فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {قل تعالوا أتْلُ ما حرَّم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئًا} ما: بمعنى: الذي، وفي لا قولان:
أحدهما: أنها زائدة، كقوله: {أن لا تسجد} [الأعراف: 12].
والثاني: أنها ليست زائدة، وإنما هي نافية؛ فعلى هذا القول، في تقدير الكلام ثلاثة أقوال:
أحدها: أن يكون قوله: {أن لا تشركوا}، محمولا على المعنى؛ فتقديره: أتل عليكم أن لا تشركوا، أي: أتل تحريم الشرك.
والثاني: أن يكون المعنى: أوصيكم أن لا تشركوا، لأن قوله: {وبالوالدين إحسانًا} [الإسراء: 23] محمول على معنى: أوصيكم بالوالدين إحسانًا، ذكرهما الزجاج.
والثالث: أن الكلام تم عند قوله: {حرَّم ربكم} ثم في قوله: {عليكم} قولان:
أحدهما: أنها إغراء كقوله: {عليكم أنفسكم} [المائدة: 105] فالتقدير: عليكم أن لا تشركوا، ذكره ابن الانباري.
والثاني: أن يكون بمعنى: فُرض عليكم، ووجب عليكم أن لا تشركوا.
وفي هذا الشرك قولان:
أحدهما: أنه ادعاء شريك مع الله عز وجل.
والثاني: أنه طاعة غيره في معصيته.
قوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم} يريد: دفن البنات أحياءً.
{من إملاق} أي: من خوف فقر.
قوله تعالى: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} فيه خمسة اقوال.
أحدها: أن الفواحش: الزنا، وما ظهر منه: الإعلان به، وما بطن: الاستسرار به، قاله ابن عباس، والحسن، والسدي.
والثاني: أن ما ظهر: الخمر، ونكاح المحرمات، وما بطن: الزنا، قاله سعيد بن جبير، ومجاهد.
والثالث: أن ما ظهر الخمر، وما بطن: الزنا، قاله الضحاك.
والرابع: أنه عام في الفواحش، وظاهرها: علانيتها، وباطنها: سِرُّها، قاله قتادة.
والخامس: أن ما ظهر: أفعال الجوارح، وما بطن: اعتقاد القلوب، ذكره الماوردي في تفسير هذا الموضع، وفي تفسير قوله: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه} [الإنعام: 120] والنفس التي حرَّم الله: نفس مسلم أو معاهد، والمراد بالحق: إذن الشرع. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله عز وجل: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم} فيه أربع عشرة مسألة:
الأُولى قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ} أي تقدّموا واقرءوا حَقًّا يقينًا كما أوحى إليّ ربِّي، لا ظنًّا ولا كذبًا كما زعمتم.
ثم بيّن ذلك فقال: {أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} يقال للرجل: تعالَ، أي تقدّم، وللمرأة تعالَيْ، وللإثنين والاثنتين تعاليا، ولجماعة الرجال تعالَوْا، ولجماعة النساء تعالَيْن؛ قال الله تعالى: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ} [الأحزاب: 28].
وجعلوا التقدّم ضربًا من التعالي والارتفاع؛ لأن المأمور بالتقدّم في أصل وضع هذا الفعل كأنه كان قاعدًا فقيل له تعال، أي ارفع شخصك بالقيام وتقدّم؛ واتسعوا فيه حتى جعلوه للواقف والماشي؛ قاله ابن الشَّجَرِيّ.
الثانية قوله تعالى: {مَا حَرَّمَ} الوجه في ما أن تكون خبرية في موضع نصب ب أَتْلُ والمعنى: تعالوا أتل الذي حرّم ربكم عليكم؛ فإن علّقت عليكم ب حرّم فهو الوجه؛ لأنه الأقرب وهو اختيار البصريين.
وإن علقته ب أتل فجيّد لأنه الأسبق؛ وهو اختيار الكوفيين؛ فالتقدير في هذا القول أتل عليكم الذي حرم ربكم.
{أَلاَّ تُشْرِكُواْ} في موضع نصب بتقدير فعل من لفظ الأوّل، أي أتل عليكم ألا تشركوا؛ أي أتل عليكم تحريم الإشراك، ويحتمل أن يكون منصوبًا بما في عليكم من الإغراء، وتكون عليكم منقطعة مما قبلها؛ أي عليكم ترك الإشراك، وعليكم إحسانًا بالوالدين، وألاّ تقتلوا أولادكم وألا تَقْرَبوا الفواحش.
كما تقول: عليك شأنكَ؛ أي الزم شأنك.
وكما قال: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة: 105] قال جميعَه ابن الشَّجَرِيّ.
وقال النحاس: يجوز أن تكون أن في موضع نصب بدلًا من ما؛ أي أتل عليكم تحريم الإشراك.
واختار الفرّاء أن تكون لا للنهي؛ لأن بعده ولا.
الثالثة هذه الآية أمر من الله تعالى لنبيّه عليه السلام بأن يَدْعُوَ جميع الخلق إلى سماع تلاوة ما حرّم الله.
وهكذا يجب على مَن بعده من العلماء أن يبلّغوا الناس ويبيّنوا لهم ما حرّم الله عليهم مما حلّ.
قال الله تعالى: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187].
وذكر ابن المبارك: أخبرنا عيسى بن عمر عن عمرو بن مُرة أنه حدّثهم قال: قال ربيع بن خَيْثم لجليس له: أيسرّك أن تؤتى بصحيفة من النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يُفَكَّ خاتمها؟ قال نعم.
قال فاقرأ {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} فقرأ إلى آخر الثلاث الآيات.
وقال كعب الأحبار: هذه الآية مفتتح التوراة: {بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} الآية.
وقال ابن عباس: هذه الآيات المحكمات التي ذكرها الله في سورة آل عمران أجمعت عليها شرائع الخلق، ولم تنسخ قط في مِلّة.
وقد قيل: إنها العشر كلمات المنزّلة على موسى.
الرابعة قوله تعالى: {وبالوالدين إِحْسَانًا} الإحسان إلى الوالدين بِرُّهما وحِفظهما وصيانتهما وامتثال أمرهما وإزالة الرِّق عنهما وترك السّلطنة عليهما.
و{إحسانًا} نصب على المصدر، وناصبه فعل مضمر من لفظه؛ تقديره وأحسنوا بالوالدين إحسانًا.
الخامسة قوله تعالى: {وَلاَ تقتلوا أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ} الإملاق الفقر: أي لا تَئِدوا من الموءودة بناتِكم خشية العَيْلة، فإني رازقكم وإيّاهم.
وقد كان منهم من يفعل ذلك بالإناث والذكور خشية الفقر، كما هو ظاهر الآية.
أملق أي افتقر.
وأملقه أي أفقره؛ فهو لازم ومتعد.
وحكى النقاش عن مُؤَرِّج أنه قال: الإملاق الجوع بلغة لَخْم.
وذكر منذر بن سعيد أن الإملاق الإنفاق؛ يقال: أملق ماله بمعنى أنفقه.
وذُكر أن عليًّا رضي الله عنه قال لامرأته: أمْلقي من مالك ما شئت.
ورجل مَلِق يُعطِي بلسانه ما ليس في قلبه.
فالمَلَق لفظ مشترك يأتي بيانه في موضعه.
السادسة وقد يستدلّ بهذا من يمنع العَزْل؛ لأن الوَأْد يرفع الموجود والنَّسْل؛ والعزل منع أصل النسل فتشابها؛ إلا أن قتل النفس أعظم وِزرًا وأقبح فعلًا؛ ولذلك قال بعض علمائنا؛ إنه يفهم من قوله عليه السلام في العزل: «ذلك الوأد الخفي» الكراهة لا التحريم.
وقال به جماعة من الصحابة وغيرهم.
وقال بإباحته أيضًا جماعةٌ من الصحابة والتابعين والفقهاء؛ لقوله عليه السلام: «لا عليكم ألاّ تفعلوا فإنما هو القَدَر» أي ليس عليكم جناح في ألاّ تفعلوا.
وقد فَهِم منه الحسن ومحمد بن المُثنَّى النَّهْيَ والزّجْرَ عن العزل.
والتأويل الأوّل أوْلى؛ لقوله عليه السلام: «وإذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء» قال مالك والشافعي: لا يجوز العزل عن الحرّة إلا بإذنها.
وكأنهم رأُوا الإنزال من تمام لذتها، ومن حقها في الولد، ولم يروا ذلك في الموطوءة بملك اليمين، إذ له أن يعزل عنها بغير إذنها، إذ لا حق لها في شيء مما ذُكر.
السابعة قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} نظيره {وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإثم وَبَاطِنَهُ} [الأنعام: 120].
فقوله: {مَا ظَهَرَ} نهي عن جميع أنواع الفواحش وهي المعاصي.
{وَمَا بَطَنَ} ما عقد عليه القلب من المخالفة.
وظَهر وبطَن حالتان تستوفيان أقسام ما جعلت له من الأشياء.
و{ما ظهر} نصب على البدل من {الفواحش}.
{وما بطن} عطف عليه.
الثامنة قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق} الألف واللام في النفس لتعريف الجنس؛ كقولهم: أهلك الناسَ حُبُّ الدرهم والدينار.
ومثله {إِنَّ الإنسان خُلِقَ هَلُوعًا} [المعارج: 19] ألا ترى قوله سبحانه: {إِلاَّ المصلين}؟ وكذلك قوله: {والعصر إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} [العصر: 1 2] لأنه قال: {إِلاَّ الذين آمَنُواْ}.
وهذه الآية نهيٌ عن قتل النفس المحرّمةِ، مؤمنةً كانت أو معاهدة إلا بالحق الذي يوجب قتلها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُمِرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عَصَمَ مالَه ونفْسَه إلا بحقّه وحسابُهم على الله» وهذا الحق أُمور: منها منع الزكاة وترك الصلاة؛ وقد قاتل الصدّيق مانِعي الزكاة.
وفي التنزيل {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصلاة وَآتَوُاْ الزكاة فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] وهذا بيّن.
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يَحلّ دَمُ امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة» وقال عليه السلام: «إذا بُويع لخليفتين فاقتلوا الآخِرَ منهما» أخرجه مسلم.
وروى أبو داود عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به» وسيأتي بيان هذا في الأعراف.
وفي التنزيل: {إِنَّمَا جَزَاءُ الذين يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فَسَادًا أَن يقتلوا} [المائدة: 33] الآية.
وقال: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا} [الحجرات: 9] الآية.
وكذلك من شقَّ عصا المسلمين وخالف إمامَ جماعتهم وفَرّق كلمتهم وسعى في الأرض فسادًا بانتهاب الأهل والمال والبَغي على السلطان والامتناع من حكمه يُقْتَلُ.
فهذا معنى قوله: {إلاَّ بِالْحَقِّ}.
وقال عليه السلام: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم لا يُقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده ولا يتوارث أهل ملّتين» وروى أبو داود والنَّسائي عن أبي بَكْرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من قتل مُعاهدًا في غير كُنِههِ حَرّم الله عليه الجنة» وفي رواية أخرى لأبي داود قال: «من قتل رجلًا من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة وإنّ ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عامًا» في البخاري في هذا الحديث: «وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا» خرّجه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.
التاسعة قوله تعالى: {ذلكم} إشارة إلى هذه المحرّمات.
والكاف والميم للخطاب، ولاحظّ لهما من الإعراب.
{وَصَّاكُمْ بِهِ} الوصيّة الأمر المؤكَّد المقدور.
والكاف والميم محله النصب؛ لأنه ضمير موضوع للمخاطبة.
وفي وَصّى ضمير فاعل يعود على الله.
وروى مطر الوَرّاق عن نافع عن ابن عمر أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أشرف على أصحابه فقال: عَلاَم تقتلوني! فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يحل دَمُ امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث رجل زنى بعد حصانة فعليه الرجم أو قتل عمدًا فعليه القود أو ارتد بعد إسلامه فعليه القتل» فوالله ما زنيتُ في جاهلية ولا إسلام، ولا قتلتُ أحدًا فأقيد نفسي به، ولا ارتددت منذ أسلمت، إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، ذلكم الذي ذكرت لكم وصّاكم به لعلكم تعقلون!. اهـ.

.قال ابن جزي:

{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أنه يدعو جميع الخلق إلى سماع تلاوة ما حرم عليهم وذكر في هذه الآيات المحرمات التي أجمعت عليها جميع الشارئع ولم تنسخ قط في ملة، وقال ابن عباس: هي الكلمات التي أنزل الله على موسى {أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} قيل: أن هنا حرف عبارة وتفسير فلا موضع لها من الإعراب، ولا ناهية جزمت الفعل، وقيل: أن مصدرية في موضع رفع تقديره: الأمر ألا تشركوا، فلا على هذا نافية، وقيل: أن في موضع نصب بدلًا من قوله ما حرم، ولا يصح ذلك إلا إن كانت لا زائدة وإن لم تكن زائدة فسد المعنى لأن الذي حرم على ذلك يكون ترك الإشراك، والأحسن عندي أن تكون أن مصدرية في موضع نصب على البدل ولا نافية ولا يلزم ما ذكر من فساد المعنى، لأن قوله ما حرم ربكم معناه ما وصاكم به ربكم بدليل قوله في آخر الآية.
{ذلكم وصاكم} به فضمن التحريم معنى الوصية، والوصية في المعنى أعمّ من التحريم، لأن الوصية تكون بتحريم وبتحليل، وبوجوب وندب، ولاينكر أن يريد بالتحريم، لأن الوصية تكون بتحريم وبتحليل، وبوجوب وندب، ولا ينكر أن يريد بالتحريم الوصية لأن العرب قد تذكر اللفظ الخاص وتريد به العموم، كما تذكر اللفظ العام وتريد به الخصوص، إذ تقرر هذا، فتقدير الكلام: قل تعالوا أتل ما وصاكم به ربكم، ثم أبدل منه على وجه التفسير له والبيان، فقال: أن لا تشركوا به شيئًا، أي وصاكم ألا تشركوا به شيئًا ووصاكم بالإحسان بالوالدين، ووصاكم أن لا تقتلوا أولادكم، فجمعت الوصية ترك الإشارك وفعل الإحسان بالوالدين وما بعد ذلك ويؤيد هذا التأويل الذي تأولنا: أن الآيات اشتملت على أوامر: كالإحسان بالوالدين وقول العدل والوفاء في الوزن، وعلى نواهي: كالإشارك وقتل النفس، وأكل مال اليتيم، فلابد أن يكون اللفظ المقدم في أولها لفظًا يجمع الأوامر والنواهي، لأنها أجملت فيه، ثم فسرت بعد ذلك، ويصلح لذلك لفظ الوصية لأنه جامع للأمر والنهي، فلذلك جعلنا التحريم بمعنى الوصية ويدل على ذلك ذكر لفظ الوصية بعد ذلك، وإن لم يتأول على ما ذكرناه: لزم في الآية إشكال، وهو عطف الأوامر على النواهي، وعطف النواهي على الأوامر، فإن الأوامر طلب فعلها، والنواهي طلب تركها، وواو العطف تقتضي الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه، ولا يصح ذلك إلا على الوجه الذي تأولناه من عموم الوصية للفعل والترك.
وتحتمل الآية عندي تأويلًا آخر، وهو: أن يكون لفظ التحريم على ظاهره، ويعم فعل المحرمات، وترك الواجبات لأن ترك الواجبات حرام {وَلاَ تقتلوا أولادكم خَشْيَةَ إملاق} [الإسراء: 31] الإملاق الفاقة، ومن هنا للتعليل تقديره: من أجل إملاق، وإنما نهى عن قتل الأولاد لأجل الفاقة، لأن العرب كانوا يفعلون ذلك، فخرج مخرج الغالب فلا يفهم منه إباحة قتلهم بغير ذلك الوجه {مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 151] قيل ما ظهر: الزنا، وما بطن: اتخاذ الأخدان والصحيح أن ذلك عموم في جميع الفواحش {وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق} [الإسراء: 33] فسره قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل دم امرئ مسلم إلى بإحدى ثلاث: زنى بعد إحصان، أو كفر بعد إيمان، أو قتل نفس بغير نفس. اهـ.