فصل: قال سيد قطب في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله: {ثم آتينا موسى الكتاب} معطوف على {وصاكم} فسئل كيف صح عطفه عليه بثم والإيتاء قبل الوصية بدهر طويل؟ وأجيب بأن التكاليف التسعة المذكورة تكاليف لا تختلف بحسب اختلاف الشرائع كما روي عن ابن عباس أن هذه الآيات محكمات لم ينسخهن شيء من جميع الكتب، وقيل: إنهن أم الكتاب من عمل بهن دخل الجنة ومن تركهن دخل النار، وعن كعب الأحبار: والذي نفس كعب بيده إن هذه الآيات لأول شيء في التوراة. وأما الشرائع التي كانت التوراة مختصة بها فهي إنما حدثت بعد تلك التكاليف التسعة فكأنه قيل: ذلكم وصاكم به يا بني آدم قديمًا وحديثًا، ثم أعظم من ذلك أنا آتينا موسى الكتاب وأنزلنا هذا الكتاب المبارك. وقيل: إن في الآية حذفًا تقديره: ثم قل يا محمد صلى الله عليه وآله إنا آتينا. والمعنى اتل ما أوحي إليك ثم اتل عيلهم خبر ما آتينا موسى. وقيل: هو معطوف على ما تقدم قبل شطر السورة من قوله: {ووهبنا له إسحق ويعقوب} [الأنعام: 84] وقوله: {تمامًا على الذي أحسن} مفعول له أي لتتم نعمتنا على الذي أحسن أي على من كان محسنًا صالحًا، أو المراد إتمام للنعمة والكرامة على العبد الذي أحسن الطاعة في التبليغ وكل ما أمر به، أو تمامًا على الذي أحسن موسى من العلم والشرائع من أحسن الشيء إذا أجاد معرفته أي زيادة على علمه. وقرئ {أحسن} بالرفع أي على الدين الذي هو أحسن دين وأرضاه {وتفصيلًا لكل شيء} فيدخل في ذلك بيان نبوة رسولنا صلى الله عليه وآله وصحة دينه وشرعه {وهدى} دلالة {ورحمة} لكي يؤمنوا بلقاء ما وعدهم ربهم به من ثواب وعقاب {وهذا كتاب أنزلناه} لا شك أنه القرآن {مبارك} كثير الخير والنفع أو ثابت لا يتطرق إليه النسخ كما في الكتابين {فاتبعوه واتقوا} لكي ترحموا لأن الغرض من التقوى رحمة الله تعالى، أو اتقوا لترحموا جزاء على التقوى، أو اتقوا مخالفته على رجاء الرحمة. قال الفراء قوله: {أن تقولوا} مفعول {واتقوا} وقال الكسائي: التقدير: إنا أنزلناه لئلا تقولوا. وقال البصريون: إنا أنزلناه كراهة أن تقولوا والخطاب لأهل مكة {إنما أنزل الكتاب} أي التوراة والإنجيل {على طائفتين من قبلنا} اليهود والنصارى {وإن كنا} هي المخففة من الثقيلة واللام في {لغافلين} هي الفارقة بينها وبين النافية والأصل وإنه كنا ومعنى الدراسة القراءة. وإنما قالوا: {لكنا أهدى منهم} لحدة أذهانهم وكثرة حفظهم لأيام العرب ووقائعها وخطبها وأشعارها وأمثالها مع كونهم أميين قطع الله عذرهم بإنزال القرآن عليهم. ثم قال: {فقد جاءكم} أي إن صدقتم أن عدم إنزال الكتاب يصلح للعذر وأنه لو أنزل عليكم الكتاب لكنتم أهدى منهم فقد جاءكم {بينة من ربكم} فيما يعلم سمعًا {وهدى} فيما يعلم سمعًا وعقلًا {ورحمة} من الله في إصلاح المعاش والمعاد {فمن أظلم} بعد هذه المعجزات والبينات {ممن كذب بآيات الله وصدف عنها} أي منع غيره منها لأن الأول ضلال والثاني إضلال، ثم ختم الآية بأشد الوعيد وأبلغ التهديد ثم ذكر أنهم بعد نصب الأدلة وإزاحة العذر لا يؤمنون ألبتة، وشرح أحوالًا توجب المبادرة إلى الإيمان والتوبة فقال: {هل ينظرون} أي ينتظرون ومعنى الاستفهام النفي وتقدير الآية أنهم لا يؤمنون بك إلا عند مجيء أحد هذه الأمور: مجيء الملائكة، أو مجيء الرب ويعني به عذابه وبأسه كما سلف في البقرة، أو مجيء المعجزات القاهرة. قال في الكشاف: الملائكة ملائكة الموت أو ملائكة العذاب ومجيء الرب مجيء كل آية، ثم قال: {يوم يأتي بعض آيات ربك} وأجمعوا على أن المراد بهذه الآية علامات القيامة. عن البراء بن عازب قال: كنا نتذاكر أمر الساعة إذا أشرف النبي صلى الله عليه وآله فقال: «أتتذاكرون الساعة؟ إنها لا تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات: الدخان ودابة الأرض وخسفًا بالمشرق وخسفًا بالمغرب وخسفًا بجزيرة العرب والدجال وطلوع الشمس من مغربها ويأجوج ومأجوج ونزول عيسى ونارًا تخرج من عدن».
والمراد أنه إذا بدت أشراط الساعة ذهب أوان التكليف عندها فلم ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، ولا نفسًا ما كسبت في إيمانها خيرًا. ثم أوعدهم بقوله: {قل انتظروا إنا منتظرون} ثم سلى رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله: {إن الذين فارقوا دينهم} أو فرقوا ومعنى القراءتين في الحقيقة واحد لأن الذي فرق دينه بمعنى أنه أقر ببعض وكفر ببعض فقد فارقه أي تركه. قال ابن عباس: يريد أن المشركين بعضهم يعبدون الملائكة ويقولون إنهم بنات الله، وبعضهم يعبدون الأصنام ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله فصاروا شيعًا أي فرقًا وإخوانًا في الضلالة. والشيعة كل فرقة تشيع إمامًا لها. وقال مجاهد وقتادة: هم اليهود والنصارى تفرقوا فرقًا وكفر بعضهم بعضًا وأخذوا بعضًا وتركوا بعضًا كقوله: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} [البقرة: 85] وعن مجاهد أيضًا أنهم من هذه الأمة وهم أهل البدع والشبهات وفي الحديث: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة- كلها في الهاوية إلا واحدة وهي الناجية- وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة- كلها في الهاوية إلا واحدة. وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين كلها في الهاوية إلا واحدة» {لست منهم في شيء} أي إنك بعيد من أقوالهم ومذاهبهم والعقاب اللازم على تلك الأباطيل مقصور عليهم لا يتعداهم إليك. وقال السدي: معناه لم تؤمر بقتالهم فلما أمر بقتالهم نسخ. ويحتمل أن يقال: إن النهي عن القتال في وقت لا ينافي الأمر في وقت آخر فلا نسخ {إنما أمرهم إلى الله} بالاستئصال والإهلاك {ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون} وفيه من الوعيد ما فيه. وفي الآية حث على أن كلمة المسلمين يجب أن تكون واحدة ليستأهلوا الثواب الجزيل كما قال: {من جاء بالحسنة} هي لا إله إلا الله والسيئة الشرك. والأولى حملها على العموم {فله عشر أمثالها} أقام صفة الجنس المميز مقام الموصوف تقديره: عشر حسنات أمثالها كقراءة من قرأ {عشر أمثالها} بالرفع والتنوين، قيل: هذا أقل الموعود وقد وعد سبعمائة وبغير حساب. وقيل: ليس المراد التحديد بل أراد الأضعاف مطلقًا كقول القائل: لئن أسديت إليّ معروفًا لأكافئنك بعشرة أمثاله. وفي الوعيد لئن كلمتني واحدة لأكلمنك عشرًا. روى أبو ذر أن النبي صلى الله عليه وآله قال عن الله تعالى: «الحسنة عشر أو أزيد والسيئة واحدة أو أغفر فالويل لمن غلبت آحاده أعشاره» وقال صلى الله عليه وآله يقول الله تعالى: «إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها له حسنة وإن لم يعملها فإن عملها فعشر أمثالها وإن هم بسيئة فلا تكتبوها فإن عملها فسيئة».
{وهم لا يظلمون} أي لا ينقص من ثواب طاعاتهم ولا يزاد على عقاب سيآتهم. أسؤلة: ما الحكمة في الأضعاف؟ جوابه كان للأمم أعمار طويلة وطاعات كثيرة فوضع الله لهذه الأمة ليلة القدر خيرًا من ألف شهر وأضعاف الأعمال {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} {كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة} [البقرة: 261] {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر: 10] وأيضًا لو أن الخصماء يتعلقون بهم يوم القيامة فيذهبون بأعمالهم إلى أن تبقى الأضعاف فيقول الله أضعافهم ليست من فعلهم هي من رحمتي فلا أقتص منهم أبدًا. آخر: كيف يوجب الكفر عقاب الأبد؟ جوابه أن الكافر كان على عزم الكفر لو عاش أبدًا فاستحق العقاب الأبدي بناء على ذلك الاعتقاد بخلاف المسلم المذنب فإنه يكون على عزم الإقلاع فلا جرم تكون عقوبته منقطعة، وأيضًا الذي جهله الكافر وهو ذات القديم سبحانه وصفاته شيء لا نهاية له فيكون جهله لا يتناهى فكذا عقابه. آخر: إعتاق الرقبة الواحدة تارة جعل بدلًا عن صيام ستين يومًا وهو في كفارة الظهار وتارة بدلًا عن صيام أيام قلائل. آخر: أحدث في رأس إنسان موضحتين فوجب أرشان فإن عاد ورفع الحاجز بينهما صار الواجب أرش موضحة واحدة فههنا ازدادت الجناية وقل العقاب. آخر: قد يجتمع بسبب أطراف تبان ولطائف تزال ديات متعددة إذا حصل الاندمال، وقد ترتقي إلى نيف وعشرين. الأذنان أو إبطال حسهما، العينان أو البصر، الأجفان، المارن، الشفتان، اللسان أو النطق، الأسنان، اللحيان، اليدان، الذكر والأنثيان، الحلمتان، الشفران، الإليتان، الرجلان، العقل، السمع، الشم، الصوت، الذوق، الإمناء أو الإحبال، إبطال لذة الجماع، إبطال لذة الطعام، الإفضاء، البطش، المشي. وقد تضاف إليها موجبات الجوائف والمواضح وسائر الشجات. فإن عاد الجاني قبل الاندمال وحز الرقبة أوقده بنصفين لم يجب إلاّ دية النفس، وكل ذلك يدل على أن رعاية المماثلة غير معتبرة في الشرع. والجواب عن الأسئلة الثلاثة أن هذه الأمور من تعبدات الشرع المطهر وتحكماته فلا سبيل بعقولنا إليها. ويمكن أن يجاب عن الثالث بأن بدل الأطراف لما لم يستقر بالاندمال دخل في دية النفس لعسر ضبط ذلك والجزاء الحقيقي موكول إلى يوم الجزاء والله أعلم. قال أهل السنة: كل الثواب تفضل من الله تعالى فلا إشكال. وقالت المعتزلة: إن بين الثواب والتفضل فرقًا لأن الثواب هو المنفعة المتسحقة والتفضل هو المنفعة التي لا تكون مستحقة. ثم اختلفوا فقال الجبائي: العشرة تفضل والثواب غيرها إذ لو كان الواحد ثوابًا والتسعة تفضلًا لزم أن يكون الثواب دون التفضل فلا يكون للتكليف فائدة. وقال آخرون: لا يبعد أن يكون الواحد ثوابًا إلا أنه يكون أعلى شأنًا من التسعة الباقية. ثم لما علم رسوله صلى الله عليه وآله أنواع الدلائل والرد على أصناف المشركين وبالغ في تقرير إثبات القضاء والقدر وردّ على أهل الجاهلية أباطيلهم أمره بأن يقول: {إنني هداني ربي} ليعلم أن الهداية لا تحصل إلا بالله عز وجل.
{وقيمًا} فيعل من قام كسيد من ساد. ومن قرأ {قيمًا} فعلى أنه مصدر بمعنى القيام كالصغر والكبر وصف به للمبالغة و{ملة إبراهيم} عطف بيان و{حنيفًا} حال من إبراهيم أو من الملة، والمعنى هداني وعرفني ملة إبراهيم حال كونه أو كونها موصوفًا بالحنيفية. ثم قال في صفة إبراهيم: {وما كان من المشركين} ردًا على من زعم عليه شيئًا من ذلك.
ثم كما عرفه الدين القويم والطريق المستقيم علمه كيف يصنع به ويؤديه فقال: {قل إن صلاتي ونسكي} أي عبادتي وتقربي إليه كما روى ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال: النسك سبائك الفضة كل سبيكة منها نسيكة. وقيل: للمتعبد ناسك لأنه خلص نفسه من دنس الآثام وصفاها كالسبيكة المخلصة من الخبث. وقيل: المراد بالنسك هاهنا الذبائح جمع بين الصلاة والذبح كما في قوله: {فصل لربك وانحر} [الكوثر: 2] وقيل: صلاتي وحجي أخذًا من مناسك الحج. {ومحياي ومماتي} أي حياتي وموتي مصدران ميميان. وقال في الكشاف: المراد وما آتيه في حياتي وأموت عليه من الإيمان والعمل الصالح. وفيه أنه لا يكفي في العبادات أن يؤتى بها كيف كانت بل لابد أن يكون جيمع حركات المرء وسكناته لله رب العالمين {وبذلك} من الإخلاص {أمرت وأنا أول المسلمين} لأن إسلام كل نبي متقدم على إسلام أمته. وقال في التفسير الكبير: إنه تعالى أمر رسوله أن يبين أن صلاته وسائر عباداته وحياته ومماته كلها واقعة بخلق الله تعالى وتقديره وقضائه، وحكمه وذلك أن المحيا والممات بخلق الله فكذا الصلاة والنسك وبذلك من التوحيد أمرت، ثم لما أمر نبيه بالتوحيد المحض أمره أن يذكر ما يجري مجرى الدليل عليه فقال: {قل أغير الله أبغي ربًا} وتقريره أن طوائف المشركين من عبدة الأصنام والكواكب ومن اليهود والنصارى والثنوية كلهم معترفون بأن الله تعالى خالق الكل فكأنه سبحانه قال: قل يا محمد منكرًا أغير الله أطلب ربًا مع أن هؤلاء الذين اتخذوا من دونه آلهة مقرون بأنه خالق تلك الأشياء ولا يدخل في العقل جعل المربوب والعبد شريكًا للرب والمولى. وبوجه آخر الموجود إما واجب لذاته أو ممكن لذاته، وقد ثبت أن الواجب لذاته واحد وما سواه ممكن لذاته والممكن لذاته لا يوجد إلا بإيجاد الواجب لذاته فهو إذن رب كل شيء، وصريح العقل شاهد بأن المربوب لا يكون شريكًا للرب فلا يختص إذن بالربوبية غيره. ثم لما بين الدليل القاطع على التوحيد ذكر أنه لا يرجع إليه من كفرهم وشركهم ذم ولا عقاب فقال: {ولا تكسب كل نفس إلا عليها} ومعناه أن إثم الجاني عليه لا على غيره {ولا تزر وازرة وزر أخرى} أي لا تؤخذ نفس آثمة بإثم نفس أخرى وهذا كالرد لقولهم:
{اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم} [العنكبوت: 12] ثم بين أن رجوع هؤلاء المشركين إلى موضع لا حاكم هناك إلا الله تعالى فقال: {ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون} ثم ختم السورة ببيان حال المبدإ والوسط والمعاد على سبيل الإجمال فقال: {وهو الذي جعلكم خلائف الأرض} قيل: الخطاب لبني آدم لأنه جعلهم بحيث يخلف بعضهم بعضًا. وقيل: لأمة محمد صلى الله عليه وآله لأنه خاتم النبيين فخلفت أمته سائر الأمم، وقيل: لخواص الأمة الذين هم خلفاء الله في أرضه يملكونها ويتصرفون فيها بالحق كقوله: {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس} [ص: 26] {ورفع بعضكم فوق بعض درجات} في الشرف والعقل والجاه والمال والرزق لا للعجز والبخل ولم لأجل شبه الابتلاء والامتحان، ولظهور الموفر من المقصر وتميز المطيع من العاصي حسب ما تقتضيه الحكمة والعدالة والتدبير والتقدير. ثم وصف نفسه بالقدرة الكاملة على إيصال العقاب وإيفاء الثواب فقال: {إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم} فأدخل اللام في قرينة الترغيب وأسقطها عن قرينة الترهيب ترجيحًا لجانب الرحمة والغفران فإن اللطف والرحمة تفيض عنه بالذات والقهر والتعذيب يصدر عنه بالعرض لأن ذلك من ضروريات الملك ولهذا قال: «سبقت رحمتي غضبي» وإنما وصف العقاب بالسرعة لأن كل ما هو آت قريب. وإنما لم يسقط اللام عن قرينة العقاب في سورة الأعراف في قصة أصحاب السبت لأن ذلك قد ورد عقيب ذكر المسخ فناسب التأكيد باللام، وإنما أخر قرينة الرحمة في الموضعين ليقع ختم الكلام على المغفرة والرحمة فيكون أدل على كمال رأفته ووفور إحسانه. اهـ.

.قال سيد قطب في الآيات السابقة:

{ثُمَّ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154)} إلى قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)}
لم ينقطع تدفق السياق في الموضوع الأساسي الذي يعالجه شطر السورة الأخيرة- وهو موضوع الحاكمية والتشريع وعلاقتهما بالدين والعقيدة- وهذا الشوط الجديد هو امتداد في العرض، وامتداد في الحشد، لتقرير هذه الحقيقة.
وهو يتحدث عن المبادئ الأساسية في العقيدة- بصدد التشريع والحاكمية- كما كان الشطر الأول من السورة يتحدث عن هذه المبادئ في صدد قضية الدين والعقيدة. ذلك ليقرر أن قضية التشريع والحاكمية هي كذلك قضية الدين والعقيدة. وعلى ذات المستوى الذي يعرض به المنهج القرآني هذه الحقيقة. ومما يلاحظ أن السياق يستخدم في شطر السورة الثاني ذات المؤثرات والموحيات والمشاهد والتعبيرات التي حشدها في الشطر الأول منها:
* يتحدث عن الكتب والرسل والوحي والآيات التي يطلبونها.