فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهكذا رواه مسلم وأهل السنن الأربعة من حديث فرات القَزَّاز، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أسيد، به. وقال الترمذي: حسن صحيح.
حديث آخر عن حذيفة بن اليمان، رضي الله عنه:
قال الثوري، عن منصور، عن رِبْعي، عن حذيفة قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، ما آية طلوع الشمس من مغربها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تطول تلك الليلة حتى تكون قَدْر ليلتين، فبينما الذين كانوا يصلون فيها، يعملون كما كانوا يعملون قبلها والنجوم لا تسري، قد قامت مكانها، ثم يرقدون، ثم يقومون فيصلون، ثم يرقدون، ثم يقومون فيطل عليهم جنوبهم، حتى يتطاول عليهم الليل، فيفزع الناس ولا يصبحون، فبينما هم ينتظرون طلوع الشمس من مشرقها إذ طلعت من مغربها، فإذا رآها الناس آمنوا، ولا ينفعهم إيمانهم».
رواه ابن مَرْدُوَيه، وليس في الكتب الستة من هذا الوجه والله أعلم.
حديث آخر عن أبي سعيد الخدري- واسمه: سعد بن مالك بن سنان- رضي الله عنه وأرضاه:
قال الإمام أحمد: حدثنا وَكِيع، حدثنا ابن أبي ليلى، عن عطية العَوْفي، عن أبي سعيد الخُدْري، عن النبي صلى الله عليه وسلم: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} قال: «طلوع الشمس من مغربها».
ورواه الترمذي، عن سفيان بن وكيع، عن أبيه، به. وقال: غريب، ورواه بعضهم ولم يرفعه.
وفي حديث طالوت بن عباد، عن فَضَال بن جبير، عن أبي أمامة صُدَيّ بن عَجْلان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أوّلَ الآيات طلوعُ الشمس من مغربها».
وفي حديث عاصم بن أبي النَّجُود، عن زِرّ بن حُبَيْش، عن صفوان بن عَسَّال قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله فتح بابًا قبل المغرب عرضه سبعون عامًا للتوبة»، قال: «لا يغلق حتى تطلع الشمس منه». رواه الترمذي وصححه النسائي، وابن ماجه في حديث طويل.
حديث آخر عن عبد الله بن أبي أوفى:
قال ابن مردويه: حدثنا محمد بن علي بن دُحَيم، حدثنا أحمد بن حازم، حدثنا ضرار بن صُرَد، حدثنا ابن فضيل، عن سليمان بن زَيد، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليأتين على الناس ليلة تعدل ثلاث ليال من لياليكم هذه، فإذا كان ذلك يعرفها المتنفلون، يقوم أحدهم فيقرأ حزبه، ثم ينام، ثم يقوم فيقرأ حزبه، ثم ينام. فبينما هم كذلك إذ صاح الناس بعضهم في بعض فقالوا: ما هذا؟ فيفزعون إلى المساجد، فإذا هم بالشمس قد طلعت من مغربها، فضج الناس ضجة واحدة، حتى إذا صارت في وسط السماء رجعت وطلعت من مطلعها». قال: «حينئذ لا ينفع نفسًا إيمانها».
هذا حديث غريب من هذا الوجه وليس هو في شيء من الكتب الستة.
حديث آخر عن عبد الله بن عمرو:
قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا أبو حيان، عن أبي زُرْعَة بن عمرو بن جرير قال: جلس ثلاثة نفر من المسلمين إلى مروان بالمدينة فسمعوه يقول- وهو يحدث في الآيات: إن أولها خروج الدجال. قال: فانصرف النفر إلى عبد الله بن عمرو، فحدثوه بالذي سمعوه من مروان في الآيات، فقال لم يقل مَرْوان شيئا قد حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك حديثا لم أنسه بعد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة ضحىً، فأيتهما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها». ثم قال عبد الله- وكان يقرأ الكتب: وأظن أولها خروجا طلوع الشمس من مغربها، وذلك أنها كلما غربت أتت تحت العرش فسجدت واستأذنت في الرجوع فأذن لها في الرجوع، حتى إذا بدا الله أن تطلع من مغربها فعلت كما كانت تفعل: أتت تحت العرش فسجدت واستأذنت في الرجوع، فلم يرد عليها شيء، ثم تستأذنُ في الرجوع فلا يرد عليها شيء، ثم تستأذن فلا يرد عليها شيء، حتى إذا ذهب من الليل ما شاء الله أن يذهب، وعرفت أنه إذا أذن لها في الرجوع لم تدرك المشرق، قالت: ربي، ما أبعد المشرق. من لي بالناس. حتى إذا صار الأفق كأنه طوق استأذنت في الرجوع، فيقال لها: من مكانك فاطلعي. فطلعت على الناس من مغربها، ثم تلا عبد الله هذه الآية: {لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} الآية.
وأخرجه مسلم في صحيحه، وأبو داود وابن ماجه، في سننيهما، من حديث أبي حيان التيمي- واسمه يحيى بن سعيد بن حيان- عن أبي زُرْعَة بن عمرو بن جرير، به.
حديث آخر عنه:
قال الطبراني: حدثنا أحمد بن يحيى بن خالد بن حبان الرَّقِّي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم- بن زبريق الحمصي- حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار، حدثنا ابن لهيعة، عن حيي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا طلعت الشمس من مغربها خر إبليس ساجدًا ينادي ويجهر: إلهي، مُرْني أن أسجد لمن شئت». قال: «فيجتمع إليه زبانيته فيقولون: يا سيدهم، ما هذا التضرع؟ فيقول: إنما سألت ربي أن يُنْظِر إلى الوقت المعلوم، وهذا الوقت المعلوم». قال: «ثم تخرج دابة الأرض من صَدْع في الصفا». قال: «فأول خطوة تضعها بأنطاكيا، فتأتي إبليس فَتَخْطمه...» هذا حديث غريب جدًا وسنده ضعيف ولعله من الزاملتين اللتين أصابهما عبد الله بن عمرو يوم اليرموك، فأما رفعه فمنكر، والله أعلم.
حديث آخر عن عبد الله بن عمرو، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنهم أجمعين:
قال الإمام أحمد: حدثنا الحكم بن نافع، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن ضَمْضَم بن زُرْعَة، عن شُرَيح بن عبيد يرده إلى مالك بن يُخَامر، عن ابن السعدي؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل». فقال معاوية، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمرو بن العاص: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الهجرة خصلتان: إحداهما تهجر السيئات، والأخرى تهاجر إلى الله ورسوله، ولا تنقطع ما تقبلت التوبة، ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من المغرب فإذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه، وكفى الناس العمل». هذا الحديث حسن الإسناد ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، والله أعلم.
حديث آخر عن ابن مسعود، رضي الله عنه:
قال عوف الأعرابي، عن محمد بن سيرين، حدثني أبو عبيدة، عن ابن مسعود؛ أنه كان يقول: ما ذكر من الآيات فقد مضى غير أربع: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض، وخروج يأجوج ومأجوج.
قال: وكان يقول: الآية التي تختم بها الأعمال طلوع الشمس من مغربها، ألم تر أن الله يقول: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} الآية كلها، يعني طلوع الشمس من مغربها.
حديث ابن عباس، رضي الله عنهما:
رواه الحافظ أبو بكر بن مَرْدُوَيه في تفسيره من حديث عبد المنعم بن إدريس، عن أبيه، عن وَهْب ابن مُنَبِّه، عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعا- فذكر حديثًا طويلا غريبًا منكرًا رفعه، وفيه: «أن الشمس والقمر يطلعان يومئذ مقرونين وإذا نَصَفا السماء رجعا ثم عادا إلى ما كانا عليه». وهو حديث غريب جدًا بل منكر، بل موضوع، والله أعلم إن ادعى أنه مرفوع، فأما وقفه على ابن عباس أو وهب بن منبه- وهو الأشبه- فغير مدفوع والله أعلم.
وقال سفيان، عن منصور، عن عامر، عن عائشة رضي الله عنها قالت: إذا خرج أول الآيات، طُرحت الأقلام، وحبست الحفظة، وشهدت الأجساد على الأعمال. رواه ابن جرير.
فقوله عز وجل: {لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ} أي: إذا أنشأ الكافر إيمانًا يومئذ لا يقبل منه، فأما من كان مؤمنا قبل ذلك، فإن كان مصلحًا في عمله فهو بخير عظيم، وإن كان مخَلِّطًا فأحدث توبة حينئذ لم تقبل منه توبته، كما دلت عليه الأحاديث المتقدمة، وعليه يحمل قوله تعالى: {أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} أي: ولا يقبل منها كَسْبُ عمل صالح إذا لم يكن عاملا به قبل ذلك.
وقوله: {قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} تهديد شديد للكافرين، ووعيد أكيد لمن سَوَّف بإيمانه وتوبته إلى وقت لا ينفعه ذلك. وإنما كان الحكم هذا عند طلوع الشمس من مغربها، لاقتراب وقت القيامة، وظهور أشراطها كما قال: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} [محمد: 18]، وقال تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} [غافر: 84، 85]. اهـ.

.قال أبو السعود:

{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ}
{هَلْ يَنظُرُونَ} استئنافٌ مَسوقٌ لبيان أنه لا يتأتى منهم الإيمانُ بإنزال ما ذكر من البينات والهدى وأنهم لا يرعوون عن التمادي في المكابرة واقتراحِ ما ينافي الحكمةَ التشريعية من الآيات المُلجئة وأن الإيمانَ عند إتيانها مما لا فائدةَ له أصلًا مبالغةً في التبليغ والإنذار وإزاحةِ العلل والأعذار، أي ما ينتظرون {إِلا أَن تَأْتِيهُمُ الملائكة أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ} حسبما اقترحوا بقولهم: {لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا الملائكة أَوْ نرى رَبَّنَا} وبقولهم: {أَوْ تَأْتِىَ بالله والملائكة قَبِيلًا} وبقولهم: {لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ} ونحو ذلك أو إلا أن تأتيهم ملائكةُ العذاب أو يأتيَ أمرُ ربك بالعذاب، والانتظارُ محمولٌ على التمثيل كما سيجيء وقرئ يأتيَهم بالياء لأن تأنيثَ الملائكة غيرُ حقيقي.
{أو يأتي بعضُ آيات ربِّكَ} أي غيرُ ما ذكر كما اقترحوا بقولهم: {أَوْ تُسْقِطَ السماء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا} ونحوِ ذلك من عظائمِ الآياتِ التي علّقوا بها إيمانَهم، والتعبيرُ عنها بالبعض للتهويل والتفخيم، كما أن إضافةَ الآياتِ في الموضعين إلى اسم الربِّ المنبئ عن المالكية الكليةِ لذلك. وإضافتَه إلى ضميره عليه الصلاة والسلام للتشريف، وقيل: المرادُ بالملائكة ملائكةُ الموت وبإتيانه سبحانه وتعالى إتيانُ كل آياتِه بمعنى آياتِ القيامةِ والهلاكُ الكليُّ بقرينة ما بعده من إتيان بعضِ آياتِه تعالى على أن المرادَ به أشراطُ الساعةِ التي هي: «الدخانُ ودابةُ الأرضِ وخسفٌ بالمشرق وخسفٌ بالمغرب وخسفٌ بجزيرة العرب والدجالُ وطلوعُ الشمس من مغربها ويأجوجُ ومأجوجُ ونزولُ عيسى عليه السلام ونارٌ تخرج من عَدَنَ» كما نطق به الحديثُ الشريفُ المشهورُ وحيث لم يكن إتيانُ هذه الأمورِ مما ينتظرونه كإتيان ما اقترحوه من الآيات فإن تعليقَ إيمانِهم بإتيانها انتظارٌ منهم له ظاهرًا، حُمل الانتظارُ على التمثيل المبني على تشبيه حالِهم في الإصرار على الكفر والتمادي في العناد إلى أن تأتيَهم تلك الأمورُ الهائلةُ التي لابد لهم من الإيمان عند مشاهدتِها ألبتةَ بحال المنتظرين لها. وأنت خبيرٌ بأن النظمَ الكريمَ بسباقه المُنبئ عن تماديهم في تكذيب آياتِ الله تعالى وعدمِ الاعتدادِ بها وسياقِه الناطقِ بعدم نفع الإيمانِ عند إتيان ما ينتظرونه يستدعي أن يُحملَ ذلك على أمور هائلةٍ مخصوصةٍ بهم إما بأن تكونَ عبارةً عما اقترحوه أو عن عقوبات مترتبةٍ على جناياتهم كإتيان ملائكةِ العذاب وإتيانِ أمرِه تعالى بالعذاب وهو الأنسبُ لما سيأتي من قوله تعالى: {قُلِ انتظروا إِنَّا مُنتَظِرُونَ}.
وإما حملُه على ما ذُكر من إتيان ملائكةِ الموتِ وإتيانِ كل آياتِ القيامةِ وظهورِ أشراطِ الساعة مع شمول إتيانِها لكل برّ وفاجر، واشتمالِ غائلتِها على كل مؤمن وكافرٍ فمما لا يساعده المقامُ على أن بعضَ أشراطِ الساعةِ ليس مما ينسدّ به بابُ الإيمان والطاعة، نعم يجوزُ حملُ بعضِ الآياتِ في قوله عز وجل: {يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءايات رَبّكَ} على ما يعم مقترحاتِهم وغيرَها من الدواعي العظامِ السالبةِ للاختيار الذي عليه يدور فلكُ التكليفِ فإنه بمنزلة الكبرى من الشكل الأولِ فيتم التقريبُ عند وقوعِها بدخول ما ينتظرونه في ذلك دخولًا أوليًا، ويوم منصوب بقوله تعالى: {لاَّ ينفَعُ} فإن امتناعَ عملِ ما بعد (لا) فيما قبلها عند وقوعِها جوابَ القسم، وقرئ يومُ بالرفع على الابتداء والخبرُ هو الجملةُ والعائدُ محذوفٌ أي لا تنفع فيه {نَفْسًا} من النفوس {إِيمَانُهَا} حينئذ لانكشاف الحالِ وكون الأمرِ عيانًا، ومدارُ قَبولِ الإيمان أن يكون بالغيب كقوله تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إيمانهم لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} وقرئ لا تنفع بالتاء الفوقانية لاكتساب الإيمانِ من ملابسة المضاف إليه تأنيثًا وقوله تعالى: {لَمْ تَكُنْ ءامَنَتْ مِن قَبْلُ} أي من قبلِ إتيانِ بعضِ الآياتِ، صفةٌ لنفسًا فصل بينهما بالفاعل لاشتماله على ضمير الموصوفِ ولا ضيرَ فيه لأنه غيرُ أجنبيَ منه لاشتراكهما في العامل.
{أَوْ كَسَبَتْ في إيمانها خَيْرًا} عطفٌ على آمنت بإيراد الترديدِ على النفي المفيدِ لكفاية أحد النفيين في عدم النفعِ، والمعنى أنه لا ينفع الإيمانُ حينئذ نفسًا لم يقدّم إيمانَها أو قدّمتْه ولم تكسِبْ فيه خيرًا، ومن ضرورته اشتراطُ النفعِ بتحقق الأمرين، أي الإيمانِ المقدَّمِ والخيرِ المكسوب فيه معًا، بمعنى أن النافعَ هو تحققُهما والإيمانُ المؤخرُ لغوٌ وتحصيلٌ للحاصل لا أنه هو النافعُ وتحققُهما شرطٌ في نفعه كما لو كان المقدَّمُ غيرَ المؤخرِ بالذات، فإن قولَك: لا ينفع الصومُ والصدقةُ مَنْ لم يؤمِنْ قبلَهما معناه أنهما ينفعانه عند وقوعِهما بعد الإيمان وقد استدل به أهلُ الاعتزالِ على عدم اعتبار الإيمانِ المجردِ عن الأعمال وليس بناهض ضرورةَ صحةِ حملِه على نفي الترديدِ المستلزِمِ لعمومه المفيدِ بمنطوقه لاشتراط عدمِ النفع بعدم الأمرين معًا وبمفهومه لاشتراط النفعِ بتحقق أحدِهما بطريق منعِ الخلوِّ دون الانفصالِ الحقيقي، فالمعنى أنه لا ينفع الإيمانُ حينئذ نفسًا لم يصدُرْ عنها من قبلُ أحدُ الأمرين، أما الإيمانُ المجردُ أو الخيرُ المكسوبُ فيه فيتحقق النفعُ بأيهما كان حسبما تنطِقُ به النصوصُ الكريمةُ من الآيات والأحاديث وما قيل من أن عدمَ الإيمانِ السابقِ مستلزمٌ لعدم كسب الخيرِ فيه بالضرورة فيكون ذكرُه تكرارًا بلا فائدة على أن الموجبَ للخلود في النار هو العدمُ الأولُ من غير أن يكون للثاني دخلٌ ما في ذلك قطعًا فيكون ذكرُه بصدد بيانِ ما يوجب الخلودَ لغوًا من الكلام لغو من الكلام مبني على توهم أن المقصودَ بوصف النفسِ بالعدمين المذكورين مجردُ بيانِ إيجابِهما للخلود فيها وعدمِ نفعِ الإيمان الحادثِ في إنجائها عنه وليس كذلك، وإلا لكفى في البيان أن يقال: لا ينفعُ نفسًا إيمانُها الحادثُ، بل المقصِدُ الأصليُّ من وصفها بذينك العدمين في أثناء بيانِ عدم نفعِ الإيمان الحادثِ تحقيقُ أن موجبَ النفع إحدى مَلَكتيهما، أعني الإيمانَ السابقَ والخيرَ المكسوبَ فيه بما ذكر من الطريقة والترغيبِ في تحصيلهما في ضمن التحذيرِ من تركهما، ولا سبيلَ إلى أن يقال كما أن عدمَ الأولِ مستقلٌّ في إيجاب الخلودِ في النار فليغلو ذكرُ عدمِ الثاني، كذلك وجوده مستقل في إيجاب الخلاصِ عنها فيكون ذكرُ الثاني لغوًا لما أنه قياسٌ مع الفارق كيف لا والخلود فيها أمرٌ لا يُتصوَّر فيه تعددُ العللِ، وأما الخلاصُ عنها مع دخولِ الجنةِ فله مراتبُ بعضُها مترتبٌ على نفس الإيمان وبعضُها على فروعه المتفاوتةِ كمًا وكيفًا، وإنما لم يُقتصر على بيان ما يوجب أصلَ النفعِ وهو المقابلُ لما لا يوجبه أصلًا أعني الإيمانَ الحادثَ، بل قرَنَ به ما يوجب النفعَ الزائدَ أيضًا إرشادًا إلى تحرّي الأعلى وتنبيهًا على كفاية الأدنى وإقناطًا للكفرة عما علّقوا به أطماعَهم الفارغةَ من أعمال البِرّ التي عمِلوها في الكفر من صلة الأرحام وإعتاق الرقاب وفك العُناةِ وإغاثةِ الملهوفين وقرى الأضيافِ وغير ذلك مما هو من باب المكارم ببيان أن كل ذلك لغوٌ بحتٌ لابتنائه على غير أساسٍ حسبما نطق به قولُه تعالى: {والذين كَفَرُواْ أعمالهم كَرَمَادٍ اشتدت بِهِ الريح} الآية، ونحوُ ذلك من النصوص الكريمة، وأن الإيمانَ الحادثَ كما لا ينفعهم وحده لا ينفعهم بانضمام أعمالِهم السابقةِ واللاحقة، ولك أن تقول: المقصودُ بوصف النفسِ بما ذُكر من العدمين التعريضُ بحال الكفرة في تمردهم وتفريطِهم في كل واحد من الأمرين الواجبين عليهم وإن كان وجوبُ أحدِهما منوطًا بالآخر كما في قوله عز وجل: {فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ} تسجيلًا بكمال طغيانِهم وإيذانًا بتضاعف عقابِهم لما تقرر من أن الكفارَ مخاطَبون بفروع الشرائعِ في حق المؤاخذة كما ينبئ عنه قوله تعالى: {وَوَيْلٌ لّلْمُشْرِكِينَ الذين لاَ يُؤْتُونَ الزكاة} إذا تحققت هذا وقفتَ على أن الآيةَ الكريمة أحقُّ بأن تكون حجةً على المعتزلة من أن تكون حجةً لهم هذا وقد قيل: إنها من باب اللف التقديريِّ، أي لا ينفع نفسًا إيمانُها ولا كسبُها في الإيمان لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فيه، وليس بواضح فإن مبنى اللفِّ التقديريِّ أن يكون المقدرُ من متمّمات الكلامِ ومقتَضَيات المقام قد ترك ذكرَه تعويلًا على دِلالة الملفوظِ عليه واقتضائِه إياه كما مر في تفسير قوله عز وجل: {وَمَن يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا} فإنه قد طُوي في المفصل ذكرُ حشرِ المؤمنين ثقةً بإنباء التفصيل عنه أعني قوله تعالى: {فَأَمَّا الذين ءامَنُواْ} الآية، ولا ريب في أن ما قُدّر هاهنا ليس مما يستدعيه قوله تعالى: {أَوْ كَسَبَتْ في إيمانها خَيْرًا} ولا هو من مقتضيات المقامِ لأنه ليس مما وُعِدوه وعلّقوه بإتيان ما ذكر من الآيات كالإيمان حتى يرِدَ عليهم ببيان عدمِ نفعِه إذ ذاك، على أن ذلك مشعرٌ بأن لهم بعد ما أصابهم من الدواهي ما أصابهم بقاءً على السلامة وزمانًا يتأتى منهم الكسبُ والعملُ فيه، وفيه من الإخلال بمقام تهويلِ الخطبِ وتفظيعِ الحال ما لا يخفي.
وقد أُجيب عن الاستدلال بوجوه أُخَرَ قصارى أمرِها إسقاطُ الآية الكريمةِ عن رتبة المعارضةِ للنصوص القطعيةِ المتونِ القويةِ الدلالةِ على ما ذُكر من كفاية الإيمان المجردِ عن العمل في الإنجاء من العذاب الخالدِ ولو بعد اللتيا والتي لِما تقرر من أن الظنيَّ بمعزل من معارضة القطعي.
{قُلْ} لهم بعد بيانِ حقيقةِ الحالِ على وجه التهديد {انتظروا} ما تنتظرونه من إتيان أحدِ الأمورِ الثلاثةِ لترَوا أيَّ شيء تنتظرون {إِنَّا مُنتَظِرُونَ} لذلك لنشاهدَ ما يحِلُّ بكم من سوء العاقبة، وفيه تأييدٌ لكون المرادِ بما ينتظرونه إتيانَ ملائكةِ العذابِ أو إتيانَ أمرِه تعالى بالعذاب كما أشير إليه، وعِدَةٌ ضمنيةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بمعاينتهم لما يَحيق بالكفرة من العقاب، ولعل ذلك هو الذي شاهدوه يوم بدر والله سبحانه أعلم. اهـ.