فصل: (سورة الأعراف: الآيات 163- 166)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الأعراف: الآيات 163- 166]

{وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذابًا شَدِيدًا قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (166)}.

.اللغة:

{حاضِرَةَ الْبَحْرِ} مجاورة له، وقريبة منه، وراكبة لشاطئه.
واختلف في هذه القرية فقيل: هي أيلة، وقيل: مدين، وقيل: طبريا.
والعرب تسمي المدينة قرية. وعن أبي عمرو بن العلاء: ما رأيت قرويّين أفصح من الحسن والحجاج. يعني رجلين من أهل المدن.
وفي ضمن هذا السؤال فائدة جليلة، وهي تعريف اليهود بأن ذلك مما يعلمه رسول اللّه، وأن اطلاعه لا يكون إلا بإخبار من اللّه سبحانه، فيكون دليلا على صدقه.
{يَعْدُونَ}: يعتدون أو يتجاوزون.
{سَبْتِهِمْ} السبت: مصدر سبتت اليهود إذا عظّمت سبتها بترك الصيد والاشتغال بالتعبد. والسبت في اللغة: القطع. فكأنهم باختيارهم يوم السبت عيدا قد اختاروا ما فيه قطيعتهم. يقال: سبتوا سبتا من باب ضرب، وأسبتوا بالألف لغة فيه.
{شُرَّعًا}: جمع شارع، من شرع عليه إذا دنا وأشرف، أي:
تأتيهم ظاهرة على وجه الماء، طافية فوقه، قريبة من الساحل.
{بَئِيسٍ}: شديد، فعيل من بؤس يبؤس إذا اشتد.
{عَتَوْا} تكبّروا.
{خاسِئِينَ}: صاغرين.

.الإعراب:

{وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ} الواو عاطفة، واسألهم فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول به، وعن القرية جار ومجرور متعلقان باسألهم، والتي اسم موصول نعت للقرية، وجملة كانت لا محل لها لأنها صلة الموصول، واسم كانت مستتر، أي: هي، وحاضرة البحر خبر كانت {إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ} إذ ظرف متعلق بالمضاف المحذوف والذي تقديره: عن حال القرية ويعدون فعل مضارع وفاعله والجملة في محل جر بالإضافة {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ} الظرف بدل من الظرف السابق أو متعلق بيعدون أي إذ عدوا في السبت إذ أتتهم وجملة تأتيهم في محل جر بالإضافة، وحيتانهم فاعل تأتيهم، وشرعا حال من حيتانهم، ويوم عطف على إذ، وجملة لا يسبتون في محل جر بالإضافة {كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ} الكاف ومجروره في موضع نصب على أنه مفعول مطلق، أي: مثل هذا الاختبار الشديد نختبرهم، ويجوز أن يكون حالا، أي: لا يأتي مثل ذلك الإتيان، والأول أرجح. والباء سببية، وما مصدرية، أي: نبلوهم بسبب فسقهم، وجملة يفسقون خبر كانوا {وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ} عطف على إذ يعدون، وحكمه حكمه في الإعراب، أي: بدل من المحذوف، وهو حال القرية وخبرها أو أهلها، وجملة قالت في محل جر بالإضافة، وأمة فاعل، ومنهم: جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لأمة {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذابًا شَدِيدًا} اللام حرف جر، وما الاستفهامية حذفت ألفها لدخول حرف الجر عليها، وقد تقدم بحثها، والعلة في هذا الحذف الفرق بين الاستفهام والخبر، والجار والمجرور متعلقان بتعظون، وقوما مفعول به لتعظون، واللّه مبتدأ، ومهلكهم خبر، والجملة الاسمية صفة {قوما}، وأو حرف عطف، ومعذبهم عطف على مهلكهم، وعذابا مفعول مطلق، وشديدا صفة {قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} جملة القول مستأنفة، مسوقة لبيان جوابهم. ومعذرة: قرأ حفص وحده بالنصب. وفيه ثلاثة أوجه قوية: الأول أنها مفعول لأجله، أي: وعظناهم لأجل المعذرة. والثاني أنها منتصبة نصب المصدر بفعل مقدر من لفظها، أي: نعتذر معذرة. والثالث أنها منتصبة انتصاب المفعول به، لأن المعذرة تتضمن كلاما، والمفرد المتضمن لكلام إذا وقع بعد القول نصب نصب المفعول به، كقلت خطبة. وقرأ العامة برفع معذرة. قال سيبويه في اختياره الرفع: لأنهم لم يريدوا أن يعتذروا اعتذارا مستأنفا، ولكنهم قيل لهم: لم تعظون؟
فقالوا موعظتنا معذرة. والمعذرة بمعنى الاعتذار، وهو التنصّل من الذنب. والى ربكم جار ومجرور متعلقان بمعذرة، ولعل واسمها، وجملة يتقون خبرها، وجملة الرجاء حالية {فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ} الفاء استئنافية، ولما رابطة أو حينية، وجملة نسوا لا محل لها أو في محل جر بالإضافة، ونسوا فعل وفاعل، وما مفعول به، وجملة ذكروا بالبناء للمجهول لا محل لها لأنها صلة، والواو نائب فاعل، وبه جار ومجرور متعلقان بذكروا {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} جملة أنجينا لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم، والذين مفعول به، وجملة ينهون صلة الموصول، وعن السوء جار ومجرور متعلقان بينهون {وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا} عطف على ما تقدم {بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ} بعذاب جار ومجرور متعلقان بأخذنا، وبئيس صفة لعذاب، بما الباء حرف جر للسبب، أي: بسبب فسقهم {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ} الفاء عاطفة، ولما رابطة أو حينية، وعما جار ومجرور متعلقان بعتوا، وجملة قلنا لا محل لها، وجملة كونوا في محل نصب مقول القول، وقردة خبر كونوا، وخاسئين صفة.

.[سورة الأعراف: الآيات 167- 170]

{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (169) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170)}.

.اللغة:

{تَأَذَّنَ}: عزم، تفعّل من الإيذان، أي الإعلام، لأن العازم على الأمر يحدّث نفسه به ويؤذنها به. قالوا: وأجري مجرى القسم كعلم اللّه وشهد اللّه، ولذلك أجيب بما يجاب به القسم. قال الواحدي:
وأكثر أهل اللغة على أن التأذّن بمعنى الإيذان وهو الإعلام. وقيل:
إن معناه حتم وواجب. وفي القاموس: تأذن أقسم.
{عَرَضَ} بفتحتين مالا ثبات له، ومنه استعار المتكلمون العرض لمقابل الجوهر. وقال أبو عبيدة: العرض بالفتح جميع متاع الدنيا غير النقدين، وبالسكون المال والقيم، ومنه: الدنيا عرض حاضر، وظلّ زائل. وفسره الزمخشري بالحطام وقال: أي حطام هذا الشيء الأدنى، يريد الدنيا وما يتمتع به منها. وفي قوله: {هذا الأدنى} تخسيس وتحقير. والأدنى إما من الدنو بمعنى القرب، لأنه عاجل قريب، وإما من دنو الحال وسقوطها وقلتها. والمراد ما كانوا يأخذونه من الرشا في الأحكام على تحريف الكلم للتسهيل على العامة. وقد اجتمع المعنيان في بيت لأبي الطيب:
لولا العقول لكان أدنى ضيغم ** أدنى إلى شرف من الإنسان

فأدنى الأولى بمعنى أقل وأحقر، وأدنى الثانية بمعنى أقرب.

.الإعراب:

{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ} الظرف منصوب على المفعولية بفعل مقدر معطوف على واسألهم، والتقدير: واذكر وقت أن تأذّن ربك، وجملة تأذّن في محل جر بإضافة الظرف إليها، وربك فاعل {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ} اللام جواب القسم المفهوم من فعل تأذن، ويبعثن فعل مضارع مبني على الفتح، وعليهم جار ومجرور متعلقان بيبعثنّ أو بتأذّن، ومن اسم موصول مفعول يبعثن، وجملة يسومهم لا محل لها لأنها صلة الموصول، وسوء العذاب مفعول به ثان ليسومهم {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} جملة إن واسمها وخبرها تعليلية لا محل لها، وجملة وإنه لغفور رحيم عطف عليها، واللام المزحلقة {وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا} الواو عاطفة، وقطّعناهم فعل وفاعل ومفعول به، وفي الأرض جار ومجرور....
والصالحون مبتدأ مؤخر، ومنهم جار ومجرور متعلق....
قوله تعالى: {وما منا إلا له مقام معلوم}، أي: وما منا أحد إلا له مقام، فحذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه، كقولهم: منّا ظعن ومنا أقام {وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} وبلوناهم عطف على قطعناهم، وبالحسنات جار ومجرور متعلقان ببلوناهم، والسيئات عطف على الحسنات، ولعل واسمها، وجملة يرجعون خبرها {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ} الفاء عاطفة، وخلف فعل ماض، ومن بعدهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال، وخلف فاعل، والخلف- بسكون اللام وفتحها- من يخلف غيره، وجملة ورثوا الكتاب صفة لخلف {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى} الجملة صفة ثانية، وعرض مفعول يأخذون، هذا مضاف إليه، والأدنى بدل من اسم الإشارة {وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا} يجوز في الواو أن تكون عاطفة على ما قبلها أو حالية، وجملة سيغفر لنا في محل نصب مقول القول: {وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} الواو حالية، أي: والحال انهم إن يأتهم، ويجوز أن تكون للاستئناف، وإن شرطية، ويأتهم فعل الشرط، والهاء مفعول به، وعرض فاعل، ومثله صفة، ويأخذوه جواب الشرط وعلامة جزمه حذف النون {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ} الهمزة للاستفهام التقريري، ولم حرف نفي وقلب وجزم، ويؤخذ فعل مضارع مجزوم بلم، وعليهم جار ومجرور متعلقان بيؤخذ، وميثاق الكتاب نائب فاعل {أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} أن مصدرية، وهي مع ما في حيزها مصدر محله الرفع على البدلية من ميثاق، لأن قول الحق هو ميثاق الكتاب، أو النصب على أنه مفعول من أجله، ومعناه لئلا يقولوا، ويجوز أن تكون أن مفسرة لميثاق الكتاب، لأنه في معنى القول دون حروفه، ولا عندئذ ناهية، ويقولوا فعل مضارع مجزوم بها، أما على أنها مصدرية ف لا نافية، والفعل منصوب بأن المصدرية، وعلى اللّه جار ومجرور متعلقان بيقولوا، وإلا أداة حصر، والحق يجوز أن يكون مفعولا به أو مفعولا مطلقا، أي: القول الحق {وَدَرَسُوا ما فِيهِ} الواو عاطفة، ودرسوا فعل ماض معطوف على {ألم يؤخذ عليهم}، كأنه قيل: أخذ عليهم ميثاق الكتاب، ودرسوا ما فيه. وما مفعول درسوا، وفيه جار ومجرور متعلقان بمحذوف لا محل له لأنه صلة الموصول {وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} الواو استئنافية أو حالية، والدار مبتدأ، والآخرة صفة، وخير خبر الدار، وللذين جار ومجرور متعلقان بخير، وجملة يتقون لا محل لها لأنها صلة الموصول، والهمزة للاستفهام الإنكاري، والفاء عاطفة على محذوف، وقد تقدمت له نظائر، ولا نافية، وتعقلون عطف على هذا المحذوف {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ} الواو استئنافية، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان مزية الصلاة وإنافتها في الفضل {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} الجملة خبر الذين أو تجعلها اعتراضية فيكون الخبر محذوفا تقديره مأجورون. وإن واسمها، ولا نافية، وجملة لا نضيع أجر المصلحين خبر إن، ونعيد إعرابها لرسوخها في الذهن، فالذين مبتدأ وجملة يمسكون بالكتاب صلة الذين لا محل لها، وجملة وأقاموا الصلاة معطوفة على الصلة، وجملة إنا لا نضيع أجر المصلحين خبر المبتدأ، والرابط بينهما إعادة المبتدأ بمعناه، فإن المصلحين هم الذين يمسكون بالكتاب، بالعطف على الذين يتقون ولئن سلم فالرابط العموم، لأن المصلحين أعمّ من المذكورين، أو ضمير محذوف، أي منهم.