فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} يعني: قل لمالك بن عوف وأصحابه الذين يحرمون الأشياء على أنفسهم، وقالوا ما قالوا أبيّن لكم ما حرم الله عليكم وما أمركم به {أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} يقال: معناه أتل ما حرم ربكم عليكم، فقد تمّ الكلام.
ثم قال: {عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} {وبالوالدين إحسانا} يقول: نهاكم عن عقوق الوالدين، وأمركم ببرهم، ويقال: معناه حرم عليكم ألا تشركوا به شيئًا.
ويقال: معناه حرم عليكم الشرك.
{وبالوالدين إحسانا} يعني: أمركم بالإحسان إلى الوالدين {وَلاَ تَقْتُلُواْ أولادكم مّنْ إملاق} يعني: من خشية الفقر {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} زنى السر والعلانية {وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق} يعني: إلا بالقصاص أو بالرجم أو بترك الإسلام، فإنّ القتل بهذه الأشياء من الحقوق {ذلكم وصاكم بِهِ} يقول: أمركم به في القرآن {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} أمر الله بما حرمه في هذه الآيات.
وروي عن عبد الله بن قيس عن ابن عباس قال: هذه الآيات المحكمات: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} إلى ثلاث آيات وقال الربيع بن خثيم لرجل: هل لك في صحيفة عليها خاتم محمد صلى الله عليه وسلم؟ ثم قرأ هذه الآيات {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ} ويقال: هذه الآيات هن أم الكتاب، وهن إمام في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ولا يجوز أن يرد عليها النسخ. اهـ.

.قال الثعلبي:

{قل} يامحمد {تَعَالَوْاْ أَتْلُ} أقرأ {مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} حقًّا يقينا كما أوحى إليّ ربّي وأمرني به لاظنًّا ولا تكذيبًا كما يزعمون {أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} اختلفوا في محل أن فقال بعضهم: محلّه نصب، ثمّ اختلفوا في وجه انتصابه فقيل معناه: حرّم أن تشركوا ولا صلة كقولهم: {ما منعك ألا تسجد}.
وقيل: إنّك ألاّ تشركوا، وقيل: أوحى ألا تشركوا، وقيل: ما بدل من ما حرّم، وقيل: الكلام عند قوله: {حَرَّمَ رَبُّكُمْ} ثمّ قال: عليكم أن لا تشركوا على الكفر، وقال بعضهم: موضع من معناه: وهو أن لا تشركوا جهرًا بكفركم، وأما بعده فيجوز أن يكون في محل النصب عطفًا على قوله: {أن لا تشركوا} وأن [...] لأنّه يجوز أن يكون جزم على الأقوى كقوله: {أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ}.
{وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين} عطف بالنهي على الخبر قال الشاعر:
حج وأوصي بسليمى إلا عبدا ** أن لاترى ولا تكلم أحدًا

ولا يزال شرابها مبردا... {وبالوالدين إِحْسَانًا وَلاَ تقتلوا أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} ولاتئدوا بناتكم خشية العيش فإني أرزقكم وإياهم والإملاق الفقر ونفاد الزاد.
{وَلاَ تَقْرَبُواْ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا} يعني علانية {وَمَا بَطَنَ} يعني السرّ قال المفسّرون: كانوا في الجاهلية يستقبحون الزنا في العلانية ولا يرون به بأسًا في السرّ فحرّم الله تعالى الزنا في العلانيّة والسر وقال الضحاك: ما ظهر الخمر وما بطن {وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التي حَرَّمَ الله} نهى وهي نفس مؤمن أو معاهد {إِلاَّ بالحق} يعني بما أباح قبلها وهي الارتداد والقصاص والرجم.
وروى مطر الوراق عن نافع بن عمر عن عثمان رضي الله عنه أشرف على أصحابه وقال: علام يقتلونني فإنّي سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يحل دم امرئ مُسلم إلاّ بإحدى ثلاث: رجل زنا بعد إحصانه فعليه الرجم، أو قتل عامدًا فعليه القود، أو ارتد بعد إسلامه فعليه القتل، فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام ولا قتلت أحدًا فاقيد نفسي، ولا ارتدت منذ أسلمت، إنّي أشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمدًا عبده ورسوله».
{ذلكم} النبيّ الذي ذكرت {وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {قُلْ تَعَالَواْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمُ عَلَيْكُمُ} وهذا أمر من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، أن يدعو الناس إليه ليتلو عليهم ما حرمه الله عليهم، وما أحله لهم ليقلعوا عما كانت الجاهلية عليه من تحريم المباح وإباحة الحرام.
والتلاوة: هي القراءة، والفرق بين التلاوة والمتلو، والقراءة والمقروء أن التلاوة والقراءة للمرة الأولى، والمتلو والمقروء للثانية وما بعدها، ذكره علي بن عيسى، والذي أراه من الفرق بينهما أن التلاوة والقراءة يتناول اللفظ، والمتلو والمقروء يتناول الملفوظ.
ثم إن الله أخذ فيا حرم فقال: {أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: ألا تشركوا بعبادته عبادة غيره من شيطان أو وثن.
والثالث: أن يحمل الأمرين معًا.
ثم قال: {وَبَالْوَالِدَينَ إِحْسَانًا} تقديره: وأوصيكم بالوالدين إحسانًا، والإحسان تأدية حقوقهما ومجانبة عقوقهما والمحافظة على برهما.
{وَلاَ تَقْتُلُوْاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إِمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقَكُمْ وَإِيَّاهُمْ} وذلك أنهم كانوا في الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الإملاق.
وفي الإملاق قولان:
أحدهما: أنه الإفلاس، ومنه الملق لأنه اجتهاد المفلس في التقريب إلى الغنى طمعًا في تأجيله.
والثاني: أن الإملاق ومعناهما قريب وإن كان بينهما فرق، وهذا قول ابن عباس، وقتادة، والسدي، والضحاك، وابن جريج.
ثم ذكر فساد اعتقادهم في الإملاق بأن قال: {نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} لأن رزق العباد كلهم، من كفيل ومكفول، على خالقهم.
ثم قال: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} وفيها أربعة تأويلات:
أحدها: أن ذلك عام في جميع الفواحش سرها وعلانيتها، قاله قتادة.
والثاني: أنه خاص في الزنى، ما ظهر منها: ذوات الحوانيت، وما بطن: ذوات الاستسرار، قاله ابن عباس، والحسن، والسدي.
والثالث: ما ظهر منها: نكاح المحرمات، وما بطن: الزنى، قاله مجاهد، وابن جبير.
والرابع: أن ما ظهر منها: الخمر، وما بطن منها: الزنى، قاله الضحاك.
وقد ذكرنا فيه احتمال تأويل خامس: أن ما ظهر منها أفعال الجوارح، وما بطن منها اعتقاد القلوب.
ثم قال: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} والنفوس المحرمة: نفس مسلم، أو معاهد، والحق الذي تقتل به النفس ما بيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «لاَ يَحِلُّ دَمُ امرئ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: كُفْرٌ بَعْدَ إِيمَانٍ، أَوْزِنًى بَعْدَ إِحْصَانٍ، أَوْ قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ». ثم قال: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} يعني أن الله وصى عباده بذلك، ووصية الله واجبة.
ثم قال: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: تعقلون تحريم ذلك عليكم وتعلمونه.
والثاني: تعملون عمل من يعقل وهو ترك ما أوجب العقاب من هذه المحرمات. اهـ.

.قال ابن عطية:

{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} هذا أمر من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعوا جميع الخلق إلى سماع تلاوة ما حرم الله بشرع الإسلام المبعوث به إلى الأسود والأحمر، و{تعالوا} معناه أقبلوا، وأصله من العلو فكأن الدعاء لما كان أمرًا من الداعي استعمل فيه ترفيع المدعو، وتعالى هو مطاوع عالى، إذ تفاعل هو مطاوع فاعل. و{أتل} معناه اسردوا نص من التلاوة التي يصح هي اتباع بعض الحروف بعضا، و{ما} نصب بقوله: {أتل} وهي بمعنى الذي، وقال الزجّاج أن يكون قوله: {أتل} معلقًا عن العمل و{ما} نصب ب {حرم}.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا قلق و{أن} في قوله: {أن لا تشركوا} يصح أن تكون في موضع رفع الابتداء التقدير، الأمر أن أو ذلك أن، ويصح أن تكون في موضع نصب على البدل من {ما} قال مكي وغيره.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: والمعنى يبطله فتأمله، ويصح أن يكون مفعولًا من أجله التقدير إرادة أن لا تشركوا به شيئًا، إلا أن هذا التأويل يخرج أن لا تشركوا من المتلو ويجعله سببًا لتلاوة المحرمات، و{تشركوا} يصح أن يكون منصوبًا ب {أن}، ويتوجه أن يكون مجزومًا بالنهي وهو الصحيح في المعنى المقصود، و{أن} قد توصل بما نصبته، وقد توصل بالفعل المجزوم بالأمر والنهي، و{شيئًا} عام يراد به كل معبود من دون الله، و{إحسانًا} نصب على المصدر وناصبه فعل مضمر من لفظه تقديره وأحسنوا بالوالدين إحسانًا والمحرمات تنفك من هذه المذكورات بالمعنى وهي الإشراك والعقوق وقرب الفواحش وقتل النفس وقال كعب الأحبار: هذه الآيات مفتتح التوراة {بسم الله الرحمن الرحمن قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم} إلى آخر الآية، وقال ابن عباس هذه الآيات هي المحكمات التي ذكرها الله في سورة آل عمران اجتمعت عليها شرائع الخلق ولم تنسخ قط في ملة، وقد قيل إنها العشر الكلمات المنزلة على موسى، وإن اعترض من قال إن {تشركوا} منصوب ب {أن} بعطف المجزومات عليه فلذلك موجود في كلام العرب، وأنشد الطبري حجة لذلك: [الرجز]
حج وأوصى بسليمى الأعْبُدا ** أن لا ترى ولا تكلمْ أحدا

ولا يزلْ شرابُها مبرَّدا

وقوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم} الآية نهي عن عادة العرب في وأد البنات، والولد يعم الذكر والأنثى من البنين، والإملاق الفقر وعدم المال، قاله ابن عباس وغيره، يقال أملق الرجل إذا افتقر.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: ويشبه أن يكون معناه أملق أي لم يبق له إلا الملق كما قالوا أترب إذا لم يبق له إلا التراب وأرمل إذا لم يبق له إلا الرمل، والملق الحجارة السود واحدته ملقة، وذكر منذر بن سعيد أن الإملاق الإنفاق، ويقال أملق بمعنى أنفقه، وذكر أن عليًا قال لا مرأة أملقي من مالك ما شئت وذكر النقاش عن محمد بن نعيم الترمذي أنه السرف في الإنفاق، وحكى أيضًا النقاش عن مؤرج أنه قال: الإملاق الجوع بلغة لخم.
وقوله تعالى: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} نهي عام عن جميع أنواع الفواحش وهي المعاصي، وظهر وبطن حالتان تستوفيان أقسام ما جعلت له من الأشياء، وذهب بعض المفسرين إلى أن القصد بهذه الآية أشياء مخصصات، فقال السدي وابن عباس: {ما ظهر} هو زنا الحوانيت الشهير، و{ما بطن} هو متخذات الأخدان، وكانوا يستقبحون الشهير وحده فحرم الله الجميع، وقال مجاهد {ما ظهر} هو نكاح حلائل الآباء ونحو ذلك، و{ما بطن} هو الزنا إلى غير هذا من تخصيص لا تقوم عليه حجة، بل هو دعوى مجردة، وقوله تعالى: {ولا تقتلوا} الآية متضمنة تحريم قتل النفس المسلمة والمعاهدة، ومعنى الآية: {إلا بالحق} الذي يوجب قتلها وقد بينته الشريعة وهو الكفر بالله وقتل النفس والزنا بعد الإحصان والحرابة وما تشعب من هذه، و{ذلكم} إشارة إلى هذه المحرمات، والوصية الأمر المؤكد المقرر ومنه قول الشاعر: [الطويل]
أجدَّكَ لم تسمعْ وَصَاةَ محمَّدٍ ** نبيِّ الإلهِ حين أوصى وَأَشْهَدَا

وقوله: {لعلكم} ترج بالإضافة إلينا أي من سمع هذه الوصية ترجى وقوع أثر العقل بعدها والميز بالمنافع والمضار في الدين. اهـ.