهي غير المحرّمات التي أجملتها آية سورة النّساء (160) بقوله تعالى: {فبظلم من الذين هادوا حرّمنا عليهم طيّبات أحلّت لهم}، كما أشرنا إليه هنالك لأنّ الجرائم التي عدّت عليهم هنالك كلّها ممّا أحدثوه بعد موسى عليه السّلام.
فقوله تعالى: {ذلك جزيناهم ببغيهم} يراد منه البغي الذي أحدثوه زمن موسى.
في مدّة التيه، ممّا أخبر الله به عنهم: مثل قولهم: {لن نصبِرَ على طعام واحد} [البقرة: 61] وقولهم: {فاذْهَب أنت وربّك فقاتلا} [المائدة: 24] وعبادتِهم العِجْل.
وقد عدّ عليهم كثير من ذلك في سورة البقرة.
ومناسبة تحريم هذه المحرّمات للكون جزاءً لبغيهم: أنّ بغيهم نشأ عن صلابة نفوسهم وتغلّب القوّة الحيوانيّة فيهم على القوّة المَلكيّة، فلعلّ الله حرّم عليهم هذه الأمور تخفيفًا من صلابتهم، وفي ذلك إظهار منَّته على المسلمين بإباحة جميع الحيوان لهم إلاّ ما حرّمه القرآن وحرّمتْه السنّة ممّا لم يختلف فيه العلماء وما اختلفوا فيه.
ولم يذكر الله تحريم لحم الخنزير، مع أنَّه ممّا شمله نصّ التّوراة، لأنَّه إنَّما ذكر هنا ما خُصّوا بتحريمه ممّا لم يحرّم في الإسلام، أي ما كان تحريمه موقَّتًا.
وتقديم المجرور على عامله في قوله: {ومن البقر والغنم حرمنا عليهم} للاهتمام ببيان ذلك، لأنَّه ممّا يلتفت الذّهن إليه عند سماع تحريم كلّ ذي ظُفُر فيترقّب الحكم بالنّسبة إليهما فتقديم المجرور بمنزلة الافتتاح بـ (أمَّا).
وجملة: {ذلك جزيناهم ببغيهم} تذييل يبيِّن علّة تحريم ما حرّم عليهم.
واسم الإشارة في قوله: {ذلك جزيناهم} مقصود به التّحريم المأخوذ من قوله: {حرمنا} فهو في موضع مفعول ثان: ل {جزيناهم} قدّم على عامله ومفعولِه الأوّل للاهتمام به والتَّثبيت على أنّ التّحريم جزاء لبغيهم.
وجملة: {وإنا لصادقون} تذييل للجملة التي قبلها قصدًا لتحقيق أنّ الله حرّم عليهم ذلك، وإبطالًا لقولهم: إنّ الله لم يحرّم علينا شيئًا وإنَّما حرّمنا ذلك على أنفسنا اقتداء بيعقوب فيما حرّمه على نفسه لأنّ اليهود لمّا انتبزوا بتحريم الله عليهم ما أحلّه لغيرهم مع أنَّهم يزعمون أنَّهم المقرّبون عند الله دون جميع الأمم، أنكروا أن يكون الله حرّم عليهم ذلك وأنَّه عقوبة لهم فكانوا يزعمون أنّ تلك المحرّمات كان حرّمها يعقوب على نفسه نذرًا لله فاتَّبعه أبناؤه اقتداء به.
وليس قولهم بحقّ: لأنّ يعقوب إنَّما حرّم على نفسه لحوم الإبل وألبانها، كما ذكره المفسّرون وأشار إليه قوله تعالى: {كل الطعام كان حلًا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التوراة} في سورة آل عمران (93).
وتحريم ذلك على نفسه لنذر أو مصلحة بدنية لا يسرى إلى من عداه من ذرّيته.
وأنّ هذه الأشياء التي ذكر الله تحريمها على بني إسرائيل مذكور تحريمها في التّوراة فكيف ينكرون تحريمها.
فالتّأكيد للردّ على اليهود ونظيرُ قوله هنا: {وإنَّا لصادقون} قولُه في سورة آل عمران (93).
عقب قوله: {كلّ الطعام كان حلا لبني إسرائيل} {قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} إلى قوله: {قل صدق الله} [آل عمران: 93 95]. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ}
هنا يأتي الحق بالتحريم الثاني، وهو التحريم للتهذيب والتأديب، مثلما قال من قبل: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ...} [النساء: 160]
ف الظُفُر هو ما يظهر عندما ننظر إلى أقدام بعض الحيوانات أو الطيور، فهناك حيوانات نجد تشقق إصبعها ظاهرًا والأصابع مفصلة ومنفرجة بعضها عن بعض، فهذه ليست حراما عليهم، ونوع آخر نجد أصابعها غير مفصولة وغير منفرجة مثل الإبل، والنعام، والبط، والأوز وهي ذو الظفر. فكل ذي ظُفُر حرم على اليهود، وقد حرم عليهم لا لخبث وضرر في المأكول، ولكن تأديبا لهم لأنهم ظلموا في أخذ غير حقوقهم؛ لذلك يحرمهم الله من بعض ما كان حلالا لهم؛ فالأب يعاقب ابنه الذي أخذ حاجة أخيه اعتداء؛ فيمنع عنه المصروف، والمصروف في ذاته ليس حرامًا، ولكن المنع هنا للتأديب. والحق هو القائل: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ الله كَثِيرًا وَأَخْذِهِمُ الربا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ الناس بالباطل...} [النساء: 160-161]
ولأنهم فعلوا كل ذلك يأتي لهم التحريم عقابًا وتأديبًا {وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ البقر والغنم حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الحوايا أَوْ مَا اختلط بِعَظْمٍ ذلك جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ} [الأنعام: 146]
وأنت حينما تذبح الذبيحة تجد بعضًا من الدهن على الكلى، ونجد في داخلها ما يسمونه منديل الدهن وكذلك ألية الخروف، وحين تقطع الرأس تجد فيها نوعًا من الدهون، وقد حرّم الحق عليهم في البقر والغنم شحومهما. وكذلك {كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} محرم كله. وهناك استثناء في البقر والغنم هو: {إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الحوايا} أي أحل لهم ما هو فوق الظهر من الشحم، وأحل لهم ما حملته الحوايا من الشحوم و{الحوايا} جمع حوية أو حاوية أو حاوياء أو حاوياء وهي ما تحوّي من الأمعاء أي تجمع واستدار، وفي الريف تقول المرأة عن قطعة القماش التي تبرمها وتلفها وتصنع منها دائرة مستديرة تضعها على رأسها لتحميه عندما تحمل فوقه الأشياء؛ تقول: صنعت حواية والحواية هنا هي الأمعاء الغليظة، وطولها كذا متر، ومن حكمة تكوينها الربانية نجدها تلتف على بعضها، ولذلك اسمها الحوايا، وهي ما نسميه الممبار. وكذلك حلل لهم ما اختلط بعظم في القوائم والجنب والرأس والعين، وكذلك أحل لهم شحما اختلط بعظم منه الألية، لأن الألية تمسك بعَجْب الذنب. أي أصله، وهو الجُزَيْء في أصل الذّنب عند رأس العُصْعُص. ولأنه رحيم فهو ينزل عقوبة فيها الرحمة فيبيح له شيئا ويحرم شيئا آخر.
ويذيل الحق الآية بقوله: {ذلك جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ}.
وليس هذا التحريم تعدًّيا عليهم، أو تعنتًا في معاملتهم، بل لأنهم بَغَوْا، والباغي يجب أن يأخذ حظه من الجزاء؛ حتى يفكر ماذا يحقق له البغي من النفع، وماذا يمنع عنه من النفع أيضًا، وحين يقارن بين الاثنين قد يعدل عن بغيه، وهم قد صدّوا عن سبيل الله، وأخذوا ربا لينمّوا أموالهم وأكلوا أموال الناس بالباطل، لذلك حرّم عليهم الحق بعض الحلال. وسبحانه صادق في كل بلاغ عنه، ونعرف بذلك أن علة التحريم لبعض الحلال كانت بسبب ظلمهم وما بدر منهم من المعاصي فكان التحريم عقوبة لهم. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146)}
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر} قال: هو الذي ليس بمنفرج الأصابع، يعني ليس بمشقوق الأصابع منها الإبل والنعام.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر} قال: هو البعير والنعامة.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {حرمنا كل ذي ظفر} قال: كان يقول: هو البعير والنعامة في أشياء من الطير والحيتان.
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد {حرمنا كل ذي ظفر} قال: كل شيء لم تفرج قوائمه من البهائم، وما انفرج أكلته اليهود. قال: أنفذت قوائم الدجاج والعصافير فيهود تأكله، ولم تفرج قائمة البعير خفه، ولا خف النعامة، ولا قائمة الورينة، فلا تأكل اليهود الإبل ولا النعام ولا الورينة، ولا كل شيء لم تفرج قائمته، كذلك ولا تأكل حمار الوحش.
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر} قال: الديك منه.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج {حرمنا كل ذي ظفر} قال: كل شيء لم تفرج قوائمه من البهائم، وما انفرجت قوائمه أكلوه، ولا يأكلون البعير، ولا النعامه، ولا البط، ولا الوزر، ولا حمار الوحش.
أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن مردويه عن جابر بن عبدالله سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قاتل الله اليهود، لما حرم عليهم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوها».
وأخرج ابن مردويه عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها».
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة وابن مردويه عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها».
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قاتل الله اليهود، حرم الله عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها».
وأخرج أبو داود وابن مردويه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله اليهود ثلاثًا، إن الله حرم عليهم الشحوم ثلاثًا، إن الله حرم عليهم الشحوم، فباعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله لم يحرم على قوم أكل شيء إلا حرم عليهم ثمنه».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: {ومن الإِبل والبقر حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما} يعني ما علق بالظهر من الشحم {أو الحوايا} هو المبعر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما} قال: حرم الله عليهم الثرب وشحم الكليتين.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: إنما حرم عليهم الثرب، وشحم الكلية، وكل شحم كان ليس في عظم.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي صالح في قوله: {إلا ما حملت ظهورهما} قال: الإِلية {أو الحوايا} قال: المبعر {أو ما اختلط بعظم} قال: الشحم.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {أو الحوايا} قال: المباعر.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {أو الحوايا} قال: المرابض والمباعر {أو ما اختلط بعظم} قال: ما ألزق بالعظم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: الحوايا المرابض التي تكون فيها الامعاء تكون وسطها وهي بنات اللبن، وهي في كلام العرب تدعى: المرابض.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {أو ما اختلط بعظم} قال: الإِلية اختلط شحم الالية بالعصعص فهو حلال، وكل شحم القوائم والجنب والرأس والعين والإذن، يقولون، قد اختلط ذلك بعظم فهو حلال لهم، إنما حرم عليهم الثرب وشحم الكلية، وكل شيء كان كذلك ليس في عظم.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {ذلك جزيناهم ببغيهم} قال: إنما حرم الله ذلك عليهم عقوبة ببغيهم، فشدد عليهم بذلك وما هو بخبيث. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {وَعَلى الَّذين هَادُوا} متعلَّق بـ {حَرَّمْنَا} وقد يُفيد الاخْتِصاص عند بعضهم؛ كالزَّمْخَشَري والرَّازي، وقد صرّح به الرَّازي هنا، أعني: تَقْديم المَعْمُول على عَامِلهِ.
وفي {ظفُر} خمس لغات:
أعلاها: {ظُفُر} بضم الظَّاءِ والفَاءِ، وهي قرءاة العامَّة.
و{ظُفْر} بسكون العين، وهي تَخْفِيف لمَضْمُومِها، وبها قرأ الحسن في رواية وأبيُّ بن كَعْب والأعْرَج.
و{ظِفِر} بكسرا لظَّاء والفاء، ونسبها الوَاحِدي قراءة لأبي السَّمال.
و{ظِفْر} تكسر الظَّاء وسكون الفَاء، وهي تَخْفيفٌ لمكْسُورها، ونسبها النَّاس للحسن أيضًا قراءة واللغة الخامسة: أظْفُور ولم يُقْرأ بها فيما عَلِمْنَا؛ وأ، شدوا على ذلك قول الشاعر: [البسيط]
مَا بَيْنَ لُقْمِتِهَا الأولَى إذَا انْحَدَرَتْ ** وبَيْنَ أُخْرَى تَلِيها قِيدُ أظْفُورِ

وجمع الثُّلاثي: أظْفَار، وجمع أظْفُور: أظافير وهو القياس وأظافِر من غير مَدِّ، وليس بِقِياس؛ وهذا كقوله: [الزجر]
العَيْيَيْنِ والعَوَاوِر

وقد تقدَّم تَحْقِيق ذلك في قوله: {مَفَاتِحُ الغيب} [الأنعام: 59].
قوله: {وَمَنَ البَقَرِ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه مَعْطُوف على {كُلِّ ذي} فتتعلَّق {مِنْ} بـ {حَرَّمْنَا} الأولى لا الثانية، وإنَّما جيء بالجُمْلَة الثانية مُفسِّرة لما أبْهم في {مِنْ} التَّبْعيضيَّة من المُحَرَّم؛ فقال: {حَرَّمْنَا عَلَيْهم شُحُومَهُمَا}.
والثاني: أن يتعلَّق بـ {حَرَّمْنَا} المُتَأخِّرة، والتقدير: وحرَّمْنا على الذين هَادُزا من البَقَر والغَنَم وشُحُومَهُمَا، فلا يَجِب هنا تَقْديم المجرُور بها على الفِعْل؛ فيقال: حَرَّمْنا عليهم شُحُوَمُهما من البَقَر والغَنَمِ؛ لئلا يَعُود الضَّمِير على متأخِّر لفظًا ورُتْبَة.