فصل: قال الفراء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال بعض أهل النظر يراد به غير آدم وحواء وإنما ذكرا لأنهما أصل الناس.
179- وقوله جل وعز: {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم} (آية 194) أي الله جل وعز يهلكهم كما يهلككم وروي عن سعيد بن جبير أنه قرأ إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم وإن هاهنا بمعنى ما والمعنى ما الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم أي هم الأصنام والقراءة الأولى أكثر وأعرف والسواد عليها.
180- وقوله جل وعز: {إن وليي الله الذي نزل الكتاب} (آية 196) قال الأخفش وقرئ {إن ولي الله الذي نزل الكتاب} يعني جبريل صلى الله عليه وسلم.
قال أبو جعفر هي قراءة عاصم الجحدري والقراءة الأولى أولى لقوله تعالى: {وهو يتولى الصالحين}.
181- وقوله جل وعز: {وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون} (آية 198) يعني الأصنام قال الكسائي يقال داري تنظر إلى دار فلان إذا كانت قريبة منها.
182- وقوله جل وعز: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} (آية 199) قال عطاء العفو الفضل.
قال أبو جعفر وكذلك هو في اللغة ما كان فضلا ولم يكن بتكلف حدثنا أبو جعفر قال نا أحمد بن عبد الجبار الصوفي قال أنبأنا داود الضبي قال نا مسلم بن خالد عن ابن أبى نجيح عن مجاهد في قوله جل وعز: {خذ العفو} قال خذ من أخلاقهم وأعمالهم في غير تجسس قال الضحاك والسدي هذا قبل أن تفرض الصدقة وقد نسخته الزكاة وقال وهب بن كيسان سمعت ابن الزبير رحمه الله يقول خذ العفو والله ما أمر أن يؤخذ إلا من أخلاق الناس والله لآخذنه منهم ما صحبتهم.
183- ثم قال جل وعز: {وأمر بالعرف} (آية 199).
والعرف المعروف.
184- وقوله جل وعز: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ} (آية 200) النزغ أدنى حركة.
185- وقوله جل وعز: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا} (آية 201) قال مجاهد الطيف سنة الغضب قال الكسائي الطيف اللمم والطائف كل ما طاف حول الإنسان وقال أبو عمرو الطيف الوسوسة وحقيقته في اللغة من طاف يطيف إذا تخيل في القلب أو رؤي في النوم وهو طائف وطيف بمعناه.
186- وقوله جل وعز: {وإخوانهم يمدونهم في الغي} (آية 202) أي يزيدونهم.
187- وقوله جل وعز: {وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها} (آية 203) قال قتادة أي جئت بها من عند نفسك وكذلك هو في اللغة يقال اجتبيت الشيء وارتجلته واخترعته واختلقته إذا جئت به من عند نفسك.
188- وقوله جل وعز: {ودون الجهر من القول بالغدو والآصال} (آية 205) الآصال العشايا الواحد أصل وواحد أصل أصيل.
189- وقوله جل وعز: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} (آية 204) هذا عام يراد به الخاص وقال إبراهيم النخعي وابن شهاب والحسن هذا في الصلاة وقال عطاء هذا في الصلاة والخطبة قال أبو جعفر القول الأولى أول لأن الخطبة يجب السكوت فيها إذا قرئ القرآن وإذا لم يقرأ والدليل على صحة ما رواه إبراهيم الهجري عن أبي عياض عن أبي هريرة قال كانوا يتكلمون في الصلاة فأنزل الله جل وعز: {وإذا قرئ القرآن} إلى آخرها.
قال أبو جعفر ولم يختلف في معنى قوله تعالى: {واذكر ربك في نفسك} أنه في الدعاء وقال بعضهم في قوله جل وعز: {فاستمعوا له وأنصتوا} كان هذا لرسول الله خاصة ليعيه عنه صلى الله عليه وسلم أصحابه.
تمت سورة الأعراف. اهـ.

.قال الفراء:

ومن سورة الأعراف:
قلت: أرأيت ما يأتى بعد حروف الهجاء مرفوعا مثل قوله: {المص كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} ومثل قوله: {الم تَنْزِيلُ الْكِتابِ}، وقوله: {الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ} وأشباه ذلك بم رفعت الكتاب في هؤلاء الأحرف؟
قلت: رفعته بحروف الهجاء التي قبله كأنك قلت: الألف واللام والميم والصاد من حروف المقطّع كتاب أنزل إليك مجموعا. فإن قلت: كأنك قد جعلت الألف واللام والميم والصاد يؤدّين عن جميع حروف المعجم، وهو ثلاثة أحرف أو أربعة؟ قلت: نعم، كما أنك تقول: أ ب ت ث ثمانية وعشرون حرفا، فتكتفى بأربعة أحرف من ثمانية وعشرين. فإن قلت: إن ألف ب ت ث قد صارت كالاسم لحروف الهجاء كما تقول: قرأت الحمد، فصارت اسما لفاتحة الكتاب. قلت: إن الذي تقول ليقع في الوهم، ولكنك قد تقول: ابني في أ ب ت ث، ولو قلت في حاط لجاز ولعلمت بأنه يريد: ابني في الحروف المقطّعة.
فلما اكتفى بغير أوّلها علمنا أن أوّلها ليس لها باسم وإن كان أوّلها آثر في الذكر من سائرها. فإن قلت: فكيف جاءت حروف {المص} و{كهيعص} مختلفة ثم أنزلا منزل با تا ثا وهنّ متواليات؟ قلت: إذا ذكرن متواليات دللن على أب ت ث بعينها مقطّعة، وإذا لم يأتين متواليات دللن على الكلام المتصل لا على المقطّع.
أنشدنى الحارثىّ:
تعلمت باجاد وآل مزامر ** وسوّدت أثوابى ولست بكاتب

وأنشدنى بعض بنى أسد:
لمّا رأيت أمرها في حطّى ** وفنكت في كذب ولط

أخذت منها بقرون شمط ** ولم يزل ضربى لها ومعطى

حتى على الرأس دم يغطى فاكتفى بحطى من أبى جاد، ولو قال قائل: الصبى في هوّز أو كلمن، لكفى ذلك من أبى جاد.
وقد قال الكسائىّ: رفعت {كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} وأشباهه من المرفوع بعد الهجاء بإضمار هذا أو ذلك وهو وجه. وكأنه إذا أضمر هذا أو ذلك أضمر لحروف الهجاء ما يرفعها قبلها لأنها لا تكون إلا ولها موضع.
قال: أفرأيت ما جاء منها ليس بعده ما يرافعه مثل قوله: حم. عسق، ويس، وق، وص، مما يقلّ أو يكثر، ما موضعه إذ لم يكن بعده مرافع؟ قلت: قبله ضمير يرفعه، بمنزلة قول اللّه تبارك وتعالى: {بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} المعنى واللّه أعلم: هذه براءة من اللّه. وكذلك {سُورَةٌ أَنْزَلْناها} وكذلك كل حرف مرفوع مع القول ما ترى معه ما يرفعه فقبله اسم مضمر يرفعه مثل قوله: {وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا} المعنى واللّه أعلم: لا تقولوا هم ثلاثة، يعنى الآلهة، وكذلك قوله: {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ} المعنى واللّه أعلم: سيقولون هم ثلاثة.
وقد قيل في {كهيعص}: إنه مفسّر لأسماء اللّه. فقيل: الكاف من كريم، والهاء من هاد، والعين والياء من عليم، والصاد من صدوق. فإن يك كذلك فالذكر مرفوع بضمير لا ب {كهيعص}. وقد قيل في {طه} إنه: يا رجل، فإن يك كذلك فليس يحتاج إلى مرافع لأن المنادى يرفع بالنداء وكذلك {يس} جاء فيها يا إنسان، وبعضهم: يا رجل، والتفسير فيها كالتفسير في طه.
وقوله: {فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ (2)} يقول: لا يضيق صدرك بالقرآن بأن يكذبوك، وكما قال اللّه تبارك وتعالى: {فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا}. وقد قيل: {فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ}: شك.
{لِتُنْذِرَ بِهِ} مؤخر، ومعناه: المص كتاب أنزل إليك لتنذر به فلا يكن في صدرك حرج منه.
{وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ} في موضع نصب ورفع. إن شئت رفعتها على الردّ على الكتاب كأنك قلت: كتاب حقّ وذكرى للمؤمنين والنصب يراد به: لتنذر وتذكّر به المؤمنين.
{اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ}
وقوله: {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ...}
وإنما خاطب النبي صلى الله عليه وسلم وحده لأن ما أنذر به فقد أنذرت به أمته؛ كما قال: {يأيها النبي إِذا طلقتم النِساء} فخاطبه، ثم جعل الفعل للجميع، وأنت قد تقول للرجل: ويحك أما تتقون الله، تذهب إليه وإلى أهل بيته أو عشيرته. وقد يكون قوله: {اتبِعوا} محكيا من قوله: {لتنذر به} لأن الإنذار قول، فكأنه قيل له: لتقول لهم اتبعوا؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {يوصِيكم الله في أولادِكم للذكرِ مِثل حظِّ الأنثيينِ} لأن الوصية قول.
ومثله: {يا أيها النبي لِم تحرِّم ما أحلَّ الله لك}. ثم قال: {قد فرض الله لكم} فجمع.
{وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ}
وقوله: {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا...}
يقال: إنما أتاها البأس من قَبْل الإهلاك، فكيف تقدم الهلاك؟ قلت: لأن الهلاك والبأس يقعان معا؛ كما تقول: أعطيتنى فأحسنت، فلم يكن الإحسان بعد الإعطاء ولا قبله: إنما وقعا معا، فاستجيز ذلك. وإن شئت كان المعنى: وكم من قرية أهلكناها فكان مجىء البأس قبل الإهلاك، فأضمرت كان. وإنما جاز ذلك على شبيه بهذا المعنى، ولا يكون في الشروط التي خَلَفتْها بمقدّم معروف أن يقدم المؤخر أو يؤخر المقدم؛ مثل قولك: ضربته فبكى، وأعطيته فاستغنى، إلا أن تدع الحروف في مواضعها. وقوله: {أهلكناها فجاءها} قد يكونان خبرا بالواو: أهلكناها وجاءها البأس بياتا.
وقوله: {أَوْ هُمْ قائِلُونَ (4)} ردّ الفعل إلى أهل القرية وقد قال في أولها {أهلكناها} ولم يقل: أهلكناهم فجاءهم، ولو قيل، كان صوابا. ولم يقل: قائلة، ولو قيل لكان صوابا.
وقوله: {أَوْ هُمْ قائِلُونَ} واو مضمرة. المعنى أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو وهم قائلون، فاستثقلوا نسقا على نسق، ولو قيل لكان جائزا كما تقول في الكلام:
أتيتنى واليا، أو وأنا معزول، وإن قلت: أو أنا معزول، فأنت مضمو للواو.
وقوله: {فَما كانَ دَعْواهُمْ (5)} الدعوى في موضع نصب لكان. ومرفوع كان قوله: {إِلَّا أَنْ قالُوا} فأن في موضع رفع. وهو الوجه في أكثر القرآن: أن تكون أن إذا كان معها فعل، أن تجعل مرفوعة والفعل منصوبا مثل قوله: {فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ} و{ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا}. ولو جعلت الدعوى مرفوعة {وأن} في موضع نصب كان صوابا كما قال اللّه تبارك وتعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا} وهى في إحدى القراءتين: ليس البر بأن تولوا.
وقوله: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ (8)} وإن شئت رفعت الوزن بالحقّ، وهو وجه الكلام. وإن شئت رفعت الوزن بيومئذ، كأنك قلت: الوزن في يوم القيامة حقّا، فتنصب الحقّ وإن كانت فيه ألف ولام كما قال: {فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ} الأولى منصوبة بغير أقول.
والثانية بأقول.
وقوله: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ} ولم يقل فذلك فيوحّد لتوحيد من، ولو وحّد لكان صوابا. ومن تذهب بها إلى الواحد وإلى الجمع.
وهو كثير.
وقوله: {وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ (10)} لا تهمز لأنها- يعنى الواحدة- مفعلة، الياء من الفعل، فلذلك لم تهمز، إنما يهمز من هذا ما كانت الياء فيه زائدة مثل مدينة ومدائن، وقبيلة وقبائل لما كانت الياء لا يعرف لها أصل ثم قارفتها ألف مجهولة أيضا همزت، ومثل معايش من الواو مما لا يهمز لو جمعت، معونة قلت: معاون أو منارة قلت مناور. وذلك أن الواو ترجع إلى أصلها لسكون الألف قبلها. وربما همزت العرب هذا وشبهه، يتوهمون أنها فعيلة لشبهها بوزنها في اللفظ وعدّة الحروف كما جمعوا مسيل الماء أمسلة، شبّه بفعيل وهو مفعل. وقد همزت العرب المصائب وواحدتها مصيبة شبهت بفعيلة لكثرتها في الكلام.
وقوله: {قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ (12)} المعنى- واللّه أعلم- ما منعك أن تسجد. وأن في هذا الموضع تصحبها لا، وتكون لا صلة. كذلك تفعل بما كان في أوّله جحد. وربما أعادوا على خبره جحدا للاستيثاق من الجحد والتوكيد له كما قالوا:
ما إن رأينا مثلهن لمعشر ** سود الرءوس فوالج وفيول