فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال شهابُ الدِّين: ولو ادَّعى مدَّعٍ زيادَتَها على مذهب الأخفش لم تُقبل دَعْوَاهُ؛ لأن الأخفش إنَّمَا يَزِيدُهَا عند الاحتياج إلى زيادتها.
الثاني: أنَّهَا في موضع نَصْبٍ على الاشتغال بإضمار فعل يفسِّره ما بعده، ويقدَّرُ الفِعْلُ متأخَّرًا عن {كم}؛ لأن لها صدر الكلام، والتَّقديرُ: وكم من قريةٍ أهلكناها، وإنَّمَا كان لها صدر الكلام لوَجْهَيْنِ:
أحدهما: مضارعتها لـ {كم} الاستفهامية.
والثاني: أنَّهَا نقيضة رُبَّ؛ لأنها للتكثير ورُبَّ للتَّقْلِيلِ فحُمل النقيضُ على نَقِيضهِ كما يحملون النظير على نظيره، ولابد من حَذْفِ مُضافٍ في الكلام لقوله تعالى: {أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} فاضطرَرْنَا إلى تَقْدير محذوفٍ؛ لأن البَأسَ لا يليق بالأهْلِ، ولقوله: {أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} فعاد الضمير إلى أهل القرية، وأيضًا فلأن التَّحْذِيرَ لا يقع إلاَّ للمُكَلَّفينَ، وأيضًا والقِائِلَةُ لا تَلِيقُ إلاَّ بالأهْلِ.
ثم منهم مَنْ قدَّره قبل قرية أي: كم من أهْلِ قَريةٍ، ومنهم مَنْ قدَّرَهُ قبل ها في أهلكنَاهَا أي: أهْلَكْنَا أهلها، وهذا ليس بِشَيءٍ؛ لأن التَّقاديرَ إنَّمَا تكُونُ لأجل الحَاجَةِ، والحاجةُ لا تَدْعُو إلى تَقْديرِ هذا المُضَافِ في هَذَيْنِ الموضِعَيْنِ المذكُوريْنِ؛ لأن غهلاكَ القرْيَة يمكنُ أن يقعَ عليها نَفْسِهَا، فإن القُرى قد تُهْلَكُ بالخَسْفِ والهَدْمِ والحريقِ والغَرَقِ ونحوه، وإنما يحتاج إلى ذلك عند قوله: {فَجَاءَهَا} لأجل عَوْدِ الضَّمير من قوله: {هُمْ قَائِلُونَ} عليه، فيقدَّرُ: وكم من قَرْيَةٍ أهلكناها فَجَاءَ أهلها بأسنا.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ: فإن قلت: هل يقدَّرُ المُضَافُ الذي هو الأهل قبل القَرْيَةِ، أو قَبْلَ الضَّمير في {أهلكْنَاهَا}.
قلتُ: إنَّمَا يُقدَّرُ المُضَافُ للحاجَةِ، ولا حَاجَةَ فإن القريَةَ تَهْلَكُ، كما يَهْلَكُ أهلها وإنَّما قَدَّرْنَاهُ قبل الضمير في {فَجَاءَهَا} لقوله:... وَظَاهِر الآية: أنَّ مجيءَ البَأسِ بعد الإهلاكِ وعقيبة؛ لأنَّ الفاءَ تعطي ذلك لكن الواقعَ إنما هو مجيءُ البَأسِ، وبعدَهُ يقعُ الإهلاك.
فمن النُّحَاةِ من قال الفاء تأتي بمعنى الوَاوِ فلا ترتب، وجعل من ذلك هذه الآيةَ، وهو ضَعِيفٌ، والجمهور أجَابُوا عن ذلك بوجهين:
أحدهما: أنَّهُ على حذف الإرادة أي: أرَدْنَا إهلاكها كقوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة} [المائدة: 6]، {فَإِذَا قَرَأْتَ القرآن} [النحل: 98]، إذَا دَخَل أحَدُكُمُ الخَلاء فَلْيُسَمِّ اللَّهَ، وقيل: حكمنا بِهَلاكِهَا.
الثاني: أنَّ معنى {أهْلَكْنَاهَا} أي: خذلناهُم ولم نوفقهم فنشأ عن ذلك هَلاَكُهُم، فعبر بالمسَّبب عن سَبَبِهِ وهو بابٌ واسع.
وثَمَّ أجوبة ضعيفة؛ منها: أنَّ الفاء هاهنا تفسيرية نحو: تَوَضَّأ فغسل وجهه ثم يديه فليست للتعقيب ومنها أنَّها للتَّرتيب في القَوْلِ فقط كما أخبر عن قرى كثيرة أنَّها أهلكها [ثم] قال: فكان من أمرها مجيء البأس ومنها ما قاله الفرَّاءُ، وهو: أن الإهلاكَ هو مجيء البَأسِ، ومجيءُ البأسِ هو الإهلاكُ، فلما كانا مُتلازِمَيْنِ لم يبال بأيِّهما قدَّمت في الرتبة، كقولك: شتمني فأساء، وأساءَ فَشَتَمَنِي، فالإساءَةُ والشَّتْمْ شيءٌ واحدٌ، فهذه ستَّةُ أقوال.
واعلم أنَّه إذا حُذِفَ مُضافٌ، وأقيم المضافُ إليه مقامَهُ جاز لك اعتباران:
أحدهما: الالتفاتُ إلى ذَلِكَ المحذوفِ.
والثاني- وهو الأكْثَرُ- عَدمُ الالتفاتِ إليه، وقد جُمع الأمرانِ هنا، فإنَّهُ لم يُراع المحذوفَ في قوله: {أهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا} وراعاهُ في قوله: {أَوْ هُمْ قَائِلُونَ}، هذا إذا قدَّرْنَا الحذفَ قبل {قَرْيَةٍ} ن أمَّا إذا قَدَّرْنَا الحذف قبل ضمير {فَجَاءَهَا} فإنَّهُ لم يراعِ إلاَّ المحذوفَ فقط وهو غيرُ الأكْثَرِ.
قوله: {بَيَاتًا} فيه ثلاثةُ أوْجْهٍ:
أحدها: أنَّهُ منصوب على الحال وهو في الأصل مصدر، يقال: بَاتَ يَبِيتُ بيْتًا وبيتة وبَيَاتًا وبَيْتُوتَةً.
قال اللَّيْثُ: البَيْتُوتَةُ: دخولُكَ في اللَّيْلِ فقوله: {بَيَاتًا} أي: بَائِتينَ وجوَّزوا أن يكون مفعولًا لهُ، وأنْ يكونَ في حكم الظَّرْفِ.
وقال الوَاحِديُّ: قوله: {بَيَاتًا} أي: ليلًا وظاهرُ هذه العِبَارة أنْ تكون ظَرْفًا، لولا أن يُقَالَ: أراد تَفْسِير المعنى.
قال الفرَّاءُ: يقالُ: بات الرَّجُلُ يَبيتُ بَيْتًا، وربَّمَا قالوا: بَيَاتًا، وقالوا: سُمِّيَ البيتُ بَيْتًا؛ لأنَّهُ يُبَاتُ فيه.
قوله: {أَوْ هُمْ قَائِلُو} هذه الجملةُ في محلِّ نصب نَسَقًا على الحال، و{أو} هنا للتَّنْوِيع لا لِشَيءٍ آخر كأنَّهُ قيل: آتاهُ بأسُنَا تارةً لَيْلًا كقوم لوطٍ، وتَارَةً وَقْتَ القَيْلُولَةِ كقوم شُعَيْبٍ.
وهل يحتَاجُ إلى تَقْديرِ واوِ حالٍ قَبْلَ هذه الجُمْلَةَ أم لا؟ خلافٌ بين النَّحْوِيِّينَ.
قال الزمخشريُّ: فإن قُلْتَ: لا يُقَالُ: جاءَ زيدٌ هو فارسٌ بغيرِ واوٍ فما بالُ قوله تعالى: {أَوْ هُمْ قَائِلُونَ}؟
قلتُ: قدَّر بعض النَّحويين الواو محذوفَةً، وردَّهُ الزَّجَّاج وقال: لو قلتَ: جاءني زيدٌ رَاجِلًا، أو هو فارس، أو جاءني زيد هو فارس لم يحتج إلى واو؛ لأن الذِّكر قد عام على الأوَّل.
والصَّحِيحُ أنَّها إذا عُطفَتْ على حالٍ قبلها حذفت الواو استثقالًا؛ لاجتماع حرفي عطف؛ لأن واو الحال هي واو العطف استُعِيرَتُ للوصل، فقولك: جاء زَيدٌ راجلًا أو هو فارس كلامٌ فصيح وارد على حدِّه، وأمَّا جاءني زَيْدٌ هو فارس فخبيث.
قال أبو حيَّان: أما بعضُ النَّحويين الذي أبهمه الزمخشريُّ فهو الفرَّاءُ، وأما قول الزَّجَّاج: كلا التمثيلين لم يحتج فيه إلى الواو؛ لأن الذِّكر قد عاد على الأوَّلِ ففيه إبْهَامٌ وتعيينه أنَّهُ يمتنعُ دخولها في المثالِ الأوَّلِ ويجوز في المثال الثاني؛ فليس انتفاءُ الاحتياج على حدِّ سواء؛ لأنه في الأوِّل لامتناع الدُّخُولِ، وفي الثاني لكثرتِهِ لا لامتناعه.
قال شهابُ الدِّين: أمَّ امتناعُهَا في المثالِ الأوَّلِ؛ فلأن النَّحْويين نَصُّوا على أنَّ الجملة الحاليَّة إذا دَخَلَ عليها حرفُ عطفٍ امتنع دخولُ واوِ الحالِ عليها، والعلَّةُ فيه المشَابَهَةُ اللَّفظيَّةُ؛ ولأن واو الحال في الأصل عاطفةٌ، ثم قال أبُو حيَّان.
وأمَّا قولُ الزمخشري فالصَّحيحُ إلى آخره، فتعليلُهُ ليس بصَحِيحٍ؛ لأنَّ واوَ الحال ليست بحرف عَطْفِ فيلزم من ذكرها اجتماعُ حَرْلإَي عَطْفٍ؛ لأنَّها لو كانت حرف عطفٍ للزم أن يكونَ ما قَبْلَهَا حالًا، حتى يعطف حالًا على حالٍ، فمجيئها فيما لا يمكن أن يكُونَ حالًا دليل على أنَّهَا ليست واو عطْفٍ، ولا لُحظ فيها معنى واوِ عَطْفٍ تقُولُ: جاء زيدٌ، والشمسُ طالِعَةٌ فجاءَ زَيْدٌ ليس بحالٍ فيعطف عليها جُمْلَة حالٍ، وإنَّمَا هذه الواوُ مغايرة لواو العَطْفِ بكل حالٍ، وهي قسمٌ من أقسام الواو كما تأتي للقسم، وليستْ فيه للعَطْفِ كما إذا قلت: واللَّه لَيَخْرُجَنَّ.
قال شهابُ الدِّين: أبُو القَاسِم لم يدَّع في واو الحال أنَّها عاطفة، بل يدَّعِي أنَّ أصلها العَطْفَ، ويدلُّ على ذلك قوله: استُعِيرَتْ للوصول، فلو كانت عَاطِفَةً على حالِهَا لما قَالَ: اسْتَعِيرَتْ فَدَلَّ قوله ذلك على أنَّها خجرت عن العطف، واسْتُعْمِلَتْ لمعنى آخر لكنها أعطيت حكم أصلها في امْتِنَاعِ مجامَعَتِهَا لعاطفٍ آخر.
وأمَّا تسمِيَتُهَا حرف عطف، فباعْتِبَارِ أصْلِهَا ونَظِيرُ ذلك أيضًا واو مع فإنَّهم نَصُّوا على أنَّ أصلها واوُ عَطْفٍ، ثمَّ استعملتْ في المعيَّةِ، فكذلك واوُ الحَالِن لامتناعِ أن يكُونَ أصْلُهَا واوَ العطف.
ثم قال أبُو حيَّان: وأمّا قوله: فَخَبِيثٌ فليس بِخَبِيثٍ؛ وذلك أنَّهُ بَنَاهُ على أنَّ الجملة الحالِيَّة إذا كانت اسميَّةً، وفيها ضميرُ ذي الحَالِ فحذفُ الواوِ منها شاذٌ وتبع في ذلك الفرَّاء، وليس بِشَاذٍّ بل هو كثيرٌ في النَّظْمِ والنَّثْرِ.
قال شهابُ الدِّين: قد يبق أبا القاسم في تسمية هذه الواو حرف عَكْفٍ الفرَّاءُ، وأبُو بَكْرٍ بْنُ الأنْبَارِيِّ.
قال الفرَّاءُ: {أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} فيه واو مُضْمَرَةٌ، المعنى: أهلكناها فَجَاءَهَا بَأسُنَا بَيَاتًا أو هم قائلون فاستثقلوا نسقًا على أثَرِ نَسَقٍ، ولو قيل لكَانَ صوابًا.
قلتُ: قد تقدَّم أنَّ الشَّيخَ نقل أنَّ الواوَ ممتنعةٌ في هذا المثال، ولم يَحكِ خِلافًا، وهذا قَوْلُ الفرَّاءِ: ولو قيل لكان صوابًا مُصَرِّحُ بالخلاف له.
وقال أبُو بَكْرٍ: أضْمِرَتْ واوُ الحالِ لوُضُوحِ معناها كما تَقُولُ العرب: لقيتُ عَبْدَ الله مُسْرعًا، أو هو يَرْكُضُ فَيَحْذِفُونَ الواوَ لأمْنِهمُ اللَّبس، لأن الذِّكْرَ قد عَادَ على صاحب الحال، ومن أجل أنَّ {أو} حرف عطف والوُ كَذِلَكَ، فاسْتَثْقَلُوا جمعًا بين حرفين من حروفِ العَطْفِ، فَحَذَفُوا الثَّانِي.
قال شهابُ الدِّين: فهذا تَصْرِيحٌ من هذين الإمَامَيْنِ بما ذكره أبُوا القَاسِم، وإنما ذكرتُ نص هذين الإمَامَيْنِ؛ لأعلم اطلاعه على اقوال النَّاسِ، وأنَّهُ لا يأتي بغير مُصْطَلحِ أهْلِ العلم كما يرميه به غير مرَّةٍ.
و{قَائِلونَ} من القَيْلُولَةِ.
يقال: قَالَ يَقِيلُ قَيْلُولَةً فهو قَائِلٌ كبائع والقيلُولَةُ: الرَّاحَةُ والدعَةُ في الحرِّ وسط النهار، وإن لم يكن معها نَوْمٌ.
وقال اللَّيث: هي نَوْمَةُ نِصْفِ النَّهَارِ.
قال الأزْهَرِيُّ: القيلولة: الرَّاحَةُ، وإن لم يكن فيها نَوْمٌ بدليل قوله تعالى: {أَصْحَابُ الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: 24]، والجنَّةُ لا نَوْمَ فيها.
قال شهابُ الدِّينِ: وولا دليلَ فيما ذَكَرَ؛ لأن المقيل هنا خرج عن موضعه الأصْلِيِّ إلى مُجَرَّدِ الإقامة بدليل أنَّهُ لا يراد أيضًا الاستراحة في نِصْفِ النَّهَارِ في الحر فقد خَرَجَ عن موضعه عندنا وعندكم إلى ما ذكرنا، والقَيْلُولَةُ مصدرٌ ومثلها: القَائِلَةُ والقيلُ والمَقِيلُ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

قال الشنقيطي:
{وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4)}
خوف الله تعالى في هذه الآية الكريمة الكفار الذين كذبوه صلى الله عليه وسلم، بأنه أهلك كثيرًا من القرى بسبب تكذيبهم الرسل، فمنهم من أهلكها بياتًا أي ليلًا، ومنهم من أهلكها وهم قائلون، أي في حال قيلولتهم، والقيلولة: الاستراحة وسط النهار. يعني: فاحذروا تكذيب رسولي صلى الله عليه وسلم لئلا أنزل بكم مثل ما أنزلت بهم، وأوضح هذا المعنى في آيات أخر كقوله: {وَلَقَدِ استهزئ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بالذين سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} [الأنعام: 10]، وقوله: {فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} [الحج: 45]، وقوله: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الوارثين} [القصص: 58]، وقوله: {أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ الله عَلَيْهِمْ} [محمد: 10]، ثم بين أنه يريد تهديدهم بذلك بقوله: {وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} [محمد: 10] إلى غير ذلك من الآيات.
وقد هدد تعالى أهل القرى بأن يأتيهم عذابه ليلًا في حالة النوم، أو ضحى في حالة اللعب، في قوله تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ القرى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ أَوَ أَمِنَ أَهْلُ القرى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأعراف: 97-98]. وهدد أمثالهم من الذين مكروا السيئات بقوله تعالى: {أَفَأَمِنَ الذين مَكَرُواْ السيئات أَن يَخْسِفَ الله بِهِمُ الأرض أَوْ يَأْتِيَهُمُ العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ على تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [النحل: 45-47]. اهـ.

.تفسير الآية رقم (5):

قوله تعالى: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5)}

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ} قال أهل اللغة: الدعوى اسم يقوم مقام الادعاء، ومقام الدعاء.
حكى سيبويه: اللهم أشركنا في صالح دعاء المسلمين، ودعوى المسلمين.
قال ابن عباس: فما كان تضرعهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين فأقروا على أنفسهم بالشرك.
قال ابن الأنباري: فما كان قولهم إذ جاءهم بأسنا إلا الاعتراف بالظلم والإقرار بالإساءة وقوله: {إِلاَّ أَن قَالُواْ} الاختيار عند النحويين أن يكون موضع أن رفعًا بكان ويكون قوله: {دَعْوَاهُمْ} نصبًا كقوله: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ} [النمل: 56] وقوله: {فَكَانَ عاقبتهما أَنَّهُمَا في النار} [الحشر: 17] وقوله: {مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن} [الجاثية: 25] قال ويجوز أن يكون أيضًا على الضد من هذا بأن يكون الدعوى رفعًا، و{أن قالوا} نصبًا كقوله تعالى: {لَّيْسَ البر أَن تُوَلُّواْ} [البقرة: 177] على قراءة من رفع البر، والأصل في هذا الباب أنه إذا حصل بعد كلمة كان معرفتان فأنت بالخيار في رفع أيهما شئت، وفي نصب الآخر كقولك كان زيد أخاك وإن شئت كان زيدًا أخوك.
قال الزجاج: إلا أن الاختيار إذا جعلنا قوله: {دَعْوَاهُمْ} في موضع رفع أن يقول: {فَمَا كَانْ دَعْوَاهُمْ} فلما قال: كان دل على أن الدعوى في موضع نصب، ويمكن أن يجاب عنه بأنه يجوز تذكير الدعوى، وإن كانت رفعًا فتقول: كان دعواه باطلًا، وباطلة، والله أعلم. اهـ.