فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{أَوْ تَقُولُواْ} عطفٌ على تقولوا وقرئ كلاهما بالياء على الالتفات من خطاب {فاتبعوه واتقوا} {لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الكتاب} كما أنزل عليهم {لَكُنَّا أهدى مِنْهُمْ} إلى الحق الذي هو المقصِدُ الأقصى أو إلى ما في تضاعيفه من جلائل الأحكام والشرائع ودقائقِها لحِدّة أذهانِنا وثَقابةِ أفهامنا ولذلك تلقّفنا من فنون العلم كالقصص والأخبار والخُطب والأشعار ونحوِ ذلك طرفًا صالحًا ونحن أمّيون، وقوله تعالى: {فَقَدْ جَاءكُمُ} متعلقٌ بمحذوف ينبئ عنه الفاءُ الفصيحةُ إما معللٌ به أي لا تعتذروا بذلك فقد جاءكم الخ، وإما شرطٌ له أي إن صدقتم فيما كنتم تعدّون من أنفسكم من كونكم أهدى من الطائفتين على تقدير نزولِ الكتابِ عليكم فقد حصل ما فرضتم وجاءكم {بَيّنَةً} أي حجةٌ واضحة لا يُكتَنهُ كنهها وقوله تعالى: {مّن رَّبّكُمْ} متعلق بجاءكم أو بمحذوف هو صفةٌ لبينة أي بينةٌ كائنةٌ منه تعالى وأيًا ما كان ففيه دَلالةٌ على فضلها الإضافي كما أن في تنوينها التفخيميِّ دلالةٌ على فضلها الذاتي وفي التعرض لوصف الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم مزيدُ تأكيدٍ لإيجاب الاتباع {وَهُدًى وَرَحْمَةٌ} عطفٌ على بينةٌ وتنوينُهما أيضًا تفخيميٌّ عبّر عن القرآن بالبينة إيذانًا بكمال تمكنِهم من دراسته، ثم بالهدى والرحمة تنبيهًا على أنه مشتملٌ على ما اشتمل عليه التوراةُ من هداية الناس ورحمتِهم بل هو عينُ الهداية والرحمة.
{فَمَنْ أَظْلَمُ} الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن مجيءَ القرآن المشتمل على الهدى والرحمة موجبٌ لغاية أظلمية مَنْ يكذّبه، أي وإذا كان الأمرُ كذلك فمن أظلم {مِمَّن كَذَّبَ بآيات الله} وُضع الموصولُ موضعَ ضميرهم بطريق الالتفات تنصيصًا على اتصافهم بما في حيز الصلةِ وإشعارًا بعلة الحُكم وإسقاطًا لهم عن رتبة الخطابِ، وعبّر عما جاءهم بآيات الله تهويلًا للأمر وتنبيهًا على أن تكذيبَ أي آيةٍ كانت من آيات الله تعالى كافٍ في الأظلمية فما ظنُّك بتكذيب القرآن المنطوي على الكل، والمعنى إنكارُ أن يكون أحدٌ أظلمَ ممن فعل ذلك أو مساويًا له وإن لم يكن سبكُ التركيب متعرضًا لإنكار المساواةِ ونفيها، فإذا قيل: مَنْ أكرمُ من فلان أو لا أفضلُ منه فالمرادُ به حتمًا بحكم العرف الفاشي والاستعمال المطرد أنه أكرم من كل كريم وأفضل من كل فاضل، وقد مر مرارًا {وَصَدَفَ عَنْهَا} أي صرَفَ الناس عنها فجمعَ بين الضلال والإضلالِ {سَنَجْزِى الذين يَصْدِفُونَ} الناسَ {عَنْ آياتنا} وعيدٌ لهم ببيان جزاء إضلالِهم بحيث يُفهم منه جزاءُ ضلالهم أيضًا، ووضعُ الموصول المُضمر لتحقيق مناطِ الجزاء {سُوء العذاب} أي العذابَ السيءَ الشديدَ النكاية {بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ} أي بسبب ما كانوا يفعلون من الصَّدْف والصرْف على التجدد والاستمرارِ، وهذا تصريحٌ بما أَشعرَ به إجراءُ الحُكم على الموصول من عِلّية ما في حيز الصلة له. اهـ.

.قال الألوسي:

{أَوْ تَقُولُواْ} عطف على {تَقُولُواْ} [الأنعام: 156].
وقرئ كلاهما بالياء على الالتفات من خطاب {فاتبعوه واتقوا} [الأنعام: 155] ويكون الخطاب الآتي بعد التفاتًا أيضًا ولا يخفى موقعه.
قال القطب: إنه تعالى خاطبهم أولًا بما خاطبهم ثم لما وصل إلى حكاية أقوالهم الرديئة أعرض عنهم وجرى على الغيبة كأنهم غائبون ثم لما أراد سبحانه توبيخهم بعد خاطبهم فهو التفات في غاية الحسن.
{لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الكتاب} كما أنزل عليهم {لَكُنَّا أهدى مِنْهُمْ} أي الحق الذي هو المقصد الأقصى أو إلى ما فيه من الأحكام والشرائع لأنا أجود أذهانًا وأثقب فهمًا {فَقَدْ جَاءكُمُ} متعلق بمحذوف ينبئ عنه الفاء الفصيحة إما معلل به أو شرط له أي لا تعتذروا بذلك فقد جاءكم الخ، أو إن صدقتم فيما (كنتم) تعدون من أنفسكم على تقدير نزول الكتاب عليكم فقد حصل ما فرضتم وجاءكم {بَيّنَةً} حجة جليلة الشأن واضحة تعرفونها لظهورها وكونها بلسانكم كائنة {مّن رَّبّكُمْ} على أن الجار متعلق بمحذوف وقع صفة {بَيّنَةً} ويصح تعلقه بجاءكم.
وأيًا ما كان ففيه دلالة على فضلها الإضافي مع الإشارة إلى شرفها الذاتي، وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم ما لا يخفى من مزيد التأكيد لإيجاب الاتباع.
{وَهُدًى وَرَحْمَةٌ} عطف على {بَيّنَةً} وتنوينهما كتنوينهما للتفخيم، والمراد بجميع ذلك القرآن، وعبر عنه بالبينة أولًا إذانًا بكمال تمكنهم من دراسته وبالهدى والرحمة ثانيًا تنبيهًا على أنه مشتمل على ما اشتمل عليه التوراة من هداية الناس ورحمتهم بل هو عين الهداية والرحمة.
وفي التفسير الكبير فإن قيل البينة والهدى واحد فما الفائدة في التكرير؟ قلنا: القرآن بينة فيمايعلم سمعًا وهو هدى فيما يعلم سمعًا وعقلًا فلما اختلفت الفائدة صح هذا العطف ولا يخفى ما فيه.
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بآيات الله} الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن مجيء القرآن الموصوف بما تقدم موجب لغاية أظلمية من يكذبه، والمراد من الموصول أولئك المخاطبون، ووضع موضع ضميرهم بطريق الالتفات تنصيصًا على اتصافهم بما في حيز الصلة وإشعارًا بعلة الحكم وإسقاطًا لهم عن رتبة الخطاب، وعبر عما جاءهم بآيات الله تعالى تهويلًا للأمر.
وقرئ {كَذَّبَ} بالتخفيف، والجار الأول: متعلق بما عنده، والثاني: يحتمل ذلك وهو الظاهر.
ويحتمل أن يكون متعلقًا بمحذوف وقع حالًا، والمعنى كذب ومعه آيات الله تعالى: {وَصَدَفَ عَنْهَا} أي أعرض غير مفكر فيها كما روي عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما أو صرف الناس عنها فجمع بين الضلال والإضلال، والفعل على الأول: لازم وعلى الثاني: متعد وهو الأكثر استعمالًا.
{سَنَجْزِى الذين يَصْدِفُونَ عَنْ ءاياتنا} وعيد لهم ببيان جزاء (إعراضهم أو صدهم) بحيث يفهم منه جزاء (تكذيبهم)، ووضع الموصول موضع الضمير لتحقيق مناط الجزاء {سُوء العذاب} أي العذاب السيء الشديد (النكاية) {بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ} أي بسبب ما كانوا يفعلون الصدف (والصرف) على التجدد والاستمرار، وهذا تصريح بما أشعر به إجراء الحكم على الموصول من علية ما في حيز الصلة له. اهـ.

.قال ابن عاشور:

ولقد تهيّأ المقام بعد هذا التّنبيه العجيب لفاء الفصيحة في قوله: {فقد جاءكم بينة من ربكم} وتقديرها: فإذا كنتم تَقولون ذلك ويهجس في نفوسكم فقد جاءكم بيانٌ من ربِّكم يعني القرآن، يدفع عنكم ما تستشعرون من الانحطاط عن أهل الكتاب.
والبيّنة ما به البيان وظهور الحقّ.
فالقرآن بيّنة على أنَّه من عند الله لإعجازه بلغاء العرب، وهو هدي بما اشتمل عليه من الإرشاد إلى طرق الخير، وهو رحمة بما جاء به من شريعة سمحة لا حرج فيها، فهي مقيمة لصلاح الأمّة مع التّيسير.
وهذا من أعجب التّشريع وهو أدلّ على أنَّه من أمر العليم بكلّ شيء.
وتفرّع عن هذا الإعذار لهم الإخبار عنهم بأنَّهم لا أظلم منهم، لأنَّهم كذّبوا وأعرضوا.
فالفاء في قوله: {فمن أظلم} للتّفريع.
والاستفهامُ إنكاري، أي لا أحد أظلم من الذين كذّبوا بآيات الله.
و(مَن) في {ممن كذب بآيات الله} موصولة وما صدقُها المخاطبون من قوله: {أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين}.
والظّلم هنا يشمل ظلم نفوسهم، إذ زجُّوا بها إلى العذاب في الآخرة وخسران الدّنيا، وظلمَ الرّسول صلى الله عليه وسلم إذ كذّبوه، وما هو بأهل التّكذيب، وظلم الله إذ كذّبوا بآياته وأنكروا نعمته، وظلموا النّاس بصدّهم عن الإسلام بالقول والفعل.
وقد جيء باسم الموصول لتدلّ الصّلة على تعليل الحكم ووجه بناء الخبر، لأنّ من ثبَت له مضمون تلك الصّلة كان حقيقا بأنَّه لا أظلم منه.
ومعنى {صَدَف} أعرض هُو، ويطلق بمعنى صَرف غيره كما في القاموس.
وأصله التّعدية إلى مفعول بنفسه وإلى الثّاني بـ {عن} يقال: صدفتُ فلانًا عن كذا، كما يقال: صرفتُه، وقد شاع تنزيله منزلة اللاّزم حتّى غلب عدمُ ظهور المفعول به، يقال: صدَف عن كذا بمعنى أعرض وقد تقدّم عند قوله تعالى: {انظر كيف نصرّف الآيات ثمّ هم يصدفون} في هذه السّورة (46)، وقدّره في الكشاف هنا متعدّيًا لأنَّه أنسب بكونهم أظلم النّاس تكثيرًا في وجوه اعتدائهم، ولم أر ذلك لِغيره نظرًا لقوله تعالى: {سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب} إذ يناسبه معنى المتعدّي لأنّ الجزاء على أعراضهم وعلى صدّهم النّاس عن الآيات، فإنّ تكذيبهم بالآيات يتضمّن إعْراضهم عنها فناسب أن يكون صَدْفهم هو صرفَهم النّاس.
و{سوء العذاب} من إضافة الصّفة إلى الموصوف، وسوءه أشدّه وأقواه، وقد بيّن ذلك قوله تعالى: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابًا فوق العذاب بما كانوا يفسدون} [النحل: 88].
فقوله: {عذابًا فوق العذاب} هو مضاعفة العذاب، أي شدّته.
ويحتمل أنَّه أريد به عذاب الدّنيا بالقتل والذلّ، وعذاب الآخرة، وإنَّما كان ذلك جزاءهم لأنَّهم لم يكذِّبوا تكذيبًا عن دعوة مجرّدة، بل كذّبوا بعد أن جاءتهم الآيات البيّنات.
و(ما) مَصدريّة: أي بصدفهم وإعراضهم عن الآيات إعراضًا مستمرًا لم يدعوا راغبه ف {كان} هنا مفيدة للاستمرار مثل: {وكان الله غفورًا رحيمًا} [النساء: 96]. اهـ.

.قال الشعراوي:

{أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم}
قد يحتج المشركون من أن التوراة والإنجيل لو نزلت عليهم لكانوا أهدى من اليهود والنصارى، وفي هذا القول ما يعني أن أذهانهم مستعدة لتقبل الإيمان، وقد قطع الله عليهم كل عذر فجاء لهم بالقرآن، ويقول الحق: {فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها...} [الأنعام: 157]
و{صدف} من الأفعال التي تستعمل متعدية وتستعمل لازمة، ومعنى لازمة أنها تكتفي بالفاعل ولا تتطلب مفعولا، فمثلا إذا قيل لك: جلس فلان. تفهم أن فلانا قد جلس ويتم لك المعنى ولا تتطلب شيئا آخر. لكنك إن قيل لك: ضرب زيد، فلابد أنك تنتظر من محدثك أن يبين لك من الذي ضرب، أي أنك جئت بفعل يطلب شئيا بعد الفاعل ليقع عليه الفعل. وهذا اسمه فعل متعد أي يتعدى به الفاعل إلى مفعول به.
و{صدف} فيها الخاصتان. وجاء الحق بهذه الصيغة المحتملة لأن تكون لازمة وأن تكون متعدية ليصيب الأسلوب غرضين؛ الغرض الأول: أن تكون {صدف} بمعنى انصرف وأعرض فكانت لازمة أي ضل في ذاته، والأمر الثاني: أن تكون صدف متعدية فهي تدل على أنه يصرف غيره عن الإيمان، أي يضل غيره، ويقع عليه الوزر؛ لضلال نفسه أولا ثم عليه وزر من أضل ثانيا، ولذلك جاء سبحانه باللفظ الذي يصلح للاثنتين {صدف عنها} أي انصرف، ضلالا لنفسه، وصدف غيره أي جعل غيره يصدف ويعرض فأضل غيره، وبذلك يعذبه الله عذابين، فيقول سبحانه: {... سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سواء العذاب بما كانوا يصدفون} [الأنعام: 157]
فكأن المسألة يرتكبها: الذين صدفوا أنفسهم، وصرفوها عن الإيمان ويصدفون كل من يحاول أن يؤمن. وهؤلاء هم القوم الذين أعرضوا وانصرفوا عن منهج الهدى، أو تغالوا في ذلك فصرفوا غيرهم عن منهج الهدى، ولو أنهم استقرأوا الوجود الذي يعايشونه لوجدوا الموت يختطف كل يوم قوما على غير طريقة رتيبة، فلا السن يحكم ويحدد وقت وزمن انقضاء الأجل، ولا الأسباب تحكمه، ولا المرض أو العافية تحكمه، فالموت أمر شائع في الوجود، ومعنى ذلك أن على كل إنسان أن يترقب نهايته، فكأنه يتساءل: لماذا إذن يصدفون؟. وماذا ينتظرون من الكون؟. أرأوا خلودا في الكون لموجود معهم؟. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157)}
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا} قال: اليهود والنصارى خاف أن تقوله قريش.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {على طائفتين من قبلنا} قال: هم اليهود والنصارى {وإن كنا عن دراستهم} قال: تلاوتهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم} قال: هذا قول كفار العرب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {فقد جاءتكم بينة من ربكم} يقول: قد جاءتكم بينة لسان عربي مبين حين لم يعرفوا دراسة الطائفتين.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وصدف عنها} قال: أعرض عنها.
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك في قوله: {يصدفون} قال: يعرضون. اهـ.