فصل: تفسير الآية رقم (16):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (16):

قوله تعالى: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان قد حكم عليه بالشقاء، قابل نعمة الإمهال وإطالة العمر بالتمادي في الكفر وأخبره عن نفسه بذلك بأن {قال} مسببًا عن إيقاعه في المعصية بسبب نوع الآدميين {فبما أغويتني} أي فبسبب إغوائك لي، وهو إيجاد الغي واعتقاد الباطل في قلبي من أجلهم والله: {لأقعدن لهم} أي أفعل في قطعهم عن الخير فعل المتمكن المقبل بكليته المتأني الذي لا شغل له غير ما أقبل عليه في مدة إمهالك لي بقطعهم عنك بمنعهم من فعل ما أمرتهم به، وحملهم على فعل ما نهيتهم عنه، كما يقعد قاطع الطريق على السابلة للخطف {صراطك} أي في جميع صراطك، بما دل عليه نزع الخافض {المستقيم} وهو الإسلام بجميع شعبه، ومن أسند الإغواء إلى غير الله بسبب اعتقاده أن ذلك مما ينزه الله عنه، فقد وقع في شر مما فر منه، وهو أنه جعل في الوجود فاعلين يخالف اختيار أحدهما اختيار الآخر. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قول إبليس: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى} يدل على أنه أضاف إغواءه إلى الله تعالى، وقوله في آية أخرى: {فَبِعِزَّتِكَ لأَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 82] يدل على أنه أضاف إغواء العباد إلى نفسه.
فالأول: يدل على كونه على مذهب الجبر.
والثاني: يدل على كونه على مذهب القدر، وهذا يدل على أنه كان متحيرًا في هذه المسألة، أو يقال: أنه كان يعتقد أن الإغوار لا يحصل إلا بالمغوي فجعل نفسه مغويًا لغيره من الغاوين، ثم زعم أن المغوي له هو الله تعالى قطعًا للتسلسل، واختلف الناس في تفسير هذه الكلمة، أما أصحابنا فقالوا: الإغواء إيقاع الغي في القلب، والغي هو الاعتقاد الباطل وذلك يدل على أنه كان يعتقد أن الحق والباطل إنما يقع في القلب من الله تعالى.
أما المعتزلة فلهم هاهنا مقامان: أحدهما: أن يفسروا الغي بما ذكرناه.
والثاني: أن يذكروا في تفسيره وجهًا آخر.
أما الوجه الأول: فلهم فيه أعذار.
الأول: أن قالوا هذا قول إبليس فهب أن إبليس اعتقد أن خالق الغي والجهل والكفر هو الله تعالى، إلا أن قوله ليس بحجة.
الثاني: قالوا: إن الله تعالى لما أمر بالسجود لآدم فعند ذلك ظهر غيه وكفره فجاز أن يضيف ذلك الغي إلى الله تعالى بهذا المعنى، وقد يقول القائل: لا تحملني على ضربك أي لا تفعل ما أضر بك عنده.
الثالث: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ} والمعنى: إنك بما لعنتني بسبب آدم فأنا لأجل هذه العداوة ألقى الوساوس في قلوبهم.
الرابع: {رَبّ بِمَا أَغْوَيْتَنِى} [الحجر: 39] أي خيبتني من جنتك عقوبة على عملي لأقعدن لهم.
الوجه الثاني: في تفسير الإغواء الإهلاك ومنه قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59] أي هلاكًا وويلًا، ومنه أيضًا قولهم: غوى الفصيل يغوي غوى إذا أكثر من اللبن حتى يفسد جوفه، ويشارف الهلاك والعطب، وفسروا قوله: {إِن كَانَ الله يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ} [هود: 34] إن كان الله يريد أن يهلككم بعنادكم الحق، فهذه جملة الوجوه المذكورة.
واعلم أنا لا نبالغ في بيان أن المراد من الإغواء في هذه الآية الإضلال، لأن حاصله يرجع إلى قول إبليس وأنه ليس بحجة، إلا أنا نقيم البرهان اليقيني على أن المغوي لإبليس هو الله تعالى، وذلك لأن الغاوي لابد له من مغو، كما أن المتحرك لابد له من محرك، والساكن لابد له من مسكن، والمهتدي لابد له من هاد.
فلما كان إبليس غاويًا فلابد له من مغوي، والمغوي له إما أن يكون نفسه أو مخلوقًا آخر أو الله تعالى، والأول: باطل.
لأن العاقل لا يختار الغواية مع العلم بكونها غواية.
والثاني: باطل وإلا لزم إما التسلسل وإما الدور.
والثالث: هو المقصود. والله أعلم. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى}
قال الكلبي: أي فكما أضللتني.
وقال مقاتل: يعني أما إذا أضللتني.
وقال بعضهم: فبما أغويتني يعني: فبما دعوتني إلى شيء غويت به.
{لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صراطك المستقيم} يعني: لأقعدن لهم على طريقك المستقيم، وهو دين الإسلام فأصدّ الناس عن ذلك. اهـ.

.قال الثعلبي:

{قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي}.
اختلفوا في ما قال: فبعضهم قال: هو استفهام يعني فبأي شيء أغويتني ثمّ ابتدأ فقال: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ} فقيل: هو ما الجزاء يعني فإنّك أغويتني لأجل أنك أغويتني لأقعدن، وقيل: هو ما المصدر في موضع القسم تقديره: بإغوائك إياي لأقعدن كقوله: {بِمَا غَفَرَ لِي} [يس: 27] يعني بغفران ربّي.
وقوله أغويتني أضللتني عن الهدى. وقيل: أهلكتني، من قول العرب غوى الفصيل [يعني] غوي وذلك إذا فقد اللبن فمات. قال الشاعر:
معطفة الأثناء ليس فصيلها ** برازئها درًا ولا ميّت غوى

وحكى عن بعض قبائل طي أنها تقول: أصبح فلان غاويًا أي مريضًا غارًا، وقال محمد بن جرير: أصل الإغواء في كلام العرب تزيين الرجل للرجل الشيء حتّى يحسنه عنده غارًا له.
قال الثعلبي: وأخبرنا أبو بكر محمد بن محمد الحسين بن هاني قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن محمد الراوساني قال: حدثنا عليّ بن سلمة قال: حدثنا أبو معاوية الضرير عن رجل لم يسمّ قال: كنت عند طاووس في المسجد الحرام فجاء رجل ممّن يرمي القدر من كبار الفقهاء فجلس إليه فقال طاووس: يقوم أو يقام فقام الرجل فقال لطاووس: تقول هذا الرجل فقيه، فقال إبليس: أفقه منه بقول إبليس ربِ بما أغويتني ويقول: هذا أنا أغوي نفسي.
{لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم} يعني لأجلسنّ لبني آدم على طريقك القويم وهو الإسلام كما قال أوعجلتم أمر ربّكم يعني عن أمر ربّكم.
وروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه كان يقول: «إن الشيطان قعد لبني آدم بطرق فقعد له بطريق الإسلام فقال له: أتسلم وتذر دينك ودين آبائك، فعصاه فأسلم ثمّ قعد له بطريق الهجرة فقال: أتهاجر وتذر أرضك وسماءك فإنّما مثل المهاجر كالفرس في الطول. فعصاه وهاجر ثمّ قعد له بطريق الجهاد وهو جهد النفس والمال فقال: أتقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال فعصا له وجاهد».
وعن عون بن عبد الله: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم} قال: طريق مكّة. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}
اختلف أهل العربية في معنى قوله: {فبما أغويتني} على قولين:
أحدهما: أنه على معنى القسم وتقديره: فبإغوائك لي لأقعدن لهم صراطك المستقيم.
والثاني: أنه على معنى المجازاة، تقديره: فلأنك أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم.
واختلف أهل العلم في قوله: {أَغْوَيْتَنِي} على أربعة أقاويل:
أحدها: معناه أضللتني، قاله ابن عباس وابن زيد.
والثاني: معناه خيبتني من جنتك، ومنه قول الشاعر:
فمن يلق خيرًا يحمد الناس أمره ** ومن يغو لا يعدم على الغي لائمًا

أي ومن يخب.
والثالث: معناه عذبتني كقوله تعالى: {فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيًا} [مريم: 59] أي عذابًا، قاله الحسن.
والرابع: معناه أهلكتني بلعنك لي، يقال غوى الفصيل إذا أشفى على الهلاك بفقد اللبن، قال الشاعر:
معطفة الأثناء ليس فصيلها ** برازئها درًا ولا ميِّت غوى

وقوله: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} أي على صراطك المستقيم، وفيه تأويلان:
أحدهما: طريق مكة ليصد عن قصدها في الحج والعمرة، قاله ابن مسعود.
والثاني: طريق الحق ليصد عنها بالإغواء، قاله مجاهد. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقوله: {فبما} يحتمل أن يريد به القسم كما تقول فبالله لأفعلن، ويحتمل أن يريد به معنى المجازاة كما تقول فبإكرامك يا زيد لأكرمنك.
قال القاضي أبو محمد: وهذا أليق المعاني بالقصة، ويحتمل أن يريد فمع إغوائك لي ومع ما أنا عليه من سوء الحال لأتجلدن ولأقعدن، ولا يعرض لمعنى المجازاة ويحتمل أن يريد بقوله: {فبما} الاستفهام عن السبب في إغوائه، ثم قطع ذلك وابتدأ الإخبار عن قعوده لهم، وبهذا فسر الطبري أثناء لفظه و{أغويتني} قال الجمهور معناه أضللتني من الغي. وعلى هذا المعنى قال محمد بن كعب القرظي فيما حكى الطبري: قاتل الله القدرية لإبليس أعلم بالله منهم، يريد في أنه علم أن الله يهدي ويضل، وقال الحسن {أغويتني} لعنتني. وقيل معناه خيبتني.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كله تفسير بأشياء لزمت إغواءه، وقالت فرقة {أغويتني} معناه أهلكتني، حكى ذلك الطبري، وقال: هو من قولك غوى الفصيل يغوي غوى إذا انقطع عنه اللبن فمات، وأنشد: [الطويل]
معطَّفةُ الأثناءِ لَيْسَ فَصيلُها ** بِرَازِئها درًا ولا ميت غوى

قال: وقد حكي عن بعض بعض طيىء: أصبح فلان غاويًا أي مريضًا، وقوله: {لأقعدن لهم صراطك} يريد على صراطك وفي صراطك وحذف كما يفعل في الظروف، ونحوه قول الشاعر: [ساعدة بن جؤية].
لدن بهز الكف يعسل متنه ** فيه كما عسل الطريق الثعلب

وقال مجاهد: {صراطك المستقيم} يريد به الحق. وقال عون بن عبد الله: يريد طريق مكة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا تخصيص ضعيف وإنما المعنى لأتعرضن لهم في طريق شرعك وعبادتك ومنهج النجاة فلأصدنهم عنه. ومنه قوله عليه السلام: «إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، نهاه عن الإسلام وقال تترك دين آبائك فعصاه فأسلم فنهاه عن الهجرة وقال تدع أهلك وبلدك فعصاه فهاجر، فنهاه عن الجهاد وقال تقتل وتترك ولدك فعصاه فجاهد فله الجنة» الحديث. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {فبما أغويتني} في معنى هذا الإِغواء قولان:
أحدهما: أنه بمعنى: الإِضلال، قاله ابن عباس، والجمهور.
والثاني: أنه بمعنى: الإهلاك، ومنه قوله: {فسوف يلقون غيًا} [مريم: 59] أي: هلاكًا، ذكره ابن الأنباري.
وفي معنى {فبما} قولان:
أحدهما: أنها بمعنى القسم، أي: فباغوائك لي.
والثاني: أنها بمعنى الجزاء، أي: فبأنك أغويتني، ولأجل أنك أغويتني {لأقعدن لهم صراطك المستقيم}.
قال الفراء، والزجاج: أي على صراطك.
ومثله قولهم: ضُرب زيد الظهر والبطن.
وفي المراد بالصراط هاهنا ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه طريق مكة، قاله ابن مسعود، والحسن، وسعيد بن جبير؛ كأن المراد صدُّهم عن الحج.
والثاني: أنه الإِسلام، قاله جابر بن عبد الله، وابن الحنفية، ومقاتل.
والثالث: أنه الحق، قاله مجاهد. اهـ.