فصل: رد أهل السنة على المرجئة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.رد أهل السنة على المرجئة:

سبق أن المرجئة بنوا مذهبهم على ثلاثة أسس:
الأساس الأول: تعريف الإيمان أن الإيمان بالله هو المعرفة بالله وبرسله وبجميع ما جاء من عند الله فقط.
الأساس الثاني: التمسك بنصوص الوعد.
الأساس الثالث: تأويل نصوص الوعيد.
وقد رد أهل السنة على نقض هذه الأسس، فعرفوا الإيمان تعريفا يخالف تعريف المرجئة، وبينوا أن نصوص القرآن والسنة تدل على صحة تعريفهم، وتأبى تعريف المرجئة:

.معنى الإيمان عند أهل السنة:

عرف جماهير أهل السنة الإيمان، بأنه: اعتقاد بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان.
ومعنى هذا أن الإيمان في عرف الشرع، شامل لاعتقاد القلب، بحيث لو نطق بالشهادة ولم يكن مصدقا بها قلبه، لا يكون مؤمنا، ولو اعتقد بقلبه معنى الشهادة، ورفض النطق بها، لم يدخل في دائرة أهل الإيمان، وإذا نطق بالشهادة واعتقدها بقلبه، وترك ما أمره الله بفعله من الفرائض، وارتكب ما نهاه الله عنه من الكبائر، يكون ناقص الإيمان.
وهو معرض لعقاب الله على ترك الفرائض وفعل المحرمات، وإذا مات قبل التوبة، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه ثم أدخله الجنة.
قال ابن كثير رحمه الله:
والإيمان كلمة جامعة للإيمان بالله وكتبه ورسله وتصديق الإقرار بالفعل.
قلت: أما الإيمان في اللغة فيطلق على التصديق المحض، وقد يستعمل في القرآن والمراد به ذلك، كما قال تعالى: {يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين} وكما قال إخوة يوسف لأبيهم: {وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين}.
وكذلك إذا استعمل مقرونا مع الأعمال كقوله تعالى: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات}.
فأما إذا استعمل مطلقا فالإيمان الشرعي المطلوب، لا يكون إلا اعتقادا وقولا وعملا، هكذا ذهب إليه أكثر الأئمة، بل قد حكاه الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو عبيدة وغير واحد إجماعا، أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وقد ورد فيه آثار كثيرة وأحاديث أفردنا الكلام فيها في أول شرح البخاري ولله الحمد والمنة.
ويظهر لي من الآيات الآتية دلالة على صحة تعريف الإيمان عند أهل السنة، وعدم صحة تعريفه عند المرجئة:
قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)} الأنفال.
فقد حصرت هاتان الآيتان المؤمنين في المتصفين بهذه الصفات التي هي من أجزاء الإيمان:
الصفة الأولى: وجل القلوب عند ذكر الله، أي خوفها منه تعالى.
الصفة الثانية: ازديادهم إيمانا عندما تتلى عليهم آيات الله.
الصفة الثالثة: التوكل على الله، أي الاعتماد عليه.
الصفة الرابعة: إقامة الصلاة.
الصفة الخامسة: الإنفاق مما رزقهم الله.
والصفات الثلاث الأولى من أعمال القلوب- إلا أن زيادة الإيمان شاملة لعمل القلب وغيره- وكذلك الرابعة والخامسة شاملتان لأعمال القلوب والجوارح.
ومما يدل على أن هذه الصفات أجزاء للإيمان أمران:
الأمر الأول: الحصر المذكور قبل هذه الصفات في قوله تعالى: {إنما المؤمنون}.
الأمر الثاني: التوكيد البالغ بعد ذكر تلك الصفات في قوله: {أولئك هم المؤمنون حقا} ولا يقال: إن الحصر منصب على المؤمنين لا على الإيمان، لأن المؤمنين إنما اتصفوا بتلك الصفات لكونها من الإيمان.
وقال تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16)} السجدة.
فقد حصرت الآيتان الكريمتان الإيمان في المتصفين بهذه الصفات المذكورة فيهما، وهي: السجود لله عند التذكير بآياته، والتسبيح بحمده، والخضوع له بعبادته وعدم الاستكبار عنها، ومفارقتهم للمضاجع في الأوقات التي تشتد حاجتهم إلى الالتصاق بها، من أجل إقبالهم إلى الله تعالى، ودعاء الله تعالى، وخوف عقابه، والطمع في مثوبته وأجره، والإنفاق من رزقه في طاعته.
فالسجود والتسبيح والدعاء والإنفاق ومفارقة المضاجع، من أعمال الجوارح. والخضوع لله الذي تضمنه ترك الاستكبار، والخوف من عقاب الله والطمع في ثوابه من أعمال القلوب.
وهذا يدل على أن تلك الصفات كلها من أجزاء الإيمان.
وقال تعالى: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81)} المائدة فالآية تدل على أن موالاة أعداء الله وميل القلب إليهم ونصرهم ينافي الإيمان الواجب.
وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ (15)} الحجرات وهذه الآية تدل على أن استمرار اليقين في القلب الذي هو ضد الشك والريب، وكذلك الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس من الإيمان، وانتفاء ذلك يدل على انتفاء الإيمان الواجب.
والتصديق الذي لا يخالطه شك من الإيمان، وهو من أعمال القلب، والجهاد من الإيمان وهو من أعمال الجوارح.
وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)} البقرة.
وقد ورد في سبب نزول هذه الآية ما يدل على أن المراد بالإيمان هنا الصلاة، لأنها نزلت في قوم ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس- قبل الأمر بالتوجه إلى الكعبة- فتساءل ناس عنهم، أي عن حكم صلاتهم التي لم يتوجهوا بها إلى بيت الله الحرام؟ فنزلت الآية تطمئن المتسائلين على أنهم مثابون على صلواتهم كما يثاب غيرهم ممن أدرك القبلة الجديدة.
وهذا يدل على أن الصلاة- بكل ما فيها من قراءة وذكر وقيام وقعود وخشوع- من الإيمان.
ومن الآيات السابقة- وغيرها كثير- يظهر أن الشارع يطلق لفظ الإيمان على التصديق الجازم بالقلب كما في قوله تعالى: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا} وعلى أعمال القلب غير التصديق كما في قوله تعالى: {إنما المؤمنون الذي إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} {وعلى ربهم يتوكلون} ويطلق على أعمال الجوارح، كقوله تعالى: {إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم}.. {تتجافى جنوبهم عن المضاجع}.. {ومما رزقناهم ينفقون}.
وذكر ابن تيمية رحمه الله، الأصول التي أخطأ فيها الجهمية، فقال:
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ غَلِطُوا فِي ثَلاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: ظَنُّهُمْ أَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي فِي الْقَلْبِ يَكُونُ تَامًّا بِدُونِ الْعَمَلِ الَّذِي فِي الْقَلْبِ تَصْدِيقٌ بِلَا عَمَلٍ لِلْقَلْبِ، كَمَحَبَّةِ اللَّهِ وَخَشْيَتِهِ وَخَوْفِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالشَّوْقِ إلَى لِقَائِهِ.
والثَّانِي: ظَنُّهُمْ أَنَّ لإيمَانَ الَّذِي فِي الْقَلْبِ يَكُونُ تَامًّا بِدُونِ الْعَمَلِ الظَّاهِرِ، وَهَذَا يَقُولُ بِهِ جَمِيعُ الْمُرْجِئَةِ.
والثَّالِثُ: قَوْلُهُمْ كُلُّ مَنْ كَفَّرَهُ الشَّارِعُ، فَإِنَّمَا كَفَّرَهُ لِانْتِفَاءِ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ بِالرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
وقد رد أهل السنة على ما استدل بظاهره المرجئة من نصوص الوعد، بنصوص كثيرة ورد فيها من الوعيد ما يدحض مذهبهم، مثل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلا مَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان:68- 70].
وقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93].
ويدخل في ذلك كل النصوص التي استدل بها الخوارج والمعتزلة، من القرآن والسنة من نصوص الوعيد، فإنها ترد على مذهب المرجئة، وقد سبق ذكرها ومناقشة الاستدلال بها على التكفير أو الخلود في النار.

.تبيين وتلخيص:

ونختم هذين المطلبين، بنصين لعالمين جليلين، لخصا فيهما بيان زيف مذهب طائفتي الخوارج والمعتزلة والمرجئة، ومذهب أهل الحق في هذه المسألة، وهما: ابن أبي العز الحنفي، والمفسر الأندلسي الكلبي، رحمهما الله.
فقال ابن أبي العز: وأهل السنة أيضا متفقون على أنه يستحق الوعيد المرتب على ذلك الذنب كما وردت به النصوص، لا كما يقوله المرجئة من أنه لا يضر مع الإيمان ذنب ولا ينفع مع الكفر طاعة.
وإذا جمعت نصوص الوعد التي استدلت بها المرجئة، ونصوص الوعيد التي استدلت بها الخوارج والمعتزلة، تبين لك فساد القولين، ولا فائدة في كلام هؤلاء سوى أنك تستفيد من كلام كل طائفة فساد مذهب الطائفة الأخرى.
وقال الكلبي في قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.
هذه الآية هي الحاكمة في مسئلة الوعيد، وهي المبينة لما تعارض فيها من الآيات، وهي الحجة لأهل السنة والقاطعة بالخوارج والمعتزلة والمرجئة.
وذلك أن مذهب أهل السنة أن العصاة من المؤمنين في مشيئة الله إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم، وحجتهم هذه الآية، فإنها نص في هذا المعنى.
ومذهب الخوارج أن العصاة يعذبون ولابد سواء كانت ذنوبهم صغائر أو كبائر، ومذهب المعتزلة أنهم يعذبون على الكبائر ولابد.
ويرد على الطائفتين قوله: {ويغفر ما دون ذلك} فإنه تخصيص لبعض العصاة.
وقد تأولت المعتزلة الآية على مذهبهم، فقالوا: لمن يشاء وهو التائب لا خلاف أنه لا يعذب، وهذا التأويل بعيد لأن قوله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به} في غير التائب من الشرك، وكذلك قوله: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} في غير التائب من العصيان، ليكون أول الآية وآخرها على نسق واحد.
وتأولتها المرجئة على مذهبهم فقالوا لمن يشاء معناه لمن يشاء أن يؤمن، وهذا أيضا بعيد لا يقتضيه اللفظ.
وقد ورد في القرآن آيات كثيرة في الوعيد، فحملها المعتزلة على العصاة وحملها المرجئة على الكفار، وحملها أهل السنة على الكفار وعلى من لا يغفر الله له من العصاة.
كما حملوا آية الوعد على المؤمنين الذين لم يذنبوا وعلى المذنبين التائبين وعلى من يغفر الله له من العصاة غير التائبين.
فعلى مذهب أهل السنة لا يبقى تعارض بين آية الوعد وآية الوعيد، بل يجمع بين معانيها، بخلاف قول غيرهم فإن الآيات فيه تتعارض.
وتخليص المذاهب أن الكافر إذا تاب من كفره غفر له بإجماع، وإن مات على كفره لم يغفر له وخلد في النار بإجماع، وأن العاصي من المؤمنين إن تاب غفر له، وإن مات دون توبة فهو الذي اختلف الناس فيه.

.سبب الإكثار من الأدلة والنقل عن العلماء؟

سألني بعض طلابي الذين نتدارس معهم بعض المصادر في العلوم الإسلامية: لماذا الإكثار من ذكر النصوص من القرآن والسنة، للاستدلال على حكم أو مسألة، ألا يكفي المؤلف أن يستدل بأية أو حديث مثلا، ثم لماذا الإكثار عن العلماء الأقدمين؟
وكان جوابي: أن ذلك يعود إلى موضوع البحث، فقد يكون الإكثار من ذكر الأدلة من القرآن والسنة، والإكثار من النقل عن العلماء الأقدمين، مطلوبان لما يعلم الكاتب من وجود شك أو شبهة عند بعض الناس في المسألة أو الحكم، فيدعم قوله بكثرة الأدلة وبأقوال العلماء، لإزالة الشك وكشف الشبهة.
وقد يكون ذلك لتثبيت المعنى في نفس القارئ أو السائل، لما في تضافر الأدلة من مزيد الاطمئنان.
وليس الإكثار من الأدلة بدعا في منهج علماء الإسلام، فقد رأينا لكبار الأئمة في ذلك الشيء الكثير.
ومنهم الإمام الشافعي رحمه الله الذي يسوق كثيرا من الآيات والأحاديث وبخاصة في كتابيه الأم والرسالة للاستدلال بها على المسألة الواحدة، وكثيرا ما يعقد في مسائله المناظرات في أوجه الاستدلال.
وهكذا غيره من العلماء، وبخاصة من ألف في الفقه المقارن، كالإمام النووي الشافعي في المجموع وابن قدامة الحنبلي في المغني والكاساني الحنفي في بدائع الصنائع وابن حزم في المحلى.
وإذا كان الأمر كذلك في فروع الفقه، فإن العقيدة أولى بذلك وأحرى، وبخاصة مسألة التكفير وعدمه التي نحن بصددها في هذا الكتاب، فإنها من أهم مسائل العقيدة التي كثر فيها الأخذ والرد، وقصر فيها قوم وتجاوز آخرون فيها الحد.
وقد يكون الاختصار أولى عندما يعلم الكاتب أنه لا يوجد شك ولا تعرض شبهة، مع وضوح المعنى أو الحكم في نفوس القراء، الذين لا يحتاجون إلى كثرة الأدلة.
ولقد تعمدت الإطالة في موضوع التكفير وعدمه، والإكثار من نقل نصوص القرآن والسنة، والإكثار من نقل أقوال العلماء في هذا الباب.
والسبب في ذلك شدة الحاجة إلى لفت نظر طلاب العلم إلى خطر هذا الموضوع العظيم الذي لا ينبغي أن يغوص في أمواج بحاره المتلاطمة، غير أهله القادرين على السباحة فيها والرسو في شاطئ الأمان.
مع العلم أن كثيرا من هؤلاء قد رمى نفسه في محيطات تلك الأمواج، وهو لا يجيد السباحة في جدول صغير من الماء، فغرق فيها وأغرق معه من قلده على غير هدى وبرهان، فوقعوا جميعا فيما وقعوا فيه من الغلو المنهي عنه بسبب الجهل، وبنوا على ذلك تصرفات ظنوها شرعية والشرع منها براء، ولا عاصم من الغلو والإفراط أو التقصير والتفريط، إلا الفقه في دين الله عن طريق من فقههم الله فيه من علماء سلف الأمة: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)} التوبة.
وفي حديث معاوية رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين...».