فصل: بحوث مهمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.بحوث مهمة:

.1- سلب قدرة التشخيص ومسألة الجبر:

أول سؤال يطرح في هذا المجال يدور حول مسألة الجبر، التي قد تتبادر إلى الأذهان من قوله تعالى: {خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أبْصَارِهِمْ غِشاوَةٌ} فهذا الختم يفيد بقاء هؤلاء في الكفر إجبارًا، دون أن يكون لهم اختيار في الخروج من حالتهم هذه. أليس هذا بجبر؟ وإذا كان جبرًا فلماذا العقاب؟
القرآن الكريم يجيب على هذه التساؤلات ويقول: إن هذا الختم وهذا الحجاب هما نتيجة إصرار هؤلاء ولجاجهم وتعنتهم أمام الحق، واستمرارهم في الظلم والطغيان والكفر. يقول تعالى: {بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} ويقول: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّر جَبَار} ويقول أيضًا: {اأفَرَاَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ وَأضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْم وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً}.
كل هذه الآيات تقرر أنّ السبب في سلب قدرة التشخيص، وتوقف أجهزة الإدراك عن العمل يعود إلى الكفر والتكبر والتجبر واتباع الهوى واللجاج والعناد أمام الحق، هذه الحالة التي تصيب الإنسان، هي في الحقيقة ردّ فعل لأعمال الإنسان نفسه.
من المظاهر الطبيعية في الموجود البشري، أن الإنسان لو تعوّد على انحراف واستأنس به، يتخذ في المرحلة الأُولى ماهية الحالة ثمّ يتحول إلى عادة وبعدها يصبح ملكة وجزءً من تكوين الإنسان حتى يبلغ أحيانًا درجة لا يستطيع الإنسان أن يتخلّى عنها أبدًا. لكن الإنسان اختار طريق الانحراف هذا عن علم ووعي، ومن هنا كان هو المسئول عن عواقب أعماله، دون أن يكون في المسألة جبر. تمامًا مثل شخص فقأ عينيه وسدَّ أُذنيه عمدًا، كي لا يسمع ولا يرى.
ولو رأينا أن الآيات تنسب الختم وإسدال الغشاوة إلى الله، فذلك لأن الله هو الذي منح الانحراف مثل هذه الخاصية. تأمّل بدقّة.
عكس هذه الظاهرة مشهود أيضًا في قوانين الطبيعة، أي إن الفرد السائر على طريق الطهر والتقوى والاستقامة تمتد يد الله عز وجل إليه لتقوّي حاسّة تشخيصه وإدراكه ورؤيته، هذه الحقيقة توضحها الآية الكريمة. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنُوا أن تَتَّقُوا الله يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} (113).
في حياتنا اليومية صور عديدة لأفراد ارتكبوا عم محرّمًا، فتألموا في البداية لما فعلوه واعترفوا بذنبهم، لكنهم استأنسوا تدريجيًا بفعلهم، وزالت من نفوسهم حساسيتهم السابقة تجاه الذنب، ووصل أمرهم إلى حدٍّ يجدون اللذة والإنشراح في الإنحراف، وقد يضفون عليه صفة الواجب الإنساني أو الواجب الديني!!
وفي تاريخنا الإسلامي ظهر مجرمون سفّاكون مولعون بإزهاق الأرواح والتنكيل بالمسلمين كما ذكر في حالات الحجاج بن يوسف الثقفي أنه كان يضع لأعماله الإجرامية تبريرات دينية، ويقول مثلا: إن الله سلّطنا على هؤلاء النّاس المذنبين لنظلمهم، فهم مستحقون لذلك!!
وكذلك قيل: إنّ جنود المغول خطب في أحد مدن إيران الحدودية وقال: ألستم تعتقدون أن عذاب الله يصيب المذنبين؟ فنحن عذاب الله عليكم، فلا ينبغي لكم المقاومة.

.2- لماذا يصرّ الأنبياء على هداية هؤلاء إذا كانوا لا يهتدون؟

وهذا سؤال آخر يُطرح في إطار الآيات المذكورة. والجواب عليه يتضح لوعرفنا أن العقاب الإلهي يرتبط بمواقف الإنسان العملية وسلوكه الفعلي، لا بما يُكنّه في قلبه من زيغ وضلال فقط. من هنا كان لابدّ من توجيه الدعوة حتى إلى هؤلاء الذين لا يهتدون، بعد ذلك يستحق الفرد العقاب تبعًا لموقفه من الدعوة. بعبارة أخرى لابدّ من إتمام الحجّة قبل العقاب.
بعبارة موجزة: الثّواب والعقاب يتوقفان حتمًا على العمل بعد إنجازه، لا على المحتوى الفكري والروحي للفرد.
أضف إلى ما سبق: أن الأنبياء بُعثوا للناس جميعًا، وهؤلاء الذين {طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} قليلون في المجتمع، أما الأكثرية فهم التائهون الذين يتقبّلون الهداية ضمن برنامج تعليمي تربوي صحيح.

.3- الختم على القلوب:

في الآيات المذكورة وآيات أخرى عبّر القرآن عن عملية سلب حسّ التشخيص والإدراك الواقعي للأفراد بالفعل ختم، وأحيانًا بالفعل طبع وران.
في اللغة خَتَمَ الإناء بمعنى سدّه بالطين أو غيره، وأصلها من وضع الختم على الكتب والأبواب كي لا تُفتح، والختم اليوم مستعمل في الاستيثاق من الشّيء والمنع منه كختم سندات الأملاك والرسائل السرّية الهامة.
وهناك شواهد من التاريخ تدلّ على أن الملوك وأرباب السلطة كانوا سابقًا يختمون صرر الذهب بخاتمهم الخاص ويبعثون بها إلى المنظورين للاطمئنان على سلامة الصرر وعدم التلاعب في محتوياتها.
والشائع في هذا الزمان الختم على الطرود البريدية أيضًا، وقد استعمل القرآن كلمة الختم هنا للتعبير عن حال الأشخاص المعاندين الذين تراكمت الذنوب والآثام على قلوبهم حتى منعت كلمة الحق من النفوذ إليها وأمست كالختم لا سبيل إلى فتحه.
وطبع بمعنى ختم أيضًا.
أما ران فمن الرين وهو صدأ يعلو الشيء الجليّ، واستعمل القرآن هذه الكلمة في حديثه عن قلوب الغارقين في أوحال الفساد والرّذيلة: {كَلاّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (114).
المهم أن الإنسان ينبغي أن يكون حذرًا لدى صدور الذنب منه، فيسارع إلى غسله بماء التوبة والعمل الصالح، كي لا يتحول إلى صفة ثابتة مختوم عليها في القلب.

.4- المقصود من القلب في القرآن:

لماذا نسب إدراك الحقائق في القرآن إلى القلب، بينما القلب ليس بمركز للإدراك بل مضخة لدفع الدم إلى البدن؟!
الجواب على ذلك: أن القلب في القرآن له معان متعددة منها:
1- بمعنى العقل والإدراك كقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} (116).
2- بمعنى الروح والنفس كقوله سبحانه: {وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} (117).
3- بمعنى مركز العواطف كقوله: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذينَ كَفَرُوا الرُّعبَ} (118) وقوله: {فَبِما رَحْمَة مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (119).
لمزيد من التوضيح نقول:
في وجود الإنسان مركزان قويّان هما:
1- مركز الإدراك، ويتكون من الدماغ وجهاز الأعصاب. لذلك نشعر أننا نستقبل المسائل الفكرية بدماغنا حيث يتمّ تحليلها وتفسيرها. وإن كان الدماغ والأعصاب في الواقع وسيلة وآلة للروح.
2- مركز العواطف، وهو عبارة عن هذا القلب الصنوبري الواقع في الجانب الأيسر من الصدر. والمسائل العاطفية تؤثر أول ما تؤثر على هذا المركز حيث تنقدح الشرارة الأولى.
حينما نواجه مصيبة فإننا نحسّ بثقلها على هذا القلب الصنوبري، وحينما يغمرنا الفرح فاننا نحسّ بالسرور والانشراح في هذا المركز لاحظ بدقّة.
صحيح أن المركز الأصلي للإدراك والعواطف هو الروح والنفس الإنسانية، لكن المظاهر وردود الفعل الجسمية لها مختلفة. ردود فعل الفهم والإدراك تظهر أولا في جهاز الدماغ، بينما ردود فعل القضايا العاطفية كالحب والبغض والخوف والسكينة والفرح والهمّ تظهر في القلب بشكل واضح، ويحسّها الإنسان في هذا الموضوع من الجسم.
ممّا تقدم نفهم سبب ارتباط المسائل العاطفية في القرآن بالقلب العضو الصنوبري المخصوص، وارتباط المسائل العقلية بالقلب أي العقل أو الدماغ.
أضف إلى ما تقدم أنّ عضو القلب له دور مهم في حياة الإنسان وبقائه، وتوقفه لحظة يؤدي إلى الموت، فماذا يمنع أن تنسب النشاطات الفكرية والعاطفية إليه؟!

.5- لماذا جاءت قُلُوبُهُمْ وأَبْصَارُهُمْ بصيغة الجمع، وسَمْعُهُمْ بصيغة المفرد؟

يتكرر في القرآن استعمال القلب والبصر بصيغة الجمع: قلوب وأبصار، بينما يستعمل السمع دائمًا بصيغة المفرد، فما السرّ في ذلك؟
قبل الإجابة لابد من الإشارة إلى أن القرآن استعمل السمع والبصر بصيغة المفرد أيضًا كقوله تعالى: {وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} (120).
الشّيخ الطّوسي رحمه الله في تفسير التبيان ذكر نقلا عن لغوي معروف، أن سبب ذلك قد يعود إلى أحد أمرين: أولهما: إن كلمة السمع قد تستعمل باعتبارها اسم جمع، ولا حاجة عندئذ إلى جمعها. ثانيًا: إن كلمة السمع لها معنى المصدر، والمصدر يدل على الكثير والقليل، فلا حاجة إلى جمعه.
ويمكننا أن نضيف إلى ما سبق تعليلًا ذوقيًا وعلميًا هو أن الإدراكات القلبية والمشاهدات العينية تزيد بكثير على المسموعات، ولذا جاءت القلوب والأبصار بصيغة الجمع، والفيزياء الحديثة تقول لنا إن الأمواج الصوتية المسموعة معدودة لا تتجاوز عشرات الآلاف، بينما أمواج النور والألوان المرئية تزيد على الملايين. تأمل بدقة. اهـ.

.تفسير الآية رقم (8):

قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما افتتح سبحانه بالذين واطأت قلوبهم ألسنتهم في الإيمان وثنى بالمجاهرين من الكافرين الذين طابق إعلانهم إسرارهم في الكفران اتبعه ذكر المساترين الذين خالفت ألسنتهم قلوبهم في الإذعان وهم المنافقون، وأمرهم أشد لإشكال أحوالهم والتباس أقوالهم وأفعالهم، فأضر الأعداء من يريك الصداقة فيأخذك من المأمن؛ وما أحسن ما ينسب إلى الإمام أبي سليمان الخطابي في المعنى:
تحرّز من الجهال جهدك أنهم ** وإن أظهروا فيك المودة أعداء

وإن كان فيهم من يسرك فعله ** فكل لذيذ الطعم أوجله داء

لا جرم ثنى سبحانه بإظهار أسرارهم وهتك أستارهم في سياق شامل لقسميهم، فقبح أمورهم ووهّى مقاصدهم وضرب لهم الأمثال وبسط لهم بعض البسط في المقال فقال تعالى: {ومن الناس من يقول} أي لما أرسلنا رسولنا انقسم الناس قسمين: مؤمن وكافر، وانقسم الكافر قسمين: فمنهم من جاهر وقال: لا نؤمن أبدًا، ومنهم من يقول، ولعله أظهر ولم يضمر لانفرادهم عن المجاهرين ببعض الأحكام، أو لأنه سبحانه لما ذكر طرفي الإيمان والكفر وأحوال المؤمنين وأحوال الذين كفروا ذكر المنافقين المترددين بين الاتصاف بالطرفين بلفظ الناس لظهور معنى النوس فيهم لاضطرابهم بين الحالين، لأن النوس هو حركة الشيء اللطيف المعلق في الهواء كالخيط المعلق الذي ليس في طرفه الأسفل ما يثقله فلا يزال مضطربًا بين جهتين، ولم يظهر هذا المعنى في الفريقين لتحيزهم إلى جهة واحده.
قال الحرالي، وعرف للجنس أو للعهد في الذين كفروا لأنهم نوع منهم، وسر الإظهار موضع الإضمار على هذا ما تقدم، {آمنا بالله} أي وحده بما له من الجلال والجمال مستحضرين لذلك، ولما كانوا متهمين أكدوا بإعادة الجار فقالوا: {وباليوم الآخر} الذي جحده المجاهرون، {وما هم بمؤمنين} أي بعريقين في الإيمان كما ادعوه بذكر الاسم الأعظم وإعادة الجار، ولعله نفى العراقة فقط لأن منهم من كان مُزَلزلًا حين هذا القول غير جازم بالكفر وآمن بعد ذلك، وحذف متعلق الإيمان تعميمًا في السلب عنهم لما ذكروا وغيره، وجمع هنا وأفرد في يقول تنبيهًا على عموم الكفر لهم كالأولين وقلة من يسمح منهم بهذا القول إشارة إلى غلظتهم وشدة عثاوتهم في الكفر وقوتهم.
وفي ذكر قصتهم وتقبيح أحوالهم تنبيه على وجوب الإخلاص وحث على الاجتهاد في الطهارة من الأدناس في سؤال الهداية إلى الصراط المستقيم.
وتصنيف الناس آخر الفاتحة ثلاثة أصناف: مهتدين ومعاندين وضالين، مثل تصنيفهم أول البقرة ثلاثة: متقين وكافرين مصارحين وهم المعاندون وضالين وهم المنافقون، وإجمالهم في الفاتحة وتفصيلهم هنا من بديع الأساليب وهو دأب القرآن العظيم الإجمال ثم التفصيل.
وقد سمى ابن إسحاق كثيرًا من المنافقين في السيرة الشريفة في أوائل أخبار ما بعد الهجرة، قال ابن هشام في تلخيص ذلك: وكان ممن انضاف إلى يهود ممن سمي لنا من المنافقين من الأوس والخزرج، من الأوس زوي بن الحارث وبجاد بن عثمان بن عامر ونبتل بن الحارث وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل»! وكان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث إليه ثم ينقل حديثه إلى المنافقين، وهو الذي قال: إنما محمد أذن، وعباد بن حنيف أخو سهل وعمرو بن خذام وعبد الله بن نبتل وبَحْزَج وهو ممن كان بنى مسجد الضرار وكذا جارية بن عامر ابن العطاف وابنه زيد وخذام بن خالد وهو الذي أخرج مسجد الضرار من داره ومِرْبع بن قيظي وهو الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عامد إلى أحد: لا أحل لك يا محمد إن كنت نبيًا أن تمر في حائطي! فابتدره المسلمون ليقتلوه فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «هذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر»، وأخوه أوس بن قيظي وهو الذي قال يوم الخندق {إن بيوتنا عورة} وحاطب بن أمية بن رافع وكان شيخًا جسيمًا قد عسى في الجاهلية وكان ابنه يزيد من خيار المسلمين، قتل رضي الله عنه يوم أحد فقال أبوه لمن بشره بالجنة: غررتم والله هذا المسكين من نفسه! وبشير بن أبيرق أبو طعيمة وفي نسخة: طعمة، وهو سارق الدرعين الذي أنزل الله فيه {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم} [النساء: 107] وقزمان حليف لهم أجاد يوم أحد القتال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنه من أهل النار»، فجرح فبشر بالجنة فقال: والله ما قاتلت إلا حمية لقومي! فلما اشتدت به الجراحة قطع رواهش يده فمات.
ومن الخزرج رافع بن وديعه وزيد بن عمرو وعمرو بن قيس وقيس بن عمرو بن سهل والجد بن قيس وهو الذي قال: ائذن لي ولا تفتني وعبد الله بن أبيّ رأس المنافقين وإليه كانوا يجتمعون وهو القائل: {ليخرجن الأعز منها الأذل} [المنافقون: 8] وفيه وفي وديعة العوفي ومالك بن أبي فوقل وسويد وداعس وهم من رهطه نزل: {ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب} [الحشر: 11] الآية حكاية لما كانوا يدسونه إلى بني النضير إذ حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصدق الله وكذبوا.
وكان ممن تعوذ بالإسلام وأظهره وهو منافق من أحبار يهود من بني قينقاع سعد ابن حنيف وزيد بن اللُّصيت وهو الذي قال في عزوة تبوك: يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته! فأعلمه الله بقوله وبمكان الناقة، ونعيمان بن أوفى بن عمرو وعثمان بن أوفى ورافع بن حريملة وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مات: «قد مات اليوم عظيم من عظماء المنافقين»، ورفاعة بن زيد بن التابوت وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ هبت تلك الريح وهو قافل من غزوة بني المصطلق: «لا تخافوا، إنما هبت لموت عظيم من عظماء المنافقين»، وسلسلة بن برهام وكنانه بن صوريا.
فكان هؤلاء من المنافقين ومن نحا نحوهم يحضرون المسجد فيسمعون أحاديث المسلمين ويسخرون منهم ويستهزئون بدينهم. انتهى. وفيه اختصار فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآيات. اهـ.