فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

{قل إن صلاتي} أي: قل يا محمد إن صلاتي {ونسكي} قال مجاهد وسعيد بن جبير والضحاك والسدي: أراد بالنسك في هذا الموضع الذبيحة في الحج والعمرة، وقيل: النسك العبادة والناسك العابد.
وقيل: المناسك أعمال الحج.
وقيل: النسك كل ما يتقرب به إلى الله تعالى من صلاة وحج وذبح وعبادة.
ونقل الواحدي عن أبي الأعرابي قال: النسك سبائك الفضة كل سبيكة منها نسيكة وقيل للمتعبد ناسك لأنه خلص نفسه من دنس الآثام وصفاها كالسبيكة المخلصة من الخبث.
وفي قوله إن صلاتي ونسكي دليل على أن جميع العبادات يؤديها العبد على الإخلاص لله ويؤكد هذا قوله لله رب العالمين لا شريك له وفيه دليل على أن جميع العبادات لا تؤدى إلا على وجه التمام والكمال لأن ما كان لله لا ينبغي أن يكون إلا كاملًا تامًا مع إخلاص العبادة له فما بهذه الصفة من العبادات كان مقبولًا {ومحياي ومماتي} أي حياتي وموتي بخلق الله وقضائه وقدره أي هو يحييني ويميتني وقيل معناه إن محياي بالعمل الصالح ومماتي إذا مت على الإيمان لله، وقيل: معناه إن طاعتي في حياتي لله وجزائي بعد مماتي من الله وحاصل هذا الكلام له أن الله أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبين أن صلاته ونسكه وسائر عباداته وحياته وموته كلها واقعة بخلق الله وقضائه وقدره وهو المراد بقوله: {لله رب العالمين لا شريك له} يعني في العبادة والخلق والقضاء والقدر وسائر أفعاله لا يشاركه فيها أحد من خلقه. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}
الظاهر أن الصلاة هي التي فرضت عليه.
وقيل: صلاة الليل.
وقيل: صلاة العيد لمناسبة النسك.
وقيل: الدعاء والتذلل والنسك يطلق على الصلاة أيضًا وعلى العبادة وعلى الذبيحة، وأما في الآية فقال ابن عباس وابن جبير ومجاهد وابن قتيبة: هي الذبائح التي تذبح لله وجمع بينهما كما قال: {فصلّ لربك وانحر} ويؤيد ذلك أنها نازلة قد تقدّم ذكرها، والجدال فيها في السورة.
وقال الحسن: الدين والمذهب.
وقيل: العبادة الخالصة ومعنى {ومحياي ومماتي لله} أنه لا يملكهما إلى الله أو حياتي لطاعته ومماتي رجوعي إلى جزائه أو ما آتيه في حياتي من العمل الصالح وما أموت عليه من الإيمان لله ثلاثة أقوال.
وقال أبو عبد الله الرازي: معنى كونهما لله لخلق الله وهذا يدل على أن طاعة العبد مخلوقة لله انتهى.
وقال ابن عطية: أمره تعالى أن يعلن أن مقصده في صلاته وطاعاته من ذبيحة وغيرها وتصرفه مدّة حياته وحاله من الإخلاص والإيمان عند مماته إنما هو لله عز وجل وإرادة وجهه وطلبه رضاه، وفي إعلان النبي صلى الله عليه وسلم بهذه المقالة ما يلزم المؤمنين التأسي به حتى يلزموا في جميع أعمالهم قصد وجهه عز وجل وله تصرفه في جميع ذلك كيف شاء.
وقرأ الحسن وأبو حيوة {ونسكي} بإسكان السين وما روي عن نافع من سكون ياء المتكلم في {محياي} هو جمع بين ساكنين أجرى الوصل فيه مجرى الوقف والأحسن في العربية الفتح.
قال أبو علي: هي شاذة في القياس لأنها جمعت بين ساكنين وشاذة في الاستعمال ووجهها أنه قد سمع من العرب التقت حلقتا البطان ولفلان بيتا المال، وروى أبو خالد عن نافع {ومحياي} بكسر الياء.
وقرأ ابن أبي إسحاق وعيسى والجحدري ومحيي على لغة هذيل كقول أبي ذؤيب.
سبقوا هويّ.
وقرأ عيسى بن عمر {صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي} بفتح الياء وروي ذلك عن عاصم من سكون ياء المتكلم. اهـ.

.قال الألوسي:

{قُلْ إِنَّ صَلاَتِى} أي جنسها لتشمل المفروضة وغيرها.
وأعيد الأمر لمزيد الاعتناء، وقيل: لأن المأمور به متعلق بفروع الشرائع وما سبق بأصولها {وَنُسُكِى} أي عبادتي كلها كما قال الزجاج والجبائي، وهو من عطف العام على الخاص.
وعن سعيد بن جبير ومجاهد والسدي أن المراد به الذبيحة للحج والعمرة.
وعن قتادة الأضحية، وجمع بينه وبين الصلاة كما في قوله تعالى: {فَصَلّ لِرَبّكَ وانحر} [الكوثر: 2] على المشهور.
وقيل: المراد به الحج أي إن صلاتي وحجي {وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى} أي ما يقارن حياتي وموتي من الإيمان والعمل الصالح.
وقيل: يحتمل أن يكون المراد بالمحيا والممات ظاهرهما والأول هو المناسب لقوله تعالى: {للَّهِ رَبّ العالمين} إذا المراد به الخلوص بحسب الظاهر، وقيل: المراد به نظرًا لهذا الاحتمال أن ذلك له تعالى ملكًا وقدرة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)} استئناف أيضًا، يتنزّل منزلة التّفريع عن الأوّل، إلاّ أنَّه استؤنف للإشارة إلى أنّه غرض مستقلّ مُهِمّ في ذاته، وإن كان متفرّعًا عن غيره، وحاصل ما تضمّنه هو الإخلاص لله في العبادة، وهو متفرّع عن التّوحيد، ولذلك قيل: الرياءُ الشّرك الأصغر.
عُلّم الرّسول صلى الله عليه وسلم أن يقوله عقب ما عُلّمه بما ذكر قبله لأنّ المذكور هنا يتضمّن معنى الشّكر لله على نعمة الهداية إلى الصّراط المستقيم، فإنَّه هداه ثمّ ألهمه الشّكر على الهداية بأن يجعل جميع طاعته وعبادته لله تعالى.
وأعيد الأمر بالقول لما علمتَ آنفًا.
وافتتحت جملة المقول بحرف التّوكيد للاهتمام بالخبر ولتحقيقه، أو لأنّ المشركين كانوا يزعمون أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام كان يُرائي بصلاته، فقد قال بعض المشركين لمَّا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي عند الكعبة: «ألاَ تنظرون إلى هذا المُرائي أيُّكم يقوم إلى جَزور بني فلان فيعمِد إلى فَرثها وسلاها فإذا سجد وضعه بين كتفيه».
فتكون (إنّ) على هذا لردّ الشكّ.
واللاّم في {لله} يجوز أن تكون للملك، أي هي بتيسير الله فيكون بيانًا لقوله: {إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم} [الأنعام: 161].
ويجوز أن تكون اللام للتعليل أي لأجل الله.
وجعل صلاته لله دون غيره تعريضًا بالمشركين إذ كانوا يسجدون للأصنام.
ولذلك أردف بجملة {لا شريك له}.
والنّسك حقيقته العبادة ومنه يسمى العابد الناسك.
والمحْيَا والممات يستعملان مصدرين ميميين، ويستعملان اسمي زمان، من حيي ومات، والمعنيَان محتمَلان فإذا كان المراد من المحيا والممات المعنى المصدري كان المعنى على حذف مضاف تقديره: أعمال المحيَا وأعمال الممات، أي الأعمال التي من شأنها أن يتلبّس بها المرء مع حياته، ومع وقت مماته.
وإذا كان المراد منهما المعنى الزمني كان المعنى ما يعتريه في الحياة وبعد الممات.
ثمّ إنّ أعمال الحياة كثيرة وفيرة، وأمّا الأعمال عند الموت فهي ما كان عليه في مدّة الحياة وثباتُه عليه، لأنّ حالة الموت أو مدّته هي الحالة أو المدّة التي تنقلب فيها أحوال الجسم إلى صفة تؤذن بقرب انتهاء مدّة الحياة وتلك حالة الاحتضار، وتلك الحالة قد تؤثّر انقلابًا في الفكر أو استعجالًا بما لم يكن يستعجل به الحي، فربّما صدرت عن صاحبها أعمال لم يكن يصدرها في مدّة الصحّة، اتّقاءً أو حياءً أو جلبًا لنفع، فيرى أنَّه قد يئس ممّا كان يُراعيه، فيفعل ما لم يكن يفعل، وأيضًا لتلك الحالة شؤون خاصّة تقع عندها في العادة مثل الوصيّة، وهذه كلّها من أحوال آخر الحياة، ولكنّها تضاف إلى الموت لوقوعها بقربه، وبهذا يكون ذكر الممات مقصودًا منه استيعاب جميع مدّة الحياة حتّى زمن الإشراف على الموت.
ويجوز أن يكون المراد من الممات ما يحصل للرسول عليه الصّلاة والسّلام بعد وفاته من توجهاته الرّوحيّة نحو أمّته بالدّعاء لهم والتّسليم على من سلّم عليه منهم والظّهور لخاصّة أمَّته في المنام فإنّ للرّسول بعد مماته أحكام الحياة الرّوحيّة الكاملة كما ورد في الحديث: «إذا سلّم عليّ أحد من أمَّتي رَدّ الله عليّ روحِي فرددتُ عليه السّلام» وكذلك أعماله في الحشر من الشّفاعة العامّة والسّجود لله في عرصات القيامة فتلك أعمال خاصة به صلى الله عليه وسلم وهي كلّها لله تعالى لأنَّها لنفع عبيده أو لنفع أتباع دينه الذي ارتضاه لهم، فيكون قوله: {ومماتي} هنا ناظرًا إلى قوله في الحديث: «حياتي خير لكم ومماتي خير لكم».
ويجوز أن يكون معنى مماته لله الشهادة في سبيل الله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمّته اليهودية بخيبر في لحم شاة أطعموه إياه حصل بعض منه في إمعائه.
ففي الحديث: «ما زالت أكلة خيبر تعتادني كل عام حتى كان هذا أوان قطع أبْهَري».
وبقوله: {ومحياي ومماتي لله رب العالمين} تحقّق معنى الإسلام الذي أصله الإلقاء بالنّفس إلى المُسْلَم له، وهو المعنى الذي اقتضاه قوله: {فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن} كما تقدّم في سورة آل عمران (20)، وهو معنى الحنيفية الذي حكاه الله تعالى عن إبراهيم عليه السّلام في قوله: {إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين} كما في سورة البقرة (131).
وقوله: {رب العالمين} صفة تشير إلى سبب استحقاقه أن يكون عمل مخلوقاته له لا لغيره، لأنّ غيره ليس له عليهم نعمة الإيجاد، كما أشار إليه قوله في أوّل السورة: {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون}. اهـ.

.قال الشعراوي:

{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)}
و{صلاتي} مقصود بها العبادة والركن الثاني في الإِسلام الذي يتكرر كل يوم خمس مرات، وهي الركن الذي لا يسقط أبدًا؛ لأن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله- كما قلنا سابقًا- يكفي أن تقولها مرة في العمر، وقد يسقط عنك الصوم إن كنت لا تستطيع، وقد لا تزكي لأنه ليس لك مال، وقد لا تستطيع الحج، وتبقى الصلاة التي لا تسقط أبدًا عن العبد. وهي- كما نعلم- قد أخذت من التكليف حظها من الركينة.
إن كل تكليف من التكاليف جاء بواسطة الوحي إلا الصلاة فإنها جاءت بالمباشرة، وتلقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم من ربه دون واسطة. وحين يقول الحق: {إِنَّ صَلاَتِي}، فهو يذكر لنا عمدة الأركان والتي اشتملت على كل الأركان كما أوضحنا سابقًا. حتى إن الإِنسان إذا كان راقدًا في مرض ولا يستطيع القيام فعليه أن يحرك رأسه بالصلاة أو يخطر أعمال الصلاة على قلبه. ويقول الحق {وَنُسُكِي}. والنسك يطلق ويراد به كل عبادة، والحق يقول: {لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ...} [الحج: 67]
النسك إذن هو عبادة ويطلق بالأخص على أفعال كثيرة في الحج، مثل نسك الطواف ونسك السعي، ونسك الوقوف بعرفة، ونسك الرمي، ونسك الجمار، وكل هذه اسمها مناسك، والأصل فيها أنها مأخوذة من مادة النسيكة وهي السبيكة من الفضة التي تصهر صهرًا يُخرج منها كل المعادن المختلطة بها حتى تصير غاية في النقاء. فسميت العبادة نسكًا لهذا، أي يجب أن تصفى العبادة لله كما تصفى سبيكة الفضة من كل المعادن التي تخالطها: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي}.
وهنا أمران اختياريان، وأمران لا اختيار للإِنسان فيهما، الصلاة والمناسك كلاهما داخل في قانون الاختيار، لكن المحيا والممات لا يدخل أي منهما في قانون الاختيار؛ إنهما في يد الله، والصلاة والنسك أيضًا لله، ولكن باختيارك، وأنت لا تصلي إلا لأنك آمنت بالآمر بالصلاة، أو أن الجوارح ما فعلت كذا إلا لله. إذن فأنت لم تفعل شيئًا من عندك أنت، بل وجهت الطاقات المخلوقة لله لتأدية المنهج الذي أنزله الله إذن إن أردت نسبة كل فعل فانسبه إلى الله.
ولماذا جاء بالصلاة والنسك وكلاهما أمر اختياري؟؛ لأنه إن كان في ظاهر الأمر لكم اختيار، فكل هذا اختيار، فكل هذا الاختيار نابع من إيجاد الله لكم مختارين. وهو الذي وضع المنهج فجعلكم تصلون، أو: إن صلاتي لله ونسكي لله، أي أن تخلص فيها، ولا تشرك فيها، ولا تصلي مرائيًا، ولا تصنع نسكًا مرائيًا، ولا تذهب إلى الحج من أجل أن يقولوا لك: الحاج فلان أبدًا، بل اجعلها كلها لله؛ لأنك إن جعلتها لغيره فليس لغيره من القدرة على الجزاء ما يجازيك الله به؛ إن جعلتها لغيره فقد اخترت الخيبة في الصفقة؛ لذلك اجعل الصلاة والنسك للذي يعطيك الأجر. {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ العالمين} [الأنعام: 162]
والحياة هبة الله، وإياك أن تصرف قدرة الحياة ومظاهر الحياة في غير ما يرضي الله. فينبغي أن يكون حياتك لله لا لشهوتك، ومماتك لله لا لورثتك، وتذكر جيدًا لأن الحق يقول بعد ذلك: {لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ...}. اهـ.