فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ}
ونعلم أن اليتيم هو من فقد أباه، ولم يبلغ مبلغ الرجال، هذا في الإنسان، أما اليتيم في الحيوان فهو من فقد أمه. وقوله الحق: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده...} [الأنعام: 152]
هنا يفرض سبحانه أن اليتيم له مال، فلم يقل: لا تأكل مال اليتيم. بل أمرك ألا تقترب منه ولو بالخاطر، ولو بالتفكير، وعليك أن تبتعد عن هذه المسألة. وإذا كان قد قال: {ولا تقربوا مال اليتيم} فهل هذا الأمر على إطلاقه؟. لا؛ لأنه اضاف وقال بعد ذلك: {إلا بالتي هي أحسن} أي بأن نثمر له ماله تثمرا يسع عيشه، ويبقى له الأصل وزيادة، ولذلك قال في موضع آخر: {وارزقوهم فيها...} [النساء: 5]
فلا يأخذ أحد مال اليتيم ويدخره، ثم يعطيه منه كل شهر جزءا حتى إذا بلغ الرشد يجد المال قد نقص أو ضاع، لذلك لم يقل: ارزقوهم منها، بل قال: {وارزقوهم فيها} أي ارزقوهم رزقا ناشئا منها. فمالهم ظرفية للرزق، ولا يتأتى هذا إلا بأن نثموها لليتيم، ولا نحرم الوصاية على اليتيم لرعاية ماله من أصحاب الكفاءات في إدارة الأعمال والأمناء، وقد يوجد الكفء في إدارة العمل، والأمين فيه لكن حاله لا ينهض بأن يتحمل تبعات ومؤنة حياته وقيامة بإدارة أموال اليتيم؛ فقال سبحانه في ذلك: {ومن كان غنيا فليستعفف...} [النساء: 6]
أي أن يهب الوصي تلك الرعاية الله، وحين يهب تلك الرعاية لله ولا يأخذ نظير القيام بها أجرا؛ يضمن أنه إن وجد في ذريته إلى يوم القيامة يتيم فسيجد من يعوله حسبة لله وتطوعا منه مدخرا أجره عند الله. والحق هو القائل: {وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا} [النساء: 9]
وحينما يجد اليتيم من يرعاه، وحين يتعاطف المجتمع مع كل يتيم فيه، ويتولى أمور اليتامى أناس أمناء قادرون على إدارة أمورهم فسوف يقل جزع الإنسان من أن يموت ويترك صغاره؛ لأنه سيجد كرامة ورعاية لليتيم، فالناس تخاف من الموت لأن لهم عيالا صغارا، ويرون أن المجتمع لا يقوم برعاية اليتامى، لكن الإنسان إن وجد اليتيم مكرما، ووجده آباء من الأمة الإسلامية متعددين، فإن جاءه الموت فسوف يطمئن على أولاده لأنهم في رعاية المجتمع، ولكن لا تنتظر حتى يصلح شأن المجتمع بل أصلح من نفسك وعملك تجاه أي يتيم، ويمكنك بذلك أن تطمئن على أولادك فستجد من يرعاهم بعد مماتك، وحين يرعى المجتمع الإيماني كل يتيم ستجد الناس لا تضيق ذرعا بقدر الله في خلقه بأن يموت الواحد منهم ويترك أولادا. والمثل واضح في سورة الكهف بين العبد الصالح وسيدنا موسى حينما مرا على قرية:
{حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها...} [الكهف: 77]
فلم طلبا نقودا ليدخراها، ولكنهما طلبا طعاما لسد الجوع، وهذه حاجة ملحة. ومع أنهما استطعما أهل القرية أبى أهل القرية أن يضيفوهما. ومعنى ذلك أنها قرية لئيمة الأهل. وعلى الرغم من العبد الصالح وجد ردهم علية وامتناعهم عن إطعامهما، ولكنه عندما وجد جدار، وبفراسته علم أن الجدار يريد أن ينقض، وكأن الجدار له إدارة، فأقام الجدار، ولأمه سيدنا موسى عليه السلام، وكان سيدنا موسى منطقيا مع نفسه، فقد طلب هو وشيخه من أهل القرية مجرد الطعام فرفضوا، فكيف ترد عليهم بأن تبنى لهم الجدار، وكان يجب أن تأخذ على البناء أجرة، فهم قوم لئام، هذا كلام موسى. لكن العبد الصالح جازاهم بما يستحقون؛ لأنه ببنائه الجدار قد حال بينهم وبين أخذ الكنز، لأنه لو ترك الجدار ينهار لظهر الكنز الذي تحته وهو ليتمين، وهكذا عرف العبد الصالح كيف يربيهم. وبعد ذلك أراد الله أن يشرح لنا أن الجدار لغلامين يتمين في المدينة. {فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما...} [الكهف: 82]
فكأن استخراج الكنز مقارن ببلوغ الرشد، وكأن العبد الصالح قد بنى الجدار بناء مؤقوتا، بحيث لا ينهار إلا حين يبلغ الغلامان مبلغ الرشد، لقد بنى العبد الصالح البناء وكأنه يضبط الميقات فلا يتماسك الجدار إلا لساعة بلوغ الغلامين أشدهما، وعندئذ يستخرج الغلامان كنزهما. وبعد ذلك جاء لنا بالحثيثة لكل ذلك، فقال سبحانه: {وكان أبوهما صالحا...} [الكهف: 82]
فكأن صلاح الأب هو الذي أراد به الحق أن يظهر لنا كيف حمى كنز الأبناء، فيأتي العبد الصالح وموسى لأهل القرية اللئام، ويطلبان طعاما، فلا يطعمونهما، فيبي العبد الصالح الجدار الموقوت الذي يصون الكنز من اللئام. والحق يقول هنا: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن...} [الأنعام: 152]
من لا يقدر على قرب مال اليتيم بالتي هي أحسن فليبتعد عنه.
وحتى لا يتحرز ويتوقى الناس من رعايتهم مال اليتيم، قال سبحانه: {ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف} [النساء: 6]
وكلمة {فليأكل بالمعروف} أي لا يكنز ولا يدخر منه أبدا، بل يأكل بما يدفع الجوع فقط ويكتسي ما يستر جسمه. ونعرف أن اليتيم لم ينضج عقله بعد، وكذلك الكبير السفيه هو أيضا لا يقدر على التصرف؛ لذلك قال الحق في أدائه البياني حيث يؤدي اللفظ ما يوحي بالمعاني الواسعة: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} [النساء: 5]
وجعل الحق مال السفيه في مرتبة مال الولي؛ لأن السفيه لا يحترم ملكيته وقد يبددها. ولكن المال يعود لهذا الإنسان حين يذهب عنه السفه فيقول الحق: {فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم} [النساء: 6]
إنه أداء قرآني عجيب، يشجع الناس ألا يتركوا السفيه يبدد ماله فتكون خسارة للمجتمع كله، فمادام هو في سفه فانظر إلى المال كأنه مالك، ولتكن أمينا عليه أمانتك على مالك.
وعندما ترى وتجد رشده وتطمئن على ذلك، فإن الحق يأمرك أن تعيد له ماله. ونعود إلى اليتيم، هنا يقول الحق: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن}.
هذا إن كان له مال، فماذا عن اليتيم الذي لا مال له؟. هنا تكون الوصية أقوى، عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا» وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهد في سبيل الله وكالذي يصوم النهار ويقوم الليل».
وخذوا بالكم واجعلوا مسح رأس اليتيم لله، فمن الجائز أن تكون لليتيم أم جميلة، ويريد الولي أن يتقرب منها عن طريق الولد، احذروا ذلك، فإنه فضلا على أنه يسخط الله ويغضبه فهو خسة ولؤم ونذالة. {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده} [الأنعام: 152]
لم يقل الله سبحانه بالتي هي حسنة ولكنه قال: {بالتي هي أحسن} لتشديد الحرص على مال اليتيم حتى يبلغ أشده لأن بلوغ الأشد، يعني أن اليتيم صارت له ذاتية مستقلة، وما المعيار في الذاتية المستقلة؟؛ أن يصبح قادرا على إنجاب مثله، وهذا معيار النضج، مثله مثل الثمرة حين تنضج؛ أي صارت البذرة التي فيها صالحة لأن نضعها في الأرض لتكون شجرة. وأنت إن قطفت الثمرة قبل أن تنضج لا تجد طعمها حلوا، ولا تستسيغ مذاقها إلا حين تستوي البذرة وتنضج.
والأشد أي أن الإنسان يصير قادرا على إنجاب مثله وهو ما نسميه البلوغ، ويصبح أيضا قادرا على حسن التصرف في المال وفي كل شيء. ويتابع سبحانه: {وأوفوا الكيل والميزان بالقسط} [الأنعام: 152]
والكيل هي المعايير لما يكال حجما، والموازين هي المعايير لما يقدر كثافة، فهناك معيار للحجم ومعيار للكثافة. معيار الحجم الكيل، ومعيار الكثافة هو الوزن، وهناك أيضا التقديرات العادلة في القياس، للأقمشة مثلا، المقياس فيها هو المتر، إذن كل شيء بحسبه، وإذا أردت الموزون فلابد أن يكن بالقسط، أي بالعدل.
وهذه المسألة من الصعب تحقيقها، ولذلك تختلف الموازين باختلاف نفاسة الأشياء، فحين نزن الفول أو العدس أو البطاطس أو القلقاس، فنحن نزنه بميزان كبير؛ لأن فرق الميزان يكون حول الكيلو جرام، فالأمر حينئذ يكون مقبولا. وحين نزن أشياء أثمن قليلا، نأتي بالميزان الدقيق. فإن كان الشيء الموزون ذهبا نحيط الميزان بجدران زجاجية لأن لفحة الهواء قد تقلل أو تزيد الوزن.
إننا نحاول أن نمنع تأثير تيارات الهواء عليها. وحين نزن المواد الكيماوية نأتي بميزان يعمل بالذرة.
إذن موزون يأخذ درجة ميزانه بمقدار نفاسته وتأثيره؛ لأن تحقيق العدالة في الميزان مسألة صعبة، وكذلك الأمر في الكيل. فحين يكيل الإنسان كيلا يمسك إناء الكيلة ويهزه؛ حتى يأتي الميكال دقيقا محررا، وإن أراد أن يلغي ضميره ويأخذ أكثر من حقه فهو يملأ المكيال بأكثر مما يحتمل ويسند الزيادة بيده حتى لاتقع. وربنا يقول: {ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون} [المطففين: 1-3]
فحين يكتال يستوفى ويطفف أي يزيد ما سوف يأخذه شراء، وحين يبيع يقلل الكيل أو الوزن ليأخذ ثمنا أكثر من ثمن ما يزن أو يكيل. وأصل المبادلات غالبا بين طرفين، وبعض المتنطعين يقول: كيف يقول الحق: {ويل للمطففين} والتطفيف في أي مسألة يكون بالزيادة، لا بالنقص. ونقول: انتبه إلى أن المتحدث هو الله، والتطفيف يزيد طرفا وينقص من طرف، وكل صفقة بين اثنين فيها بيع وشراء. فإن أراد واحد أن يجعل الخسران على طرف وأن يستوفي لنفسه فهو مطفف.
ولذلك تأتي دقة الأداء القرآني من ربنا: {وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها...} [الأنعام: 152]
وقال الحق ذلك لأنه يعلم أن الكيل والميزان بالعدل أمر متعذر؛ لأن الحق سبحانه وتعالى لواسع رحمته في التشريع لنا لم يجعل مجتال الاستطاعة أمرا يمكن أن تتحكم فيه أشياء لا تدخل في الاستطاعة؛ ففي ضبط المكيال والميزان قال: {لا نكلف نفسا إلا وسعها} لأن المكيال والميزان أداتان تتحكم فيهما ظروف لا تدخل في نطاق الإنسان. ولذلك قلنا: إن وزن الأشياء التي نعلمها إن كانت من الأشياء التي ليست فيها نفاسة فوزنها له آلة. وإن كانت في المتوسط فوزنها له آلة، وإن كان في الأشياء النفيسة الدقيقة التي للقدر الصغير فيها قيمة مؤثرة، فإن لها آلة مضبوطة مصونة من عوامل الجو حتى لا تتأثر بهبة الهواء، فقول الحق: {لا نكلف نفسا إلا وسعها} إباحة للأشياء الزائدة او الناقصة التي لا تدخل في الاستطاعة، ثم قال سبحانه: {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى...} [الأنعام: 152]
نعلم أن القول نسبة كلامية ينطق بها المتكلم ليسمعها مخاطب، ينفعل للمطلوب فيها خبرا أو إنشاء، والقول مقابله الفعل، وكلاهما عمل، فالقول عمل والفعل عمل؛ قل أو افعل، فافهم أن القول متعلق بجارحة اللسان، والفعل متعلق بكل الجوارح ما عدا اللسان، فإذا رأيت، وإذا سمعت، وإذا شممت، وإذا لمست كل ذلك يطلق عليه أنه فعل، ولكن إذا ما تحرك اللسان فذلك قول: {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى}.
وهل العدل مقصور على القول؟ أو العدل أيضا يكون في الفعل؟ إن العدل قد يكون في خلاف بين اثنين، وهذا لا يتأتى بفعلك، وإنما يتأتى الحكم والفصل فيه بقولك، وإذا ما تعودت العدل في قولك، ألفته وأنست به وأحببته حتى في أعمالك الخاصة الأخرى.
والقول منه الإقرار، وإن تقر على شيء في نفسك فقله بالعدل وبالحق، والشهادة. قلها بالحق، والحكم. قله بالحق. والوصية. قلها بالحق. والفتوى. قلها بالحق. إذن فالحق في القول أمر دائر في كثير من التصرفات؛ لأنك إذا قلت بالحق أمكنك أن تعدل ميزان حركة الحياة؛ فميزان حركة الحياة لا يختل إلا إن رجح باطل على حق؛ لأنك إذا حكمت لواحد بشيء لا يستحقه فقد أعطيته ما ليس له، وإنك بعملك هذا تجعل المتحرك في الحياة يزهد في الحركة لكن إذا ما حافظت على حركة كل متحرك، وأخذ كل واحد حظه من الحياة بقدر ما يعمل اتزنت كل الأمور، ولم يعد هناك قوم يعيشون على جهد غيرهم وعرق سواهم، إذن فقول العدل هو مناط حركة الحياة الثابتة المستقيمة الرتيبة الرشيدة: {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى}.
والذي يؤثر في العدل هو الهوى، وحين يوجد الهوى فهو يحاول أن أن يميلك إلى ناحية ليس فيها الحق، وأولى النواحي أن يكون الأمر متعلقا بك أو بقرابة لك، وقد تريد إن حكمت- والعياذ بالله- باطلا، أن تسعد ذا قرباك، وأنت بذلك لم تؤد حق القرابة؛ لأن حق القرابة كان يقتضي أن تمنع عنه كل شيء محرم وتحمي عرضه، وتحمي دينه قبل أن تحمي مصلحته في النفعية الزائلة. ولذلك يأمرك الحق بأن تقول الكلمة بالعدل ولو كان المحكوم له أو عليه ذا قربى؛ لأنك حين تحكم بالباطل فأنت في الواقع حكمت عليه لا له. {وبعهد الله أوفوا} [الأنعام: 152]
ونحن نعلم أن عهد الله هو ما عاهدنا الله عليه، وأول عهد وقمة العهود هو الإيمان به سبحانه، وترتب على ذلك أن نتلقى منه التكليف، فكل تكليف من تكاليف الله لخلقه يعتبر عهدا داخلا في إطار الإيمان؛ لأن الله لا يحكم حكما أو يبينه لمكلف إلا بعد أن يقول: {يا أيها الذين آمنوا...} [المائدة: 1]
أي يا من آمنت بالعهد الأصيل في القيم وهو العقيدة، وآمنت بي إلها: خذ التكليف مني؛ لأنك قد دخلت معي في عهد هو الإيمان.
ولذلك لا يكلف الله بالأحكام كافرا به، إنما يقول: {يا أيها الذين آمنوا} ولذلك يجب أن نأخذ كل حكم بدليله من الإيمان بمن حكم به، فلا تبحث عن في كل حكم، وإنما علة كل حكم أن تؤمن بالذي أمرك ان تفعل كذا، فعلة كل هي الحكم.
ويذيل الحق الآية الكريمة بقوله تعالى: {ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون} [الأنعام: 152]
و{ذلكم} إشارة إلى ما تقدم، من أول قوله سبحانه: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم} [الأنعام: 151]
إلى أن انتهينا إلى قوله سبحانه: {وبعهد الله أوفوا} [الأنعام: 152]
والتوصية تخصيص للتشريع؛ لأن التشريع يعم احكاما كثيرة جدا، ولكن الوصية التي يوصي الله بها تكون هي عيون التشريع.
ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنه عن هذه الآيات: «إنها محكمات لم ينسخهن شيء من جميع الكتب، وقيل إنهن أم الكتاب من عمل بهن دخل الجنة، ومن تركهن دخل النار».
ولم يوجد شرع جاء لينسخ واحدة من هذه الوصايا، ولذلك يقول اليهودي الذي أسلم وهو كعب الأحبار: والذي نفس كعب بيده إن هذه الآيات لأول شيء في التوراة: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم}. ثم نجد أن هذه الوصية الأخيرة هي جامعة لكل شيء؛ نجد تسع وصايا قد مرت؛ خمسا منها قال فيها: {لعلكم تعقلون}، وأربعا قال فيها: {لعلكم تذكرون}، والعاشرة يقول: {لعلكم تتقون}، وهذه الوصية العاشرة هي الجامعة لكل أنواع الفضائل التكليفية إنها قوله الحق: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه...}. اهـ.