فصل: فصل: في الجمع بين الروايات المتقدمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل: في الجمع بين الروايات المتقدمة:

الجمع بين هذه الروايات أَن للملك ملازمة ومراعاة بحال النطفة، وأنه يقول: يا رب هذه نطفة، هذه علقة، هذه مضغة في أوقاتها. فكل وقت يقول فيه ما صارت إليه بأمر الله تعالى، وهو أعلم بها وبكلام الملك، فتصرفه في أوقات: أحدها حين يخلقها الله نطفة ثم ينقلها علقة، وهو أول أوقات علم الملك بأنه ولد، لأنه ليس كل نطفة تصير ولدًا، وذلك بعد الأربعين الأُولى في أول الطور الثانى. ولهذا- والله أعلم- وقعت الإشارة إليه في أول سورة أنزلها على رسوله: {إقرأ بِاسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَقَ خلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق: 1- 2] إذ خلقه من علقة هو أول مبدء الإِنسانية، وحينئذ يكتب رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته ثم للملك فيه تصرُّف آخر في وقت آخر وهو تصويره وتخليق سمعه وبصره وجلده وعظمه ولحمه وذكوريته وأُنوثيته وهذا إنما يكون في الأربعين الثالثة قبل نفخ الروح فيها فإن نفخ الروح لا يكون إلا بعد تمام تصويره. فها هنا تقديران وكتابان: التقدير الأول عند ابتداء تعليق التخليق في النطفة وهو إذا مضى عليها أربعون ودخلت في طور العلقة. ولهذا في إحدى الروايات: «إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة». والتقدير الثانى الكتابة الثانية إذا كمل تصويره وتخليقه وتقدير أعضائه وكونه ذكرًا أو أنثى. فالتقدير الأول تقدير لما يكون للنطفة بعد الأربعين، والتقدير الثانى تقدير لما يكون للجنين بعد تصويره، ثم إذا ولد قدر مع ولادته كل سنة ما يلقاه في تلك السنة، وهو ما يقدر ليلة القدر من العام إلى العام فهذا التقدير أخص من التقدير الثانى، والثانى أخص من الأول ونظير هذا أيضًا أن الله سبحانه قدر مقادير الخلائق قبل أَن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، ثم قدر مقادير هذا الخلق حين خلقهم وأوجدهم ثم يقدر كل سنة في ليلة القدر ما يكون في ذلك العام. وهكذا تقدير أمر النطفة وشأنها يقع بعد تعلقها بالرحم، وبعد كمال تصوير الجنين، وقد تقدم ذكر تقدير شأْنها قبل خلق السموات والأرض فَهو تقدير بعد تقدير. ونظير هذا أيضًا رفع الأعمال وعرضها على الله فإن عمل العام يرفع في شعبان كما أخبر به الصادق المصدوق أنه شهر ترفع فيه الأعمال، قال: «فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِى وَأَنَا صَائِمٌ»، ويعرض عمل الأُسبوع يوم الاثنين والخميس كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويعرض عمل اليوم في آخره والليلة في آخرها كما في حديث أبى موسى الذي رواه البخارى عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن الله لا ينام ولا ينبغى له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل»، فهذا الرفع والعرض اليومى أخص من العرض يوم الاثنين والخميس، والعرض فيها أخص من العرض في شعبان، ثم إذا انقضى الأجل رفع العمل كله وعرض على الله وطويت الصحف، وهذا عرض آخر. وهذه المسائل العظيمة القدر من أَهم فإن قيل: ما تقولون في قوله: «إِذَا مَرّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَة بَعَثَ اللهُ إِلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعَظْمَهَا ثُمَّ قَالَ: يَا رَب أَذكر أَم أُنثى؟ فيقضى ربك ما شاءَ ويكتب الملك. ثم يقول: يا رب أَجله؟ فيقول ربك ما شاءَ ويكتب الملك»، وهذه بعض أَلفاظ مسلم في الحديث، وهذا يوافق الرواية الأُخرى: «يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأَربعين أَو خمس وأَربعين ليلة فيقول: يا رب أشقى أم سعيد؟».
ويوافق مسائل الإيمان بالقدر، فصلوات الله وسلامه على كاشف الغمة وهادى الأُمة محمد صلى الله عليه وسلم.
الرواية الأُخرى: إن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة ثم يتسور عليها الملك، وهذا يدل على أن تصويرها عقيب الأربعين الأُولى. قيل: لا ريب أن التصوير المحسوس وخلق الجلد والعظم واللحم إنما يقع في الأَربعين الثالثة، لا يقع عقيب الأُولى، هذا أمر معلوم بالضرورة، فأما أن يكون المراد بالأَربعين في هذه الألفاظ الأربعين الثالثة وسمى المضغة فيها نطفة اعتبارًا بأول أحوالها وما كانت عليه، أو يكون المراد بها الأربعين الأولى وسمى كتابة تصويرها وتخليقها وتقديره اعتبارًا بما يئول، فيكون قوله: «صورها وخلق سمعها وبصرها» أي قدر ذلك وكتبه وأعلم به، ثم يفعله به بعد الأربعين الثالثة أو يكون المراد به- أي الأربعين- الأربعين الأولى وحقيقة التصوير فيها، فيتعين حمله على تصوير خفى لا يدركه إحساس البشر، فإن النطفة إذا جاوزت الأربعين انتقلت علقة، وحينذ يكون أول مبدإٍ التخليق فيكون مع هذا المبدإ مبدأُ التصوير الخفى الذي لا يناله الحس ثم إذا مضت الأربعون الثالثة صورت التصوير المحسوس المشاهد فأحد التقديرات الثلاثة يتعين ولابد، ولا يجوز غير هذا البتة، إذ العلقة لا سمع فيها ولا بصر ولا جلد ولا عظم، وهذا التقدير الثالث أليق بألفاظ الحديث وأشبه وأدل على القدر، والله أعلم بمراد رسوله، غير أنا لا نشك أن التخليق المشاهد والتقسيم إلى الجلد والعظم واللحم إنما يكون بعد الأربعين الثالثة والمقصود أن كتابة الشقاوة والسعادة وما هو لاق، كان عند أول تخليقه. ويحتمل وجهًا رابعًا وهو أن النطفة في الأربعين الأولى لا يتعرض إليها ولا يعتنى بشأْنها، فإذا جاوزتها وقعت في أطوار التخليق طورًا بعد طور، ووقع حينئذ التقدير والكتابة. فحديث ابن مسعود صريح بأن وقوع ذلك بعد الطور الثالث عند تمام كونها مضغة، وحديث حذيفة بن أُسيد وغيره من الأحاديث المذكورة إنما فيه وقوع ذلك بعد الأربعين، ولم يوقت فيها البعدية بل أطلقها، وقد قيدها ووقتها في حديث ابن مسعود، والمطلق في مثل هذا يحمل على المقيد بلا ريب، فأخبر بما تكون النطفة بعد الطور الأول من تفاصيل شأنها وتخليقها وما يقدر لها وعليها، وذلك يقع في أوقات متعددة، وكله بعد الأربعين الأُولى، وبعضه متقدم على بعض، كما أن كونها علقة يتقدم على كونها مضغة وكونها مضغة متقدم على تصويرها والتصوير متقدم على نفخ الروح مع ذلك، فيصح أن يقال: إن النطفة بعد الأَربعين تكون علقة ومضغة، ويصور خلقها، وتركب فيها العظام والجلد، ويشق لها السمع والبصر، وينفخ فيها الروح ويكتب شقاوتها وسعادتها. وهذا لا يقتضى وقوع ذلك كله عقيب الأربعين الأولى من غير فصل. وهذا وجه حسن جدًا.
والمقصود أن تقدير الشقاوة والسعادة والخلق والرزق سبق خروج العبد إلى دار الدنيا، فأسكنه الجنة أو النار وهو في بطن أمه. وفى الصحيحين عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ» الحديث. وفى صحيح البخارى عن أبى سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِى وَلا اسْتَخْلَفَ مَنْ خَلِيفة إِلا كَانَ لَهُ بِطَانَتَانِ: بِطانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْخَيْرِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ وَالْمَعْصُوم مَنْ عَصَمَهُ اللهُ».
وفى سنن ابن ماجه عن عدى بن حاتم أنه قال: أَتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يَا عدِى أَسْلِمْ تَسْلَم» قلت: وما الإسلام؟ قال: «تَشْهَدُ أَنَّ لا إلَهَ إِلا اللهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللهِ، وَتُؤْمِنُ بِالأَقْدَارِ كُلِّهَا خَيْرِها وَشَرِّهَا وَحُلْوَهَا وَمُرِّهَا» وفى صحيح البخارى من حديث الحسن عن عمرو بن تغلب قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم مال، فأعطى قومًا ومنع آخرين فبلغه أنهم عتبوا، فقال: «إِنِى أَعْطِى الرَّجُل وَأَدَعُ الرَّجُلَ، وَالَّذِى أَدَعُ أَحَبُّ إِلَى مِنَ الذي أَعْطِى، أَعْطِى أَقْوَامًا لِمَا في قُلُوبِهِمْ مِنَ الْجَزَعِ وَالهَلَع، وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللهُ في قُلُوبِهِمْ مِنَ الْقَنَاعَةِ وَالْخَيْرِ» الحديث.
وفى الصحيحين من حديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم: «كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيءِ قَبْلَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ وَخَلقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَكَتَبَ في الذَكْرِ كُلَّ شَيءٍ».
وفى الصحيح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأشجّ عبد القيس: «إِنَّ فِيك لَخُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ» قال: يا رسول الله خلقين تخلقت بهما، أم جبلت عليهما؟ قال: «بَلْ جُبِلْتَ عَلَيْهِمَا» قال: الْحمد لله الذي جبلنى على خلقين يحبهما اللهُ. وقال أبو هريرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لاقٍ» رواه البخارى تعليقًا.
وذكر البخارى أيضًا عن ابن عباس في قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61] قال: سبقت لهم السعادة.
وفى سنن أبى داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وأُبَى بن كعب، وزيد بن ثابت: «أَن الله لو عذب أَهل سماواته وأَهل أَرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته لهم خيرًا لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهبًا في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقْدَر، وتعلم أَن ما أَصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأَك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا لدخلتَ النار».
وقاله زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفى سنن أبى داود عن أبى حفص الشامى قال: قال عبادة بن الصامت: يا بنى، إنك لن تجد طعم الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ: اكتب، قال: يا رَبِّ وَمَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُل شَيءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» يا بنى، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْر هَذَا فَلَيْسَ مِنِّى».
وفى الصحيحين عن على رضى الله عنه قال: كنا في جنازة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ببقيع الغرقد، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس ومعه مخصرة، فجعل ينكت بالمخصرة في الأرض، ثم رفع رأْسه فقال: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلا قَدْ كُتِبَ مَكَانُهَا من النَّارِ أَوْ الْجَنَّةِ، إِلا قَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةٌ أَوْ سَعِيدَةٌ». قال: فقال رجل من القوم: يا نبى الله أو لا نتكل على كتابنا وندع العمل، فمن كان من أهل السعادة ليكونن إلى السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة ليكونن إلى الشقاوة؟ قال: «اعْمَلُوا، فَكُل مُيَسَّر، أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَة فَيُيَسَّرُونَ لِلسَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِلشَّقَاوَةِ»، ثم قرأ نبى الله: {فَأَمّا مَنْ أَعْطَىَ وَاتّقَىَ وَصَدّقَ بِالْحُسْنَىَ فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَىَ وَأَمّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىَ وَكَذّبَ بِالْحُسْنَىَ فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَىَ} [الليل: 5- 10]. وفى السنن الأربعة عن مسلم بن يسار الجهنى أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية: {وَإِذْ أَخَذَ رَبّكَ مِن بَنِيَ آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ} [الأعراف: 172]، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سئل عنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خَلَقَ الله آدَم ثُمَّ مَسَحَ ظهْرَهُ بِيَمِينِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلاءِ لِلْجَنَّةِ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهرَهُ فَاستخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلاءِ لِلنَّار، وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ» قال رجل: يا رسول الله، ففيم العمل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الله تَعَالَى إِذَا خَلَقَ العَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَملِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعمَالِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيُدْخِلَهُ بِهِ الجَنَّةِ، وَإِذَا خَلَقَ العَبْدَ لِلنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أهْلِ النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِن أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ فَيُدْخِلَهُ بِهِ النَّارَ».
وفى الترمذى عن أبى موسى الأشعرى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الله خَلَقَ آدَمَ مِن قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الأرضِ، فجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الأَرْضِ، جَاءَ مِنْهُم الأَحْمَرُ وَالأَبْيَض وَالأسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ وَالسَّهْل والْحزْن وَالْخَبِيث وَالطَّيِّب». قال الترمذى: حديث حسن صحيح.
وذكر الطبري من حديث مالك بن عبد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابن مسعود: «لا تكثر هَمُّكَ، ما يُقَدَّرْ يَكُنْ، وَمَا تُرْزَق يَأْتِكَ».
وذكر عن طارق بن شهاب عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بُعِثْتُ دَاعِيًا وَمُبَلِّغًا، وَلَيْسَ إِلَى مِنْ الْهُدَى شَيءٌ. وَخُلِقَ إِبْلِيس مُزَيَّنًا، وَلَيْسَ إِلَيْهِ مِنَ الضَلالةِ شَيءٌ»، وقال ابن وهب: أخبرنا عبد الرحمن بن سليمان عن عقيل عن عكرمة عن ابن عباس قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم فسمع ناسًا من أصحابه يذكرون القدر فقال: «إِنَّكُمْ قَدْ أخَذْتُمْ في شُعْبَتَيْنِ بَعِيدَتِى الغَوْرِ، فِيهمَا هَلَكَ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنْ قَبْلِكُمْ»، ولقد أخرج يومًا كتابًا فقال: «هَذَا كِتَابٌ مِن الله الرَّحمن الرَّحيم فيه تَسْمِيَةُ أَهْل الجَنَّةِ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ وقَبَائِلهِمْ وَعَشائِرِهِمْ فَحَمَلَ عَلَى آخِرِهِمْ لا يَنْقُصُ مِنْهُمْ أَحَدٌ: فَرِيقٌ في الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ في السَّعِيرِ».
وفى الترمذى عن ابن عباس قال: ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فقال: «يا غُلامُ، أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِنَّ؟ احْفَظ الله يَحْفَظْكَ، احْفَظ الله تَجِدهُ أَمامَكَ، تَعَرَّف إِلَى الله في الرَّخاءِ يَعْرِفَكَ في الشِّدَّةِ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأل الله، وَإذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِالله، رُفِعَت الأَقْلامُ وَجَفَّت الصُحُف، لَوْ جَهِدت الأُمَّة عَلَى أَنْ يَنفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَنْفعُوكَ إِلا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله لك ولو جهدت الأمة على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عَلَيْكَ، وَاعْلَم أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَج مَعَ الكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا». وفى بعض روايات الحديث في غير الترمذي: «فَلَوْ أَنَّ النَّاسَ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَعْطُوكَ شَيئًا لَمْ يُعْطِهِ اللهِ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَمْنَعُوكَ شَيئًا قَدَّرَهُ اللهُ لَكَ مَا اسْتَطاعُوا، فَاعْبُدِ اللهَ مَعَ الصَّبْر عَلَى الْيَقِينِ».
وقال على بن الجعد: أَنبأَنا عبد الواحد بن سليم البصرى عن عطاء بن أبى رباح قال: سألت الوليد بن عبادة بن الصامت: كيف كانت وصية أبيك حين حضره الموت؟ قال: جعل يقول: يَا بنى اتق الله، واعلم أنك لن تتقى الله ولن تبلغ العلم حتى تعبد الله وحده وتؤمن بالقدر خيره وشره. قلت: يا أبت كيف لى أن أُؤمن بالقدر خيره وشره؟ قال: تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، فإن مت على غير هذا دخلت النار، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ الْقَلَم فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، فَقَالَ: مَا أَكْتُبُ؟ فَجَرَى تِلْكَ السَّاعَة بِمَا كَانَ وَما هُوَ كَائِنٌ إِلَى الأَبَدِ».