فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لقد بدا من سياق القصة إصرار هذا العدو العنيد على ملاحقة الإنسان في كل حالة، وعلى إتيانه من كل صوب وجهة، على اتباعه في كل ساعة ولحظة:
{قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين}..
لقد اختار اللعين أن يزاول هذا الكيد، وأن يُنظر لمزاولته على المدى الطويل.. اختار هذا على أن يضرع إلى الله أن يغفر له خطيئته في معصيته عيانا وقد سمع أمره مواجهة! ثم بين أنه سيقعد لهم على طريق الله لا يمكنهم من سلوكه؛ وأنه سيأتيهم من كل جهة يصرفهم عن هداه.
وهو إنما يأيتهم من ناحية نقط الضعف فيهم ومداخل الشهوة. ولا عاصم لهم منه إلا بالتقوِّي بالإيمان والذكر والتقوِّي على إغوائه ووسوسته، والاستعلاء على الشهوات وإخضاع الهوى لهدى الله.
والمعركة مع الشيطان هي المعركة الرئيسية. إنها المعركة مع الهوى باتباع الهدى. والمعركة مع الشهوات باستعلاء الإرادة. والمعركة مع الشر والفساد في الأرض الذي يقود الشيطان أولياءه إليه باتباع شريعة الله المصلحة للأرض.. والمعركة في الضمير والمعركة في الحياة الواقعية متصلتان لا منفصلتان. فالشيطان وراءهما جميعًا!
والطواغيت التي تقوم في الأرض لتخضع الناس لحاكميتها وشرعها وقيمها وموازينها، وتستبعد حاكمية الله وشرعه والقيم والموازين المنبثقة من دينه.
إنما هي شياطين الإنس التي توحي لها شياطين الجن. والمعركة معها هي المعركة مع الشيطان نفسه. وليست بعيدة عنها.
وهكذا تتركز المعركة الكبرى الطويلة الضارية في المعركة مع الشيطان ذاته. ومع أوليائه. ويشعر المسلم وهو يخوض المعركة مع هواه وشهواته؛ وهو يخوضها كذلك مع أولياء الشيطان من الطواغيت في الأرض وأتباعهم وأذنابهم؛ وهو يخوضها مع الشر والفساد والانحلال الذي ينشئونه في الأرض من حولهم.. يشعر المسلم وهو يخوض هذه المعارك كلها، أنه إنما يخوض معركة واحدة جدية صارمة ضارية، لأن عدوه فيها مصرٌّ ماض في طريقه.. وأن الجهاد- من ثم- ماض إلى يوم القيامة. في كل صوره ومجالاته.
* وأخيرًا فإن القصة والتعقيبات عليها- كما سيجيء- تشير إلى شيء مركوز في طبع الإنسان وفطرته. وهو الحياء من التعري وانكشاف سوأته:
{فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما}.
{فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة}.
{يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوآتكم وريشًا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله}.. {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما} وكلها توحي بأهمية هذه المسألة، وعمقها في الفطرة البشرية. فاللباس، وستر العورة، زينة للإنسان وستر لعوراته الجسدية. كما أن التقوى لباس وستر لعوراته النفسية.
والفطرة السليمة تنفر من انكشاف سوآتها الجسدية والنفسية، وتحرص على سترها ومواراتها.. والذين يحاولون تعرية الجسم من اللباس، وتعرية النفس من التقوى، ومن الحياء من الله ومن الناس، والذين يطلقون ألسنتهم وأقلامهم وأجهزة التوجيه والإعلام كلها لتأصيل هذه المحاولة- في شتى الصور والأساليب الشيطانية الخبيثة- هم الذين يريدون سلب الإنسان خصائص فطرته، وخصائص إنسانيته التي بها صار إنسانًا. وهم الذين يريدون إسلام الإنسان لعدوه الشيطان وما يريده به من نزع لباسه وكشف سوآته! وهم الذين ينفذون المخططات الصهيونية الرهيبة لتدمير الإنسانية وإشاعة الانحلال فيها لتخضع لملك صهيون بلا مقاومة. وقد فقدت مقوماتها الإنسانية!
إن العري فطرة حيوانية. ولا يميل الإنسان إليه إلا وهو يرتكس إلى مرتبة أدنى من مرتبة الإنسان. وإن رؤية العري جمالًا هو انتكاس في الذوق البشري قطعًا. والمتخلفون في أواسط إفريقية عراة. والإسلام حين يدخل بحضارته إلى هذه المناطق يكون أول مظاهر الحاضرة اكتساء العراة! فأما في الجاهلية الحديثة التقدمية فهم يرتكسون إلى الوهدة التي ينتشل الإسلام المتخلفين منها، وينقلهم إلى مستوى الحضارة بمفهومها الإسلامي الذي يستهدف استنقاذ خصائص الإنسان وإبرازها وتقويتها.
والعري النفسي من الحياء والتقوى- وهو ما تجتهد فيه الأصوات والأقلام وجميع أجهزة التوجيه والإعلام- هو النكسة والردة إلى الجاهلية. وليس هو التقدم والتحضر كما تريد هذه الأجهزة الشيطانية المدربة الموجهة أن توسوس!
وقصة النشأة الإنسانية في القرآن توحي بهذه القيم والموازين الأصيلة وتبينها خير بيان.
والحمد لله الذي هدانا إليه وأنقذنا من وسوسة الشيطان ووحل الجاهلية!!!. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25)}
أخبر أنه يستقبلهم اختلافُ الأحوالِ في الدنيا، ويتعاقب عليهم تفاوتُ الأطوار، فَمِنْ عُسْرٍ ومن يُسْر، ومن خير ومن شر، ومن حياةٍ ومن موت، ومن ظَفَرٍ ومِنْ فَوْت... إلى غير ذلك من الأحوال. اهـ.

.من فوائد الشوكاني في الآيات:

قال رحمه الله:
قوله: {وَقَاسَمَهُمَا إِنّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين} أي حلف لهما فقال: أقسم قسامًا أي حلف، ومنه قول الشاعر:
وقاسمهما بالله جهدًا لأنتما ** ألذّ من السلوى إذا ما نشورها

وصيغة المفاعلة وإن كانت في الأصل تدلّ على المشاركة، فقد جاءت كثيرًا لغير ذلك.
وقد قدّمنا تحقيق هذا في المائدة، والمراد بها هنا المبالغة في صدور الأقسام لهما من إبليس.
وقيل: إنهما أقسما له بالقبول، كما أقسم لهما على المناصحة، قوله: {فدلاهما بِغُرُورٍ} التدلية والإدلاء: إرسال الشيء من أعلى إلى أسفل، يقال أدلى دلوه: أرسلها، والمعنى: أنه أهبطهما بذلك من الرتبة العلية إلى الأكل من الشجرة.
وقيل معناه: أوقعهما في الهلاك.
وقيل: خدعهما، وأنشد نفطويه:
إن الكريم إذا تشاء خدعته ** وترى اللئيم مجربًا لا يخدع

وقيل معنى: {دلاهما} دللهما من الدالة، وهي الجرأة، أي جرأهما على المعصية، فخرجا من الجنة.
قوله: {فَلَمَّا ذَاقَا الشجرة بَدَتْ لَهُمَا سوآتِهِما} أي لما طعماها ظهرت لهما عوراتهما، بسبب زوال ما كان ساترًا لهما، وهو تقلص النور الذي كان عليها.
وقد تقدّم في البقرة، قوله: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة} طفق يفعل كذا، بمعنى شرع يفعل كذا.
وحكى الأخفش: طفق يطفق مثل ضرب يضرب أي شرعا أو جعلا يخصفان عليهما.
قرأ الحسن {يخصفان} بكسر الخاء وتشديد الصاد، والأصل يختصفان، فأدغم وكسرت الخاء لالتقاء الساكنين.
وقرأ ابن بريدة ويعقوب بفتح الخاء.
وقرأ الزهري {يخصفان} من أخصف.
وقرأ الجمهور {يخصفان} من خصف.
والمعنى: أنهما أخذا يقطعان الورق ويلزقانه بعورتهما ليستراها، من خصف النعل: إذا جعله طبقة فوق طبقة {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا} قائلًا لهما: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشجرة} التي نهيتكما عن أكلها، وهذا عتاب من الله لهما وتوبيخ، حيث لم يحذرا ما حذرهما منه {وَأَقُل لَّكُمَا} معطوف على {أنهكما} {إِنَّ الشيطان لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ} أي مظهر للعداوة.
قوله: {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} جملة استئنافية مبنية على تقدير سؤال كأنه قيل فماذا قالا؟ وهذا منهما اعتراف بالذنب، وأنهما ظلما أنفسهما مما وقع منهما من المخالفة، ثم قالا: {وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين}.
وجملة {قَالَ اهبطوا} استئناف كالتي قبلها، والخطاب لآدم وحواء وذريتهما، أو لهما ولإبليس، وجملة {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} في محل نصب على الحال {وَلَكُمْ في الأرض مُسْتَقَرٌّ} أي موضع استقرار ولكم {متاع} تتمتعون به في الدنيا، وتنتفعون به من المطعم والمشرب ونحوهما {إلى حِينٍ} أي إلى وقت، وهو وقت موتكم.
وجملة {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} استئنافية كالتي قبلها، أي في الأرض تحيون، وفيها يأتيكم الموت، ومنها تخرجون إلى دار الآخرة، ومثله قوله تعالى: {مِنْهَا خلقناكم وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أخرى} [طه: 55] واعلم أنه قد سبق شرح هذه القصة مستوفى في البقرة فارجع إليه.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن محمد بن كعب، في قوله: {فدلاهما بِغُرُورٍ} قال: مناهما بغرور.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي شيبة، عن عكرمة قال: لباس كل دابة منها، ولباس الإنسان الظفر، فأدركت آدم التوبة عند ظفره.
وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ وابن مردويه، والبيهقي، وابن عساكر، عن ابن عباس، قال: كان لباس آدم وحواء كالظفر، فلما أكلا من الشجرة لم يبق عليهما إلا مثل الظفر {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة} قال: ينزعان ورق التين، فيجعلانه على سوآتهما.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: لما أسكن الله آدم الجنة كساه سربالًا من الظفر، فلما أصاب الخطيئة سلبه السربال، فبقي في أطراف أصابعه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عنه، نحوه من طريق أخرى.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن أنس بن مالك، قال: كان لباس آدم في الجنة الياقوت، فلما عصى قلص فصار الظفر.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد في قوله: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ} قال: يرقعان كهيئة الثوب.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن السديّ {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشجرة} قال آدم: ربّ إنه حلف لي بك، ولم أكن أعلم أن أحدًا من خلقك يحلف بك إلا صادقًا، وأخرج عبد بن حميد، عن الحسن {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} الآية قال: هي الكلمات التي تلقى آدم من ربه.
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك مثله. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {ولقد خلقنا} أرواحكم {ثم صورناكم} أي خلقنا لأرواحكم أجسادًا كما جاء في الحديث «إن الله خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي ألف عام» ولتصوير الأجساد بداية وهي قوله: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم} [الأعراف: 172] فإن لفظ الذرية يقع على المصورين ووسط {يصوركم في الأرحام كيف يشاء} [آل عمران: 6] ونهاية هي حالة الكهولية في الأغلب {ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} وأنتم في صلبه وهذا من التمكين أيضًا {فسجدوا} لاستعدادهم الفطري للسجود ولائتمارهم لأمر الله: {إلا إبليس لم يكن} من المستعدين للسجود لما فيه من الاستكبار الناري {قال ما منعك} خطاب الامتحان لجرم إبليس ليظهر به استحقاقه اللعن فإنه لو كان ذا بصيرة لقال في الجواب منعني تقديرك وقضاؤك ولكنه كان أعور العين اليمنى بصيرًا بالعين التي رأى بها أنانيته فقال: {أنا خير منه} أي منعني خيريتي من أن أسجد لمن هو دوني، واستدل على خيريته بأنه خلق من نار وهي علوية نورانية لطيفة وآدم خلق من طين وهو سفلي ظلماني كثيف.