فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {فاهبط منها} في هاء الكناية قولان:
أحدهما: أنها ترجع إلى السماء، لأنه كان فيها، قاله الحسن.
والثاني: إلى الجنة، قاله السدي.
قوله تعالى: {فما يكون لك أن تتكبر فيها} إن قيل: فهل لأحد أن يتكبر في غيرها؟ فالجواب: أن المعنى: ما للمتكبر أن يكون فيها، وإنما المتكبر في غيرها.
وأما الصاغر، فهو الذليل.
والصغار: الذل.
قال الزجاج: استكبر إبليس بابائه السجود، فأعلمه الله أنه صاغر بذلك. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قَالَ فاهبط مِنْهَا} أي من السماء.
{فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا} لأن أهلها الملائكة المتواضعون.
{فاخرج إِنَّكَ مِنَ الصاغرين} أي من الأذلين.
ودل هذا أن من عصى مولاه فهو ذليل.
وقال أبو رَوْق والبَجَلِيّ: {فَاهْبِطْ مِنْهَا} أي من صورتك التي أنت فيها؛ لأنه افتخر بأنه من النار فشوّهت صورته بالإظلام وزوال إشراقه.
وقيل: {فاهبط مِنْهَا} أي انتقل من الأرض إلى جزائر البحار؛ كما يُقال: هبطنا أرض كذا أي انتقلنا إليها من مكان آخر، فكأنه أخرج من الأرض إلى جزائر البحار فسلطانه فيها، فلا يدخل الأرض إلاَّ كهيئة السارق يخاف فيها حتى يخرج منها.
والقول الأوّل أظهر.
وقد تقدّم في البقرة. اهـ.

.قال الخازن:

وقوله تعالى: {قال فاهبط منها} يعني قال الله تعالى لإبليس لعنه الله اهبط من الجنة.
وقيل: من السماء إلى الأرض.
والهبوط الإنزال والانحدار من فوق على سيل القهر والهوان والاستخفاف {فما يكون لك أن تتكبر فيها} يعني فليس لك أن تستكبر في الجنة عن أمري وطاعتي لأنه لا ينبغي أن يسكن في الجنة أو في السماء متكبر مخالف لأمر الله عز وجل فأما غير الجنة والسماء فقد يسكنها المستكبر عن طاعة الله تعالى وهم الكفار الساكنون في الأرض {فاخرج إنك من الصاغرين} يعني: إنك من الأذلاء المهانين والصّغار الذل والمهانة.
قال الزجاج: استكبر عدو الله إبليس فابتلاه الله تعالى بالصغار والذلة.
وقيل: كان له ملك الأرض فأخرجه الله تعالى منها إلى جزائر البحر الأخضر وعرشه عليه فلا يدخل الأرض إلا خائفًا كهيئة السارق مثل شيخ عليه أطمار رثة يروع فيها حتى يخرج منها. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنّك من الصاغرين}.
لما كان امتناعه من السجود لسبب ظهور شفوقه على آدم عند نفسه قابلة الله بالهبوط المشعر بالنزول من علوّ إلى أسفل والضمير في {منها} لم يتقدّم له مفسر يعود عليه، فقيل: يعود على الجنة وكان إبليس من سكانها، وقال ابن عباس: كانوا في جنة عدن لا في جنة الخلد وخلق آدم من جنة عدن، وقال ابن عطية: أهبط أولًا وأخرج من الجنة وصار في السماء لأنّ الأخبار تظافرت أنه أغوى آدم وحواء من خارج الجنة ثم أمر آخرًا بالهبوط من السماء مع آدم وحواء والحية وهذا كله بحسب ألفاظ القصة والله أعلم انتهى، وقيل: يعود على السماء، قال الزمخشري: {فاهبط منها} من السماء التي هي مكان المطيعين المتواضعين من الملائكة إلى الأرض التي هي مقرّ العاصين المتكبرين من الثقلين، وقيل: يعود على الأرض فكأنه كان له ملكها أمره أن يهبط منها إلى جزائر البحار فسلطانه فيها فلا يدخل الأرض إلا كهيئة السارق يخاف فيها حتى يخرج منها وهذا يحتاج إلى صحة نقل، وقيل: يعود على صورته التي كان فيها لأنه افتخر أنه من النار فشوهت صورته بالإظلام وزوال إشراقه قاله أبو روق، وقيل: عائد على المدينة التي كان فيها ذكره الكرماني ويحتاج إلى تصحيح نقل، وقيل يعود على المنزلة والرّتبة الشريفة التي كان فيها في محل الاصطفاء والتقريب إلى محل الطّرد والتعذيب ومعنى فما يكون لك لا يصح لك أو لا يتم أو لا ينبغي بل التكبّر منهيّ عنه في كل موضع، وقيل: هو على حذف معطوف دلّ عليه المعنى التقدير فيها ولا في غيرها، وقيل المعنى ما للمتكبر أن يكون فيها وكرّر معنى الهبوط بقوله: {فاخرج} لأنّ الهبوط منها خروج ولكنه أخبر بصغاره وذلّته وهو أنه جزاء على تكبّره قوبل بالضدّ مما اتّصف به وهو الصغار هو ضدّ التكبر والتكبر تفعل منه لأنه خلق كبيرًا عظيمًا ولكنه هو الذي تعاطى الكبر ومن كلام عمر ومن تكبّر وعدا طوره رهصه الله إلى الأرض. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قَالَ} استئنافٌ كما سلف، والفاء في قوله تعالى: {فاهبط مِنْهَا} لترتيب الأمرِ على ما ظهر من اللعين من مخالفة الأمرِ وتعليلِه بالأباطيل وإصرارِه على ذلك، أي فاهبِطْ من الجنة، والإضمار قبل ذكرِها لشهرة كونِه من سكانها قال ابن عباس رضي الله عنهما: كانوا في عدْنٍ لا في جنة الخلد، وقيل: من زمرة الملائكةِ المعزّزين فإن الخروجَ من زمرتهم هبوطٌ وأيُّ هبوط، وفي سورة الحجر: {فاخرج مِنْهَا} وأما ما قيل من أن المرادَ الهبوطُ من السماء فيردّه أن وسوستَه لآدمَ عليه السلام كانت بعد هذا الطردِ فلابد أن يُحمل على أحد الوجهين قطعًا، وتكونُ وسوستُه على الوجه الأول بطريق النداءِ من باب الجنة كما رُوي عن الحسن البصري، وقوله تعالى: {فَمَا يَكُونُ لَكَ} أي فمما يصح ولا يستقيم لك ولا يليقُ بشأنك {أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا} أي في الجنة أو في زمرة الملائكة. تعليلٌ للأمر بالهبوط فإن عدمَ صحةِ أن يتكبر فيها علةٌ للأمر المذكور، فإنها مكانُ المطيعين الخاشعين ولا دِلالة فيه على جواز التكبُّر في غيرها، وفيه تنبيه على أن التكبرَ لا يليق بأهل الجنةِ وأنه تعالى إنما طرده لتكبُّره لا لمجرد عصيانِه وقوله تعالى: {فاخرج} تأكيدٌ للأمر بالهبوط متفرِّغٌ على علته وقوله تعالى: {إِنَّكَ مِنَ الصاغرين} تعليلٌ للأمر بالخروج مُشعرٌ بأنه لتكبره، أي من الأذلاء وأهلِ الهوانِ على الله تعالى وعلى أوليائه لتكبُّرك. وعن عمر رضي الله عنه «من تواضَع لله رفع الله حكمتَه وقال: انتعش أنعشك الله، ومن تكبر وعَدا طَوْرَه وهَصَه الله إلى الأرض». اهـ.

.قال الألوسي:

{قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا}
{قَالَ} استئناف كما سلف، والفاء في قوله تعالى: {فاهبط مِنْهَا} لترتيب الأمر على ما ظهر منه من الباطل، وضمير {مِنْهَا} قيل للجنة، وكونه من سكانها مشهور، والمراد بها عند بعض الجنة التي يسكنها المؤمنون يوم القيامة.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها روضة بعدن وفيها خلق آدم عليه السلام وكانت على نشز من الأرض في قول.
وأصل الهبوط الانحدار على سبيل القهر كما في هبوط الحجر.
وإذا استعمل في الإنسان ونحوه فعلى سبيل الاستخفاف كما قال الراغب.
ولم يشترط بعضهم فيه سوى الانتقال من شريف إلى ما دونه لقوله تعالى: {اهبطوا مِصْرًا} [البقرة: 61] والأمر عليه واضح وإن لم نقل: إن تلك الجنة كانت على نشز، وقيل: الضمير لزمرة الملائكة أي اخرج من زمرة الملائكة المعززين، فإن الخروج من زمرتهم هبوط وأي هبوط.
وفي سورة الحجر (43) {فاخرج مِنْهَا} وقيل: الضمير للسماء، وإليه ذهب جماعة.
ورد بأن وسوسته لآدم عليه السلام كانت بعد هذا الطرد فلابد أن يحمل على أحد الوجهين السابقين قطعًا، ويكون وسوسته على الوجه الأول بطريق النداء من باب الجنة كما روي عن الحسن البصري.
وأجيب بأنه يحتمل أن يكون المراد من ذلك الجنة أو زمرة الملائكة أيضًا بناء على أن الأولى ومعظم الثانية في السماء أو يقال: إن القصة وقعت في الأرض وكانت الجنة فيها وبعد العصيان حجب اللعين من السماء التي هي مقره ومعبده، ومعني أمره بالخروج منها أمره بقطع علائقه عنها واتخاذها مأوى له بعد.
وهذا كما تقول لمن غصب دارك مثلًا عند نحو القاضي: أخرج من داري مع أنه إذ ذاك ليس فيها تريد لا تدخلها واقطع علائقك عنها.
وقيل: الضمير للأرض.
فقد روي أنه أخرج منها إلى الجزائر وأمر أن لا يدخلها إلا خفية، ويبعده أنه لا يظهر للتخصيص في قوله تعالى: {فَمَا يَكُونُ لَكَ} أي فما يصح ولا يستقيم ولا يليق بشأنك {أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا} على هذا وجه إلا على بعد.
وأما على الأوجه السابقة فالوجه ظاهر وهو مزيد شرافة المخرج منه وعلو شأنه وتقدس ساحته.
ومن هنا يعلم أنه لا دلالة في الآية على جواز التكبر في غير ذلك عند القائلين بالمفهوم، والجملة تعليل للأمر بالهبوط ولايخفى لطافة التعبير به دون الخروج في مقابلة قوله: {أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ} [الأعراف: 12] المشير إلى ارتفاع عنصره وعلو محله، والتكبر على ما قيل كالكبر وهو الحالة التي يختص بها الشخص من إعجابه بنفسه.
وذلك أن يرى نفسه أكبر من غيره وأعظم، والمراد بالتكبر هاهنا إما التكبر على الله تعالى وهو أعظم التكبر ويكون بالامتناع من قبول الحق والإذعان له بالعبادة.
وفسره بعضهم بالمعصية.
وإما التكبر على آدم عليه السلام بزعمه أنه خير منه وأكبر قدرًا.
وقيل: المراد ما هو أعم منه ومن التكبر على الملائكة حيث زعم أن له خصوصية ميزته عليهم وأخرجته من عمومهم وفيه تأمل.
وزعم البعض أن في الآية تنبيهًا على أن التكبر لا يليق بأهل الجنة فكما يمنع من القرار فيها يمنع من دخولها بعد ذلك وأنه تعالى إنما طرده لتكبره لا لمجرد عصيانه، وهو ظاهر على أحد الاحتمالات كما لا يخفى.
والظرف إما متعلق بما عنده أو بمحذوف وقع حالًا.
وقوله تعالى: {فاخرج} تأكيد للأمر بالهبوط متفرع عليه.
وقوله سبحانه: {إِنَّكَ مِنَ الصاغرين} تعليل للأمر بالخروج مشعر بأنه لتكبره أي إنك من أهل الصغار والهوان على الله تعالى وعلى أوليائه لتكبرك.
أخرج البيهقي في شعب الايمان عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تواضع لله رفعه الله تعالى، ومن تكبر وضعه الله عز وجل» ومن حديثه رضي الله تعالى عنه «من تواضع لله تعالى رفع الله تعالى حكمته وقال: انتعش نعشك الله ومن تكبر وعدا طوره وهصه الله تعالى إلى الأرض» وقيل: المراد من الأذلاء في الدنيا بالذم واللعن وفي الآخرة بالعذاب بسبب ما ارتكبه من المعصية والتكبر، وإذلال الله تعالى المتكبرين يوم القيامة مما نطقت به الأخبار.
أخرج الترمذي عن عمرو بن شعيب عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان يساقون إلى سجن في جهنم يقال له: بولس يسقون من طينة الخبال عصارة أهل النار» وفسر بعضهم الصاغر بالراضي بالذل كما هو المشهور فيه.
والمراد وصفه بأنه خسيس الطبع دنيء وأنه رأى نفسه أكبر من غيره وليس بالكبير.
ولقد أبدع أبو نواس بقوله خطابًا له:
سوأة بالعين أنت اختلست الن ** اس غيظًا عليهم أجمعينا

تهت لما أمرت في سالف الده ** ر وفارقت زمرة الساجدينا

عند ما قلت لا أطيق سجودا ** لمثال خلقته رب طينا

حسدًا إذ خلقت من مارج الن ** ار لما كان مبتدأ العالمينا

ثم صيرت في القيادة تسعى ** يا مجير الزناة واللائطينا

وله أيضًا من أبيات فيه:
تاه على آدم في سجدة ** وصار قوادًا لذريته

. اهـ.