فصل: تأملات في سورة الأعراف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تأملات في سورة الأعراف:

للشيخ صالح المغامسي:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
أيها الإخوة المؤمنون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فهذا هو اللقاء الأول من المجموعة الثانية من التأملات حول تفسير كلام ربنا جل وعلا وقبل أن نشرع فيما نود تفسيره نبين أمورا:
أن هذه هي التفسيرات هي أشبه بالتأملات والتعليقات على كتاب رب العالمين جل جلاله والمقصود الأسمى منها الناحية العلمية وتبقى الناحية الوعظية فيها تبعا للناحية العلمية فالمخاطب بهذا الدرس طلبة العلم في المقام الأول ولهذا فإن التفصيل في بعض القضايا أمر ملح فليس المقصود الوعظ المحض وإنما المقصود إيجاد جيل علمي يفقه كلام الرب تبارك وتعالى.
ومتى وجد هذا الجيل تبوأ الصدارة في الأمة ونفع الناس، لأنه لا يعقل أن يتصدر إنسان لتعليم الناس وهو يجهل ما جاء في الكتاب العظيم من آيات بينات وعظات بالغات يهذب الله بها خلقه ويرشد الله جل وعلا بها عباده.
ولقد قال الله جل وعلا في كتابه: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} قال العلماء في تفسيرها: إن من تفسيرها أن علم التفسير علم يعان عليه صاحبه وهو أجل العلوم وقد بينا هذا كثيرا في دروس سابقة نشرت وإنما أجدد التذكير بها. على أننا ونحن نفسر سنقف عند آيات معينة نختارها من السورة التي نفسرها وربما تستغرق السورة الواحدة عدة دروس وربما تستغرق السورة درسا واحدا بحسب ما فيها والله جل وعلا ذكر أن كتابه مثاني أي يثنى يفصل ما كان فيه إجمالا ويبين ما كان فيه مبهما ويبسط الله جل وعلا الحديث عن موضوع ثم يقوله باختصار في سورة أخرى وهكذا، فعلى هذا سنقف عندما نرى أن الوقوف عنده ملزم وما كان غير مكرر في القرآن فهذا يجب الوقوف عنده. فمثلا في سورة يوسف لم تتكرر قصة يوسف إلا في سورة واحدة فلا ينبغي تجاوزها إلى وصلنا إلى السورة بخلاف غيرها كقصة موسى مثلا وردت في عدة سور من القرآن الكريم. هذه مقدمة يظهر أنه من الواجب التذكير بها.
أما السورة التي سنبدأ بها هذه الدروس فهي سورة الأعراف:
ونبدأ بسورة الأعراف لأننا انتهينا في المجموعة الأولى من التأملات إلى سورة الأنعام. فنستهل هنا سورة الأعراف.
وقبل أن نشرع في اختيار الآيات من السورة يجب أن تعلم أنه حتى تفقه القرآن تبدأ به بنظرة كلية ثم تصغر هذه النظرة حتى تصل إلى الزبدة التي تريدها.
فسورة الأعراف من حيث الجملة سورة مكية إلا بضع آيات منها وهي:
قول الله تبارك وتعالى: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر}، فهذه القصة ذكر أنها نزلت في المدينة. أما السورة إجمالا فهي سورة مكية.
والقرآن المكي له خصائص تختلف عن القرآن المدني:
لأن القرآن المكي يهتم بقضايا ثلاث: إثبات توحيد والربوبية والألوهية لله. وذكر صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. والبعث والنشور وأهوال اليوم الآخر.
هذه قضايا القرآن المكي على وجه الإجمال ويندرج فيها قضايا كتذكير الله بنعمه على خلقه وهذا يندرج في إثبات التوحيد.
أما القرآن المدني:
فإن أكثره تشريع وأحكام وفقهيات كما في سورة البقرة وآل عمران، وحديث عن السير والغزوات التي كانت في أيامه صلوات الله وسلامه عليه في المدينة وقد بينا في دروس سابقة أن القرآن المكي والقرآن المدني أو السور المكية والسور المدنية أو بتعبير أقل اختصارا الآيات المكية والآيات المدنية في تسميتها هذه خلاف طويل بين العلماء لكن أرجح الأقوال إن شاء الله أن المقصود بالمكي ما نزل قبل الهجرة والمقصود بالمدني ما نزل بعد الهجرة هذا أرجح الأقوال، على هذا قلنا مرارا إن قول الله جل وعلا: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} آية مدنية رغم أنها نزلت في جوف الكعبة والرسول آخذ بعضدتي باب الكعبة أنزل الله جل وعلا عليه قوله: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} فخرج إلى الناس ونادى على بني شيبة وأعطاهم مفتاح الكعبة تنفيذا للآية، فالآية نزلت في مكة بل في الكعبة لكنها تسمى آية مدنية لأنها نزلت بعد؟ بعد الهجرة.
فسورة الأعراف من حيث الجملة سورة مكية وهي من أطول سور القرآن المكي، وعدد آيها كما هو معلوم 206 آيات قلنا إنها جملة مكية إلا بضع آيات منها. هذه السورة بدأها الله جل وعلا في إثبات صدق هذا الكتاب وما فيه من خير عظيم وختمها بقوله تبارك وتعالى: {إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون}، ختمها بآية سجدة وبحسب ترتيب المصحف هذه الآية آية السجدة في الأعراف أول سجدة في القرآن ومن حيث ترتيبها في آي سورة الأعراف هي آخر آية في سورة الأعراف، وهذا يعني ما بين فاتحة السورة وما بين خاتمتها.
تضمنت السورة جملة من القضايا منها:
خلق آدم عليه الصلاة والسلام أبو البشر وما ذكر الله جل وعلا فيها من قصته مع إبليس، ثم بعد ذلك خاطب الله جل وعلا بني آدم بصفة أن آدم أبوهم خاطبهم جل وعلا وناداهم بأربع نداءات:
{يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا}{يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة}{يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد}{يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي} إلى آخر الآية، ذكرهم الله جل وعلا بأربع نداءات ثم إنه جل وعلا فصل ما أجمله في الأنعام لكن هذا التفصيل ليس بترتيب النزول بل بترتيب المصحف، وإلا الأعراف سورة مكية والأنعام سورة مدنية فعلى هذا سورة الأعراف جاء فيها ما أجمله الله في الأنعام.
الله في الأنعام ذكر الرسل جملة: {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم*ووهبنا له إسحق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين*وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين*وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين} هؤلاء ذكرهم الله جملة ثم جاء في الأعراف بحسب ترتيب المصحف بدأ يفصل فلم يذكر في الأنعام قصة نوح ولا موسى ولا غيرهما ثم بدأ يفصل بدأ بالأعراف ففصل فيها قصة نوح وقصة هود إلى عاد وقصة صالح إلى ثمود وقصة لوط إلى أهل سدوم وقصة شعيب إلى أهل مدين وقصة موسى إلى فرعون وبني إسرائيل، فهؤلاء ستة من الأنبياء ذكر الله جل وعلا خبرهم تفصيلا فيصبح ترتيب المصحف أنه أجمل في سورة الأنعام وفصل في سورة الأعراف، ثم ذكر الله جل وعلا في السورة بعضا من آياته الدالة على عظيم خلقه وأعاد فيها أن أحدا لا يملك نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله تأكيدا للتوحيد هذا كله عن سورة الأعراف جملة، بعد هذا التصور الكامل عن السورة ننتقل إلى اختيار بعض الآيات المتعلقة بتفسيرها.
على أنه ينبغي أن تعلم أن:
العلم لا يظهر بجلاء إلا إذا اجتمع بعضه إلى بعض، إذا اجتمع بعضه إلى بعض يظهر العلم فإذا جمعت أشتات العلم واكتمل لديك مع الإلحاح والكتابة والتدوين والحفظ وسؤال الله التوفيق يكونه العلم لديك، تراه في أول أمره صعبا كالبحر لكنه يسير على من يسره الله جل وعلا إليه، كالبناء عندما يريد أن يبنيه صاحبه يراه متوسع الأطراف بعيدا، لا يرى إلا حديده وما أشبه ذلك حتى إذا اكتمل بعضه إلى بعض قام بنيانا، كذلك العلم يجب على من تصدر للتدريس أن يعين من يطلب العلم على يديه في فقه العلم وإنه يعطي أشتات العلم حتى يجتمع شيئا فشيئا، وهذا كله أعاننا الله وإياكم بتوفيق من الله وفضل والأمر كله مبدأ ومنتهى وأوسط فضل من الله تبارك وتعالى يهبه جل وعلا لمن يشاء.
قال الله جل وعلا: بسم الله الرحمن الرحيم {المص*كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين}، هذا أول السورة وأنا لا أبدأ تفسيرا قبل أن أفسر أول آية في السورة نفسها لأنها مفتاح قد نتجاوز بعض الآيات نعم لكن أول آية في السورة لابد من تفسيرها لأنها مدخل.
{المص}: هذه من الحروف المتقطعة وقد مرت معنا في دروس سابقة وأنا أتكلم إجمالا باعتبار التدريس العام، مرت أنها من الذي اختص الله جل وعلا بعلمه هذا قول جمهور العلماء وهو الأظهر.
{كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين} معنى الآية:
هذا كتاب فحذف المبتدأ لدلالة الخبر عليه على قول الكسائي ومن تبعه والمعنى أن هذا الكتاب المقصود به القرآن. وقد نكرت هنا كتاب لدلالة التعظيم، أي أن هذا الكتاب أعظم من أن يعرف فإذا عرف في آية أخرى فباعتبار علميته واشتهاره هذا كتاب أنزل إليك، والمخاطب في المقام الأول هنا النبي صلى الله عليه وسلم {فلا يكن في صدرك حرج منه}.
فسر الحرج بأحد تفسيرين:
التفسير الأول: فسر بالشك، فيصبح معنى الآية هذا كتاب من الله فلا يكن في قلبك شك منه، وإذا قلنا بهذا التفسير يصبح هذه الآية لها قرائن كقوله تبارك وتعالى: {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك}.
التفسير الثاني: اختار جمهور العلماء على أن المراد بالحرج هنا الضيق، فيصبح معنى الآية فلا يكن في صدرك ضيق منه، هذا الضيق لا يفهم أن النبي صلى الله عليه وسلم جبل على ضيقة الصدر هذا محال لأن الله هيأه صلى الله عليه وسلم لأن يختم به الله النبوات ويتم به الرسالات وليس في القرآن أصلا ما يدعو للضيق في المؤمنين إذن ينجم الضيق من أن هذا القرآن آياته واضحة ظاهرة بينة لا تحتاج إلى دليل لا تحتاج إلى إثبات أنها من عند الله فالعرب أفصح البلغاء وأبلغ الفصحاء ومع ذلك عجزوا أن يأتوا بمثل هذا القرآن. ينجم الضيق مثالا كالطالب الذي عندك تعلمه فأنت لا يصيبك الضيق ولا الحرج ولا الغضب على طالب لم يفقه مسألة صعبة وإنما يصيبك الحرج والضيق على الطالب الذي لا يفهم المسألة الواضحة، المسألة الواضحة التي بينة ظاهرة لا تحتاج إلى علم فيأتي إنسان لا يفقهها يصيبك ضيق حرج في صدرك فالضيق الذي يصيبه صلى الله عليه وسلم من أن دلائل نبوته قاهرة ومعجزاته ظاهرة ومع ذلك لم يؤمنوا به! فنجم عن هذا ضيق في صدره، فالله يقول له فليكن صدرك منشرحا بهذا القرآن لأنه أجل كتاب وأعظم منزل به الهداية والرحمة لكل أحد أراد أن ينتفع به وإن لم ينتفع به قومك وكذبوه وردوه عليك.
هذا {كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه} ثم ذكر العلة من إنزاله:
فاللام هنا لام التعليل{لتنذر} ولذلك جاء الفعل بعدها منصوبا{لتنذر به وذكرى للمؤمنين} لم يقل الله من المنذر بالقرآن قال: {لتنذر به} لكن لما ذكر الذكرى قال: {وذكرى} لمن {للمؤمنين}.
إذن من المنذر بالقرآن؟ أعظم قواعد العلم أن القرآن يفسر بالقرآن والله يقول: {فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا}، إذن المحذوف هنا هو الموجود في سورة مريم، لتنذر به قوم لدا، يعني الكفار.
{وذكرى للمؤمنين} والإنذار في اللغة هو الإعلام المقرون بالتهديد، على هذا تنجم قاعدة أن كل إنذار إعلام وليس كل إعلام إنذار، {لتنذر به وذكرى للمؤمنين} فإن قال قائل إن الله قال في آية أخرى أنه ينذر بالقرآن المؤمنين قال جل وعلا: {إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم} فيجاب عن هذا بأن الإنذار على قسمين:
إنذار عام وإنذار انتفاع، الإنذار العام ينصرف للكفار أما إنذار الانتفاع ينصرف إلى المؤمنين.
{لتنذر به وذكرى للمؤمنين} هذه الآية الأولى ثم قال الله جل وعلا:
{فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين}فأخبر الله جل وعلا أن اثنين يسألان يوم القيامة: المرسلون والمرسل إليهم، لكن الله لم يقل هنا ماذا يسأل هؤلاء ولا ماذا يسأل أولئك، فأين قال الله وأنا قلت أعانكم الله أن تستحضروا القرآن هذا علم التفسير أين قال الله ماذا يسأل المرسلون وماذا يسأل من أرسل إليهم؟ هنا الله يقول: {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين} لكنه لم يقل ماذا يسألون، أما الجواب:
فإن الله قال عن الأول: {فلنسألن الذين أرسل إليهم} قال عنها: {ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين}، فيكون السؤال للأمم ماهو سؤالهم؟{ماذا أجبتم المرسلين} هذا من تفسير القرآن بالقرآن. قال الله في القصص: {ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين} هذا حل الإشكال الأول{فلنسألن الذين أرسل إليهم}.