فصل: تفسير الآية رقم (10):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (10):

قوله تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أمر الخلق بمتابعة الرسل وحذرهم من مخالفتهم، فأبلغ في تحذيرهم بعذاب الدنيا ثم بعذاب الآخرة، التفت إلى تذكيرهم ترغيبًا في ذلك بإسباغ نعمه وتحذيرًا من سلبها، لأن المواجهة أردع للمخاطب، فقال في موضع الحال من {خسروا أنفسهم}: {ولقد مكناهم} أي خسروها والحال أنا مكناكم من إنجائها بخلق القوى والقدر وإدرار النعم، وجعلنا مكانًا يحصل التمكن فيه {في الأرض} أي كلها، ما منها من بقعة إلا وهي صالحة لا نتفاعهم بها ولو بالاعتبار {وجعلنا لكم} أي بما لنا من العظمة {فيها معايش} أي جميع معيشة، وهي أشياء يحصل بها العيش، وهو تصرف أيام الحياة بما ينفع، والياء أصلية فلذا لا تهمز، وكذا ما ولي ألف جمعه حرف علة أصلي وليس قبل ألفه واو كأوائل ولا ياء كخيائر جمع أول وخير فإنه لا يهمز إلا شاذًا كمنائر ومصائب جمع منارة ومصيبة.
ولما كان حاصل ما مضى أنه سبحانه أوجدهم وقوّاهم وخلق لهم ما يديم قواهم، فأكلوا خيره وعبدوا غيره، أنتج قوله على وجه التاكيد: {قليلًا ما تشكرون} أي لمن أسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة بما تنجون به أنفسكم؛ وقال أبو حيان: إنه راجع للذين خوطبوا ب {اتبعوا ما أنزل إليكم} [الأعراف: 3] وما بينهما أورد مورد الاعتبار والاتعاظ بذكر ما آل إليه أمرهم في الدنيا وما يؤول إليه في الآخرة- انتهى. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

في الآية مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أنه تعالى لما أمر الخلق بمتابعة الأنبياء عليهم السلام، وبقبول دعوتهم ثم خوفهم بعذاب الدنيا، وهو قوله: {وَكَم مّن قَرْيَةٍ أهلكناها} [الأعراف: 4] ثم خوفهم بعذاب الآخرة من وجهين: أحدهما: السؤال؛ وهو قوله: {فَلَنَسْئَلَنَّ الذين أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ} [الأعراف: 6] والثاني: بوزن الأعمال، وهو قوله: {والوزن يَوْمَئِذٍ الحق} [الأعراف: 8] رغبهم في قبول دعوة الأنبياء عليهم السلام في هذه الآية بطريق آخر وهو أنه كثرت نعم الله عليهم، وكثرة النعم توجب الطاعة، فقال: {وَلَقَدْ مكناكم في الأرض وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا معايش} فقوله: {مكناكم في الأرض} أي جعلنا لكم فيها مكانًا وقرارًا ومكناكم فيها وأقدرناكم على التصرف فيها وجعلنا لكم فيها معايش، والمراد من المعايش: وجوه المنافع وهي على قسمين، منها ما يحصل بخلق الله تعالى ابتداء مثل خلق الثماء وغيرها، ومنها ما يحصل بالاكتساب وكلاهما في الحقيقة إنما حصل بفضل الله وإقداره وتمكينه، فيكون الكل إنعامًا من الله تعالى، وكثرة الإنعام لا شك أنها توجب الطاعة والانقياد، ثم بين تعالى أنه مع هذا الإفضال والانعام عالم بأنهم لا يقومون بشكره كما ينبغي، فقال: {قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} وهذا يدل على أنهم قد يشكرون والأمر كذلك، وذلك لأن الإقرار بوجود الصانع كالأمر الضروري اللازم لجبلة عقل كل عاقل، ونعم الله على الإنسان كثيرة، فلا إنسان إلا ويشكر الله تعالى في بعض الأوقات على نعمه، إنما التفاوت في أن بعضهم قد يكون كثير الشكر، وبعضهم يكون قليل الشكر. اهـ.
قال الفخر:
روى خارجة عن نافع أنه همز {معائش} قال الزجاج: جميع النحويين البصريين يزعمون أن همز {معائش} خطأ، وذكروا أنه إنما يجوز جعل الياء همزة إذا كانت زائدة نحو صحيفة وصحائف، فأما معايش فمن العيش، والياء أصلية، وقراءة نافع لا أعرف لها وجهًا، إلا أن لفظة هذه الياء التي هي من نفس الكلمة أسكن في معيشة فصارت هذه الكلمة مشابهة لقولنا صحيفة، فجعل قوله: {معائش} شبيهًا لقولنا صحائف فكما أدخلوا الهمزة في قولنا: صحائف فكذا في قولنا معائش على سبيل التشبيه، إلا أن الفرق ما ذكرناه أن الياء في معيشة أصلية وفي صحيفة زائدة. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَلَقَدْ مكناكم في الأرض} أي مكناكم في الأرض وعمرناكم، فذكر لهم التهديد، ثم ذكر لهم النعم ليستحيوا من ربهم ولا يعصوه {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا معايش} يعني: الرزق وهو ما يخرج من الأرض من الكروم والثمار والحبوب.
وروى خارجة عن نافع أنه قرأ معائش بالهمز لأنه على ميزان فعائل مثل الكبائر والصغائر.
وقرأ الباقون بغير همز، لأنّ الياء أصلية وكان على ميزان مفاعل.
ثم قال: {قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} يعني: إنكم لا تشكرون هذه النعمة. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرض} ملّكناكم في الأرض ووطّأنا لكم وجعلنّاها لكم قرارًا {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} يعيشون بها أيام حياتكم من المأكل والمشرب والمعايش جمع المعيشة الياء من الأصل فلذلك لا تهمز {قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} فيما صنعت إليكم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ} فيه وجهان:
أحدهما: سهلنا عليكم التصرف فيها حتى وصلتم إلى مرادكم منها.
والثاني: ملكناكم إياها حتى صرتم أحق بها.
{وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} فيه وجهان:
أحدهما: ما تعيشون به من نبات وحيوان.
والثاني: ما تتوصلون به إلى معايشكم فيها من زراعة أو عمل. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}
الخطاب لجميع الناس، والمراد أن النوع بجملته ممكن في الأرض، والمعايش جمع معيشة وهي لفظة تعم المأكول الذي يعاش به والتحرف الذي يؤدي إليه، وقرأ الجمهور {معايِش} بكسر الياء دون همز، وقرأ الأعرج وغيره {معائش} بالهمز كمدائن وسفائن، ورواه خارجة عن نافع، وروي عن ورش {معايْش} بإسكان الياء، فمن قرأ {معايش} بتصحيح الياء فهو الأصوب لأنها جمع معيشة وزنها مفعلة، ويحتمل أن تكون مفعُلة بضم العين قالهما سيبويه، وقال الفراء مفعلة بفتح العين فالياء في معيشة أصلية وأعلت معيشة لموافقتها الفعل الذي هو يعيش في الياء أي في المتحرك والساكن، وصححت {معايِش} في جمع التكسير لزوال الموافقة المذكورة في اللفظ ولأن التكسير معنى لا يكون في الفعل إنما تختص به الأسماء، ومن قرأ {معايْش} فعلى التخفيف من {معايِش}، وقرأ {معائِش} فأعلها فذلك غلط، وأما توجيهه فعلى تشبيه الأصل بالزائد لأن معيشة تشبه في اللفظ صحيفة فكما يقال صحائف قيل {معائِش}، وإنما همزت ياء صحائف ونظائرها مما الياء فيه زائدة لأنها لا أصل لها في الحركة وإنما وزنها فعيلة ساكنة، فلما اضطر إلى تحريكها في الجمع بدلت بأجلد منها.
و{قليلًا} نصب ب {تشكرون}، ويحتمل أن تكون {ما} زائدة، ويحتمل أن تكون مع الفعل بتأويل المصدر، {قليلًا} نعت لمصدر محذوف تقديره شكرًا قليلًا شكركم، أو شكرًا قليلًا تشكرون. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ولقد مكنَّاكم في الأرض} فيه قولان:
أحدهما: مكنَّاكم إياها.
والثاني: سهَّلنا عليكم التصرف فيها.
وفي المعايش قولان:
أحدهما: ما تعيشون به من المطاعم والمشارب.
والثاني: ما تتوصَّلون به إلى المعايش، من زراعة، وعمل، وكسب.
وأكثر القراء على ترك الهمز في {معايش} وقد رواها خارجة عن نافع مهموزة.
قال الزجاج: وجميع النحويين البصريين يزعمون أن همزها خطأ، لأن الهمز إنما يكون في الياء الزائدة، نحو صحيفة وصحائف؛ فصحيفة من الصحف؛ والياء زائدة، فأما معايش، فمن العيش، فالياء أصلية.
قوله تعالى: {قليلًا ما تشكرون} أي: شكركم قليل.
وقال ابن عباس: يريد: أنكم غير شاكرين. اهـ.