فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الكتاب على طَائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا} يعني: أنزلنا هذا القرآن لكي لا تقولوا: إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا يعني: اليهود والنصارى.
ويقال: أن تقولوا يعني لكراهة أن تقولوا: إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا، وذلك أن كفار مكة قالوا: قاتل الله اليهود كيف كذبوا أنبياءهم، والله لو جاءنا نذير وكتاب لكنا أهدى منهم.
فأنزل الله القرآن حجة عليهم.
ثم قال: {وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لغافلين} يعني: عن قراءتهم الكتاب لغافلين عما فيه. اهـ.

.قال الثعلبي:

{أَن تقولوا} يعني لئلاّ تقولوا كقوله: {يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ} [النساء: 176] وقوله: {قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ على فَتْرَةٍ مَّنَ الرسل أَن تَقُولُواْ} [المائدة: 19] يعني أي لا تقولوا يعني لئلاّ تقولوا.
وقيل: معناه أنزلناه كراهة أن يقول، وقال الكسائي: معناه: اتقوا أن تقولوا: يا أهل مكّة، وقرأ ابن محيصن والأعمش كلاهما والقراءة بالياء بقوله تعالى فقد جاءكم {إِنَّمَا أُنزِلَ الكتاب على طَائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا} يعني اليهود والنصارى {وَإِن كُنَّا} وقد كنّا {عَن دِرَاسَتِهِمْ} قرأتهم {لَغَافِلِينَ} لا نعلم ما هي وإنَّما قال: دراستهم، ولم يقل: دراستهما، لأن كل طائفة جماعة، كقوله تعالى: {هذان خَصْمَانِ اختصموا} [الحج: 19] {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا}. اهـ.

.قال ابن عطية:

و{أن} من قوله: {أن تقولوا} في موضع نصب، والعامل فيه {أنزلناه} والتقدير وهذا كتاب أنزلناه كراهية أن، وهذا أصح الأقوال وأضبطها للمعنى المقصود، وقيل العامل في {أن} قوله: {واتقوا} فكأنه قال واتقوا أن تقولوا، وهذا تأويل يتخرج على معنى واتقوا أن تقولوا كذا، لأنه لا حجة لكم فيه، ويكن يعرض فيه قلق لقوله أثناء ذلك {لعلكم ترحمون} وفي التأويل الأول يتسق نظم الآية، والطائفتان اليهود والنصارى بإجماع من المتأولين والدراسة القراءة والتعلم بها، و{إن} في قوله: {وإن كنا} مخففة من الثقيلة، واللام في قوله: {لغافلين} لام توكيد، هذا مذهب البصريين وحكى سيبويه عن بعض العرب أنهم يخففونها ويبقونها على عملها، ومنه قراءة بعض أهل المدينة {وإن كلًا} وأما المشهور فإنها إذا خففت ترجع حرف ابتداء لا تعمل، وأما على مذهب الكوفيين ف {إن} في هذه الآية بمعنى ما النافية، واللام بمعنى إلا، فكأنه قال وما كنا عن دراستهم إلا غافلين.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: معنى هذه الآية إزالة الحجة عن أيدي قريش وسائر العرب بأنهم لم يكن لهم كتاب، فكأنه قال: وهذا القرآن يا معشر العرب أنزل حجة عليكم لئلا تقولوا إنما أنزلت التوراة والإنجيل بغير لساننا على غيرنا، ونحن لم نعرف ذلك، فهذا كتاب بلسانكم ومع رجل منكم. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {أن تقولوا}
سبب نزولها: أن كفار مكة قالوا: قاتل الله اليهود والنصارى، كيف كذَّبوا أنبيائهم؛ فوالله لو جاءنا نذير وكتاب، لكنَّا أهدى منهم، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل.
قال الفراء: أن في موضع نصب في مكانين.
أحدهما: أنزلناه لئلا تقولوا.
والآخر: من قوله: واتقوا أن تقولوا وذكر الزجاج عن البصريين أن معناه: أنزلناه كراهة أن تقولوا؛ ولا يجيزون إضمار لا.
فأما الخطاب بهذه الآية، فهو لأهل مكة؛ والمراد: إثبات الحجة عليهم بانزال القرآن كي لا يقولوا يوم القيامة: إن التوراة والإنجيل أنزلا على اليهود والنصارى، وكنا غافلين عما فيهما.
و{دراستهم}: قراءتهم الكتب.
قال الكسائي: {وإن كنا عن دراستهم لغافلين} لا نعلم ما هي، لأن كتبهم لم تكن بلُغَتِنَا، فأنزل الله كتابًا بلغتهم لتنقطع حجتهم. اهـ.

.قال الخازن:

{أن تقولوا} يعني لئلا تقولوا وقيل معناه كراهية أن تقولوا يعني أنزلنا إليكم الكتاب كراهية أن تقولوا {إنما أنزل الكتاب} وقيل: يجوز أن تكون أن متعلقة بما قبلها فيكون المعنى واتقوا أن تقولوا وهذا خطاب لأهل مكة والمعنى واتقوا يا أهل مكة أن تقولوا إنما أنزل الكتاب والكتاب اسم جنس لأن المراد به التوراة والإنجيل {على طائفتين من قبلنا} يعني اليهود والنصارى {وإن كنا} أي: وقد كنا وقيل وإنه كنا {عن دراستهم} يعني قراءتهم {لغافلين} يعني: لا علم لنا بما فيها لأنها ليست بلغتنا.
والمراد بهذه الآية إثبات الحجة على أهل مكة وقطع عذرهم بإنزال القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم بلغتهم والمعنى: وأنزلنا القرآن بلغتهم لئلا يقولوا يوم القيامة إن التوراة والإنجيل أنزلا على طائفتين من قبلنا بلسانهم ولغتهم فلم نعرف ما فيهما فقطع الله عذرهم بإنزال القرآن عليهم بلغتهم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين}
{أن تقولوا} مفعول من أجله فقدره الكوفيون لئلا تقولوا ولأجل أن لا تقولوا وقدره البصريون كراهة {أن تقولوا} والعامل في كلا المذهبين {أنزلناه} محذوفة يدل عليها قوله قبل {أنزلناه}، ولا يجوز أن يكون العامل {أنزلناه} هذه الملفوظة بها للفاصل بينهما وهو {مبارك} الذي هو وصف لكتاب أو خبر عن هذا فهو أجنبي من العامل والمعمول.
وظاهر كلام ابن عطية أن العامل فيه {أنزلناه} الملفوظ بها.
وقيل: {أن تقولوا} مفعول والعامل فيه {واتقوا} أي {واتقوا أن تقولوا} لأنه لا حجة لكم فيه والكتاب هنا جنس والطائفتان هما أهل التوراة والإنجيل اليهود والنصارى بلا خلاف، والخطاب متوجه إلى كفار قريش بإثبات الحجة عليهم بإنزال هذا الكتاب لئلا يحتجوا هم وكفار العرب بأنهم لم يكن لهم كتاب فكأنه قيل: وهذا القرآن يا معشر العرب أنزل حجة عليكم لئلا تقولوا: إنما أنزلت التوراة والإنجيل بغير لساننا على غيرنا ونحن لم نعرف ذلك فهذا كتاب بلسانكم مع رجل منكم.
وقرأ ابن محيصن: أن يقولوا بياء الغيبة ويعني كفار قريش.
وقال الماتريدي: المعنى إنما ظهر نزول الكتاب عند الخلق على طائفتين من قبلنا ولم يكونوا وقت نزل التوراة والإنجيل يهودًا ولا نصارى، وإنما حدث لهما هذان الاسمان لما حدث منهما و{دراستهم} قراءتهم ودرسهم والمعنى عن مثل {دراستهم} وأعاد الضمير جمعًا لأن كل طائفة منهم جمع كما أعاده في قوله: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} وإن هنا هي المخففة من الثقيلة.
وقال الكوفيون: إن نافية واللام بمعنى إلا والتقدير وما كنا عن دراستهم إلا غافلين.
وقال قطرب: في مثل هذا التركيب إن بمعنى قد واللام زائدة وليس هذا الخلاف مقصورًا عل ما في هذه الآية، بل هو جار في شخصيات هذا التركيب وتقريره في علم النحو.
وقال الزمخشري: {وإن كنا} هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة بينها وبين النافية والأصل {وإن كنا عن دراستهم} غافلين على أن الهاء ضمير؛ انتهى.
وما ذهب إليه من أن أصله {وإن كنا} والهاء ضمير الشأن يلزم منه أن إن المخففة من الثقيلة عاملة في مضمر محذوف حالة التخفيف كما قال النحويون في أن المخففة من الثقيلة والذي نص عليه أن إن المخففة من الثقيلة إذا لزمت اللام في أحد الجزأين بعدها أو في أحد معمولي الفعل الناسخ الذي يليها، إنها مهملة لا تعمل في ظاهر ولا مضمر لا مثبت ولا محذوف فهذا الذي ذهب إليه مخالف للنصوص وليست إذا وليها الناسخ داخلة في الأصل على ضمير شأن البتة.
و{عن دراستهم} متعلق بقوله: {لغافلين} وهذا يدل على بطلان مذهب الكوفيين في دعواهم أن اللام بمعنى إلا ولا يجوز أن يعمل ما بعد إلا فيما قبلها، وكذلك اللام التي بمعناها ولهم أن يجعلوا عنها متعلقًا بمحذوف ويدل أيضًا على أن اللام لام ابتداء لزمت للفرق، فجاز أن يتقدم معمولها عليها لما وقعت في غير ما هو لها أصل كما جاز ذلك في أن زيدًا طعامك لآكل حيث وقعت في غير ما هو لها أصل ولم يجز ذلك فيها إذا وقعت فيما هو لها أصل وهو دخولها على المبتدأ. اهـ.

.قال أبو السعود:

{أَن تَقُولُواْ} علةٌ لأنزلناه المدلولِ عليه بالمذكور لا لنفسه، للزوم الفصلِ حينئذ بين العامل والمعمولِ بأجنبيّ هو مباركٌ وصفًا كان أو خبرًا أي أنزلناه كذلك كراهةَ أن تقولوا يوم القيامة لو لم تُنْزِله {إِنَّمَا أُنزِلَ الكتاب} الناطقُ بتلك الأحكام العامة لكل الأمم {على طَائِفَتَيْنِ} كائنتين {مِن قَبْلِنَا} وهما اليهودُ والنصارى، وتخصيصُ الإنزال بكتابيهما لأنهما الذي اشتهر حينئذ فيما بين الكتب السماويةِ بالاشتمال على الأحكام لاسيما الأحكامِ المذكورة {وَإِن كُنَّا} إنْ هي المخففةُ من إنَّ واللام فارقةٌ بينها وبين النافية وضميرُ الشأن محذوفٌ ومرادُهم بذلك دفعُ ما يَرِد عليهم من أن نزولَه عليهما لا ينافي عمومَ أحكامِه فلمَ لمْ تعملوا بأحكامه العامة؟ أي وإنه كنا {عَن دِرَاسَتِهِمْ لغافلين} لا ندري ما في كتابهم إذ لم يكن على لغتنا حتى نتلقّى منه تلك الأحكامَ العامة ونحافظَ عليها وإن لم يكن منزلًا علينا، وبهذا تبيّن أن معذرتَهم هذه مع أنهم غيرُ مأمورين بما في الكتابين لاشتمالهما على الأحكام المذكورةِ المتناولةِ لكافة الأممِ كما أن قطعَ تلك المعذرةِ بإنزال القرآنِ لاشتماله أيضًا عليها لا على سائر الشرائعِ والأحكام فقط. اهـ.

.قال الألوسي:

{أَن تَقُولُواْ} علة لمقدر دل عليه {أنزلناه} [الأنعام: 155] المذكور وهو العامل فيه لا المذكور خلافًا للكسائي لئلا يلزم الفصل بين العامل ومعموله بأجنبي وهو بتقدير لا عند الكوفيين أي لأن لا تقولوا وعلى حذف المضاف عند البصريين أي كراهة أن تقولوا.
وقيل: يحتمل أن يكون مفعول {اتقوا} [الأنعام: 155] وعليه الفراء، وأن تجعل اللام المقدرة للعاقبة أي ترتب على إنزالنا أحد القولين ترتب الغاية على الفعل فيكون توبيخًا لهم على بعدهم عن السعادة، والمتبادر ما ذكر أولًا أي أن تقولوا يوم القيامة لو لم ننزله.
{إِنَّمَا أُنزِلَ الكتاب} الناطق بالأحكام القاطع للحجة {على طَائِفَتَيْنِ} جماعتين كائنتين {مِن قَبْلِنَا} وهما كما قال ابن عباس وغيره اليهود والنصارى، وتخصيص الإنزال بكتابيهما لأنهما اللذان اشتهرا فيما بين الكتب السماوية بالاشتمال على الأحكام.
{وَإِن كُنَّا} إن هي المخففة من إن واللام الآتية فارقة بينها وبين النافية وهي مهملة لما حققه النحاة من أن أن المخففة إذا لزمت اللام في أحد جزأيها ووليها الناسخ فهي مهملة لا تعمل في ظاهر ولا مضمر، لا ثابت ولا محذوف أي وإنه كنا.
{عَن دِرَاسَتِهِمْ} أي قراءتهم {لغافلين} غير ملتفتين لا ندري ما هي لأنها ليست بلغتنا فلم يمكنا أن نتلقى منها في ما فيه نجاتنا ولعلهم عنوا بذلك التوحيد، وقيل: تلك الأحكام المذكورة في قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ} [الأنعام: 151] إلخ لأنها عامة لجميع بني آدم لا تختلف في عصر من الأعصار.
وعلى هذا حمل الآية شيخ الإسلام ثم قال: وبهذا تبين أن معذرتهم هذه مع أنهم غير مأمورين بما في الكتابين لاشتمالهما على الأحكام المذكورة المتناولة لكافة الأمم كما أن قطع تلك المعذرة بإنزال القرآن لاشتماله أيضًا عليها لا على سائر الشرائع والأحكام فقط. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {أن تقولوا} في موضع التّعليل لفعل {أنزلناه} على تقدير لام التّعليل محذوفة على ما هو معروف من حذفها مع (أنْ).
والتّقدير: لأن تقولوا، أي لقولكم ذلك في المستقبل، أي لملاحظة قولكم وتَوقُّع وقوعه، فالقول باعث على إنزال الكتاب.
والمقام يدلّ على أنّ هذا القول كانَ باعثًا على إنزال هذا الكتاب، والعلّة الباعثة على شيء لا يلزم أن تكون علّة غائية، فهذا المعنى في اللاّم عكس معنى لام العاقبة، ويؤول المعنى إلى أنّ إنزال الكتاب فيه حِكَم منها حكمة قطع معذرتهم بأنَّهم لم ينزّل إليهم كتاب، أو كراهية أن يقولوا ذلك، أو لتجنّب أن يقولوه، وذلك بمعونة المقام إيثارًا للإيجاز فلذلك يقدّر مضافٌ مثل: كراهيةَ أو تجنّبَ.
وعلى هذا التّقدير جرى نحاة البصرة.
وذهب نحاة الكوفة إلى أنَّه على تقدير (لاَ) النّافية، فالتّقدير عندهم: أنْ لا تقولوا، والمآل واحد ونظائر هذا في القرآن كثيرة كقوله: {يبين الله لكم أن تضلوا} [النساء: 176] وقوله: {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله} [الزمر: 55، 56] وقوله: {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم} [النحل: 15] أي لتجنّب مَيْدها بكم، وقول عمرو بن كثلوم:
فَعَجَّلْنَا القِرَى أنْ تَشْتُمُونَا

وهذا القول يجُوز أن يكون قد صدر عنهم من قبلُ، فقد جاء في آية سورة القصص (48): {فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى} ويجُوز أن يكون متوقّعًا ثمّ قالوه من بعد، وأيًّا مَا كان فإنَّه متوقّع أن يكرّروه ويعيدوه قولًا موافقًا للحال في نفس الأمر، فكان متوقّعًا صدوره عند ما يتوجّه الملام عليهم في انحطاطهم عن مجاوريهم من اليهودِ والنّصارى من حيث استكمال الفضائل وحسن السّير وكمال التديّن، وعند سؤالهم في الآخرة عن اتّباع ضلالهم، وعندما يشاهدون ما يناله أهل الملل الصّالحة من النّعيم ورفع الدّرجات في ثواب الله فيتطلّعون إلى حظّ من ذلك ويتعلّلون بأنَّهم حرموا الإرشاد في الدّنيا.
وقد كان اليهود والنّصارى في بلاد العرب على حالة أكمل من أحوال أهل الجاهليّة، ألا ترى إلى قول النّابغة يمدح آل النّعمان بن الحارث، وكانوا نصارى:
مَجَلَّتُهم ذاتُ الإله ودينُهم ** قَويمٌ فما يَرْجُون غيرَ العواقب

ولا يَحْسِبُون الخَيْر لا شرّ بعده ** ولا يحسبون الشرّ ضَرْبَةَ لازب

والطائفة: الجماعة من النّاس الكثيرة، وقد تقدّم عند قوله تعالى: {فلتقم طائفة منهم معك} في سورة النّساء (102)، والمراد بالطّائفتين هنا اليهود والنّصارى.
والكتاب مراد به الجنس المنحصر في التّوراة والإنجيل والزّبور.
ومعنى إنزال الكتاب عليهم أنَّهم خوطبوا بالكتب السّماوية التي أنزلت على أنبيائهم فلم يكن العرب مخاطبين بما أنزل على غيرهم، فهذا تعلّل أول منهم، وثمة اعتلال آخر عن الزّهادة في التخلّق بالفضائل والأعمال الصالحة: وهو قولهم: {وإن كنا عن دراستهم لغافلين}، أي وأنَّا كنّا غافلين عن اتباع رشدهم لأنّا لم نتعلم، فالدّراسة مراد بها التعليم.
والدّراسة: القراءة بمعاودة للحفظ أو للتّأمّل، فليس سرد الكتاب بدراسة.
وقد تقدّم قوله تعالى: {وليقولوا درست} في هذه السّورة (105)، وتقدّم تفصيله عند قوله تعالى: {وبما كنتم تدرسون} من سورة آل عمران (79).
والغفلة: السّهو الحاصل من عدم التفطّن، أي لم نهتمّ بما احتوت عليه كتبهم فنقتدي بهديها، فكان مجيء القرآن منبّها لهم للهدي الكامل ومغنِيًا عن دراسة كتبهم.
وقوله: {أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم} تدرّج في الاعتلال جاء على ما تكنّه نفوس العرب من شفوفهم بأنفسهم على بقيّة الأمم، وتطلّعهم إلى معالي الأمور، وإدلالهم بفطنتهم وفصاحة ألسنتهم وحِدّة أذهانهم وسرعة تلقّيهم، وهم أخلقاء بذلك كلّه.
وفي الإعراب عن هذا الاعتلال منهم تلقين لهم، وإيقاظ لأفهامهم أن يغتبطوا بالقرآن، ويفهموا ما يعود عليهم به من الفضل والشّرف بين الأمم، كقوله تعالى: {لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون} [الأنبياء: 10].
وقد كان الذين اتَّبعوا القرآن أهدى من اليهود والنّصارى ببون بعيد الدّرجات. اهـ.