فصل: قال الشريف الرضى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ} (178) أي خلقنا.
{وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ} (179) يجورون ولا يستقيمون ومنه سمّى اللحد لأنه في ناحية القبر.
{سَنَسْتَدْرِجُهُمْ} (182): والاستدراج أن تأتيه من حيث لا يعلم ومن حيث تلطف له حتى تغترّه.
{وَأُمْلِي لَهُمْ} (182) أي أؤخرهم، ومنه قوله: مضى ملىّ من الدهر عليه وملاوة وملاوة وملاوة فيها ثلاث لغات: ضمة وكسرة وفتحة. ويقال: ملّاك اللّه ولدك، وتمليت حبيبا، اى مدّ اللّه لك في عمره. {وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} (19/ 46) منها قال العجّاج:
ملاوة ملّيتها كأنى ** صاحب صنج نشوة مغنّى

{إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} (182) أي شديد.
{ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ} (183) أي ما به جنون.
{أَيَّانَ مُرْساها} (186) أي متى، وقال: {لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ} (186) مجازها: لا يظهرها ولا يخرجها إلّا هو يقال جلّى لى الخبر وقال بعضهم: جله لى الخبر، والجلاء جلاء الرأس إذا ذهب الشعر قال طرفة:
سأحلب عيسا صحن سمّ ** فأبتغى به جيرتى إن لم يجلوا لى الخبر

أي يوضحون لى الأمر وهذا يهجوهم، يقال: عاسها يعيسها، والعيس ماء الفحل.
{ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} (186) مجازها: خفيت، وإذا خفى عليك شيء ثقل.
{كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها} (186) أي حفىّ بها، ومنه قولهم: تحفيت به في المسألة.
{حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا} (188) مفتوح الأول إذا كان في البطن وإذا كان على العنق فهو مكسور الأول وكذلك اختلفوا في حمل النخلة فجعله بعضهم من الجوف ففتحه وجعله بعضهم على العنق فكسره.
{فَمَرَّتْ بِهِ} (188) مجازه: استمرّ بها الحمل فأتمّته.
{خُذِ الْعَفْوَ} (198) أي الفضل وما لا يجهده، يقال خذ من أخيك ما عفا لك.
{بِالْعُرْفِ} (198) مجازه: المعروف.
{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ} (199) مجازه: وإما يستخفنك منه خفة وغضب وعجلة، ومنه قولهم: نزغ الشّيطان بينهم أي أفسد وحمل بعضهم على بعض.
{طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ} (200) مجازه: لمم قال الأعشى:
وتصبح عن غب السّرى وكأنّما ** ألمَّ بها من طائف الجنّ أولق

وهو من طفت به أطيف طيفا، قال:
أنّى ألمّ بك الخيال يطيف ** ومطافه لك ذكرة وشعوف

{يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ} (201) مجازه: يزّينون لهم الغى والكفر، ويقال: مدّ له في غيّه زيّنه له وحسّنه وتابعه عليه.
{هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ} (202) هذا القرآن ما يتلى عليكم، فلذلك ذكّره، والعرب تفعل ذلك، قال:
قبائلنا سبع وأنتم ثلاثة ** وللسبع أركى من ثلاث وأكثر

ذكّر ثلاثة ذهب به إلى بطن ثم أنثه لأنه ذهب به إلى قبيلة ومجاز بصائر أي حجج وبيان وبرهان.
واحدتها بصيرة وقال الجعفىّ:
حملوا بصائرهم على أكتافهم ** وبصيرتى يعدو بها عتد وأمي

البصيرة الترس، والبصيرة الحلقة من حلق الدرع، فيجوز أن يقال للدرع كلها بصيرة والبصيرة من الدم الذي بمنزلة الورق الرّشاش منه والجديّة أوسع من البصيرة والبصيرة مثل فرسن البعير فهو بصيرة والجديّة أعظم من ذلك، والإسبأة والأسابىّ في طول، قال:
والعاديات أسابىّ الدّماء بها ** كأنّ أعناقها أنصاب ترجيب

{تَضَرُّعًا وَخِيفَةً} (204) أي خوفا وذهبت الواو بكسرة الخاء.
{وَالْآصالِ} (204) واحدتها أصل وواحد الأصل أصيل ومجازه: ما بين العصر إلى المغرب، وقال أبو ذؤيب:
لعمرى لأنت البيت أكرم أهله ** وأقصد في أفيائه بالأصائل

يقال: آخر النهار. اهـ.

.قال الشريف الرضى:

ومن السورة التي يذكر فيها الأعراف:

.[سورة الأعراف: آية 9]

{وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ (9)}
قوله: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ} [7]. فهذه استعارة. لأن الخسران في التعارف إنما هو النقص في أثمان المبيعات. وذلك يخص الأموال لا النفوس. إلا أنه سبحانه لما جاء بذكر الموازين وثقلها وخفتها جاء بذكر الخسران بعدها، ليكون الكلام متفقا، وقصص الحال متطابقا.
فكأنه سبحانه جعل نفوسهم لهم بمنزلة العروض المملوكة، إذ كانوا يوصفون بأنهم يملكون نفوسهم، كما يوصفون بأنهم يملكون أموالهم.
وذكر خسرانهم لها لأنهم عرّضوها للخسار، وأوجبوا لها عذاب النار. فصارت في حكم العروض المتلفات، وتجاوزوا حد الخسران في الأثمان، إلى حد الخسران في الأعيان.

.[سورة الأعراف: آية 16]

{قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)}
وقوله سبحانه حاكيا عن إبليس: {قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [16] وهذه استعارة. والصراط هاهنا كناية عن الدين، جعله اللّه سبحانه طريقا للنجاة والمفاز، في دارى القرار والمجاز، وإنما قال صراطك. لما كان الدين كالطريق المؤدية إلى رضا اللّه سبحانه ومثوبته. الموصلة إلى نعيمه وجنته. فكان إبليس- لعنه اللّه- إنما يوعد بالقعود على طريق الدين ليضل عنه كل قاصد، ويردّ عنه كل وارد، بمكره وخدائعه، وتلبيسه ووساوسه. تشبيها بالقاعد على مدرجة بعض السبل، ليخوف السالكين منها، ويعدل بالقاصدين عنها. والمراد: لأقعدن لهم على صراطك المستقيم، فلما حذف الجارّ انتصب الصراط.
والحذف هاهنا أبلغ في الفصاحة، وأعرق في أصول العربية. ونظيره قول الشاعر:
كما عسل الطريق الثعلب

أي عسل في الطريق.
وكل ما في القرآن من ذكر سبيل اللّه سبحانه، فالمراد به الطريق المفضية إلى طاعته عاجلا، وإلى جنته آجلا.

.[سورة الأعراف: آية 22]

{فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (22)}
وقوله سبحانه: {فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ} [22]. وهذه استعارة. والمراد أنه أوقعهما في أهوائه بغروره لهما. وكل واقع في مثل ذلك فإنه نازل من علو إلى استفال، ومن كرامة إلى إذلال. فلذلك قال تعالى: {فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ}. وقد استقصينا الكلام على ذلك في كتابنا الكبير، عند القول فيما اختلف العلماء فيه من ذنوب الأنبياء عليهم السلام.

.[سورة الأعراف: آية 26]

{يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباسًا يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)}
وقوله تعالى: {يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباسًا يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ} [26]
وقد قرئ: {ورياشا}. وهما جميعا استعارة هاهنا. لأن المراد بهما اللباس. وسمى اللباس ريشا ورياشا تشبيها بريش الطائر الذي يستر جملته. ومن كلام العرب: أعطيته رجلا بريشه. أي بكسوته.
وقال المفسرون: معنى لباس التقوى ما كان من الملابس يستر العورة، لأن ستر العورة من أسباب التقوى. وقرئ: ولباس التّقوى. نصبا بأنزلنا عليكم. والرفع فيه على معنى الابتداء. ويكون خير خبرا له. فيكون المعنى: ولباس التقوى المشار إليه خير.
وهذا أسدّ القولين في هذا المعنى.

.[سورة الأعراف: آية 29]

{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)}
وقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [29] وهذه استعارة.
لأن الوجه لا يصح عليه القيام. والمعنى: فوجّهوا وجوهكم عند كل مسجد. ويجوز أن يكون معنى ذلك: فتوجّهوا بجملتكم نحو كل مسجد. لأن وجه الشيء عبارة عن جملته.

.[سورة الأعراف: الآيات 40- 41]

{إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41)}
وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ} [40] وهذه استعارة. والمراد لا يصلون إلى الجنة ولا يتسهل لهم السبيل إليها، ولا يستحقون بأعمالهم للدخول إليها. ومثل ذلك قوله سبحانه: {فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ} أي سهّلنا خروجه من السماء إلى الأرض، ورفعنا الحواجز بينه وبين الخلق.
وقوله تعالى: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ} [41] وهذه استعارة.
وقد مضى في آل عمران إلا أن الزيادة هاهنا قوله سبحانه: {وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ} فكأنه جعل لهم من النار أمهدة مفترشة وأغشية مشتملة، فيكون استظلالهم بحرها، كاستقرارهم على جمرها. نعوذ باللّه من ذلك.

.[سورة الأعراف: آية 43]

{وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)}
وقوله سبحانه: {وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} [43]. وهذه استعارة. لأنه ليس هناك شيء يتأتى نزعه على الحقيقة. والمعنى: أزلنا ما في صدورهم من الغل بإنسائهم إياه، وبإحداث أبدال له تشغل أماكنه من قلوبهم، وتشفع مواقعه من صدورهم. وقال بعض المفسرين: معنى ذلك: أهل الجنة لا يحسد بعضهم بعضا على علو المنزلة فيها، والبلوغ إلى مشارف رتبها. والحسد: الغل.
وقوله تعالى: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [43] وهذه استعارة خفية. وقد تكون استعارة خفية، واستعارة جلية. وذلك أن حقيقة الميراث في الشرعهو ما انتقل إلى الإنسان من ملك الغير بعد موته على جهة الاستحقاق.
فأما صفة اللّه تعالى بأنه الوارث لخلقه كقوله: {وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ} وكقوله: {وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} فهو مجاز. والمراد: أنه الباقي بعد فناء خلقه، وتقوّض سمائه وأرضه.
وقد استعمل ذلك أيضا في نزول قوم ديار قوم بعدهم، وأخذ قوم أموال قوم بعد إجلائهم وحربهم. فقال سبحانه في هذه السورة: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها}. وقال تعالى في موضع آخر: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَؤُها} وليس يصح في إيراث الجنة مثل هذه المعاني التي ذكرناها، لأن الجنة لا يسكنها قوم بعد قوم قد فارقوها وانتقلوا عنها. فقوله سبحانه: {أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها} على الأصل الذي قدّمناه استعارة. ويكون المعنى الذي يسوغ هذه الاستعارة أن هؤلاء المؤمنين لما عملوا في الدار الدنيا أعمالا استحقوا عليها الجزاء والثواب، ولم يصحّ أن يوفر عليهم ذلك إلا في الجنة، وهى من الدار الآخرة، فكأنهم استحقوا دخولها. فحسن من هذا الوجه أن يوصفوا بأنهم أورثوها، وإن لم يكن سكناهم لها بعد سكنى قوم آخرين انتقلوا عنها. وسوّغ ذلك أيضا اختلاف حال الدارين، وانتقالهم من الأولى إلى الآخرة.
فكأنّ ما عملوه في الدار الأولى كان سببا لما وصلوا إليه في الدار الآخرة، كما يستحقّ الميراث بالسبب.