فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

{فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ} أي: فلنخبرنّهم بما عملوا في الدنيا ببيان وعلم منا {وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} عَمّا بلغت الرسل وعما ردَّ عليهم قومهم.
ومعناه: وما كنا نسألهم لنعلم ذلك ولكن نسألهم حجةً عليهم. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {فلنقصن} أي فلنسردن عليهم أعمالهم قصة قصة، {بعلم} أي بحقيقة ويقين، قال ابن عباس: يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون.
قال القاضي أبو محمد: يشبه أن يكون الكلام هنا استعارة إذ كل شيء فيه مقيد، {وما كنا غائبين} أي ما كنا من لا يعلم جميع تصرفاتهم كالغائب عن الشيء الذي لا يعرف له حالًا. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{فلنقصنَّ عليهم} أي: فلنُخبرنَّهم بما عملوا بعلم منا {وما كنا غائبين} عن الرسل والأمم.
وقال ابن عباس: يوضع الكتاب فيتكلم بما كانوا يعملون. اهـ.

.قال القرطبي:

{فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ}.
قال ابن عباس: ينطق عليهم.
{وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} أي كنا شاهدين لأعمالهم.
ودلت الآية على أن الله تعالى عالمٌ بعلم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {فلنقصن عليهم بعلم} يعني: فلنخبرن الرسل ومن أرسلوا إليهم بعلم ويقين بما عملوا في الدنيا {وما كنا غائبين} يعني عنهم وعن أفعالهم وعن الرسل فيما بلغوا وعن الأمم فيما أجابوا.
فإن قلت كيف الجمع بين قوله تعالى: {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين} وبين قوله: {فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين} وإذا كان عالمًا فما فائدة هذا السؤال؟
قلت: فائدة سؤال الأمم والرسل مع علمه سبحانه وتعالى بجميع المعلومات، التقريع، والتوبيخ للكفار لأأنهم إذ أقروا على أنفسهم كان أبلغ في المقصود، فأما سؤال الاسترشاد والاستثبات، فهو منفي عن الله عز وجل، لأنه عالم بجميع الأشياء قبل كونها وفي حال كونها وبعد كونها، فهو العالم بالكليات، والجزئيات، وعلمه بظاهر الأشياء كعلمه بباطنها. اهـ.

.قال أبو حيان:

{فلنقصّن عليهم بعلم وما كنا غائبين} أي نسرد عليهم أعمالهم قصّة قصّة {بعلم} منّا لذلك واطّلاع عليه {وما كنّا غائبين} عن شيء منه بل علمنا محيط بجميع أعمالهم، ظاهرها وباطنها، وهذا من أعظم التوبيخ والتقريع حيث يقرّون بالظلم وتشهد عليهم أنبياؤهم ويقصّ الله عليهم أعمالهم.
قال وهب: يقال للرجل منهم أتذكر يوم فعلت كذا أتذكر حين قلت كذا حتى يأتي على آخر ما فعله وقاله في دنياه وفي قوله: {بعلم} دليل على إثبات هذه الصفة لله تعالى وإبطال لقول من قال لا علم الله. اهـ.

.قال أبو السعود:

{فَلَنَقصَنَّ عَلَيهِم} أي على الرسل حين يقولون: لا علم لنا إنك أنت علامُ الغيوب، أو عليهم وعلى المرسَل إليهم جميعًا ما كانوا عليه {بِعِلْمِ} أي عالمين بظواهرهم وبواطنِهم أو بعلومنا منهم {وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} عنهم في حال من الأحوال فيخفى علينا شيءٌ من أعمالهم وأحوالِهم، والجملةُ تذييلٌ مقرِّر لما قبلها. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم}
قيل أي على الرسل حين يكلون الأمر إلى علمه تعالى ويقولون: {لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ علام الغيوب} [المائدة: 109] أو عليهم وعلى المرسل إليهم جميعًا جميع أحوالهم.
وعن ابن عباس أنه ينطق عليهم كتاب أعمالهم {بِعِلْمِ} أي عالمين بظواهرهم وبواطنهم أو بمعلومنا منهم، والباء على الأول للملابسة؛ والجار والمجرور حال من فاعل نقص، وعلى الثاني الباء متعلق بنقص {وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} عنهم في حال من الأحوال، والمراد الإحاطة التامة بأحوالهم وأفعالهم بحيث لا يشذ منها شيء عن علمه سبحانه، والجملة إما حال أو استئناف لتأكيد ما قبله. اهـ.

.قال ابن عاشور:

والقَصّ: الإخبار، يقال: قصّ عليه، بمعنى أخبره، وتقدّم في قوله تعالى: {يقص الحقّ} في سورة الأنعام (57).
وجملة: {وما كنا غائبين} معطوف على {فلنقصن عليهم بعلم}، وهي في موقع التّذييل.
والغائب ضدّ الحاضر، وهو هنا كناية عن الجاهل، لأنّ الغيبة تستلزم الجهالة عرفًا، أي الجهالة بأحوال المَغيب عنه، فإنّها ولو بلغتْه بالأخبار لا تكون تامة عنده مثل المشاهد، أي: وما كنّا جاهلين بشيء من أحوالهم، لأنّنا مطّلعون عليهم، وهذا النّفي للغيبة مثل إثبات المعيَّة في قوله تعالى: {وهو معكم أينما كنتم} [الحديد: 4].
وإثباتُ سؤال الأمم هنا لا ينافي نفيه في قوله تعالى: {ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون} [القصص: 78] وقوله: {فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان} [الرحمن: 39] لأنّ المسؤول عنه هنا هو التّبليغ والمنفيَّ في الآيتين الآخريين هو السّؤال لمعرفة تفاصيل ذنوبهم، وهو الذي أريد هنا في قوله: {وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ}. اهـ.

.قال الشعراوي:

{فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)} أي سيخبرهم بكل ما عملوا في لحظة الحساب؛ لأنه سبحانه لم يغب يومًا عن أي من خلقه؛ لذلك قال: {وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ}، ونعلم أن الخلق متكرر الذوات، متكرر الأحداث، متكرر المواقع، هم ذوات كثيرة، وكل ذات لها حدث، وكل ذات لها مكان. فإذا قال الحق للجميع: {وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} أي أنه مع الجميع، ومادام ليس بغائب عن حدث، ولا عن فاعل حدث، ولا عن مكان حدث، وهؤلاء متعددون. إذن هو في كل زمان وفي كل مكان.
وإن قلت كيف يكون هنا وهناك؟ أقول: خذ ذلك في إطار قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، ومثل هذه المعاني في الغيبيات لا يمكن أن تحكمها هذه الصور. والأمر سبق أن قلناه حين تحدثنا عن مجيء الله؛ فله طلاقة القدرة وليس كمثله شيء، وما كان غائبًا في حدث أو مكان. اهـ.

.التفسير المأثور:

{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)}
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين} قال: نسأل الناس عما أجابوا المرسلين، ونسأل المرسلين عما بلغوا {فَلْنَقُصَّنَّ عليهم بعلم} قال: يوضع الكتاب يوم القيامة، فيتكلم بما كانوا يعملون.
وأخرج عبد بن حميد عن قوله: {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين} قال: أحدهما الأنبياء وأحدهما الملائكة {فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين} قال: ذلك قول الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {فلنسألن الذين أرسل إليهم} يقول: الناس نسألهم عن لا إله إلا الله: {ولنسألن المرسلين} قال: جبريل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان الثوري في قوله: {فلنسألن الذين أرسل إليهم} قال: هل بلغكم الرسل {ولنسألن المرسلين} قال: ماذا ردوا عليكم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن القاسم أبي عبد الرحمن. انه تلا هذه الآية فقال: يسأل العبد يوم القيامة عن أربع خصال. يقول ربك: ألم اجعل لك جسدًا ففيم أبليته؟ الم اجعل لك علمًا ففيم عملت بما علمت؟ ألم أجعل لك مالًا ففيم أنفقته في طاعتي أم في معصيتي؟ ألم اجعل لك عمرًا ففيم أفنيته؟
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن وهيب بن الورد قال: بلغني أن أقرب الخلق إلى الله اسرافيل والعرش على كاهله، فإذا نزل الوحي دلى اللوح من نحو العرش، فيقرع جبهة اسرافيل فينظر فيه، فيرسل إلى جبريل فيدعوه فيرسله، فإذا كان يوم القيامة دعي اسرافيل فَيُؤْتَى به ترتعد فرائصه، فيقال له: ما صنعت فيما أدى إليك اللوح؟ فيقول: أي رب أديته إلى جبريل. فَيُدْعَى جبريل فيؤتى به ترتعد فرائصه، فيقال له: ما صنعت فيما أدى إليك إسرافيل؟ فيقول: أي رب بلغت الرسل. فيدعى بالرسل ترتعد فرائصهم، فيقال لهم: ما صنعتم فيما أدى إليكم جبريل؟ فيقولون: أي رب بلغنا الناس. قال: فهو قوله: {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين}.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن أبي سنان قال: أقرب الخلق إلى الله اللوح وهو معلق بالعرش، فإذا أراد الله أن يوحي بشيء كتب في اللوح، فيجيء اللوح حتى يقرع جبهة إسرافيل، وإسرافيل قد غطى وجهه بجناحيه لا يرفع بصره اعظامًا لله، فينظر فيه فإن كان إلى أهل السماء دفعه إلى ميكائيل، وإن كان إلى أهل الأرض دفعه إلى جبريل، فأول من يحاسب يوم القيامة، اللوح يدعى به ترعد فرائصه، فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم. فيقول ربنا: من يشهد لك؟ فيقول: اسرافيل. فيدعى إسرافيل ترعد فرائصه، فيقال له: هل بلغك اللوح؟ فإذا قال نعم قال اللوح: الحمد لله الذي نجاني من سوء الحساب، ثم كذلك.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه قال: إذا كان يوم القيامة يقول الله عز وجل: يا إسرافيل هات ما وكلتك به. فيقول: نعم يا رب في الصور كذا وكذا ثقبة، وكذا روح الإِنس منها كذا وكذا، وللجن منها كذا وكذا، وللشياطين منها كذا وكذا، وللوحوش منها كذا وكذا، وللطير منها كذا كذا، وللبهائم منها كذا وكذا، وللهوام منها كذا وكذا، وللحيتان منها كذا وكذا، فيقول الله عز وجل: خذه من اللوح. فإذا هو مثلًا بمثل لا يزيد ولا ينقص، ثم يقول عز وجل: هات ما وكلتك يا ميكائيل. فيقول: نعم يا رب أنزلت من السماء كذا وكذا كيلة، وزنة كذا وكذا مثقالًا، وزنة كذا وكذا قيراطًا، وزنة كذا وكذا خردلة، وزنة كذا وكذا درة، أنزلت في سنة كذا وكذا كذا وكذا، وفي شهر كذا وكذا كذا وكذا، وفي جمعة كذا وكذا كذا وكذا، وفي يوم كذا وكذا كذا وكذا، وفي ساعة كذا وكذا كذا وكذا أنزلت للزرع منه كذا وكذا، وأنزلت للشياطين منه كذا وكذا، وأنزلت للانس منه كذا وكذا، وأنزلت للبهائم كذا وكذا، وأنزلت للوحوش كذا وكذا، وللطير كذا وكذا، وللحيتان كذا وكذا، وللهوام كذا وكذا. فذلك كله كذا وكذا، فيقول: خذه من اللوح. فإذا هو مثلًا بمثل لا يزيد ولا ينقص، ثم يقول: يا جبريل هات ما وكلتك به. فيقول نعم يا رب أنزلت على نبيك فلان كذا وكذا آية في كذا وكذا، في جعمة كذا وكذا، في يوم كذا وكذا، وأنزلت على نبيك فلان كذا وكذا آية، وكذا وكذا سورة، فيها كذا وكذا آية، فذلك كذا وكذا آية، فذلك كذا وكذا حرفًا، وأهلكت كذا وكذا مدينة، وخسفت بكذا وكذا. فيقول: خذه من اللوح. فإذا هو مثلًا بمثل لا يزيد ولا ينقص. ثم يقول هات ما وكلتك به يا عزرائيل. فيقول: نعم يا رب قبضت روح كذا وكذا إنسي، وكذا وكذا جني، وكذا وكذا شيطان، وكذا وكذا غريق، وكذا وكذا حريق، وكذا وكذا كافر، وكذا وكذا شهيد، وكذا وكذا هديم، وكذا وكذا لديغ، وكذا وكذا في سهل، وكذا وكذا في جبل، وكذا وكذا طير، وكذا وكذا هوام، وكذا وكذا وحش، فذلك كذا وكذا جملته كذا وكذا، فيقول: خذه من اللوح. فإذا هو مثلًا بمثل لا يزد ولا ينقص.
وأخرج أحمد عن معاوية بن حيدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن ربي دَاعِيَّ وأنه سائلي هل بلغت عبادي، وإني قائل رب إني قد بلغتهم فليبلغ الشاهد منكم الغائب، ثم إنكم تدعون مفدمة أفواهكم بالفدام، إن أول ما يبين عن أحدكم لفخذه وكفه».
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن طاوس.
أنه قرأ هذه الآية فقال الإِمام يسأل عن الناس، والرجل يسأل عن أهله، والمرأة تسأل عن بيت زوجها، والعبد يسأل عن مال سيده.
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي وابن مردويه عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإِمام يسأل عن الناس، والرجل يسأل عن أهله، والمرأة تسأل عن بيت زوجها، والعبد يسأل عن مال سيده».
وأخرج ابن حبان وأبو نعيم عن أنس «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته».
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند صحيح عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فأعدوا للمسائل جوابًا. قالوا: وما جوابها؟ قال: أعمال البر».
وأخرج الطبراني في الكبير عن المقدام سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يكون رجل على قوم إلا جاء يقدمهم يوم القيامة، بين يديه راية يحملها وهم يتبعونه، فيسأل عنه ويسألون عنه».
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من أمير يؤمر على عشرة إلا سُئِلَ عنهم يوم القيامة».
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال: أن الله سائل كل ذي رعية عما استرعاه أقام أمر الله فيهم أم أضاعه، حتى أن الرجل ليسأل عن أهل بيته.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم «أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة ينظر في صلاته فإن صلحت فقد أفلح، وإن فسدت فقد خاب وخسر». اهـ.