فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ}
فيه وجهان:
أحدهما: هل ينتظرون إلا أن تأتيهم الملائكة رسلًا، يعني الكفار الذين يتوقفون عن الإيمان مع ظهور الدلائل.
والثاني: هي ينظرون يعني في حُجَج الله ودلائله إلا أن تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم، قاله جويبر.
{أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} فيه وجهان:
أحدهما: أمر ربك بالعذاب، قاله الحسن.
والثاني: قضاء ربك في القيامة، قاله مجاهد.
{أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ} فيه قولان:
أحدهما: أنه طلوع الشمس من مغربها، قاله مجاهد، وقتادة، والسدي، قال ابن مسعود: مع القمر في وقت واحد وقرأ: {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [القيامة: 9].
والثاني: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض، قاله أبو هريرة.
{يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ...} في أول آيات الساعة وآخرها قولان:
أحدهما: أن أولها الدجال، ثم الدخان، ثم يأجوج ومأجوج، ثم الدابة، ثم طلوع الشمس من مغربها، {لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ} هذا قول معاذ بن جبل.
والثاني: أن أولها خروج الدجال، ثم خروج يأجوج ومأجوج، ثم طلوع الشمس من مغربها {لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مَن قَبْلُ} ثم خروج الدابة، وهذا قول حذيفة بن اليمان ورواه مرفوعًا.
ثم اختلفوا في ألا ينفعها إيمانها بظهور أول الآيات أو بظهور آخرها على قولين:
أحدهما: إذا خرج أول الآيات، طرحت الأقلام، وجلست الحفظة، وشهدت الأجساد على الأعمال.
والقول الثاني: أن ذلك يكون بخروج آخر الآيات ليكون لنا فيها أثر في الإنذار.
ثم قال: {أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيَمَانِهَا خَيْرًا} أما إيمانها قبل هذه الآيات فمُعْتَدٌّ به، وأما بعدها فإن لم تكسب فيه خيرًا لم يُعْتَدّ به، وإن كسبت فيه خيرًا ففي الاعتداد به قولان:
أحدهما: يُعْتَدُّ به، وهو ظاهر الآية أن يكون قبل الآيات أو بعده.
والثاني: لا يُعْتَدُّ به، ويكون معناه: لم تكن آمنت من قبل وكسب في إيمانها خيرًا، وهذا قول السدي.
وفي الخير الذي تكسبه وجهان:
أحدهما: تأدية الفروض على أكمل أحوالها.
والثاني: التطوع بالنوافل بعد الفروض.
روى مجاهد عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بَابُ التَّوْبَةِ مَفْتُوحُ مِن قِبَلِ المَغْرِبِ، فَالتَّوْبَةُ مَقْبَولَةٌ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ: مِنْ إِبْلِيس رَأْسِ الكُفْرِ، وَمِنْ قَابِيل قَاتِلِ هَابِيلَ، وَمَنْ قَتَلَ نَبِيَّا لاَ تَوْبَةَ لَهُ، فَإِذَا طَلَعَت الشَّمْسُ مِن ذَلِكَ البَابِ كَالعَكَرِ الأَسْوَدِ لاَ نَورَ لَهَا حَتَّى تَتَوَسَّطَ السَّماءَ ثُمَّ تَرْجِعُ فِيُغْلَقُ البَابُ وَتُرَدُّ التَّوبَةُ فَلاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُن ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيرًا، ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى مَشَارِقَهَا، فَتَطْلُعُ بَعْدَ ذلِكَ عِشْرِينَ وَمِائَة سَنَة إِلاَّ أَنَّهَا سُنُونَ تَمُرُّ مَرًا». اهـ.

.قال ابن عطية:

{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ}
الضمير في {ينظرون} هو للطائفة التي قيل لها قبل فقد جاءكم بينة من ربكم وهم العادلون بربهم من العرب الذين أمضت أكثر آيات السورة في جدالهم، و{ينظرون} معناه ينتظرون، و{الملائكة} هنا يراد بها ملائكة الموت الذين يصحبون عزرائيل المخصوص بقبض الأرواح، قاله مجاهد وقتادة وابن جريج. ويحتمل أن يريد الملائكة الذين يتصرفون في قيام الساعة، وقرأ حمزة والكسائي {إلا أن يأتيهم} بالياء، وقرأ الباقون {تأتيهم} بالتاء من فوق، وقوله: {أو يأتي ربك} قال الطبري: لموقف الحساب يوم القيامة، وأسند ذلك إلى قتادة وجماعة من المتأولين، ويحكي الزجاج أن المراد بقوله: {أو يأتي ربك} أي العذاب الذي يسلطه الله في الدنيا على من يشاء من عباده كالصيحات والرجفات والخسف ونحوه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا الكلام على كل تأويل فإنما هو بحذف مضاف تقديره أمر ربك أو بطش ربك أو حساب ربك وإلا فالإتيان المفهوم من اللغة مستحيل في حق الله تعالى، ألا ترى أن الله تعالى يقول: {فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا} [الحشر: 2] فهذا إتيان قد وقع وهو على المجاز وحذف المضاف، وقوله: {أو يأتي بعض آيات ربك} أما ظاهر اللفظ لو وقفنا معه فيقتضي أنه توعدهم بالشهير الفظيع من أشراط الساعة دون أن يخص من ذلك شرطًا يريد بذلك الإبهام الذي يترك السامع مع أقوى تخيله، لكن لما قال بعد ذلك {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها} وبينت الآثار الصحاح في البخاري ومسلم أن الآية التي معها هذا الشرط هي طلوع الشمس من المغرب، قوى أن الإشارة بقوله: {أو يأتي بعض آيات ربك} إنما هي إلى طلوع الشمس من مغربها، وقال بهذا التأويل مجاهد وقتادة والسدي وغيرهم، ويقوي أيضًا أن تكون الإشارة إلى غرغرة الإنسان عند الموت أو ما يكون في مثابتها لمن لم يغرغر.
ففي الحديث: «أن توبة العبد تقبل مالم يغرغر»، وهذا إجماع لأن من غرغر وعاين فهو في عداد الموتى، وكون المرء في هذه الحالة من آيات الله تعالى، وهذا على من يرى الملائكة المتصرفين في قيام الساعة.
قال القاضي أبو محمد: فمقصد هذه الآية تهديد الكافرين بأحوال لا يخلون منها كأنه قال: هل ينظرون مع إقامتهم على الكفر إلا الموت الذي لهم بعده أشد العذاب، والأخذات المعهودة لله عز وجل، أو الآيات التي ترفع التوبة وتعلم بقرب القيامة.
قال القاضي أبو محمد: ويصح أن يريد بقوله: {أو يأتي بعض آيات ربك} جميع ما يقطع بوقوعه من أشراط الساعة ثم خصص بعد ذلك بقوله: {يوم يأتي بعض آيات ربك} الآية التي ترفع التوبة معها، وقد بينت الأحاديث أنها طلوع الشمس من مغربها، وقرأ زهير الفرقبي {يومُ يأتي} بالرفع وهو على الابتداء والخبر في الجملة التي هي {لا ينفع} إلى آخر الآية، والعائد من الجملة محذوف لطول الكلام وقرأ ابن سيرين وعبد الله بن عمرو وأبو العالية {لا تنفع} بتاء، وأنث الإيمان بما أضيف إلى مؤنث.
أو لما نزل منزلة التوبة، وقال جمهور أهل التأويل كما تقدم الآية التي لا تنفع التوبة من الشرك أو من المعاصي بعدها، هي طلوع الشمس عن المغرب.
وروي عن ابن مسعود أنها إحدى ثلاث، إما طلوع الشمس من مغربها، وإما خروج الدابة، وإما خروج يأجوج ومأجوج.
قال أبو محمد: وهذا فيه نظر لأن الأحاديث ترده وتخصص الشمس.
وروي في هذا الحديث أن الشمس تجري كل يوم حتى تسجد تحت العرش وتستأذن فيؤذن لها في طلوع المشرق، وحتى إذا أراد الله عز وجل سد باب التوبة أمرها بالطلوع من مغربها، قال ابن مسعود وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم، فتطلع هي والقمر كالبعيرين القرينين، ويقوي النظر أيضًا أن الغرغرة هي الآية التي ترفع معها التوبة، وقوله: {أو كسبت في إيمانها خيرًا} يريد جميع أعمال البر فرضها ونفلها، وهذا الفصل هو للعصاة المؤمنين كما قوله: {لم تكن آمنت من قبل} هو للكفار، والآية المشار إليها تقطع توبة الصنفين، وقرأ أبو هريرة {أو كسبت في إيمانها صالحًا} وقوله تعالى: {قل انتظروا} الآية تتضمن الوعيد أي فسترون من يحق كلامه ويتضح ما أخبر به. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {هل ينظرون} أي: ينتظرون {إلا أن تأتيَهم الملائكة} قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: {تأتيهم} بالتاء.
وقرأ حمزة، والكسائي: {يأتيهم} بالياء.
وهذا الإتيان لقبض أرواحهم.
وقال مقاتل: المراد بالملائكة: ملك الموت وحده.
قوله تعالى: {أو يأتيَ ربُّكَ} قال الحسن: أو يأتي أمْرُ ربك.
وقال الزجاج: أو يأتيَ إهلاكه وانتقامه إمِّا بعذاب عاجل أو بالقيامة.
قوله تعالى: {أو يأتيَ بعض آيات ربك} وروى عبد الوارث إلا القزاز: بتسكين ياء {أو يأتي}، وفتحها الباقون.
وفي هذه الآية أربعة أقوال:
أحدها: أنه طلوع الشمس من مغربها، رواه أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبه قال ابن مسعود.
وفي رواية زرارة بن أوفى عنه، وعبد الله ابن عمرو، ومجاهد، وقتادة، والسدي.
وقد روى البخاري، ومسلم، في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس، آمن مَن عليها، فذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا» وروى عبد الله ابن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لاتزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت، طُبع على كل قلب بما فيه، وكفى الناس العمل».
والثاني: أنه طلوع الشمس والقمر من مغربهما، رواه مسروق عن ابن مسعود.
والثالث: أنه إحدى الآيات الثلاث: طلوع الشمس من مغربها، والدابة، وفتح يأجوج ومأجوج، روى هذا المعنى القاسم عن ابن مسعود.
والرابع: أنه طلوع الشمس من مغربها، والدجَّال، ودابة الأرض، قاله أبو هريرة.
والأول أصح.
والمراد بالخير هاهنا: العمل الصالح؛ وإنما لم ينفع الإيمان والعمل الصالح حينئذ، لظهور الآية التي تضطرهم إلى الإيمان.
وقال الضحاك: من أدركه بعض الآيات وهو على عمل صالح مع إيمانه، قبِل منه، كما يقبل منه قبل الآية.
وقيل: إن الحكمة في طلوع الشمس من مغربها، أن الملحدة والمنجمين، زعموا أن ذلك لا يكون، فيريهم الله قدرته، ويطلعها من المغرب كما أطلعها من المشرق، ولتحقق عجز نمرود حين قال له إبراهيم: {فأت بها من المغرب فبهت} [البقرة: 258].
فصل:
وفي قوله: {قل انتظروا إنا منتظرون} قولان:
أحدهما: أن المراد به: التهديد، فهو محكم.
والثاني: أنه أمر بالكف عن القتال، فهو منسوخ بآية السيف. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ} معناه أقمت عليهم الحجة وأنزلت عليهم الكتاب فلم يؤمنوا، فماذا ينتظرون.
{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الملائكة} أي عند الموت لقبض أرواحهم.
{أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ} قال ابن عباس والضحاك: أمْرُ ربّك فيهم بالقتل أو غيره، وقد يذكر المضاف إليه والمراد به المضاف؛ كقوله تعالى: {واسأل القرية} [يوسف: 82] يعني أهل القرية.
وقوله: {وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ العجل} [البقرة: 93] أي حُبّ العجل.
كذلك هنا: يأتي أمر ربك، أي عقوبة ربّك وعذاب ربّك.
ويُقال: هذا من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلاَّ الله.
وقد تقدّم القول في مثله في البقرة وغيرها.
{أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} قيل: هو طلوع الشمس من مغربها، بيّن بهذا أنهم يُمْهَلون في الدنيا فإذا ظهرت الساعة فلا إمهال.
وقيل: إتيانُ الله تعالى مجيئُه لفصل القضاء بين خلقه في موقف القيامة؛ كما قال تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ والملك صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22].
وليس مجيئه تعالى حركة ولا انتقالا ولا زوالا؛ لأن ذلك إنما يكون إذا كان الجائي جسمًا أو جوهرًا.
والذي عليه جمهور أئمة أهل السنة أنهم يقولون: يجيء وينزل ويأتي.
ولا يُكَيِّفون؛ لأنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السميع البصير} [الشورى: 11].
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث إذا خرجْنَ لا ينفع نفسًا أيمانُها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في أيمانها خيرًا: طلوع الشمس من مغربها والدّجالُ ودابَّةُ الأرض» وعن صَفْوان بن عَسّال المُرَادِيّ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن بالمغرب بابًا مفتوحًا للتوبة مسيرة سبعين سنة لا يُغْلَق حتى تطلع الشمس من نحوه» أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ والدارميّ والتّرمذيّ وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وقال سفيان: قِبل الشام، خلقه الله يوم خلق السموات والأرض.
«مفتوحًا» يعني للتوبة لا يُغلق حتى تطلع الشمس منه.