فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله عز وجل: {وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه} يعني وأن هذا الذي وصيتكم به وأمرتكم به في هاتين الآيتين هو صراطي وديني الذي ارتضيته لعبادي مستقيمًا يعني قويمًا لا اعوجاج فيه فاتبعوه ويعني فاعملوا به.
وقيل: إن الله تعالى لما بين في الآيتين المتقدمين ما وصى به مفصلًا أجمله في هذه الآية إجمالًا يقتضي دخول جميع ما تقدم ذكره فيه ويدخل فيه أيضًا جميع أحكام الشريعة وكل ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم من دين الإسلام هو المنهج القويم والصراط المستقيم والدين الذي ارتضاه الله لعباده المؤمنين وأمرهم باتباع جملته وتفصيله {ولا تتبعوا السبل} يعني الطرق المختلفة والأهواء المضلة والبدع الرديئة وقيل السبل المختلفة مثل: اليهود والنصرانية وسائر الملل والأديان المخالفة لدين الإسلام {فتفرق بكم عن سبيله} يعني فتميل بكم هذه الطرق المختلفة المضلة عن دينه وطريقه الذي ارتضاه لعباده، روى البغوي بسنده عن ابن مسعود قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًا ثم قال هذا سبيل الله ثم خط خطوطًا عن يمينه وعن شماله وقال هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه وقرأ وإن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل الآية: {ذلكم وصاكم به} يعني باتباع دينه وصراطه الذي لا اعوجاج فيه {لعلكم تتقون} يعني الطرق المختلفة والسبل المضلة. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه}
قرأ الأخوان {وإن هذا} بكسر الهمزة وتشديد النون على الاستئناف، {فاتبعوه} جملة معطوفة على الجملة المستأنفة.
وقرأ الباقون بفتحها وخفف ابن عامر النون وشدّدها الباقون.
وقرأ عبد الله بن أبي إسحاق {وإن} كقراءة ابن عمر، فأما تخفيف النون فعلى أنه خذف اسم أن وهو ضمير الشأن وخرجت قراءة فتح الهمزة على وجوه: أحدها: أن يكون تعليلًا حذف منها اللام تقديره ولأن هذا {صراطي مستقيمًا فاتبعوه} كقوله: {وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدًا} وقد صرّح باللام في قوله: {لإيلاف قريش إيلافهم} {فليعبدوا} قال الفارسي: قياس قول سيبويه في فتح الهمزة أن تكون الفاء زائدة بمنزلتها في زيد فقام.
الوجه الثاني: أن تكون معطوفة على {أن لا تشركوا} أي أتل عليكم نفي الإشراك والتوحيد وأتل عليكم أن هذا صراطي وهذا على تقدير {أن} في {أن لا تشركوا} مصدرية قاله الحوفي هكذا قرروا هذا الوجه فجعلوه معطوفًا على البدل مما حرم وهو أن لا تشركوا.
وقال أبو البقاء: أنه معطوف على المبدل منه أي أتل الذي حرم وأتل أن هذا {صراطي مستقيمًا} وهو تخريج سائغ في الكلام، وعلى هذا فالصراط مضاف للمتكلم وهو الرسول صلى الله عليه وسلم وصراطه هو صراط الله.
الوجه الثالث: أن يكون في موضع جر عطفًا على الضمير في به قاله الفراء، أي وصاكم به وبأن حذفت الباء لطول أن بالصلة.
قال الحوفي: وهي مرادة ولا يكون في هذا عطف مظهر على مضمر لإرادتها.
وقال أبو البقاء: هذا فاسد لوجهين.
أحدهما: عطف المظهر على المضمر من غير إعادة الجار والثاني أنه يصير المعنى وصاكم باستقامة الصراط.
وقرأ الأعمش: و{هذا صراطي} وكذا في مصحف عبد الله ولما فصل في الآيتين قبل أجمل في هذه إجمالًا يدخل فيه جميع ما تقدم وجميع شريعته، والإشارة بهذا إلى الإسلام أو القرآن أو ما ورد في هذه السورة لأنها كلها في التوحيد وأدلة النبوّة وإثبات الدين وإلى هذه الآيات التي اعقبتها هذه الآية لأنها المحكمات التي لم تنسخ في ملة من الملل أقوال أربعة.
{فاتبعوه} أمر باتباعه كله والمعنى: فاعملوا بمقتضاه من تحريم وتحليل وأمر ونهي وإباحة.
{فلا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} قال ابن عباس: هي الضلالات، قال مجاهد: البدع والأهواء والشبهات.
وقال مقاتل: ما حرموا على أنفسهم من الأنعام والحرث.
وقيل: سبل الكفر كاليهودية والنصرانية والمجوسية وما يجزي مجراهم في الكفر والشرك وفي مسند الدارمي عن ابن مسعود قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا خطأ ثم قال: «هذا سبيل الله ثم خط خطوطًا عن يمينه ويساره ثم قال: هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها».
ثم قرأ هذه الآية وعن جابر نحو منه في سنن ابن ماجة وانتصب فتفرق لأجل النهي جوابًا له أي فتفرق فحذف التاء.
وقرئ {فتفرق} بتشديد التاء.
{ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} كرر التوصية على سبيل التوكيد ولما كان الصراط المستقيم هو الجامع للتكاليف وأمر تعالى باتباعه ونهى عن بنيات الطرق ختم ذلك بالتقوى التي هي اتقاد النار، إذ من اتبع صراطه نجاه النجاة الأبدية وحصل على السعادة السرمدية.
قال ابن عطية: ومن حيث كانت المحرمات الأول لا يقع فيها عاقل قد نظر بعقله جاءت العبادة {لعلكم تعقلون} والمحرمات الأخر شهوات وقد يقع فيها من العقلاء من لم يتذكر وركوب الجادة الكاملة تتضمن فعل الفضائل وتلك درجة التقوى. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَأَنَّ هذا صراطي} إشارةٌ إلى ما ذكر في الآيتين من الأمر والنهي، قاله مقاتل وقيل: إلى ما ذكر في السورة فإنها بأسرها في إثبات التوحيدِ والنبوة وبيانِ الشريعة، وقرئ صراطيَ بفتح الياء، ومعنى إضافتِه إلى ضميره عليه الصلاة والسلام انتسابُه إليه عليه الصلاة والسلام من حيث السلوكُ لا من حيث الوضعُ كما في صراط الله، والمرادُ بيانُ أن ما فُصِّل من الأوامر والنواهي غيرُ مختصةٍ بالمتلو عليهم بل متعلقةٌ به عليه الصلاة والسلام أيضًا وأنه صلى الله عليه وسلم مستمرٌّ على العمل بها ومراعاتِها وقوله تعالى: {مُّسْتَقِيمًا} حالٌ مؤكدةٌ، ومحل أن مع ما في حيزها الجرُّ بحذف لام العلة أي ولأن هذا صراطي أي مسلكي مستقيمًا {فاتبعوه} كقوله تعالى: {وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ الله أَحَدًا} وتعليلُ إتباعِه بكونه صراطَه عليه الصلاة والسلام لا بكونه صراطَ الله تعالى مع أنه في نفسه كذلك من حيث سلوكُه صلى الله عليه وسلم فيه داعٍ للخلق إلى الاتّباع إذ بذلك يتضح عندهم كونُه صراطَ الله عز وجل، وقرئ بكسر الهمزة على الاستئناف، وقرئ أنْ هذا مخففةً من أنّ، على أن اسمَها الذي هو ضميرُ الشأنِ محذوفٌ وقرئ صراطي وقرئ هذا صراطي وقرئ وهذا صراطُ ربِّكم وهذا صراطُ ربِّك {وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل} الأديانَ المختلفةَ أو طرقَ البدع والضلالات {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ} بحذف إحدى التاءين، والباء للتعدية أي فتفرِّقَكم حسَبَ تفرُّقِها أياديَ سبا فهو كما ترى أبلغُ من تفرقكم كما قيل من أن ذهَبَ به لما فيه من الدلالة على الاستصحاب أبلغُ من أذهبه {عَن سَبِيلِهِ} أي سبيل الله الذي لا عِوَجَ فيه ولا حرج، وهو دين الإسلام الذي ذُكر بعضُ أحكامه وقيل: هو اتباعُ الوحي واقتفاءُ البرهان، وفيه تنبيهٌ على أن صراطَه عليه الصلاة والسلام عينُ سبيل الله تعالى: {ذلكم} إشارةٌ إلى ما مر من اتباع سبيلِه تعالى وتركِ اتباعِ سائر السبل {وصاكم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} اتباعَ سبُلِ الكفر والضلالة. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَأَنَّ هذا صراطي} إشارة إلى شرعه عليه الصلاة والسلام على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ويلائمه النهي الآتي، وعن مقاتل أنه إشارة إلى ما في الآيتين من الأمر والنهي، وقيل: إلى ما ذكر في السورة فإن أكثرها في إثبات التوحيد والنبوة وبيان الشريعة.
وقرأ حمزة والكسائي {إن} بالكسر وابن عامر ويعقوب بالفتح والتخفيف، والباقون به مشددة.
وقرأ ابن عامر {صراطي} بفتح الياء، وقرئ {وهذا صراطي}.
{وهذا صراط رَبُّكُمْ}.
{وهذا صراط رَبّكَ} وإضافة الصراط إلى الرب سبحانه من حيث الوضع وإليه عليه الصلاة والسلام من حيث السلوك والدعوة أي هذا الصراط الذي أسلكه وأدعو إليه {مُّسْتَقِيمًا} لا اعوجاج فيه، ونصبه على الحال {فاتبعوه} أي اقتفوا أثره واعملوا به {وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل} أي الضلالات كما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس، وفي رواية عنه أنها الأديان المختلفة كاليهودية والنصرانية، وأخرج ابن المنذر وعبد بن حميد وغيرهما عن مجاهد أنها البدع والشبهات {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ} نصب في جواب النهي والأصل تتفرق فحذفت إحدى التاءين والباء للتعدية أي فتفرقكم حسب تفرقها أيادي سبأ فهو كما ترى أبلغ من تفرقكم كما قيل من أن ذهب به لما فيه من الدلالة على الاستصحاب أبلغ من أذهبه {عَن سَبِيلِهِ} أي سبيل الله تعالى الذي لا اعوجاج فيه ولا حرج لما هو دين الإسلام، وقيل: هو اتباع الوحي واقتفاء البرهان، وفيه تنبيه على أن صراطه عليه السلام عين سبيل الله تعالى، وقد أخرج أحمد وجماعة عن ابن مسعود قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًا بيده ثم قال: «هذا سبيل الله تعالى مستقيمًا» ثم خط خطوطًا عن يمين ذلك الخط وعن شماله ثم قال: «وهذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه» ثم قرأ {وَأَنَّ هذا صراطي مُسْتَقِيمًا فاتبعوه} الخ، وإنما أضيف إليه صلى الله عليه وسلم أولًا لأن ذلك أدعى للاتباع إذ به يتضح كونه صراط الله عز وجل.
{ذلكم} إشارة إلى اتباع السبيل وترك اتباع السبل {وصاكم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} عقاب الله تعالى بالمثابرة على فعل ما أمر به والاستمرار على الكف عما نهى عنه.
قال أبو حيان: ولما كان الصراط المستقيم هو الجامع للتكاليف وأمر سبحانه باتباعه ونهى عن (اتباع غيره من) الطرق ختم ذلك بالتقوى التي هي اتقاء النار إذ من اتبع صراطه نجاه النجاة الأبدية وحصل على السعادة السرمدية.
وكرر سبحانه الوصية لمزيد التأكيد ويا لها من وصية ما أعظم شأنها، وأوضح برهانها.
وأخرج الترمذي وحسنه وابن المنذر والبيهقي في الشعب وغيرهم عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: من سره أن ينظر إلى وصية محمد عليه الصلاة والسلام بخاتمه فليقرأ هؤلاء الآيات {قُلْ تَعَالَوْاْ} إلى {تَتَّقُونَ} [الأنعام: 151 153] وأخرج ابن حميد وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيكم يبايعني على هؤلاء الآيات الثلاث» ثم تلاهن إلى آخرهن ثم قال: «فمن وفى بهن فأجره على الله تعالى ومن انتقص منهن شيئًا فأدركه الله تعالى في الدنيا كانت عقوبته ومن أخره إلى الآخرة كان أمره إلى الله تعالى إن شاء أخذه وإن شاء عفا عنه».
وأخرج أبو الشيخ عن عبيد الله بن عبد الله بن عدي قال: سمع كعب رجلًا يقرأ {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ} إلخ فقال: والذي نفس كعب بيده إنها لأول آية في التوراة بسم الله الرحمن الرحيم قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم إلى آخر الآيات، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هذه آيات محكمات لم ينسخهن شيء من جميع الكتب وهن محرمات على بني آدم كلهم وهن أم الكتاب من عمل بهن دخل الجنة ومن تركهن دخل النار.
هذا و{أن} في قوله سبحانه: {أن لا تشركوا} يحتمل أن تكون مفسرة وأن تكون مصدرية.
قال العلامة الثاني: وفي الاحتمالين إشكال فإنها إن جعلت مصدرية كانت بيانًا للمحرم بدلًا من ما أو عائده المحذوف.
وظاهر أن المحرم هو الإشراك لا نفيه وأن الأوامر بعد معطوفة على {لا تشركوا} وفيه عطف الطلبي على الخبري وجعل الواجب المأمور به محرمًا فاحتيج إلى تكلف كجعل (لا) مزيدة وعطف الأوامر على المحرمات باعتبار حرمة أضدادها وتضمين الخبر معنى الطلب، وأما جعل (لا) ناهية واقعة موقع الصلة لأن المصدرية كما جوزه سيبويه إذ عمل الجازم في الفعل والناصب في (لا) معه فمما لا سبيل إليه هنا لأن زيادة لا الناهية مما لم يقل به أحد ولم يرد في كلام؛ وإن جعلت (أن) مفسرة و(لا) ناهية والنواهي بيان لتلاوة المحرمات توجه إشكالان، أحدهما: عطف {إِنَّ هَذَا صراطي مُسْتَقِيمًا} على (أن لا تشركوا) مع أنه لا معنى لعطفه على (أن) المفسرة مع الفعل.
وثانيهما: عطف الأوامر المذكورة فإنها لا تصلح بيانًا لتلاوة المحرمات بل الواجبات، واختار الزمخشري كونها مفسرة وعطف الأوامر لأنها معنى نواه، ولا سبيل حينئذٍ لجعلها مصدرية موصولة بالنهي لما علمت.
وأجاب عن الإشكال الأول بأن قوله سبحانه: {وَأَنَّ هذا صراطي} ليس عطفًا على {أن لا تشركوا} بل هو تعليل للاتباع متعلق باتبعوه على حذف اللام، وجاز عود ضمير (اتبعوه) إلى الصراط لتقدمه في اللفظ.
فإن قيل: فعلى هذا يكون (اتبعوه) عطفًا على {لا تشركوا} ويكون التقدير فاتبعوا صراطي لأنه مستقيم، وفيه جمع بين حرفي عطف الواو والفاء وليس بمستقيم، وإن جعلت الواو استئنافية اعتراضية قلنا: ورود الواو مع الفاء عند تقديم المعمول فصلًا بينهما شائع في الكلام مثل {وَرَبَّكَ فَكَبّرْ} {وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ الله أَحَدًا} [الجنّ: 18] فإن أبيت الجمع ألبتة ومنعت زيادة الفاء فاجعل المعمول متعلقًا بمحذوف والمذكور بالفاء عطفًا عليه مثل عظم فكبر وادعوا الله فلا تدعوا مع الله وآثروه فاتبعوه.
وعن الإشكال الثاني بأن عطف الأوامر على النواهي الواقعة بعد (أن) المفسرة لتلاوة المحرمات مع القطع بأن المأمور به لا يكون محرمًا دل على أن التحريم راجع إلى أضدادها بمعنى أن الأوامر كأنها ذكرت وقصد لوازمها التي هي النهي عن الأضداد حتى كأنه قيل: أتلو ما حرم أن لا تسيؤوا إلى الوالدين ولا تبخسوا الكيل والميزان ولا تتركوا العدل ولا تنكثوا العهد، ومثل هذا وإن لم يجز بحسب الأصل لكن ربما يجوز بطريق العطف، وأما جعل الوقف على قوله تعالى: {رَبُّكُمْ} وانتصاب {أن لا تشركوا} بعليكم يعني ألزموا ترك فيأباه عطف الأوامر إلا أن تجعل (لا) ناهية و(أن) المصدرية موصولة بالأوامر والنواهي.
وقال أبو حيان: لا يتعين أن يكون جميع الأوامر معطوفة على جميع ما دخل عليه (لا) فإنه لا يصح عطف {وبالوالدين إحسانا} على {تَعَالَوْاْ} [الأنعام: 151] ويكون ما بعده عطف عليه.
واعترض على القول بأن التحريم راجع إلى أضداد الأوامر بأنه بعيد جدًا وإلغاز في المعاني ولا ضرورة تدعو إلى ذلك، ثم قال: وأما عطف هذه الأوامر فيحتمل وجهين، أحدهما: أنها معطوفة (لا) على المناهي قبلها فيلزم انسحاب التحريم عليها حيث كانت في حيز (أن) التفسيرية بل هي معطوفة على قوله سبحانه: {أَتْلُ مَا حَرَّمَ} [الأنعام: 151] أمرهم أولًا بأمر ترتب عليه ذكر مناه، ثم أمرهم ثانيًا بأوامر وهذا معنى واضح، والثاني: أن تكون الأوامر معطوفة على المناهي داخلة تحت حكم (أن) التفسيرية، ويصح ذلك على تقدير محذوف تكون (أن) مفسرة له وللمنطوق قبله الذي دل على حذفه، والتقدير وما أمركم به فحذف وما أمركم به لدلالة ما حرم عليه لأن معنى {مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} ما نهاكم ربكم عنه، فالمعنى قل تعالوا أتل ما نهاكم عنه ربكم (وما أمركم به)، وإذا كان التقدير هكذا صح أن تكون (أن) تفسيرية لفعل النهي الدال عليه التحريم وفعل الأمر المحذوف ألا ترى أنه يجوز أن تقول: أمرتك أن لا تكرم جاهلًا وأكرم عالمًا، ويجوز عطف الأمر على النهي والنهي على الأمر لقول امرئ القيس:
لا تهلك أسى وتجمل

ولا نعلم في هذا خلافًا بخلاف الجمل المتباينة بالخبر والاستفهام والإنشاء فإن في جواز العطف فيها خلافًا مشهورًا اهـ.