فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3)}
اسْتَسْلِموا لمطالبات التقدير، قِفُوا حيثما وقفتم، وتحققوا بما عرفتم، وطالعوا بما كوشفتم، ولا تلاحظوا غيرًا، ولا تركنوا إلى عِلَّةٍ، ولا تظنوا أن لكم من دونه وسيلة. اهـ.

.تفسير الآية رقم (4):

قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما كان من أعظم ما يتذكر سار النعم وضار النقم للإقبال على الله والإعراض عما سواه وعدم الأغترار باسباب الأمن والراحة، قال: {وكم} أي قلّ تذكركم وخوفكم من سطواتنا والحال أنه كم {من قرية} وإن جلت؛ ولما كان المراد المبالغة في الإهلاك، أسنده إلى القرية والمراد أهلها فقال: {أهلكناها} أي بما لنا من العظمة لظلمها باتباع من دون الله، فلا تغتروا بأوليائكم من دونه وأنتم عالمون بأنهم لم ينفعوا من ضل من الأمم السالفة وقت إنزالنا بهم السطوة وإحلالنا بهم النقمة وتحقق المهلكون إذ ذاك- مع أنهم كانوا أشد بطشًا واكثر عددًا وأمتن كيدًا- عدم إغنائهم فلم يوجهوا آمالهم نحوهم.
ولما كان المعنى: أردنا إهلاكها وحكمنا به، سبب عنه قوله: {فجاءها بأسنا} أي عذابنا بما لنا من القوة والعظمة، أو الإهلاك على حقيقته وهذا تفصيل له وتفسير؛ ولما كان لا فرق في إتيان عذابه سبحانه بين كونه ليلًا أو نهارًا، وكان أفحش البأس وأشده ما كان في وقت الراحة والدعة والغفلة قال: {بياتًا} أي وقت الاستكنان في البيوت ليلًا كما أهلك قوم لوط عليه السلام وقت السحر.
ولما كان المراد بالقرية اهلها، بينه بقوله لأنه إذا حذف المضاف جاز فيه اعتباران بحسب ما يحسن من المعنى: أن لا يلتفت إليه- كما في اول الآية، وإن يلتفت إليه- كما في هذا الأخير لبيان أن الأهل هم المقصودون بالذات لأنه موضع التهديد: {أو هم قائلون} أي نائمون وقت القائلة أو مستريحون من غير نوم كما أهلك قوم شعيب عليه السلام، يعني أنهم كانوا في كل من الوقتين غافلين بسبب أنهم كانوا آمنين، لم يظنوا أن شيئًا من أعمالهم موجب للعذاب ولا كانوا مترقبين لشيء منه، فالتقدير: بياتًا هم فيه بائتون أي نائمون، أو قائلة هم فيها قائلون أي نائمون، فالآية من الاحتباك: دل إثبات {بياتًا} أولًا على حذف {قائلة} ثانيًا، وإثبات {هم قائلون} ثانيًا على حذف {هم نائمون} أولًا، والذي أرشدنا إلى هذا المعنى الحسن سوق {هم} من غير واو، وهذا قريب من قوله تعالى فيما يأتي: {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتًا وهم نائمون} [الأعراف: 97] فالأقرب أن يكون المحذوف أولًا نائمون، وثانيًا نهارًا، فيكون التقدير: بياتًا هم فيه نائمون، أو نهارًا هم فيه قائلون، وبين عظمة ما جاءهم وهوله بأنهم في كل من الوقتين لم يقع في فكر أحد منهم التصويب إلى مدافعته بما سبب عن ذلك من قوله: {فما كان دعواهم} أي قولهم الذي استدعوه {إذ جاءهم بأسنا} أي بما لنا من العظمة {إلا أن قالوا} أي إلا قولهم {إنا كنا} أي بما لنا من الجبلة {ظالمين} أي في أنا لم نتبع من أنزل إلينا من ربنا، فلم يفدهم ذلك شيئًا غير شدة التحسر. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بالإنذار والتبليغ، وأمر القوم بالقبول والمتابعة ذكر في هذه الآية ما في ترك المتابعة والإعراض عنها من الوعيد. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
قال الزجاج: موضع كم رفع بالابتداء وخبره أهلكناها.
قال: وهو أحسن من أن يكون في موضع نصب لأن قولك زيد ضربته أجود من قولك زيدًا ضربته، والنصب جيد عربي أيضًا كقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْء خلقناه بِقَدَرٍ} [القمر: 49].
المسألة الثانية:
قيل: في الآية محذوف والتقدير: وكم من أهل قرية ويدل عليه وجوه: أحدها: قوله: {فَجَاءهَا بَأْسُنَا} والبأس لا يليق إلا بالأهل.
وثانيها: قوله: {أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} فعاد الضمير إلى أهل القرية.
وثالثها: أن الزجر والتحذير لا يقع للمكلفين إلا بإهلاكهم.
ورابعها: أن معنى البيات والقائلة لا يصح إلا فيهم.
فإن قيل: فلماذا قال أهلكناها؟
أجابوا بأنه تعالى رد الكلام على اللفظ دون المعنى كقوله تعالى: {وَكَأِيّن مّن قَرْيَةٍ عَتَتْ} [الطلاق: 8] فرده على اللفظ.
ثم قال: {أَعَدَّ الله لَهُمْ} [الطلاق: 10] فرده على المعنى دون اللفظ، ولهذا السبب قال الزجاج: ولو قال فجاءهم بأسنا لكان صوابًا، وقال بعضهم: لا محذوف في الآية والمراد إهلاك نفس القرية لأن في إهلاكها بهدم أو خسف أو غيرهما إهلاك من فيها، ولأن على هذا التقدير يكون قوله: {فَجَاءهَا بَأْسُنَا} محمولًا على ظاهره ولا حاجة فيه إلى التأويل.
المسألة الثالثة:
لقائل أن يقول: قوله: {وَكَم مّن قَرْيَةٍ أهلكناها فَجَاءهَا بَأْسُنَا} يقتضي أن يكون الإهلاك متقدمًا على مجيء البأس وليس الأمر كذلك، فإنّ مجيء البأس مقدم على الإهلاك والعلماء أجابوا عن هذا السؤال من وجوه:
الأول: المراد بقوله: {أهلكناها} أي حكمنا بهلاكها فجاءها بأسنا.
وثانيها: كم من قرية أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا كقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة فغسلوا وجوهكم} [المائدة: 6] وثالثها: أنه لو قال وكم من قرية أهلكناها فجاءهم إهلاكنا لم يكن السؤال واردًا فكذا هاهنا لأنه تعالى عبر عن ذلك الإهلاك بلفظ البأس.
فإن قالوا: السؤال باق، لأن الفاء في قوله: {فَجَاءهَا بَأْسُنَا} فاء التعقيب، وهو يوجب المغايرة.
فنقول: الفاء قد تجيء بمعنى التفسير كقوله عليه الصلاة والسلام: «لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يضع الطهور مواضعه فيغسل وجهه ويديه» فالفاء في قوله فيغسل للتفسير، لأن غسل الوجه واليدين كالتفسير لوضع الطهور مواضعه.
فكذلك هاهنا البأس جار مجرى التفسير، لذلك الإهلاك، لأن الإهلاك، قد يكون بالموت المعتاد، وقد يكون بتسليط البأس والبلاء عليهم، فكان ذكر البأس تفسيرًا لذلك الإهلاك.
الرابع: قال الفراء: لا يبعد أن يقال البأس والهلاك يقعان معًا كما يقال: أعطيتني فأحسنت، وما كان الإحسان بعد الإعطاء ولا قبله، وإنما وقعا معًا فكذا هاهنا، وقوله: {بَيَاتًا} قال الفراء يقال: بات الرجل يبيت بيتًا، وربما قالوا بياتًا قالوا: وسمي البيت لأنه يبات فيه.
قال صاحب الكشاف: قوله: {بَيَاتًا} مصدر واقع موقع الحال بمعنى بائتين وقوله: {أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} فيه بحثان:
البحث الأول: أنه حال معطوفة على قوله: {بَيَاتًا} كأنه قيل: فجاءها بأسنا بائتين أو قائلين.
قال الفراء: وفيه واو مضمرة، والمعنى: أهلكناها فجاءها بأسنا بياتًا أو وهم قائلون، إلا أنهم استثقلوا الجمع بين حرفي العطف، ولو قيل: كان صوابًا، وقال الزجاج: أنه ليس بصواب لأن واو الحال قريبة من واو العطف، فالجمع بينهما يوجب الجمع بين المثلين وأنه لا يجوز، ولو قلت: جاءني زيد راجلًا وهو فارس لم يحتج فيه إلى واو العطف.
البحث الثاني: كلمة {أو} دخلت هاهنا بمعنى أنهم جاءهم بأسنا مرة ليلًا ومرة نهارًا، وفي القيلولة قولان: قال الليث: القيلولة نومة نصف النهار.
وقال الأزهري: القيلولة عند العرب الاستراحة نصف النهار إذا اشتد الحر، وإن لم يكن مع ذلك نوم، والدليل عليه: أن الجنة لا نوم فيها والله تعالى يقول: {أصحاب الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: 24] ومعنى الآية أنهم جاءهم بأسنا وهم غير متوقعين له، إما ليلًا وهم نائمون، أو نهارًا وهم قائلون، والمقصود: أنهم جاءهم العذاب على حين غفلة منهم من غير تقدم أمارة تدلهم على نزول ذلك العذاب، فكأنه قيل: للكفار لا تغتروا بأسباب الأمن والراحة والفراغ، فإن عذاب الله إذا وقع، وقع دفعة من غير سبق أمارة فلا تغتروا بأحوالكم. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَكَم مّن قَرْيَةٍ أهلكناها}
معناه: وكم من أهل قرية وعظناهم فلم يتعظوا فأهلكناهم {فَجَاءهَا بَأْسُنَا} أي جاءها عذابنا بعد التكذيب {بَيَاتًا} أي ليلًا.
سمي الليل بياتًا لأنه يبات فيه {أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} عند القيلولة.
فإن لم تتّعظوا أنتم يأتيكم العذاب ليلًا أو نهارًا كما أتاهم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} بالعذاب وموضع {كم} الرفع بالابتداء وخبره في {أهكلناها} وإن شئت نصبته برجوع الهاء، {فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} عذابنا {بَيَاتًا} ليلا كما يأتِ بالعساكر {أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} يعني نهارًا في وقت القائلة وقائلون نائمون ظهيرة، ومعنى الآية: {أو هم قائلون} يعني: إن من هذه القرى ما أُهلكت ليلا ومنها ما أُهلكت نهارًا وإنّما حذفوها لاستثقالهم نسقًا على نسق، هذا قول الفراء، وجعل الزجاج بمعنى أو التحيّر والإباحة تقديره: جاءهم بأسنا مرّة ليلا ومرّة نهارًا. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} الآية، هذا إخبار من الله تعالى عن حال من أهلكه بكفر تحذيرًا للمخاطبين به عن مثله، وقوله: {وَكَم} هي كلمة توضع للتكثير، ورُب موضوعة للتقليل، وذلك هو الفرق بين كم ورب.
قال الفرزدق:
كم عمة لك يا جرير وخالة ** فدعاء قد حلبت على عشاري

فدل ذلك على تكثير العمات والخالات:
وفي قوله: {أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا} وإنما الهلاك بعد مجيء البأس أربعة أوجه:
أحدها: معناه أهلكناها حكمًا فجاءها بأسنا فعلًا.
والثاني: أهلكناها بإرسال الملائكة إليها بالعذاب فجاءها بأسنا بوقوع العذاب لهم.
والثالث: أهلكناها بخذلاننا لها عن الطاعة فجاءها بأسنا عقوبة على المعصية.
والرابع: أن البأس والهلاك وقعا معًا في حال واحدة، لأن الهلاك كان بوقوع البأس فلم يفترقا، وليس دخول الفاء بينهما موجبة لافتراقهما بل قد تكون بمعنى الواو كما يقال أعطيت وأحسنت، فكان الإحسان بالعطاء ولم يكن بعد العطاء، قاله الفراء.
وقوله: {بَيَانًا} يعني في نوم الليل.
{أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} يعني في نوم النهار وقت القائلة.
فإن قيل: فلم جاءهم بالعذاب في وقت النوم دون اليقظة؟ قيل: لأمرين:
أحدهما: لأن العذاب في وقت الراحة أشد وأغلظ.
والثاني: لئلا يتحرزوا منه ويهربوا عنه، لاستسلام النائم وتحرز المستيقظ، والبأس: شدة العذاب، والبؤس: شدة الفقر. اهـ.