فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

{فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ} يعني فخدعهما يقال: ما زال فلان يدلي لفلان يعرّفُة، يعني مازال يخطّئه ويكلّمه بزخرف القول الباطل، وقال مقاتل: فزين لهما الباطل.
وقال الحسن بن الفضل: يعني تعلقهما بغرور، يقال: تدلي بنفسه ودلى غيره. ولا يكون التدلّي إلاّ من علو إلى أسفل، وقيل أصله دللهما فأبدل من إحدى اللامات ياء، كقوله: [تمطّى] و[دسّاها]، وقال أبو عبيدة: دلّيهما أخذ لهما وكلاهما من تدلين الدلو إذا أرسلتها في البئر لتملأها {فَلَمَّا ذَاقَا الشجرة} أكلا منها ووصل إلى بطنيهما {بَدَتْ} ظهرت {لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا} عوراتهما وتهافت عنهما لباسهما حتّى أبصر كل واحد منهما ما ورى عنه من عورة صاحبه وكانا لا يريان ذلك.
قال قتادة: كان لباس آدم وحوّاء في الجنّة ظفر أكله فلما واقعا الذنب كشط عنهما وبدت سوءاتهما فأستحيا {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ} يوقعان ويشدان ويمزّقان ويصلاّن {عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة} وهو ورق التين حتّى صار بهيئة الثوب ومنه خصف النعل.
وقال ابن عباس وقتادة: قال الله عزّ وجلّ لآدم: ألم يكن لك فيما أبحته ومنحته لك من الجنّة مندوحة من الشجرة، قال: على عهدي ولكن ما ظننت أن أحدًا من خلقك يحلف بك كاذبًا، قال: فبعزّتي لأُهبطنّك إلى الأرض ثمّ لا تنال العيش إلاّ نكدًا فاهبطا من الجنّة، فكانا يأكلان رغدًا إلى غير رغد من طعام وشراب، تعلم صنعة الحديد وأمر بالحرث فحرث وزرع ثمّ سقى حتّى إذا بلغ حصد ثمّ طحنه ثمّ عجنه ثمّ خبزه ثمّ أكل ثمّ بلعه حتّى بلغ منه ما شاء الله أن بلغ {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا} الآية، قال محمد بن قيس: ناداه ربّه يا آدم لم أكلت منها وقد نهيتك قال: يارب أطعمتني حواء، قال لحواء: لم أطعمتيه قالت: أخبرتني الحيّة، قال للحيّة: لِمَ أمرتيها؟ قالت: أمرني إبليس فقال الله عزّ وجلّ: أمّا إنّكِ يا حوّاء فكما أدميت الشجرة فسأُدميكِ، وأمّا أنتِ ياحيّة فاقطع قوائمك فتمشين جهتيّ الماء على وجهك وسيدفع رأسك من لقيك، وأمّا أنتَ يا إبليس فملعون مدحور. اهـ. باختصار يسير.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ}
معناه فحطهما بغرور من منزلة الطاعة إلى حال المعصية.
فإن قيل: فهل علما عند أكلهما أنها معصية؟
قيل: لا، لأن إقدامهما عليها مع العلم بأنها معصية يجعلها كبيرة، والأنبياء معصومون من الكبائر، وإنما أقدما عليها لشبهة دخلت عليهما بالغرور.
{فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا} فإن قيل:
فلم بدت لهما سوآتهما ولم تكن بادية لهما من قبل؟
ففي ذلك ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنهما كانا مستورين بالطاعة فانكشف الستر عنهما بالمعصية.
والثاني: أنهما كانا مستورين بنور الكرامة فزال عنهما بذلك المهانة.
والثالث: أنهما خرجا بالمعصية من أن يكونا من ساكني الجنة، فزال عنهما ما كانا فيه من الصيانة.
{وَطَفِقَا يخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ} في {وَطَفِقَا} وجهان:
أحدهما: قاما يخصفان، قاله ابن بحر.
والثاني: جعلا يخصفان، أي قطعان.
{مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ} وفيه قولان:
أحدهما: ورق الموز.
والثاني: ورق التين، قاله ابن عباس. اهـ.

.قال ابن عطية:

{فدلاهما بغرور}
يريد فغرهما بقوله وخدعهما بمكره.
قال القاضي أبو محمد: ويشبه عندي أن يكون هذا استعارة من الرجل يدلي آخر من هوة بحبل قد أرم أو بسبب ضعيف يغتر به فإذا تدلى به وتورك عليه انقطع به فهلك، فيشبه الذي يغر بالكلام حتى يصدقه فيقع في مصيبة بالذي يدلى في هوة بسبب ضعيف، وعلق حكم العقوبة بالذوق إذ هو أول الأكل وبه يرتكب النهي، وفي آية أخرى {فأكلا منها} [طه: 121].
وقوله تعالى: {بدت} قيل تخرقت عنهما ثياب الجنة وملابسها وتطايرت تبريًا منهما، وقال وهب بن منبه كان عليهما نور يستر عورة كل واحد منهما فانقشع بالمعصية ذلك النور، وقال ابن عباس وقتادة: كان عليهما ظفر كاسٍ فلما عصيا تقلص عنهما فبدت سوءاتهما وبقي منه على الأصابع قدر ما يتذكران به المعصية فيجددان الندم، {وطفقا} معناه أخذا وجعلا وهو فعل لا يختص بوقت كبات وظل.
و{يخصفان} معناه يلصقانها ويضمان بعضها إلى بعض، والمخصف الإشفى، وضم الورق بعضه إلى بعض أشبه بالخرز منه بالخياطة، وقرأ جمهور الناس {يَخصفان} من خصف وقرأ عبد الله بن بريدة {يخصّفان} من خصف بشد الصاد وقرأ الزهري {يُخصفان} من أخصف، وقرأ الحسن فيما روى عنه محبوب: {يَخَصِّفان} بفتح الياء والخاء وكسر الصاد وشدها، ورويت عن ابن بريدة وعن يعقوب، وأصلها يختصفان كما تقول سمعت الحديث واستمتعته فأدغمت التاء في الصاد ونقلت حركتها إلى الخاء، وكذلك الأصل في القراءة بكسر الخاء بعد هذه، لكن لما سكنت التاء وأدغمت في الصاد اجتمع ساكنان فكسرت الخاء على عرف التقاء ساكنين، وقرأ الحسن والأعرج ومجاهد {يَخِصِّفان} بفتح الياء وكسر الخاء وكسر الصاد وشدها وقد تقدم تعليلها، قال ابن عباس: إن الورق الذي خصف منه ورق التين، وروى أبيّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن آدم عليه السلام كان يمشي في الجنة كأنه نخلة سحوق، فلما واقع المعصية وبدت له حاله فرّ على وجهه فأخذت شجرة بشعر رأسه يقال إنها الزيتونة فقال لها: أرسليني فقالت ما أنا بمرسلتك، فناداه ربه أمني تفر يا آدم؟ قال لا يا رب، ولكن أستحييك، قال أما كان لك فيما منحتك من الجنة مندوحة عما حرمت عليك؟ قال بلى يا رب، ولكن وعزتك ما ظننت أن أحدًا يحلف بك كاذبًا، قال فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ثم لا تنال العيش إلا كدًّا.
قوله تعالى: {وناداهما} الآية، قال الجمهور إن هذا النداء نداء وحي بواسطة، ويؤيد ذلك أنّا نتلقى من الشرع ان موسى عليه السلام هو الذي خصص بين العالم بالكلام، وأيضًا ففي حديث الشفاعة أن بني آدم المؤمنين، يقولون لموسى يوم القيامة أنت خصك الله بكلامه واصطفاك برسالته اذهب فاشفع للناس، وهذا ظاهره أنه مخصص، وقالت فرقة بل هو نداء تكليم.
قال القاضي أبو محمد: وحجة هذا المذهب أنه وقع في أول ورقة من تاريخ ابن أبي خيثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن آدم فقال نبي مكلم، وأيضًا فإن موسى خصص بين البشر الساكنين في الأرض وأما آدم إذ كان في الجنة فكان في غير رتبة سكان الأرض، فليس في تكليمه ما يفسد تخصيص موسى عليه السلام، ويؤيد أنه نداء وحي اشتراك حواء فيه، ولم يرو قط أن الله عز وجل كلم حواء، ويتأول قوله عليه السلام «نبي مكلَّم» أنه بمعنى موصل إليه كلام الله تعالى، وقوله عز وجل: {الم أنهكما} سؤال تقرير يتضمن التوبيخ، وقوله: {تلكما} يؤيد بحسب ظاهر اللفظ أنه إنما أشار إلى شخص شجرة، {وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين} إشارة إلى الآية التي في سورة طه في قوله: {فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى} [طه: 117].
قال القاضي أبو محمد: وهذا هو العهد الذي نسيه آدم على مذهب من يجعل النسيان على بابه، وقرأ أبيّ بن كعب {ألم تنهيا عن تلكما الشجرة وقيل لكما}. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

فدلاَّهما في المعصية بأن غرَّهما.
قال ابن عباس: غرَّهما باليمين، وكان آدم لا يظن أن أحدًا يحلف بالله كاذبًا.
قوله تعالى: {فلما ذاقا الشجرة} أي: فلما ذاقا ثمر الشجرة.
قال الزجاج: وهذا يدل على أنهما إنما ذاقاها ذواقًا، ولم يبالغا في الأكل.
والسوأة: كناية عن الفرج، لا أصل له في تسميته.
ومعنى: {طفقا} أخذا في الفعل؛ والأكثر: طفِق يَطْفَقُ، وقد رويت: طفقَ يَطْفِقُ، بكسر الفاء ومعنى {يخصفان} يجعلان ورقة على ورقة، ومنه قيل للذي يرقع النعل: خصاف.
وفي الآية دليل على أن إظهار السوأة قبيح من لدن آدم؛ ألا ترى إلى قوله: {ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما} فإنهما بادرا يستتران لقبح التكشف.
وقيل: إنما سميت السوأةُ سوأةً لأن كشفها يسوء صاحبها.
قال وهب بن منبه: كان لباسهما نورًا على فروجهما، لا يرى أحدهما عورة الآخر؛ فلما أصابا الخطيئة، بدت لهما سوءاتهما. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ}
أوقعهما في الهلاك.
قال ابن عباس: غَرّهما باليمين.
وكان يظن آدم أنه لا يحلف أحد بالله كاذبًا، فغرّهما بوسَوسته وقَسمِه لهما.
وقال قتادة: حلف بالله لهما حتى خدعهما.
وقد يخدع المؤمن بالله.
كان بعض العلماء يقول: من خادعنا بالله خَدَعنا.
وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: «المؤمن غِرٌّ كريم والفاجر خِبٌّ لَئيم» وأنشد نفطويه:
إنّ الكريم إذا تَشاءُ خَدَعتَه ** وترى اللئيم مُجرِّبًا لا يُخْدَعُ

{فَدَلاَّهُمَا} يقال: أدلى دَلْوَه: أرسلها.
ودَلاّها: أخرجها.
وقيل: {دَلاَّهُمَا} أي دلّلَهما؛ من الدالة وهي الجُرْأَة.
أي جرَّأهما على المعصية فخرجا من الجنة.
قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَاقَا الشجرة بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة} فيه ثلاث مسائل:
الأولى قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَاقَا الشجرة} أي أكلا منها.
وقد مضى في البقرة الخلاف في هذه الشجرة، وكيف أكل آدم منها.
{بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا} أكلت حوّاء أوّلًا فلم يصبها شيء؛ فلما أكل آدم حلّت العقوبة؛ لأن النهي ورد عليهما كما تقدّم في البقرة.
قال ابن عباس: تقلّص النورُ الذي كان لباسهما فصار أظفارًا في الأيدي والأرجل.
الثانية {وَطَفِقَا} ويجوز إسكان الفاء.