فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى مخبرا عن قول إبليس: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)}، وفى سورة الحجر: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)}.
إن سأل سائل عن وجه اختلاف الوارد في السورتين المحكى من قول إبليس مع اتحاد القصة فجوابه: أن المعنى الحاصل من قوله في السورتين واحد لا إشكال فيه ثم اختلف التعبير عن ذلك بحسب ما تقدم في كل واحدة من السورتين وما استدعاه من المناسبة ولما تقدم في الأعراف قوله تعالى: {اتبعوا ما انزل إليكم من ربكم} والإشارة إلى القرآن لأنه يوضح الطريق إليه وهو الصراط المستقيم قال تعالى: {وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه} والاشارة بهذا إلى المنزل قرآنا لأنه مبين للصراط المستقيم الذي طمع اللعين في الاستيلاء عليه وقطه سالكه فقيل عبارة عن مرامه من ذلك: {لأقعدن لهم صراطك المستقيم} إلى آخر المحكى من كلامه، ومراده: لأستولين لهم عليه لا على ما فهمه بعض المتأخرين حين رام الحاق مثل هذا من الذروف المختصة بالمبهمة منها وخالف الناس في ذلك، ولو كان الأمر على ما قال لكان وصول الفعل الذي هو {لأقعدن} على تقدير حرف الوعاء الذي هو في وكان يفسد المعنى لأن المراد اللعين وطعمه إنما كان في الاستيلاء على الطريق بدليل حصره الجهات في قوله: {من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم}، فهذا طلب أخذهم بكل الجهات وطمع في الاستيلاء وأن يكون له سلطان ولهذا قال عز وجل له: {إن عبادى ليس لك عليهم سلطان} ولو كان على تقدير حرف الوعاء لناقض هذا الغرض ولكان تقديره لأقعدن لهم في صراطك وهذا ضد ما يقتضيه تقدير على من الاستيلاء وقد بسط هذا في موضعه وأن الصواب ما عليه جماعة النحويين وما فهموا عليه كلام سيبويه رحمه الله من أن الطريق مختض لا مبهم وأن المعنى هنا في الآية على تقدير حرف الاستيلاء لا حرف الوعاء ولما قد كان قد ورد في الحجر منعه ومنع جنوده عن تعرف خبر السماء واستراق السمع في قوله عز وجل: {وقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين} فلما صد من هذه الجهة عدل إلى الأخرى فقال: {لأزينن لهم في الأرض} أي إن كنت ممنوعا عن إغوائهم من حيث خبر السماء وإبداء المقدرات مما يوجهه الله إلى ملائكته مما يحدث في علم الأرض وقد سبق في العلم القديم فإن كتن قد معتنى عن إغوائهم من هذه الجهة رجعت إلى إغوائهم من هذه الجهة رجعت إلى إغوائهم من جهة لم تمنعنى عنها لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا من عصمته منى ولم تجعل لى السبيل إليه وهم عبادك المخلصون، فلأجل اختلاف المتقدم في كل من السورتين ما اختلف المبنى عليه من المحكى عن إبليس من طمعه وورد كل على ما يناسب ولم يكن ليناسب تعقيب ما ورد في الأعراف بما أعقب المتقدم في سورة الأعراف والله سبحانه أعلم بما أراد. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)}
أخبر أنه يأخذ عليهم جوانَبهم، ويتسلطُ عليهم من جميع جهاتهم، ولم يَعْلَمْ أن الحقَّ سبحانه قادر على حفظهم عنه، فإنَّ ما يكيد بهم مِنَ القدرةِ حَصَلَ، وبالمشيئة يوجد، ولو كان الأمر به أو إليه لَكَانَ أوْلى الخلْقِ بأنْ يُؤَثِّرَ فيه كدْحُه نَفْسَه، وحيْث لم ينفعه جهدُه في سالِف أحواله لم يضرهم كيده بما توعدهم به من سوء أفعاله. اهـ.
فصل في مكايد الشيطان التي يكيد بها ابن آدم:

.قال ابن القيم:

قال الله تعالى إخبارا عن عدوه إبليس، لما سأله عن امتناعه عن السجود لآدم واحتجاجه بأنه خير منه وإخراجه من الجنة أنه سأله أن يُنْظِره، فأنظره، ثم قال عدو الله: {فَبِما أغْوَيْتَنِى لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أيْمَانهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أكْثَرهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 16- 17].
قال جمهور المفسرين والنحاة: حذف على فانتصب بالفعل. والتقدير: لأقعدن لهم على صراطك. والظاهر: أن الفعل مضمر، فإن القاعد على الشيء ملازم له، فكأنه قال: لألزمنه، ولأرصدنه، ولأعوجنه، ونحو ذلك.
قال ابن عباس: دينك الواضح وقال ابن مسعود: هو كتاب الله وقال جابر: هو الإسلام وقال مجاهد: هو الحق.
والجميع عبارات عن معنى واحد، وهو الطريق الموصل إلى الله تعالى، وقد تقدم حديث سبرة بن أبى الفاكه: «إِن الشَّيْطَانَ قَعَدَ لابْنِ آدَمَ بأَطْرُقِهِ كُلِّهَا» الحديث.
فما من طريق خير إلا والشيطان قاعد عليه يقطعه على السالك.
وقوله: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أيْديهِمْ} [الأعراف: 17].
قال ابن عباس، في رواية عطية عنه: مِن قِبَل الدنيا وفى رواية علي عنه أشككهم في آخرتهم.
وكذلك قال الحسن: من قبل الآخرة، تكذيبا بالبعث والجنة والنار.
وقال مجاهد: من بين أيديهم من حيث يبصرون.
قال ابن عباس: أرغبهم في دنياهم وقال الحسن: من قبل دنياهم أزينها لهم وأشَهيها لهم.
وعن ابن عباس رواية أخرى: من قبل الآخرة.
وقال أبو صالح: أشككهم في الآخرة وأباعدها عليهم وقال مجاهد أيضًا: من حيث لا يبصرون.
وعن أيمانهم قال ابن عباس: أشبه عليهم أمر دينهم وقال أبو صالح: الحق أشككهم فيه وعن ابن عباس أيضًا: من قبل حسناتهم.
قال الحسن: من قبل الحسنات أثبطهم عنها.
وقال أبو صالح أيضًا: من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم: أُنفِّقُه عليهم وأُرَغِّبُهم فيه.
وقال الحسن وعن شمائلهمالسيئات يأمرهم بها ويحثهم عليها ويرغبهم فيها ويزينها في أعينهم.
وصح عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: ولم يقل من فوقهم؛ لأنه علم أن الله من فوقهم.
قال الشعبي: فالله عز وجل أنزل الرحمة عليهم من فوقهم.
وقال قتادة: أتاك الشيطان يا ابن آدم من كل وجه غير أنه لم يأتك من فوقك. لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله.
قال الواحدي: وقول من قال: الأيمان كناية عن الحسنات، والشمائل كناية عن السيئات، حسن؛ لأن العرب تقول: اجعلني في يمينك، ولا تجعلني في شمالك، تريد: اجعلني من المقدمين عندك، ولا تجعلني، من المؤخرين، وأنشد لابن الدمينة:
ألُبْنَى، أفِى يُمْنَى يَديْكِ جَعَلْتِنِى ** فَأَفْرَحُ، أمْ صَيَّرْتِنِى في شِمَالِكِ

وروى أبو عبيد عن الأصمعى: هو عندنا باليمين: أي بمنزلة حسنة، وبضد ذلك هو عندنا بالشمال، وأنشد:
رَأَيْتُ بَنِى الْعَلاتِ لَمَّا تَظَافَرُوا ** يَحُوزُونَ سَهْمى بَيْنَهُمْ في الشَّمائِلِ

وحكى الأزهرى عن بعضهم في هذه الآية {لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} [الأعراف: 17]: أي لأغوينهم حتى يكذبوا بما تقدم من أمور الأمم السالفة {ومن خلفهم} [الأعراف: 17] بأمر البعث {وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} [الأعراف: 17]: أي لأضلنهم فيما يعملون؛ لأن الكسب يقال فيه: ذلك بما كسبت يداك، وإن كانت اليدان لم تجنيا شيئا؛ لأنهما الأصل في التصرف، فجعلتا مثلا لجميع ما يعمل بغيرهما.
وقال آخرون منهم أبو إسحاق والزمخشري، واللفظ لأبى إسحاق: ذكر هذه الوجوه للمبالغة في التوكيد، أي: لآتينهم من جميع الجهات، والله أعلم، أتصرف لهم في الإضلال من جميع جهاتهم.
وقال الزمخشري: ثم لآتينهم من الجهات الأربع التي يأتى منها العدو في الغالب، وهذا مثل لوسوسته إليهم وتسويله ما أمكنه وقدر عليه، كقوله: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِسَوْطِكَ وَأجْلِبْ عَلَيهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} [الإسراء: 64].
وهذا يوافق ما حكيناه عن قتادة: أتاك من كل وجه غير أنه لم يأتك من فوقك. وهذا القول أعم فائدة ولا يناقض ما قاله السلف، فإن ذلك على جهة التمثيل لا التعيين.
قال شقيق: ما من صباح إلا قعد لى الشيطان على أربعة مراصد: من بين يدي، ومن خلفى، وعن يمينى، وعن شمالي، فيقول: لا تخف فإن الله غفور رحيم، فأقرأ: {وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِمنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82].
وأما من خلفي فيخوفنى الضيعة على من أخلفه، فأقرأ: {وَمَا مِنْ دَابّةٍ في الأرْضِ إلا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} [هود: 6].
ومن قبل يميني يأتيني من قبل النساء، فأقرأ: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ} [الأعراف: 128].
ومن قبل شمالى فيأتيني من قبل الشهوات، فأقرأ: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} [سبأ: 54].
قلت: السبل التي يسلكها الإنسان أربعة لا غير، فإنه تارة يأخذ على جهة يمينه، وتارة على شماله، وتارة أمامه، وتارة يرجع خلفه، فأي سبيل سلكها من هذه وجد الشيطان عليها رصدا له، فإن سلكها في طاعة وجده عليها يُثبِّطه عنها ويقطعه، أو يعوقه ويبطئه، وإن سلكها لمعصية وجده عليها حاملا له وخادما ومعينا وممنيا، ولو اتفق له الهبوط إلى أسفل لأتاه من هناك.
ومما يشهد لصحة أقوال السلف قوله تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [فصلت: 25].
قال الكلبي: ألزمناهم قرناء من الشياطين. وقال مقاتل: هيأنا لهم قرناء من الشياطين. وقال ابن عباس: ما بين أيديهم من أمر الدنيا وما خلفهم من أمر الآخرة.
والمعنى: زينوا لهم الدنيا حتى آثروها، ودعوهم إلى التكذيب بالآخرة والإعراض عنها. وقال الكلبى: زينوا لهم ما بين أيديهم من أمر الآخرة: أنه لا جنة، ولا نار، ولا بعث، وما خلفهم من أمر الدنيا: ما هم عليه من الضلالة. وهذا اختيار الفراء.
وقال ابن زيد: زينوا لهم ما مضى من خبث أعمالهم، وما يستقبلون منها. والمعنى: على هذا زينوا لهم ما عملوه فلم يتوبوا منه وما يعزمون عليه فلا ينوون تركه.
فقول عدو الله تعالى: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْديِهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ} [الأعراف: 17].
يتناول الدنيا والآخرة، وقوله: {وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} [الأعراف: 17].
فإن ملك الحسنات عن اليمين يستحث صاحبه على فعل الخير، فيأتيه الشيطان من هذه الجهة يثبطه عنه، وإن ملك السيئات عن الشمال ينهاه عنها فيأتيه الشيطان من تلك الجهة يحرضه عليها، وهذا يفصل ما أجمله في قوله: {فَبِعزَّتِكَ لأغْوِينَّهُمْ أَجْمَعينَ} [ص: 82]. اهـ.