فصل: باب ما جاء في الشهداء عند الحساب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.باب ما جاء في الشهداء عند الحساب:

قال العلماء: وتكون المحاسبة بمشهد من النبيين وغيرهم قال الله تعالى: {وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق} وقال: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا}. وشهيد كل أمة نبيها. وقيل إنهم كتبة الأعمال وهو الأظهر فتحضر الأمة ورسولها، فيقال للقوم: ماذا أجبتم المرسلين، ويقال للرسل ماذا أجبتم؟ فتقول الرسل لا علم لنا على ما تقدم في الباب قبل، ثم يدعى كل واحد على الانفراد فالشاهد عليه صحيفة عمله وكاتبها فإنه قد أخبر في الدنيا أن عليه ملكين يحفظان أعماله وينسخانها.
وذكر أبو حامد في كتاب كشف علوم الآخرة أن المنادي ينادي من قبل الله لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب، فيستخرج لهم كتاب عظيم يسد ما بين المشرق والمغرب فيه جميع أعمال الخلائق فما صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرًا ولا يظلم ربك أحدًا، وذلك أن أعمال الخلائق تعرض على الله في كل يوم فيأمر الكرام البررة أن ينسخوها في ذلك الكتاب العظيم وهو قوله تعالى: {إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون} ثم ينادي بهم فردًا فردًا فيحاسب كل واحد منهم، فإذا الأقدام تشهد واليدان. وهو قوله تعالى: {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} وقد جاء في الخبر أن رجلًا منهم يوقف بين يدي الله تبارك وتعالى فيقول له: يا عبد السوء كنت مجرمًا عاصيًا، فيقول: ما فعلت؟ فيقال له: عليك بينة فيؤتى بحفظته فيقول كذبوا علي فتشهد جوارحه عليه فيؤمر به إلى النار، فيجعل يلوم جوارحه، فتقول له: ليس عن اختيارنا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وقد تقدم هذا المعنى مستوفى، وتقدم أن الأرض والأيام والليالي والمال ممن تشهد، وإذا قال الكافر لا أجيز على نفسي إلا شاهدًا مني ختم علي فيه فتشهد أركانه كما تقدم.

.باب ما جاء في شهادة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته:

ابن المبارك، أخبرنا رجل من الأنصار، عن المنهال بن عمرو، حدثنا أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: ليس من يوم إلا تعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أمته غدوة وعشية فيعرفهم بسماهم وأعمالهم فلذلك يشهد عليهم يقول الله تبارك وتعالى: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا}.
فصل:
قلت: قد تقدم أن الأعمال تعرض على الله تعالى يوم الخميس ويوم الأثنين، وعلى الأنبياء والآباء والأمهات يوم الجمعة ولا تعارض، فإنه يحتمل أن يخص نبينا عليه السلام بالعرض كل يوم ويوم الجمعة مع الأنبياء والله أعلم. اهـ.

.قال الخازن:

{فلنسألن الذين أرسل إليهم} يعني: نسأل الأمم الذين أرسلنا إليهم الرسل ماذا عملتم فيما جاءتكم به الرسل {ولنسألن المرسلين} يعني ولنسألن الرسل الذي أرسلناهم إلى الأمم هل بلغتم رسالاتنا وأديتم إلى الأمم ما أُمرتم بتأديته إليهم أم قصرتم في ذلك.
قال ابن عباس رضي الله عنهما في معنى هذه الآية: يسأل الله تعالى الناس عما أجابوا به المرسلين ويسأل المرسلين عما بلغوا وعنه أنه قال يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون.
وقال السدي: يسأل الأمم ماذا عملوا فيما جاءت به الرسل ويسأل الرسل هل بلَّغوا ما أرسلوا به.
فإن قلت: قد أخبر عنهم في الآية الأولى بأنهم اعترفوا على أنفسهم بالظلم في قوله إنا كنا ظالمين فيما فائدة هذا السؤال مع اعترافهم على أنفسهم بذلك؟
قلت: لما اعترفوا بأنهم كانوا ظالمين مقصرين سئلوا بعد ذلك عن سبب هذا الظلم والتقصير والمقصود من هذا التقريع والتوبيخ للكفار.
فإن قلت: فما الفائدة في سؤال الرسل مع العلم بأنهم قد بلغوا رسالات ربهم إلى من أرسلنا إليهم من الأمم؟
قلت: إذا كان يوم القيامة أنكر الكفار تبليغ الرسالة من الرسل فقالوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فكان مسألة الرسل على وجه الاستشهاد بهم على من أرسلوا إليهم من الأمم أنهم قد بلغوا رسالات ربهم إلى من أرسلوا إليه من الأمم فتكون هذه المسألة كالتقريع والتوبيخ للكفار أيضًا لأنهم أنكروا تبليغ الرسل فيزداد بذلك خزيهم وهوانهم وعذابهم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{فلنسألنّ الذين أرسل إليهم ولنسألنّ المرسلين} أي نسأل الأمم المرسل إليهم عن أعمالهم وعن ما بلّغه إليهم الرّسل لقوله و{يوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين}، ويسأل الرسل عما أجاب به من أرسلوا إليه كقوله، {يوم يجمع الله الرّسل فيقول ماذا أجبتم} وسؤال الأمم تقرير وتوبيخ يعقب الكفار والعصاة عذابًا وسؤال الرسل تأنيس يعقب الأنبياء ثوابًا وكرامة.
وقد جاء السؤال منفيًّا ومثبتًا بحسب المواطن أو بحسب الكيفيّات كسؤال التوبيخ والتأنيس وسؤال الاستعلام البحث منفيّ عن الله تعالى إذ أحاط بكل شيء علمًا.
وقيل المرسل إليهم الأنبياء والمرسلون الملائكة وهذا بعيد. اهـ.

.قال أبو السعود:

{فَلَنَسْئَلَنَّ الذين أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ}
بيانٌ لعذابهم الأخرويِّ إثرَ بيانِ عذابِهم الدنيويِّ خلا أنه قد تعرض لبيان مبادي أحوالِ المكلفين جميعًا لكونه أدخلَ في التهويل، والفاءُ لترتيب الأحوالِ الأخرويةِ على الدنيوية ذِكرًا حسَبَ ترتبها عليها وجودًا، أي لنسألن الأممَ قاطبةً قائلين: ماذا أجبتم المرسلين؟ {وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِين} عما أُجيبوا قال تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ} والمرادُ بالسؤال توبيخُ الكفرة وتقريعُهم، والذي نُفيَ بقوله تعالى: {وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المجرمون} سؤالُ الاستعلامِ أو الأولُ في موقف الحساب والثاني في موقف العقاب. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَلَنَسْئَلَنَّ الذين أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ}
بيان كما قال الطبرسي لعذابهم الأخروي إثر بيان عذابهم الدنيوي خلا أنه تعرض كما قيل لبيان مبادي أحوال المكلفين جميعًا لكونه أدخل في التهويل.
والفاء عند البعض لترتيب الأحوال الأخروية على الدنيوية ذكرًا حسب ترتبها عليها وجودًا.
وذكر العلامة الطيبي أن الفاء فصيحة على معني فما كان دعواهم في الدنيا إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا فقطعنا دابرهم ثم لنحشرنهم فلنسألنهم، ووضع على هذا الظاهر موضع الضمير لمزيد التقرير.
وقال في الكشف: لعل الأوجه أن يجعل هذا متعلقًا بقوله تعالى: {اتبعوا وَلاَ تَتَّبِعُواْ} [الأعراف: 3] ويجعل قوله سبحانه: {وَكَم مّن قَرْيَةٍ} [الأعراف: 4] إلخ معترضًا حثا على الاعتبار بحال السابقين ليتشمروا في الاتباع.اهـ.
وقال الألوسي:
والأمر عند من جعل الكلام السابق على التقديم والتأخير وادعى أن مجيء البأس في الآخرة سهل كما لا يخفى، أي لنسألن الأمم قاطبة أو هؤلاء قائلين: ماذا أجبتم المرسلين؟.
{وَلَنَسْئَلَنَّ المرسلين} ماذا أجيبوا، والمراد من هذا السؤال توبيخ الكفرة وتقريعهم، والمنفي في قوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ} [الرحمن: 39] سؤال الاستعلام فلا منافاة بين الآيتين، وجمع آخرون بينهما بأن للمثبت موقفًا وللمنفي آخر.
وقال الإمام: إنهم لا يسألون عن الأعمال أي ما فعلتم ولكن يسألون عن الدواعي التي دعتهم إلى الأعمال والصوارف التي صرفتهم عنها أي لم كان كذا، وقيل: معنى {لاَّ يُسْئَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَانٌّ} لا يعاقب بذنبه غيره، وقيل: المراد من الذين أرسل إليهم الأنبياء ومن المرسلين الملائكة الذين بلغوهم رسالات ربهم.
وروي ذلك عن فرقد وهو كما ترى، وقيل: لا حاجة إلى التوفيق فإن المنفى هو السؤال عن الذنب لا مطلق السؤال.
ورد بأن عدم قبول دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام ذنب وأي ذنب فسؤالهم عنه ينافيه وفيه نظر.
وتخصيص سؤال المرسلين عليهم السلام بما ذكرنا هو الذي يشهد به الأخبار وتدل عليه الآثار، وفي القرآن ما يؤيد ذلك فقد قال سبحانه: {يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ} [المائدة: 109] وتخصيص سؤال الذين أرسل إليهم بما تقدم هو الذي جرى عليه جماعة من المفسرين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان الثوري أنه يقال للذين أرسل إليهم: هل بلغكم الرسل؟ ويقال للمرسلين: ماذا ردوا عليكم.
وأخرج أيضًا عن القاسم أبي عبد الرحمن أنه تلا هذه الآية فقال يسأل العبد يوم القيامة عن أربع خصال يقول ربك: ألم أجعل لك جسدًا ففيم أبليته؟ ألم أجل لك علمًا ففيم عملت بما علمت؟ ألم أجعل لك مًالا ففيم أنفقته في طاعتي أم في معصيتي؟ ألم أجعل لك عمرا ففيم أفنيته؟.
وأخرج هو وغيره عن طاوس أنه قرأ ذلك فقال الإمام: يسأل عن الناس والرجل يسأل عن أهله والمرأة تسأل عن بيت زوجها والعبد يسأل عن مال سيده، ولعل الظاهر أن سؤال كل من المرسل إليهم والمرسلين هنا عن أمر يتعلق بصاحبه، ولا يأبى هذا أن المكلفين يسألون عن أمور أخر والمواقف يوم القيامة شتى ويسأل السيد ذو الجلال عباده فيها عن مقاصد عديدة فطوبى لمن أحذ بعضده السعد فأجاب بما ينجيه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

الفاء في قوله: {فلنسألن} عاطفة، لِترتيب الأخبار لأنّ وجود لام القسم علامة على أنّه كلام أنُفٌ انتقال من خبر إلى خبر، ومن قصة إلى قصة وهو انتقالٌ من الخبر عن حَالتهم الدنيوية إلى الخبر عن أحوالهم في الآخرة.
وأكّد الخبر بلام القسم ونون التّوكيد لإزالة الشكّ في ذلك.
وسؤال الذين أرسل إليهم سُؤال عن بلوغ الرّسالة.
وهو سؤال تقريع في ذلك المحشر، قال تعالى: {ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين} [القصص: 65].
وسؤال المرسلين عن تبليغهم الرّسالة سؤال إرهاب لأمُمِهم، لأنّهم إذا سمعوا شهادة رسلهم عليهم أيقنوا بأنّهم مسوقون إلى العذاب، وقد تقدّم ذلك في قوله: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد} [النساء: 41] وقوله: {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم} [المائدة: 109].
و{الذين أرسل إليهم}، هم أمم الرّسل، وعبّر عنهم بالموصول لما تدُلّ عليه الصّلة من التّعليل، فإن فائدة الإرسال هي إجابة الرّسل، فلا جرم أن يسأل عن ذلك المُرسَل إليهم، ولمّا كان المقصود الأهمّ من السّؤال هو الأمم، لإقامة الحجّة عليهم في استحقاق العقاب، قُدّم ذكرهم على ذكر الرّسل، ولما تدُلّ عليه صلة الذي وصلة ال من أنّ المسؤول عنه هو ما يتعلّق بأمر الرّسالةِ، وهو سؤال الفريقين عن وقوع التّبليغ.
ولَمَّا دلّ على هذا المعنى التّعبيرُ: بـ {الذين أرسل إليهم} والتّعبيرُ: بـ {المرسلين} لم يحتجّ إلى ذكر جواب المسؤولين لظهور أنّه إثبات التّبليغ والبلاغ.
والفاء في قوله: {فلنقصن عليهم} للتفريع والتّرتيب على قوله: {فلنسألن}، أي لنسألنّهم ثمّ نخبرهم بتفصيل ماأجمله جوابهم، أي فلنقصّنّ عليهم تفاصيل أحوالهم، أي فعِلْمُنا غَنِي عن جوابهم ولكن السّؤال لغرض آخر.
وقد دلّ على إرادة التّفصيل تنكيرُ علم في قوله: {بعلم} أي علم عظيم، فإنّ تنوين عِلم للتعظيم، وكمالُ العلم إنّما يظهر في العلم بالأمور الكثيرة، وزاد ذلك بيانًا قولُه: {وما كنا غائبين} الذي هو بمعنى: لا يعزب عن علمنا شيء يغيب عنّا ونغيب عنه. اهـ.