فصل: قال الأخفش:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ (150)} تقول: عجلت الشيء: سبقته، وأعجلته استحثثته.
وقوله: {وَأَلْقَى الْأَلْواحَ} ذكر أنهما كانا لوحين. وجاز أن يقال الألواح للاثنين كما قال فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ وهما أخوان وكما قال: {إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما} وهما قلبان.
وقوله تبارك وتعالى: {قالَ ابْنَ أُمَّ} يقرأ {ابن أمّ، وأمّ} بالنصب والخفض، وذلك أنه كثر في الكلام فحذفت العرب منه الياء. ولا يكادون يحذفون الياء إلا من الاسم المنادى يضيفه المنادى إلى نفسه، إلّا قولهم: يا ابن عمّ ويا ابن أمّ. وذلك أنه يكثر استعمالهما في كلامهم. فإذا جاء ما لا يستعمل أثبتوا الياء فقالوا: يا ابن أبى، ويا ابن أخى، ويا ابن خالتى، فأثبتوا الياء. ولذلك قالوا: يا ابن أمّ، ويا ابن عمّ فنصبوا كما تنصب المفرد في بعض الحالات، فيقال: حسرتا، ويا ويلتا، فكأنهم قالوا: يا أمّاه، ويا عمّاه. ولم يقولوا ذلك في أخ، ولو قيل كان صوابا. وكان هارون أخاه لأبيه وأمّه. وإنما قال له {يا ابن أم} ليستعطفه عليه.
وقوله: {فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ} من أشمت، حدّثنا محمد قال حدّثنا الفراء قال حدّثنا سفيان بن عبينة عن رجل- أظنه الأعرج- عن مجاهد أنه قرأ {فلا تشمت بي} ولم يسمعها من العرب، فقال الكسائىّ: ما أدرى لعلهم أرادوا {فلا تشمت بي الأعداء} فإن تكن صحيحة فلها نظائر، العرب تقول فرغت: وفرغت. فمن قال فرغت قال: أنا أفرغ، ومن قال فرغت قال أنا أفرغ، وركنت وركنت وشملهم شر، وشملهم، في كثير من الكلام. و{الأعداء} رفع لأن الفعل لهم، لمن قال: تشمت أو تشمت.
وقوله: {وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا (155)} وجاء التفسير: اختار منهم سبعين رجلا. وإنما استجيز وقوع الفعل عليهم إذ طرحت من لأنه مأخوذ من قولك: هؤلاء خير القوم، وخير من القوم. فلما جازت الإضافة مكان من ولم يتغير المعنى استجازوا أن يقولوا: اخترتكم رجلا، واخترت منكم رجلا.
وقد قال الشاعر:
فقلت له اخترها قلوصا سمينة ** ونابا علينا مثل نابك في الحيا

فقام إليها حبتر بسلاحه ** فللّه عينا حبتر أيّما فتى

وقال الراجز:
تحت الذي اختار له اللّه الشجر

وقوله: {أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا} وذلك أن اللّه تبارك وتعالى أرسل على الذين معه- وهم سبعون- الرجفة، فاحترقوا، فظنّ موسى أنهم أهلكوا باتخاذ أصحابهم العجل، فقال: أتهلكنا بما فعل السفهاء منا، وإنما أهلكوا بمسألتهم موسى {أرنا اللّه جهرة}.
وقوله: {ثم اتخذوا العجل} ليس بمردود على قوله: {فأخذتهم الصاعقة} ثم اتخذوا هذا مردود على فعلهم الأوّل. وفيه وجه آخر: أن تجعل {ثم} خبرا مستأنفا. وقد تستأنف العرب بثم والفعل الذي بعدها قد مضى قبل الفعل الأوّل من ذلك أن تقول للرجل: قد أعطيتك ألفا ثم أعطيتك قبل ذلك مالا فتكون {ثم} عطفا على خبر المخبر كأنه قال: أخبرك أنى زرتك اليوم، ثم أخبرك أنى زرتك أمس.
وأمّا قول اللّه عزّ وجلّ: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها} فإن فيه هذا الوجه لئلا يقول القائل: كيف قال: خلقكم ثم جعل منها زوجها والزوج مخلوق قبل الولد؟ فهذا الوجه المفسّر يدخل فيه هذا المعنى. وإن شئت جعلت {ثم} مردودة على الواحدة أراد- واللّه أعلم- خلقكم من نفس وحدها ثم جعل منها زوجها، فيكون {ثم} بعد خلقه آدم وحده. فهذا ما في ثم. وخلقة ثمّ أن يكون آخر. وكذلك الفاء. فأمّا الواو فإنك إن شئت جعلت الآخر هو الأوّل والأوّل الآخر. فإذا قلت: زرت عبد اللّه وزيدا، فأيّهما شئت كان هو المبتدأ بالزيادة، وإذا قلت: زرت عبد اللّه ثم زيدا، أو زرت عبد اللّه فزيدا كان الأوّل قبل الآخر، إلا أن تريد بالآخر أن يكون مردودا على خبر المخبر فتجعله أوّلا.
وقوله: {وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ (160)} فقال: {اثنتي عشرة} والسبط ذكر لأن بعده أمم، فذهب التأنيث إلى الأمم. ولو كان اثنى عشر لتذكير السبط كان جائزا.
وقوله: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا (137)} فتنصب مشارق ومغارب تريد: في مشارق الأرض وفى مغاربها، وتوقع {وأورثنا} على قوله: {الَّتِي بارَكْنا فِيها}. ولو جعلت {وأورثنا} واقعة على المشارق والمغارب لأنهم قد أورثوها وتجعل {التي} من نعت المشارق والمغارب فيكون نصبا، وإن شئت جعلت {التي} نعتا للأرض فيكون خفضا.
وقوله: {وَما ظَلَمُونا} يقول: وما نقصونا شيئا بما فعلوا، ولكن نقصوا أنفسهم.
والعرب تقول: ظلمت سقاءك إذا سقيته قبل أن يمخض ويخرج زبده. ويقال ظلم الوادي إذا بلغ الماء منه موضعا لم يكن ناله فيما خلا أنشدنى بعضهم:
يكاد يطلع ظلما ثم يمنعه ** عن الشواهق فالوادى به شرق

ويقال: إنه لأظلم من حيّة لأنها تأتى الجحر ولم تحفره فتسكنه. ويقولون:
ما ظلمك أن تفعل، يريدون: ما منعك أن تفعل، والأرض المظلومة: التي لم ينلها المطر، وقال أبو الجراح: ما ظلمك أن تفيء، لرجل شكا كثرة الأكل. ويقال صعق الرجل وصعق إذا أخذته الصاعقة، وسعد وسعد ورهصت الدابة ورهصت.
وقوله: {وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ (163)} والعرب تقول: يسبتون ويسبتون وسبت وأسبت. ومعنى اسبتوا: دخلوا في السبت، ومعنى يسبتون: يفعلون سبتهم. ومثله في الكلام: قد أجمعنا، أي مرّت بنا جمعة، وجمّعنا: شهدنا الجمعة. قال وقال لى بعض العرب: أترانا أشهرنا مذ لم نلتق؟ أراد: مرّ بنا شهر.
{وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ} منصوب بقوله: {لا تَأْتِيهِمْ}.
وقوله: {قالُوا مَعْذِرَةً (164)} إعذارا فعلنا ذلك. وأكثر كلام العرب أن ينصبوا المعذرة. وقد آثرت القراء رفعها. ونصبها جائز. فمن رفع قال: هي معذرة كما قال: {إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ}.
وقوله: {مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ (167)}: الجزية إلى يوم القيامة.
وقوله: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ (169)} و{خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ} أي قرن، بجزم اللام. والخلف: ما استخلفته، تقول: أعطاك اللّه خلفا مما ذهب لك، وأنت خلف سوء، سمعته من العرب.
وقوله: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ (170)} ويقرأ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ ومعناه: يأخذون بما فيه.
وقوله: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ (171)} رفع الجبل على عسكرهم فرسخا في فرسخ. نَتَقْنَا: رفعنا. ويقال: امرأة منتاق إذا كانت كثيرة الولد.
وقوله: {وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ (176)}: ركن إليها وسكن. ولغة يقال: خلد إلى الأرض بغير ألف، وهى قليلة.
ويقال للرجل إذا بقي سواد رأسه ولحيته: إنه مخلد، وإذا لم تسقط أسنانه قيل:
إنه لمخلد.
وقوله: {أَيَّانَ مُرْساها (187)} المرسى في موضع رفع.
{ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} ثقل على أهل الأرض والسماء أن يعلموه.
وقوله: {كَأَنَّكَ حَفِيٌ} كأنك حفىّ عنها مقدّم ومؤخر ومعناه يسألونك عنها كأنك حفىّ بها. ويقال في التفسير كأنك حفىّ أي كأنك عالم بها.
وقوله: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ (188)} يقول: لو كنت أعلم الغيب لأعددت للسنة المجدبة من السنة المخصبة، ولعرفت الغلاء فاستعددت له في الرخص. هذا قول محمد صلى اللّه عليه وسلم.
وقوله: {حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا (189)} الماء خفيف على المرأة إذا حملت.
{فَمَرَّتْ بِهِ} فاستمرّت به: قامت به وقعدت.
{فَلَمَّا أَثْقَلَتْ}: دنت ولادتها، أتاها إبليس فقال: ماذا في بطنك؟ فقالت: لا أدرى. قال: فلعله بهيمة، فما تصنعين لى إن دعوت اللّه لك حتى يجعله إنسانا؟ قالت: قل، قال: تسمّينه باسمي. قالت: وما اسمك؟ قال: الحرث.
فسمّته عبد الحارث، ولم تعرفه أنه إبليس.
وقوله: {جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ (190)} إذ قالت: عبد الحارث، ولا ينبغى أن يكون عبدا إلا للّه. ويقرأ: {شركا}.
وقوله: {أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئًا (191)} أراد الألهة ب {ما}، ولم يقل: من، ثم جعل فعلهم كفعل الرجال.
وقال: {وَهُمْ يُخْلَقُونَ} ولا يملكون.
وقوله: {وَلا يَسْتَطِيعُونَ (192)} فجعل الفعل للرجال.
وقوله: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى (193)} يقول: إن يدع المشركون الآلهة إلى الهدى لا يتبعوهم.
وقوله: {سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ} ولم يقل: أم صمتّم.
وعلى هذا أكثر كلام العرب: أن يقولوا: سواء علىّ أقمت أم قعدت. ويجوز:
سواء علىّ أقمت أم أنت قاعد قال الشاعر:
سواء إذا ما أصلح اللّه أمرهم ** علينا أدثر ما لهم أم أصارم

وأنشدنى الكسائي:
سواء عليك النفر أم بتّ ليلة ** بأهل القباب من نمير بن عامر

وأنشده بعضهم أو أنت بائت وجاز فيها أو لقوله: النفر لأنك تقول: سواء عليك الخير والشر، ويجوز مكان الواو أو لأن المعنى جزاء كما تقول: اضربه قام أو قعد. ف أو تذهب إلى معنى العموم كذهاب الواو.
وقوله: {وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ (198)} يريد الآلهة: أنها صور لا تبصر. ولم يقل: وتراها لأن لها أجساما وعيونا.
والعرب تقول للرجل القريب من الشيء: هو ينظر، وهو لا يراه، والمنازل تتناظر إذا كان بعضها بحذاء بعض.
وقوله: {إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ (201)} وقرأ إبراهيم النخعي {طيف} وهو اللمم والذنب {فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ} أي منتهون إذا أبصروا.
وقوله: {وَإِخْوانُهُمْ (202)} إخوان المشركين {يَمُدُّونَهُمْ في الغىّ}، فلا يتذكّرون ولا ينتهون. فذلك قوله: {ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ} يعنى المشركين وشياطينهم. والعرب تقول: قد قصر عن الشيء وأقصر عنه. فلو قرئت {يقصرون} لكان صوابا.
وقوله: {وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها (203)} يقول: هلا افتعلتها. وهو من كلام العرب جائز أن يقال: اختار الشيء، وهذا اختياره.
وقوله: {وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا (204)} قال: كان الناس يتكلمون في الصلاة المكتوبة، فيأتى الرجل القوم فيقول: كم صليتم؟ فيقول: كذا وكذا. فنهوا عن ذلك، فحرم الكلام في الصلاة لما أنزلت هذه الآية. اهـ.

.قال الأخفش:

سورة الأعراف:
{كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}
قال: {كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ} على الابتداء.
وقال: {فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ} على النهي كما قال: {وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} أي: الحَرَجُ فَلا يَكُنْ في صَدْرِكَ، وعينَاكَ فَلا تَعْدُواَ عَنْهُم.
{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ}
وقال{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ} يقول [لَنَسْأَلَنَّ] القوم الذين بُعِثَ إِلَيْهِم وأُنذروا. {وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ}.
{فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ}
{فَلَنَقُصَّنَّ} أدخل النون واللام لأن قوله: {فَلَنَسْأَلَنَّ} {وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} على القسم.
{وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ}
وقال: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} فالياء غير مهموزة وقد همز بعض القراء وهو رديء لأنها ليست بزائدة. وإِنّما يُهْمز ما كان على مثال مَفاعِل اذا جاءت الياء زائدة في الواحد والألف والواو التي تكون الهمزة مكانها نحو مَدائِن لأنها فَعايِل. ومن جعل المدائِن من دان يَدِين لم يهمز لأن الياء حينئذ من الأصل. وأما قَطائِع ورسائِل وعَجائزِ وكبائر فان هذا كله مهموز لأن واو عَجُوز زائدة، الا ترى انك تقول: عجزَ والف رسالة زائدة اذ تقول أَرسلت فتذهب الألف منها. وتقول في كبيرة كبرت فتذهب الياء منها. وأما مصايِب فكان أصلها مصاوب لأن الياء اذا كانت اصلها الواو فجاءت في موضع لابد من ان تحرك فيه قلبت الواو في ذلك الموضع اذا كان الأصل من الواو فلما قلبت صارت كأنها قد أفسدت حتى صارت كأنها الياء الزائدة فلذلك همزت ولم يكن القياس ان تهمز. وناس من العرب يقولون المصاوب وهي قياس.