فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

{وَيَا آَدَمُ اسكن أَنتَ وَزَوْجُكَ الجنة} يعني: وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة {فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا} أي: من حيث أحببتما موسعًا عليكما {وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة} يعني: لا تأكلا من هذه الشجرة {فَتَكُونَا مِنَ الظالمين} فتصيرا من الضارين بأنفسكما. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزُوْجُكَ الْجَنَّةَ} يعني حواء، وفي الجنة التي أمر بسكناها قولان:
أحدهما: في جنة الخلد التي وعد المتقون، وجاز الخروج منها لأنها لم تجعل ثوابًا فيخلد فيها ولا يخرج منها.
والثاني: أنها جنة من جنات الدنيا لا تكليف فيها وقد كان مكلفًا.
{فَكُلاَ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتَمُا} يحتمل وجهين:
أحدهما: من حيث شئتما من الجنة كلها.
والثاني: ما شئتما من الثمار كلها لأن المستثنى بالنهي لمَّا كان ثمرًا كان المأمور به ثمرًا.
{وَلاَ تَقَْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} قد ذكرنا اختلاف الناس فيها على ستة أقاويل:
أحدها: أنه البُرّ، قاله ابن عباس.
والثاني: الكَرْم، قاله السدي.
والثالث: التين، قاله بان جريج. والرابع: شجرة الكافور، قاله علي بن أبي طالب.
والخامس: شجرة العلم، قاله الكلبي.
والسادس: أنها شجرة الخلد التي كانت تأكل منها الملائكة، قاله ابن جدعان، وحكى محمد بن إسحاق عن أهل الكتابين أنها شجرة الحنظل ولا أعرف لهذا وجهًا.
فإذا قيل: فما وجه نهيهما عن ذلك مع كمال معرفتهما؟
قيل: المصلحة في استدامة، المعرفة، والابتلاء بما يجِب فيه الجزاء. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزُوْجُكَ الْجَنَّةَ}
إذا أمر الإنسان بشيء هو متلبس به فإنما المقصد بذلك أن يستمر على حاله ويتمادى في هيئته وقوله تعالى لآدم: {اسكن} هو من هذا الباب، وأكد الضمير الذي في قوله: {اسكن} بقوله: {أنت} وحينئذ جاز العطف عليه وهو ضمير لا يجوز إظهاره ولا يترتب، والعطف على الضمير الملفوظ به لا يجوز إلا بعد تأكيده كقولك قمت أنت وزيد لأن الضمير بمنزلة حرف من الفعل، وهذا الضمير الذي في {اسكن} أضعف من الملفوظ به فأحرى أن لا يصح العطف عليه إلا بعد التأكيد.
وقوله: {فكلا} هو من أكل فأصله أكلا فحذفت فاء الفعل لاجتماع المثلين واستغني عن الأخرى لما تحرك ما بعدها، وحسن أيضًا حذف فاء الفعل لأنهم استثقلوا الحركة على حرف علة، وهذا باب كل فعل أوله همزة ووزنه فعل كأخذ وأمر ونحوه وكان القياس أن لا يحذف فاء الفعل ولكن ورد استعمالهم هكذا، ويقال قرب يقرب، و{هذه الشجرة} الظاهر أنه أشار إلى شخص شجرة واحدة من نوع وأرادها ويحتمل أن يشير إلى شجرة معينة وهو يريد النوع بجملته، وعبر باسم الواحدة كما تقول أصاب الناس الدينار والدرهم وأنت تريد النوع.
قال القاضي أبو محمد: وعلى الاحتمالين فأدم عليه السلام إنما قصد في وقت معصية فعل ما نهي عنه قاله جمهور المتأولين، وبذلك أغواه إبليس لعنه الله بقولك إنك لم تنه إلا لئلا تخلد أو تكون ملكًا، فيبطل بهذا قول من قال إن آدم إنما أخطأ متأولًا بأن ظن النهي متعلقًا بشخص شجرة فأكل من النوع فلم يعذر بالخطأ.
قال القاضي أبو محمد: وذلك أن هذا القائل إنما يفرض آدم معتقدًا أن النهي إنما تعلق بشجرة معينة فكيف يقال له مع هذا الاعتقاد إنك لم تنه إلا لئلا تخلد ثم يقصد هو طلب الخلود في ارتكاب غير ما نهي عنه؟ ولا فرق بين أكله ما يعتقد أنه لم ينه عنه وبين أكله سائر المباحات له.
قال القاضي أبو محمد: والهاء الأخيرة في {هذه} بدل من الياء في هذي أبدلت في الوقف ثم ثبتت في الوصل هاء حملًا على الوقف، وليس في الكلام هاء تأنيث قبلها كسرة إلا {هذه} وقرأ ابن محيصن {هذي الشجرة} على الأصل، وقوله: {فتكونا} نصب في جواب النهي.
قال القاضي أبو محمد: وتعلق الناس بهذه الآية في مسألة الحظر والإباحة، وذلك أن مسألة الحظر والإباحة تكلم الناس فيها على ضربين فأما الفقهاء فدعاهم إلى الكلام فيها أنه تنزل نوازل لا توجد منصوصة في كتاب الله عز وجل ولا في سنة نبيه ولا في إجماع، ويعتم وجه استقرائها من أحد هذه الثلاثة وقياسها على ما فيها، فيرجع الناظر بعد ذلك ينظر على أي جهة يحملها من الإجازة والمنع، فقال بعضهم إذا نزل مثل هذا فنحمله على الحظر ونأخذ فيه بالشدة ونستبرئ لأنفسنا، إذ الله عز وجل قد بين لنا في كتابه جميع ما يجب بيانه وأحل ما أراد تحليله، ولم يترك ذكر هذه النازلة إلا عن قصد فاجترامنا نحن عليها لا تقتضيه الشريعة، وقال بعضهم بل نحملها على الإباحة لأن الله عز وجل قد أكمل لنا ديننا وحرم علينا ما شاء تحريمه، ولم يهمل النص على نازلة إلا وقد تركها في جملة المباح، وبعيد أن يريد في شيء التحريم ولا يذكره لنا ويدعنا في عمى الجهالة به، فإنما نحملها على الإباحة حتى يطرأ الحظر، وقال بعضهم بل نحمل ذلك على الوقف أبدًا ولا نحكم فيه بحظر ولا إباحة بل نطلب فيه النظر والقياس أبدًا، وذلك أنّا نجد الله عز وجل يقول في كتابه {حرم عليكم} في مواضع، ويقول: {أحل لكم} في مواضع.
فدل ذلك على أن كل نازلة تحتاج إلى شرع وأمر، إما مخصوصًا بها وإما مشتملًا عليها وعلى غيرها، ولو كانت الأشياء على الحظر لما قال في شيء حرم عليكم ولو كانت على الإباحة لما قال في شيء أحل لكم.
قال القاضي أبو محمد: وهذا أبين الأقوال ولم يتعرض الفقهاء في هذه المسألة إلى النظر في تحسين العقل وتقبيحه، وإنما تمسكوا في أقوالهم هذه بأسباب الشريعة وذهبوا إلى انتزاع مذاهبهم منها، وأما الضرب الثاني من كلام الناس في الحظر والإباحة فإن المعتزلة ومن قال بقولهم إن العقل يحسن ويقبح نظروا في المسألة من هذه الجهة فقالوا نفرض زمنًا لا شرع فيه أو رجلًا نشأ في برية ولم يحسن قط بشرع ولا بأمر ولا بنهي أو نقدر آدم عليه السلام وقت إهباطه إلى الأرض قد ترك وعقله قبل أن يؤمر وينهى كيف كانت الأشياء عليه أو كيف يقتضي العقل في الزمن والرجل المفروضين، فقال بعضهم الذي يحسن في العقل أن تكون محظورة كلها حتى يرد الإذن باستباحتها، وذلك أن استباحتها تعد على ملك الغير وإذا قبح ذلك في الشاهد فهو في حق الله أعظم حرمة، وذهب بعض هذه الفرقة إلى استثناء التنفس والحركة من هذا الحظر وقالوا إن هذه لا يمكن غيرها.
قال القاضي أبو محمد: ويمكن أن يقدر الاضطرار إليها إباحة لها، وقال بعضهم: بل يحسن في العقل أن تكون مباحة إذ التحكم في ملك الغير بوجه لا ضرر عليه فيه كالاستظلال بالجدران ونحوه مباح، فإذا كان هذا في الشاهد جائزًا فهو في عظم قدر الله تعالى ووجود أجوز، إذ لا ضرر في تصرفنا نحن في ملكه، ويتعلق بحقه شيء من ذلك، وقال أهل الحق والسنة في هذا النحو من النظر، بل الأمر في نفسه على الوقف ولا يوجب العقل تحسينًا ولا تقبيحًا بمجرده يدان به، ولا يتجه حكم الحسن والقبيح إلا بالشرع، وقال بعضهم: والعقل لم يخل قط من شرع، فلا معنى للخوض في هذه المسألة ولا لفرض ما لا يقع، وذهبوا إلى الاحتجاج بأن آدم عليه السلام قد توجهت عليه الأوامر والنواهي في الجنة، بقوله تعالى له حين جرى الروح في جسده فعطس: قل الحمد لله يا آدم، وبقوله: اسكن وكل ولا تقرب ونحو هذا، وقال القاضي ابن الباقلاني في التقريب والإرشاد: إن الفقهاء الذين قالوا بالحظر والإباحة لم يقصدوا الكون مع المعتزلة في غوايتهم، ولكنهم رأوا لهم كلامًا ملفقًا مموهًا فاستحسنوه دون أن يشعروا بما يؤول إليه من الفساد في القول بتحسين العقل وتقبيحه.
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا الكلام حمل على فقهاء الشرع واستقصار لهم، والصواب أن لا يظن بهم هذا الخلل وإنما التمسوا على نوازلهم تعليق حكم الحظر والإباحة من الشرع وهم مع ذلك لا يحمل عليهم أنهم يدفعون الحق في أن العقل لا يحسن ولا يقبح دون الشرع، وقد تقدم في سورة البقرة ذكر الاختلاف في الشجرة وتعيينها. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} أي وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وذلك بعد أن أهبط منها إبليس وأخرجه وطرده من الجنة {فكُلا من حيث شئتما} يعني فكُلا من ثمار الجنة من أي مكان شئتما.
فإن قلت: قال في سورة البقرة وكلا بالواو وقال هنا فكلا بالفاء فما الفرق؟
قلت: قال الإمام فخر الدين الرازي إن الواو تفيد الجمع المطلق والفاء تفيد الجمع على سبيل التعقيب فالمفهوم من الفاء نوع داخل تحت المفهوم من الواو ولا منافاة بين النوع والجنس ففي سورة البقرة ذكر الجنس وهنا ذكر النوع {ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين} تقدم في سورة البقرة الكلام على تفسير هذه الآية مستوفى. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين} أي وقلنا يا آدم وتقدّم تفسير هذه الآية في البقرة.
إلا أن هنا فكلا من حيث شئتما وفي البقرة {وكلا منها رغدًا حيث شئتما}، قالوا: وجاءت على أحد محاملها وهو أن يكون الثاني بعد الأول وحذف رغدًا هنا على سبيل الاختصار وأثبت هناك لأنّ تلك مدنية وهذه مكية فوُفّي المعنى هناك باللفظ. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَيَا ءادَمَ} أي وقلنا كما وقع في سورة البقرة، وتصديرُ الكلامِ بالنداء للتنبيه على الاهتمام بتلقّي المأمورِ به، وتخصيصُ الخطابِ به عليه السلام للإيذان بأصالته في تلقي الوحي وتعاطي المأمور به {اسكن أَنتَ وَزَوْجُكَ الجنة} هو من السكَن الذي هو عبارةٌ عن اللَّبْثِ والاستقرارِ والإقامةِ لا من السكون الذي هو ضدُّ الحركة، وأنت ضميرٌ أُكّد به المستكنُّ ليصحَّ العطفُ عليه، والفاءُ في قوله تعالى: {فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا} لبيان المرادِ مما في سورة البقرة من قوله تعالى: {وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا} من أن ذلك كان جمعًا مع الترتيب، وقوله تعالى: {مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا} في معنى منها حيث شئتما، ولم يُذكر هاهنا {رَغَدًا} ثقةً بما ذكر هناك، وتوجيهُ الخطابِ إليهما لتعميم التشريفِ والإيذانِ بتساويهما في مباشرة المأمورِ به فإن حوّاءَ أُسوةٌ له عليه السلام في حق الأكلِ بخلاف السكنِ فإنها تابعةٌ له فيه ولتعليق النهي بها صريحًا في قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة} وقرئ {هذي} وهو الأصلُ لتصغيره على ذَيّا والهاءُ بدلٌ من الياء {فَتَكُونَا مِنَ الظالمين} إما جزمٌ على العطف أو نصبٌ على الجواب. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَيَا آَدَمُ اسكن} أي وقلنا كما وقع في سورة البقرة (53) فهذه القصة بتمامها معطوفة على مثلها وهو قوله سبحانه: {قُلْنَا للملائكة اسجدوا} [الأعراف: 11] على ما ذهب إليه غير واحد من المحققين، وإنما لم يعطفوه على ما بعد {قَالَ} [الأعراف: 18] أي قال يا إبليس اخرج ويا آدم اسكن لأن ذلك في مقام الاستئناف والجزاء لما حلف عليه اللعين وهذا من تتمة الامتنان على بني آدم والكرامة لأبيهم، ولا على ما بعد {قُلْنَا} [الأعراف: 11] لأنه يؤول إلى قلنا للملائكة يا آدم.
وادعى بعضهم أن الذي يقتضيه الترتيب العطف على ما بعد {قَالَ} وبينه بما له وجه إلا أنه خلاف الظاهر، وتصدير الكلام بالنداء للتنبيه على الاهتمام بالمأمور به، وتخصيص الخطاب بآدم عليه السلام للإيذان بأصالته بالتلقي وتعاطي المأمور به.
و{اسكن} من السكنى وهو اللبث والإقامة والاستقرار دون السكون الذي هو ضد الحركة، وقد تقدم الكلام في ذلك وفي قوله سبحانه: {أَنتَ وَزَوْجُكَ الجنة} وتوجيه الخطاب إليهما في قوله تعالى: {فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا} لتعميم التشريف والإيذان بتساويهما في مباشرة المأمور به فإن حواء أسوة له عليه السلام في حق الأكل بخلاف السكنى فإنها تابعة له فيها ولتعليق النهي الآتي بهما صريحًا، والمعنى فكلا منها حيث شئتما كما في البقرة، ولم يذكر {رَغَدًا} هنا ثقة بما ذكر هناك.
وقوله سبحانه: {وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة} مبالغة في النهي عن الأكل منها وقرئ {هذي} وهو الأصل إلا أنه حذفت الياء وعوض عنها الهاء فهي هاء عوض لا هاء سكت.
قال ابن جني: ويدل على أن الأصل هو الياء قولهم في المذكر: ذا والألف بدل من الياء إذ الأصل ذي بالتشديد بدليل تصغيره على ذيا وإنما يصغر الثلاثي دون الثنائي كما ومن فحذفت إحدى اليائين تخفيفًا ثم أبدلت الأخرى ألفًا كراهة أن يشبه آخره أخر كي.
{فَتَكُونَا} أي فتصيرًا {مِنَ الظالمين} أي الذين ظلموا أنفسهم، و{تَكُونَا} يحتمل الجزم على العطف على {تَقْرَبَا} والنصب على أنه جواب النهي. اهـ.