فصل: قال التستري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ونظرا لأن هذه الوصية تستوعب كل الأحكام إيجابا وسلبا، نهيا وأمرا، فوضح لهم أنه يجب عليكم أن تتبعوا الصراط المستقيم: لتقوا أنفسكم آثار صفات القهر من الحق سبحانه وتعالى، وأول جنودها النار.
والصراط: هو الطريق المعبد، ويأخذون منه صراط الآخرة، وهو- كما يقال- أدق من الشعرة، وأحد من السيف، ما معنى هذا الكلام؟. معناه أن يمشى عليه بيقظة تامة واعتدال؛ لأنه لو راح يمنة يهوي في النار، ولو راح يسرة يسقط فيها، فهو صراط معمول بدقة وليس طريقا واسعا، بل- كما قلنا- أدق من الشعرة وأحد من السيف فلتمش على صراط الله ومنهجه معتدلا، فلا تنحرف يمنة أو يسرة؛ لأن الميل- كما قلنا- يبعدك عن الغاية، إنك إذا بدأت من مكان ثم اختل توازنك فيه قدر ملليمتر فكلما سرت يتسع الخلل، وأي انحراف قليل في نقطة البداية يؤدي إلى زيادة الهوة والمسافة.
كذلك الدين، كلما نلتقي فيه ويقرب بعضنا من بعض، نسير في الطريق المستقيم، وكلما ابتعدنا عن التشريع تتفرق بنا السبل.
{وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} [الأنعام: 153]
ورسول الله صلى الله عليه وسلم؛ جلي بالحركة الفعلية منطوق النسبة الكلامية، حينما جلس بين أصحابه وخط خطا. وقال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطا عن يمينه وخطوطا عن يساره، ثم قال: هذه سبل وعلى كل سبيل منها شيطان؛ يدعو إليها، ثم قرأ هذه الآية: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله...}.
ولذلك فكل أهل الحق، وأهل الخير كلما اقتربوا من المركز كان الالتقاء، وهذا الالتقاء يظل يقرب ويقرب إلى أن يتلاشى ويصير الكل إلى نقطة واحدة.
وانظر إلى جلال الحق حينما يجعل الصراط المستقيم إليه في دينه، منسوبا إلى رسوله: {وأن هذا صراطي مستقيما} فالرسول يسير على هذا الصراط وهو لا يغش نفسه، والذي يفعله ويمشي فيه يأمركم بأن تمشوا فيه، وهو لم يأمركم أمرا وهو بنجوة وبعد عنه، ولو غشكم جميعا لا يغش نفسه، وهذا هو صراطه الذي يسير فيه.
والسبيل هنا معروف أنه إلى الله فكأن سبيل الله هو طريق محمد صلى الله عليه وسلم. ونسب الفعل والحدث لله وحده؛ ففي البداية قال: {وأن هذا صراطي مستقيما}، ثم قال: سبيله فالصراط لم يعمله محمد لنفسه، ولكن أراده الله للمؤمنين جميعا، ورسول الله هو الذي يأخذ بأيديهم إليه.
وحين ننظر إلى كل الخلافات التي تأتي بين الديانات بعضها مع بعض، بين اليهودية والنصرانية على سبيل المثال: {وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء...} [البقرة: 113]
والمشركون قالوا: لا هؤلاء على شيء، ولا هؤلاء على شيء: {كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم...} [البقرة: 113]
أي أننا أمام ثلاثة أقوال: اليهود قالوا: ليست النصارى على شيء، والنصارى قالوا: ليست اليهود على شيء، وقال الذين لا يعلمون- وهم أهل مكة- مثل قولهم، ثم نجد الدين الواحد منهما ينقسم إلى طوائف متعددة، وكل طائفة لها شيء تتعصب له، وترى أن الذي تقول له هو الحق، والذي يقول به غيرها هو الباطل، وكيف ينشأ هذا مع أن المصدر واحد، والتنزيلات الإلهية على الرسل واحدة؟! إن آفة كل هذا تنشأ من شهوة السلطة الزمنية، وكل إنسان يريد أن يكون له مكانة ونفوذ وخلافة. وهذا يريد أن يتزعم فريقا، وذاك يريد أن يتزعم فريقا، ولو أنهم جمعوا على الطريق الواحد لما كانوا فرقاء.
ونجده صلى الله عليه وسلم يقول: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت أمتي على ثلاث وسبعين فرقة».
وفي رواية: «كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة».
والجماعة: هم أهل السنة والجماعة، وفي رواية: «ما أنا عليه وأصحابي».
ونلاحظ دقة هذا القول في عدد المذاهب والفرق، وإن كنتم لا تسمعون عن بعضها لأنها ماتت بموت الذين كانوا يتعصبون لها، والذين كانوا يريدون أن يعيشوا في جلالها.
إذن الآفة تأتي خير ننظر حين إلى حكم من الأحكام، يرى فيه واحد رأيا، ويأتي الآخر فيرى فيه رأيا آخر، لا لشيء إلا للاختلاف. ونقول لهم: انتبهوا إلى الفرق بين حكم محكم، وحكم تركه الله مناطا للاجتهاد فيه، فالحكم الذي أراده الله محكما جاء فيه بنص لا يحتمل الخلاف، وهذا النص يحسم كل خلاف. والحكم الذي يحبه الله من المكلفين تخفيفا عنهم على وجه من الوجوه يأتي بالنص فيه محتملا للاجتهاد، ومجيء النص من المشرع في حكم محتمل للاجتهاد، هو إذن بالاجتهاد فيه؛ لأنه لو أراده حكما لا نختلف فيه لجاء به محكما.
والمثال المستمر ما تركه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته الشريفة، فحينما أراد الحق سبحانه وتعالى ألا يضع السلاح قبل أن يؤدب بني قريظة، وهم من شايعوا مشركي مكة في الحرب. فقال صلى الله عليه وسلم: «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة».
فذهب الصحابة في طريقهم إلى بني قريظة، وآذنت الشمس بالمغيب وهم في الطريق فانقسم صحابة رسول الله إلى قسمين: قسم قال: نصلي العصر قبل أن تغيب الشمس، وقال قسم آخر: قال رسول الله لا نصلين العصر إلا في بني قريظة. فصلى قوم العصر قبل مغيب الشمس، ولم يصل الآخرون حتى وصلوا إلى بني قريظة، ورفعوا أمرهم إلى المشرع وهو رسول الله، فأقر هذا، وأقر هذا، لأن النص محتمل.
لماذا؟. لأن كل حدث من الأحداث يتطلب ظرفا له زمان ومكان؛ فالذين قالوا إن الشمس كادت تغرب ولابد أن نصلي العصر قبل مغيبها نظروا إلى الزمان. والذين قالوا لا نصلي إلا في بني قريظة نظروا إلى المكان. وحينما رفع الأمر إلى المشرع الأعلم أقر هؤلاء وأقر هؤلاء.
إذن فالحكم إن كان فيه نص محكم فلا احتمال للخلاف فيه وإن كان الله قد تركه موضعا للاجتهاد فيه فهو يأتي لنا بالنص غير المحكم. ومن ذهب إليه لا يصح أن نخطئه، ولذلك بقي لنا من أدب الأئمة الذين بقيت مذاهبهم إلى الآن بعضهم مع بعض. نجد الواحد منهم يقول: الذي ذهبت إليه صواب يحتمل الخطأ، والذي ذهب إليه مقابلي خطأ يحتمل الصواب، وجميل أدبهم هو الذي أبقى مذاهبهم إلى الآن، وعدم أدب الآخرين جعل مذاهبهم تندثر وتختفي ولا تدرون بها، الحمد لله أنكم لا تدرون بها. اهـ.

.قال التستري:

قوله عزَّ وجلَّ: {وَأَنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} قال: الطريق المستقيم هو الذي لا يكون لأصحاب الأهواء والبدع في الدين، هم ليست لهم توبة، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لكل ذنب توبة، إلاَّ لأصحاب البدع والأهواء، وإني منهم بريء وهم مني براء، وإن الله عزَّ وجلَّ حجز عنهم التوبة»، أي ضيق عليهم التوبة. اهـ.

.من فوائد الشوكاني في الآية:

قال رحمه الله:
{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)}
قوله: {قُلْ تَعَالَوْاْ} أي تقدّموا.
قال ابن الشجري: إن المأمور بالتقدّم في أصل وضع هذا الفعل كأنه كان قاعدًا، فقيل له تعال، أي ارفع شخصك بالقيام وتقدّم، واتسعوا فيه حتى جعلوه للواقف والماشي.
وهكذا قال الزمخشري في الكشاف: إنه من الخاص الذي صار عامًا، وأصله أن يقوله من كان في مكان عال لمن هو أسفل منه، ثم كثروا واتسع فيه حتى عمّ.
قوله: {أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ} {أتل} جواب الأمر، وما موصولة في محل نصب به، أي أتل الذين حرّمه ربكم عليكم.
والمراد من تلاوة ما حرّم الله تلاوة الآيات المشتملة عليه، ويجوز أن تكون ما مصدرية، أي أتل تحريم ربكم.
والمعنى: ما اشتمل على التحريم.
قيل ويجوز أن تكون ما استفهامية أي أتل أي شيء حرّم ربكم، على جعل التلاوة بمعنى القول، وهو ضعيف جدًا، و{عليكم} أن تعلق ب {أتل}، فالمعنى: أتل عليكم الذي حرّم ربكم، وإن تعلق ب {حرّم}، فالمعنى أتل الذي حرّم ربكم عليكم، وهذا أولى، لأن المقام مقام بيان ما هو محرّم عليكم لا مقام بيان ما هو محرّم مطلقًا وقيل: إن عليكم للإغراء ولا تعلق لها بما قبلها.
والمعنى عليكم أن لا تشركوا إلى آخره، أي الزموا ذلك كقوله تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة: 105] وهو أضعف مما قبله، وأن في {أَن لا تُشْرِكُواْ} مفسرة لفعل التلاوة، وقال النحاس: يجوز أن تكون في موضع نصب بدلًا من ما، أي أتل عليكم تحريم الإشراك.
وقيل: يجوز أن يكون في محل رفع بتقدير مبتدأ، أي المتلوّ أن لا تشركوا، و{شيئًا} مفعول أو مصدر أي لا تشركوا به شيئًا من الأشياء، أو شيئًا من الإشراك.
قوله: {وبالوالدين إحسانا} أي أحسنوا بهما إحسانًا، والإحسان إليهما البرّ بهما، وامتثال أمرهما ونهيهما.
وقد تقدّم الكلام على هذا.
قوله: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أولادكم مّنْ إملاق} لما ذكر حق الوالدين على الأولاد، ذكر حق الأولاد على الوالدين، وهو أن لا يقتلوهم من أجل إملاق.
والإملاق الفقر، فقد كانت الجاهلية تفعل ذلك بالذكر والإناث خشية الإملاق، وتفعله بالإناث خاصة خشية العار، وحكى النقاش عن مؤرّج أن الإملاق الجوع بلغة لخم، وذكر منذر بن سعيد البلوطي: أن الإملاق الإنفاق.
يقال أملق ماله: بمعنى أنفقه.
والمعنى الأوّل هو الذي أطبق عليه أئمة اللغة، وأئمة التفسير ها هنا.
{وَلاَ تَقْرَبُواْ الفواحش} أي المعاصي، ومنه: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء: 32] وما في {مَا ظَهَرَ} بدل من الفواحش، وكذا ما بطن.
والمراد ب {ما ظهر}: ما أعلن به منها، و{ما بطن}: ما أسرّ.
وقد تقدّم {وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس} اللام في النفس للجنس، و{التى حَرَّمَ الله} صفة للنفس، أي لا تقتلوا شيئًا من الأنفس التي حرّمها الله: {إِلاَّ بالحق} أي إلا بما يوجبه الحق، والاستثناء مفرّغ، أي لا تقتلوه في حال من الأحوال إلا في حال الحق، أو لا تقتلوها بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق، ومن الحق قتلها قصاصًا، وقتلها بسبب زنا المحصن، وقتلها بسبب الردّة، ونحو ذلك من الأسباب التي ورد الشرع بها، والإشارة بقوله: {ذلكم} إلى ما تقدّم مما تلاه عليهم، وهو مبتدأ {وَوَصَاكم بِهِ} خبره: أي أمركم به، وأوجبه عليكم {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم} أي لا تتعرضوا له بوجه من الوجوه إلا بالخصلة {التى هي أَحْسَنُ} من غيرها، وهي ما فيه صلاحه وحفظه وتنميته، فيشمل كل وجه من الوجوه التي فيها نفع لليتيم وزيادة في ماله وقيل: المراد بالتي هي أحسن التجارة {حتى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} أي إلى غاية هي أن يبلغ اليتيم أشدّه، فإن بلغ ذلك فادفعوا إليه ماله، كما قال تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْدًا فادفعوا إِلَيْهِمْ أموالهم} [النساء: 6].
واختلف أهل العلم في الأشد، فقال أهل المدينة: بلوغه وإيناس رشده.
وقال أبو حنيفة: خمس وعشرون سنة.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هو البلوغ.
وقيل: إنه انتهاء الكهولة، ومنه قول سحيم الرباحي:
أخو الخمسين مجتمع أشدي ** ويحديني مداورة الشؤون

والأولى في تحقيق بلوغ الأشد أنه البلوغ إلى سن التكليف مع إيناس الرشد، وهو أن يكون في تصرفاته بماله سالكًا مسلك العقلاء، لا مسلك أهل السفه والتبذير، ويدل على هذا قوله تعالى في سورة النساء: {وابتلوا اليتامى حتى إِذَا بَلَغُواْ النّكَاحَ فَإِنْ ءانَسْتُمْ مّنْهُمْ رُشْدًا فادفعوا إِلَيْهِمْ أموالهم} [النساء: 6] فجعل بلوغ النكاح، وهو بلوغ سنّ التكليف مقيدًا بإيناس الرشد، ولعله قد سبق هنالك كلام في هذا، والأشد واحد لا جمع له، وقيل: واحده شدّ كفلس وأفلس، وأصله من شدّ النهار، أي ارتفع.
وقال سيبويه: واحده شدة.
قال الجوهري: وهو حسن في المعنى، لأنه يقال بلغ الكلام شدته، ولكن لا تجمع فعلة على أفعل.
قوله: {وَأَوْفُواْ الكيل والميزان بالقسط} أي بالعدل في الأخذ والإعطاء عند البيع والشراء {لاَ نُكَلّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} أي إلا طاقتها في كل تكليف من التكاليف، ومنه التكليف بإيفاء الكيل والوزن، فلا يخاطب المتولي لهما بما لا يمكن الاحتراز عنه في الزيادة والنقصان {وَإِذَا قُلْتُمْ فاعدلوا} أي إذا قلتم بقول في خير أو شهادة، أو جرح أو تعديل، فاعدلوا فيه، وتحرّوا الصواب، ولا تتعصبوا في ذلك لقريب ولا على بعيد، ولا تميلوا إلى صديق، ولا على عدو، بل سوّوا بين الناس، فإن ذلك من العدل الذي أمر الله به، والضمير في {وَلَوْ كَانَ} راجع إلى ما يفيده {وإذا قلتم} فإنه لابد للقول من مقول فيه، أو مقول له، أي ولو كان المقول فيه، أو المقول له {ذَا قربى} أي صاحب قرابة لكم.
وقيل إن المعنى: ولو كان الحق على مثل قراباتكم والأوّل أولى، ومثل هذه الآية قوله: {وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الوالدين والأقربين} [النساء: 135].
قوله: {وَبِعَهْدِ الله أَوْفُواْ} أي أوفوا بكل عهد عهده الله إليكم، ومن جملة ما عهده إليكم، ما تلاه عليكم رسوله بأمره في هذا المقام، ويجوز أن يراد به كل عهد، ولو كان بين المخلوقين، لأن الله سبحانه لما أمر بالوفاء به في كثير من الآيات القرآنية كان ذلك مسوّغًا لإضافته إليه.